لجريدة عمان:
2024-11-22@07:15:38 GMT

من أروقة مختبرات «دكتور ريديز»

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

هناك مقولة مشهورة للمستشار الإداري، بيتر دراكر مفادها أن «الثقافة المؤسسية تأكل الاستراتيجية على الإفطار»، هذا الاقتباس يُستشهد به في سياق الأهمية الكبيرة للثقافة التمكينية بوصفها أحد أقصر الطرق للنجاح، ولكن هل يمكن أن نتخيل مقاربة أخرى؟ بالتأكيد نعم! يمكننا مثلا أن ننظر إلى الثقافة المؤسسية وكأنها الهواء الذي لا نراه بأعيننا، ولكنه يحيط بنا في كل اتجاه، وهو شريان الحياة؟ ولكن ما هي الوسيلة لتأصيل ثقافات عمل مرنة، ومبتكرة، حيث تتحول إنتاجية العمل من واجبات مفروضة من قيادة المؤسسة، إلى هدف فردي لكل موظف، وغاية مشتركة؟ في البدء دعونا نفكر بعمق في تعريف الثقافة المؤسسية التي عليها تقوم العمليات والممارسات، نجد أن الأدبيات الإدارية قد عرفت هذه الثقافة بأنها التي تتشكل بتأثير ستة عناصر تشمل القصص المؤسسية، والروتين، والرموز، والهيكل التنظيمي، والضوابط، وأنظمة التحكم والصلاحية، وهي أعقد بكثير من توقعاتنا، فالعلاقات البينية بين هذه العناصر عميقة، وغير مباشرة، وإذا أضفنا للمعادلة الأحداث، والشخصيات المتعاقبة على إدارة المؤسسة يصبح المشهد أكثر تعقيدا، فما نراه اليوم سلوكا إيجابيا قد يصير تصرفا مرفوضا في زمن آخر، وفي سياق مغاير، حتى الهيكل التنظيمي الذي يمثل القالب الرسمي للمؤسسة، لا يعد المركزية الوحيدة، فهناك هياكل قوى أخرى غير مرئية، وهي القوة الاجتماعية للثقافة المؤسسية، وهي تمثل مساحات التفاعل، والتقاطع بين الثقافة الواقعية، وافتراضات الحلم المنشود، مؤكدة بذلك أن الثقافة المؤسسية مجزأة.

