لجريدة عمان:
2025-03-20@03:20:31 GMT

مرافئ بعيدة

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

مرافئ بعيدة

هل يمكن اعتبار أن السفر، قد أدّى، في العصر الحديث، «بشكل واضح» وجليّ إلى إدخال «زخارف الترحل والرحلات» في قلب الإبداع الأدبي؟ كيف يمكن إنشاء مثل هذا الارتباط بين الأدب والسفر؟ وإذا افترضنا أن الأمر كذلك، فكيف يمكننا أن نفسر إصرار المفكر والكاتب الفرنسي «لابرويير»، وبصرامة، على ضرورة استعادة رحلاته كتابة، وهو يسخر من أولئك الذين يقومون برحلات طويلة بدافع الاهتمام أو الفضول، «لكنهم لا يكتبون عنها مذكرات أو ملاحظات.

.. الذين يذهبون ليروا ولا يرون، أو ينسوا ما رأوه؛ الذين يريدون فقط معرفة أبراج جديدة وأجراس جديدة، وعبور أنهار غير نهري «السين» أو «اللوار»؛ الذين يغادرون وطنهم ليعودوا إليه، الذين يحبون الغياب، ويريدون العودة من البعيد يومًا ما»؟ في الحقيقة، لم يكن بوسع كاتب القرن السابع عشر العظيم أن يعارض التجوال الحرّ إلا لأنه ربط بين السفر والكتابة من منظور أخلاقي. ربما، وفقًا للمبادئ الرواقية الجديدة التي كانت تدعم حجته، من هنا ربط السفر ربطًا وثيقًا بالمعرفة بقدر ما ربطه بالكتابة التي يستمد منها سبب وجوده.

بدا هذا المنظور الغربي الذي تحدث عنه لابرويير جديدا في زمنه، لكنه في الواقع كان قديما فيما لو قارناه بالتاريخ العربي؛ تجربة السفر والكتابة، ليست وليدة العصر الحديث بالطبع، ولا وليدة القرن السابع عشر الأوروبي؛ إذ عرف العرب هذه الخاصية الكتابية منذ القِدم، وأولوها عناية وأهمية خاصتين. لنأخذ على سبيل المثال رحلة السيرافي البحرية إلى المحيط الهندي (القرن الثالث للهجرة)، ورحلة سلام الترجمان إلى جبال القوقاز، بعد أن كلفه بذلك الخليفة العباسي الواثق، لكي يبحث عن سدّ يأجوج ومأجوج (عام 277 للهجرة). وبالطبع، لا يمكن أن ننسى المسعودي (مروج الذهب) والمقدسي (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) والإدريسي (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، ولا تستقيم اللائحة من دون أن نذكر ابن بطوطة، وابن طفيل... واللائحة تطول فعلا.

حول الكتابة والسفر في عصرنا، رأى الشاعر والروائي الفرنسي ميشال بوتور -(أحد كتّاب ومنظري تيّار «الرواية الجديدة»)- في دراسة له بعنوان «السفر والكتابة»، أن ثمة اتصالا كثيفا بين الرحلات التي قام بها وبين كتاباته. فالسفر، بالنسبة إليه، هو الكتابة، كما أن الكتابة هي سفر. ويضيف أنه سافر دائما «للكتابة، وذلك، ليس فقط للعثور على مواضيع أو مواد أو أدوات، مثل أولئك الذين يذهبون إلى البيرو أو الصين لحضور مؤتمرات ولكتابة مقالات صحفية... ولكن لأن السفر بالنسبة إليّ، على الأقل السفر بطريقة معينة، يعني الكتابة (وقبل كل شيء لأنه يعني القراءة)، والكتابة هي السفر»... فمثلما هو معروف عنه، كان بوتور يشكل جزءا من «جائعي الآفاق» (التعبير للشاعر الفرنسي جان أوريزيه)، جزءا من هؤلاء «الشرهين» الباحثين دوما عن «خارج ما»، عن «مكان آخر»، عن «هروب ما» حتى أن جزءا ليس بقليل من أدبه، كان مخصصا للحديث عن السفر والرحلات.