وبذلك فإنه بالنسبة للمؤسسات التي تسعى جديا لأن تصبح أكثر تكيفا، وابتكارا، غالبا ما يكون تغيير الثقافة هو الجزء الأكثر تحديا في عملية التحول، لأن الابتكار يتطلب تبني سلوكيات جديدة، وقد تتعارض تماما مع الثقافات التي اعتاد عليها المجتمع الوظيفي، وتنشأ المقاومة حينما يأتي الفكر الابتكاري بمبادرات غير مسبوقة في التعاطي مع التحديات كفرص استراتيجية للنمو، والتطور، وتحقيق الكفاءة التشغيلية، وهذا ما يزيد الأمر صعوبة، لأن التحول لا يمكن تحقيقه من خلال نهج «التفويض من أعلى إلى أسفل الهيكل التنظيمي»، فقائد العمل لديه صلاحيات تُمكنّه من مطالبة الموظفين بالامتثال لتطبيق منهج عمل جديد، لكنه لا يستطيع بكل صلاحيته أن يملي عليهم التفاؤل، أو الثقة، أو الرغبة في الإبداع، لأن الدوافع التي تحول دون الإقبال على دعم جهود التغيير ليست في العمليات المؤسسية، لكنها عميقة في نفوس، وأذهان الموظفين، وتنعكس في أحاديثهم، وسلوكهم، وعاداتهم الجماعية، وفي تصورهم المشترك حول الجزء المحوري للتغيير وهو «لماذا يجب أن نتخلى عن روتين عملنا، ونبدأ بمنهج جديد»؟ إذن مسارات التغيير يجب أن تبدأ من تهيئة العامل البشري، ثم السعي لإضفاء الطابع المؤسسي على المعايير المجتمعية الجديدة، أحد قادة العمل الذين يفهمون هذا جيدا هو جي. في. براساد، الرئيس التنفيذي لشركة دكتور ريديز العالمية للأدوية Dr Reddy›s، والتي تتخذ مقرها الرئيسي في الهند، وتنتج الأدوية والعقاقير ذات الاستخدام العام وبأسعار معقولة، حققت الشركة في بداياتها نجاحات ساحقة، ثم بدأت في التوسع التدريجي حتى أكملت سبع وحدات للأعمال متوزعة في (27) دولة، وبلغ العدد الإجمالي للموظفين أكثر من (20,000) موظفا وموظفة، حينها أصبحت عملية صنع القرار أكثر تعقيدا، وتنوعت الثقافات المؤسسية، واختلفت عن الثقافة الأم التي نشأت في المقر الرئيسي في الهند، فأصبحت فروع الشركة غير متوافقة، لجأت شركة دكتور ريديز إلى بناء الكثير من الإجراءات الجديدة، وأدخلت تغييرات متلاحقة، لكنها لم تجدِ نفعا، بل على العكس من ذلك أدت إلى تباطؤ الشركة، وأصبح الرئيس التنفيذي جي. في. براساد أمام معضلة كبيرة، ففشلُ التدخلات التي قامت بها الشركة ينبئ بوجود مشكلة عميقة، وكثرة المحاولات بدأت تتسبب في ظهور مشكلات جانبية إضافية لم تكن ظاهرة في المشكلة الأساسية، وبذلك فإن الاستمرار في طريقة التعامل مع هذه الحالة المصيرية كان يجب أن يتغير، ولكن كيف؟ قبل أن نتعرف على منهج وفكر الرئيس التنفيذي في إنقاذ الشركة التي كانت تواجه مخاطر التفكك، دعونا أولا نتعرف على شخصية المهندس جي. في. براساد، الذي كان حينها على رأس شركة على حافة الانهيار، وهو لم يكن سوى رجل أعمال دخل عالم ريادة الأعمال بدافع من شغفه في البحث عن الابتكار والتجديد، كان يحمل درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من كلية ألاجابا للتكنولوجيا في الهند، ومعهد إلينوي للتكنولوجيا في شيكاغو التي أكمل فيها الفصول الثلاثة المتبقية من دراسته في الهند، تابع براساد دراسة الماجستير في إدارة الأعمال الصناعية في جامعة بوردو، وعاد ليعمل في قطاع المقاولات والتشييد في شركة والده، وبعد سنوات شارك في تأسيس شركة بنزوكس لابز Benzex Labs، لتصنيع العقاقير، والتي استحوذت عليها لاحقا شركة دكتور ريديز، وصعد براساد في سلم العمل حتى وصل إلى منصب رئيس مجلس الإدارة المشارك، والمدير الإداري لها، عرف براساد طوال مسيرته المهنية بتركيزه على الاحترافية، والجودة، وتبني التجديد والابتكار.

تعالوا نقف على خطة عمل المهندس جي. في. براساد، قرر توحيد ثقافة مختبرات دكتور ريديز لتكون ذكية، ومبتكرة، ومتمحورة حول خدمة المريض، هو أدرك بأن الأمر يتطلب رحلة طويلة من الصبر لمواءمة تطلعات الموظفين، وتحفيزهم نحو هدف مشترك، كلف فريقه في مستوى الإدارة العليا بالبحث عن هذا الهدف المشترك الذي يمكنه أن يمد خيوط الاتحاد بين منتسبي الشركة داخل، وخارج الهند، وعلى مدار عدة أشهر من العمل المستمر، ومع وجود المقاومة السلبية، تمكن الفريق من الاجتماع بالجميع، بدءا من العاملين في المصانع، وخطوط الإنتاج، وحتى العلماء، والباحثين، والشركاء الخارجيين، والمستثمرين، تمكن الفريق من تحديد، واستخلاص هدف الشركة في أعمق مفاهيمه، وهي تقديم فرصة الشفاء، والحياة اللائقة للذين يعانون من آلام المرض، وزرع الأمل لمن يواجهون احتمال فقد أحبائهم بالمرض، وتم تقليص هذا الهدف الإنساني السامي، والنبيل إلى أربع كلمات بسيطة وهي: «الصحة الجيدة لا تنتظر».

لا بد أنكم الآن تتخيلون هذا الشعار اللفظي مطبوعا على الملصقات التحفيزية، ويتم تكراره في الاجتماعات الدورية، ويتصدر أخبار الشركة في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ما حدث كان مختلفا جدا، وجه المهندس براساد بأن يبدأ الاستخدام الرسمي للشعار بشكل تدريجي دون ضجيج إعلامي، كانت فلسفته هي أن تنجح الشركة أولا هو إظهار هذه الفكرة على أرض الواقع، وليس الحديث عنها، جاءت المرحلة التي أعقبت اعتماد هدف الشركة مليئة بالحراك الاستراتيجي، تم التركيز على تجويد المشروعات الإنتاجية التي تعكس المرونة، والابتكار، والتركيز على المستفيدين، قامت الوحدات المعنية بضمان الجودة بتنفيذ مبادرات إعادة تصميم عبوة المنتج لتكون أكثر سهولة في الاستخدام بناء على ملاحظات سابقة من المستهلكين، والتي لم يلتفت إليها أحد في الماضي، وكذلك تمت إعادة صياغة دور مندوبي المبيعات ليكونوا أكثر تطورا من الناحية العلمية، مما يعزز الصورة الخارجية لشركة تُعنى بصحة وحياة الناس، وليست شركة استهلاكية تسعى لترويج منتجاتها، ولم تغفل إدارة براساد عن دور التطوير الإلكتروني والرقمي، فتم إنشاء منصات للبيانات الداعمة للاستجابة لطلبات المتعاملين، والشركاء بطريقة سريعة، وفاعلة.

وعندما حان الوقت للإعلان عن هدف الشركة، طلبت الشركة من جميع الموظفين حضور حفل التدشين، وطُلب منهم تقديم وعد شخصي حول التزامهم بدعم هدف الشركة نحو «الصحة الجيدة التي تنتظر»، وفي اليوم التالي، كشف المهندس براساد للعالم عن هوية العلامة التجارية الجديدة، والموقع الإلكتروني لشركة مختبرات دكتور ريديز، وبعد فترة وجيزة من هذا الإعلان، أنشأت الشركة وحدتين في حيدر أباد، ومومباي تحت مسمى «استوديو الابتكار»، لتقديم دعم هيكلي إضافي لجهود الإبداع داخل الشركة، وبذلك تغيرت ثقافة الشركة كليا، وارتفعت الإنتاجية بشكل كبير، وسجلت مختبرات ريديز سبقا تاريخيا بتطوير منتج خلال (15) يوما فقط، وقد كان نفس هذا المنتج يستغرق شهورا من العمل، وصرح قائد فريق التطوير قائلا بفخر: كان لا بد لنا من إكمال العمل، لأن صحة المريض لا يجب أن تنتظر.

عندما يتعلق الأمر بتغيير الثقافة المؤسسية، فإن مجرد شرح الحاجة إلى التغيير لن يفي بالغرض، إنما يجب خلق شعور مشترك بالإلحاح لجعل هذا التغيير واقعاَ، مع الإدراك بأنه من الحكمة التريث في الإعلان عن التحولات المستقبلية، وتسليط الضوء على النتائج الواقعية، بتأطير التغيير في أهداف مركزة ومتاحة لجميع منتسبي المؤسسة، وتخصيص مساحات صغيرة لإعادة إنتاج التوجهات والسلوكيات الداعمة للتغيير، لتكون بمثابة المحفزات الذاتية، وحاضنات للتحول المنشود.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الهند یجب أن

إقرأ أيضاً:

أبرزها غياب عبد اللطيف عبد الحميد.. مخرج «سلمى» يكشف عن الصعاب التي واجهها خلال العمل

أهدى مخرج وأبطال فيلم «سلمى»، المشارك في مسابقة آفاق السينما العربية، التي أقيمت على هامش فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 45، العمل لروح الفنان عبد اللطيف عبد الحميد.

وأعرب المخرج جود سعيد، خلال كلمته على هامش الندوة التي نظمها المهرجان لصناع وأبطال الفيلم «سلمى»، عن مدى افتقاده للفنان الراحل عبد اللطيف عبد الحميد، قائلًا: إنه في هذه اللحظة يرى أمامه المخرج الراحل الكبير عبد اللطيف عبد الحميد، الذي يهدي لروحه الفيلم.

أما عن الصعاب التي واجهها خلال عمله على فيلم «سلمى»، فأوضح أن وقت المونتاج كان صعب عليه جدا بسبب وجود الراحل بالفيلم وهو غائب، أما الشق الثاني تمثل في الحكاية التي تحكى قصة سلمى «فكان من الصعب جدا أن أخلق إيقاع يعبر عن فرد يحاول أن يدافع عن كرامته في زمن أصبح الحيتان الكبيرة والمستفيدين من الحرب مسيطرين على الأوضاع، فكانت مهمتنا أن نوصل للناس رسالة أنه بدون كرامة لن يقوم مجتمعنا.. فالفيلم يطرح شيء مهم جدًا، وهو أن الهوية السورية يجب أن يعاد بنائها على أسس مختلفة»، وفيما يخص التمثيل، فأكد أن شهادته مجروحة لأنه مغرم بتمثيل سولاف فواخرجي.

ومن جانبها أعربت سولاف فواخرجي، عن سعادتها بالتعاون مع صناع وأبطال فيلم سلمى، فضلا عن تواجدها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مشيرة إلى أن سعادتها تكمن في مشاركة صناع الفيلم مشاهدة العمل مع الجمهور المصري، الذى دائما وأبدا على الرأس.

أعربت فواخرجي، عن تمنيها أن يكون الفيلم وصل للجمهور عن طريق الصوت والصورة والموسيقى التصويرية، والمجهود الذي بذله كل صناع الفيلم.

أحداث فيلم «سلمى»

وتدور أحداث الفيلم، حول سيدة تدعى «سلمى» حيث تفقد زوجها بعد الزلزال في سوريا، وتنتظر عودته لمدة طويلة جدا، ولا تستطيع العيش بشكل طبيعي أثناء فرتة غيابه، بالرغم من أنها تعتبر من بطلات الزلزال لإنقاذها عدد من الأشخاص والأطفال، بعد وقوع الزلزال ولكنها طوال الفيلم تحاول أن تبحث عن البيت والكرامة والأمن.

اقرأ أيضاًبعد تألقها في التمثيل.. هل تعتزل «سيلينا جوميز» الغناء؟

ياسمين عز: الست الأصيلة لازم تطبل لجوزها.. وتنبهر بكل ما يفعله

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة: ليس دفاعاً عن وليد جنبلاط بقدر ما هو دفاعٌ عن لبنان من الفتن التي تحاك
  • «موارد الشارقة» تناقش الثقافة المؤسسية الوظيفية
  • السيد بلعرب يرعى انطلاق فعاليات «رنين» الفنية في أروقة ولاية مطرح
  • أبرزها غياب عبد اللطيف عبد الحميد.. مخرج «سلمى» يكشف عن الصعاب التي واجهها خلال العمل
  • رئيس الشركة القابضة للمياه يتفقد سير العمل بمحطة مياه 30 يونيو بالوادي الجديد
  • «الثقافة» تنظم أكثر من 300 فعالية على مستوى الجمهورية احتفالا بأعياد الطفولة
  • وزارة الثقافة تنظم أكثر من 300 فعالية ثقافية وفنية بأنحاء الجمهورية احتفاء بأعياد الطفولة 
  • ترامب يعيّن النجم التلفزيوني دكتور أوز في منصب صحي
  • وزير الثقافة الجديد يباشر مهامه بأول إجتماع
  • إجبار اللاجئين في ألمانيا على العمل.. ما العوامل التي تؤثر في تنفيذ القانون؟