وقبل بوتور بقرنين تقريبا، أجاد الفيلسوف والكاتب الفرنسي، باسكال، حين قال لنا إن مآسي الإنسان تتأتى من شيء واحد، وهو «عدم قدرته على الإقامة في غرفة واحدة كي يرتاح». عديدون هم الشعراء والكتّاب الذين برهنوا عن حاجتهم إلى الذهاب واكتشاف العالم، كما برهنّوا عن انجذابهم ولذتهم في ذلك. قد تجدر الإشارة هنا، إلى أن كلّ «تسكع» (أو سفر أو رحلة) يحتوي على نصيبه من الغموض والإبهام والالتباس. فعلى سبيل المثال، نجد الشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير، يطالب في قصيدته «الدعوة إلى السفر» بأن «نذهب ونعيش هناك... لنحبّ ونموت، في البلاد التي تشبهنا». بينما نجد أن مواطنه، الشاعر فيكتور سيغالين بعد عقود عديدة -قد حوّل «السفر إلى البعيد» إلى «سفر في أعماق الذات» لأننا نهرب ونرحل في أحيان كثيرة، كي نعود ونجد أنفسنا بشكل أفضل. كذلك نسافر ونتنقل؛ كي تزداد علاقتنا مودّة، مع الأشياء المحيطة بنا، وربما كان شعر العراقي الراحل سعدي يوسف خير دليل على ذلك، وهو الذي لم يتوقف عن تغيير مكان إقاماته، للبحث عن آفاق جديدة لنصه، ذاتية بالدرجة الأولى. بهذا المعنى أيضا، يقع جزء من تجربة الشاعر العماني سيف الرحبي الكتابية، وهي التي لم تتوقف عن مساءلة الأمكنة التي يذهب إليها، ليعيد صوغها في تماسها معه، من خلال نظرته الخاصة.

لكن يحدث أحيانا، أن يحتوي السفر والرحلات، تبريرهما الخاص، ليصبحا في النهاية، غاية بحدّ ذاتهما. ربما من هذه الزاوية، نقرأ رحلات السندباد البحري، الذي لم يكن يتوقف عند نقطة معينة، ليغادر بعدها إلى أفق جديد. ويمكن لنا بالطبع، أن نعتبر أن أحد الأمثلة «الفاقعة» على هذه الفكرة، نجده عند عوليس، الذي يشكل في واقع الأمر، المثال النموذجي، المطلق، لهذا كله. ففي نهاية الأوديسة، وبعد عودته إلى إيثاكا، يتراءى لنا، كم كان مستعدا «لتذوق أنعم أشكال النعاس»، بصحبة بينيلوب، لكنه لم يفعل: لقد فهم عوليس أن عليه الرحيل مجددا والذهاب من مدينة إلى أخرى وعلى كتفه المجذاف المصقول، بانتظار قدوم مسافر آخر التقى به عند أناس لا يعرفون البحر إذ سألوه لماذا يحمل هذه الخشبة على ظهره. لكن عوليس أيضا، كان مشدودا لتسجيل رحلاته، ألم يأخذ معه هوميروس ليكتب ذلك كله؟

ربما، بمعنى من المعاني، علينا أحيانا، أن ندخل إلى الأدب والشعر من خلال هذه الزاوية. أي أن تكون الكتابة إبحارا صوب مرافئ بعيدة، بحثا عن علاقاتنا بذواتنا، أو، بحثا... عن لا شيء. من هنا، ربما علينا أن نتخيل عوليس سعيدا، لا على طريقة الشاعر جواشيم دوبيلاي في «سعيد، من هو مثل عوليس» قصيدته الشهيرة الذي يقول فيها ما معناه، «عاد مليئا باللباقة والعقل، ليحيا بين أهله ما تبقى له من عمر». كلا، علينا أن نتخيل عوليس سعيدا، مثل سيزيف الذي رسمه البير كامو، لأنه كان مستعدا للاضطلاع بمصيره، كواحد من هؤلاء المغتربين، السائحين الأبديين. كان على عوليس أن يخترع حياته بلا توقف، حتى لتصبح إبداعه، ذاته، قصيدته.

من هنا، يبقى العجوز هوميروس ساحر الرحلات أكثرنا شبابا وأكثرنا حياة. فإيثاكا ربما غير موجودة. وعلينا البحث عنها دائما. على الأقل يمكن للكتابة أن تفعل ذلك.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إعلان الفائزين بمسابقة النخلة بألسنة الشعراء

أعلنت الأمانة العامة لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، أسماء الفائزين بمسابقة "النخلة بألسنة الشعراء" بدورتها التاسعة 2025 التي تنظمها برعاية كريمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس أمناء الجائزة. 
وجاءت النتائج على النحو التالي .. الفئة الأولى "الشعر الفصيح" فاز بالمركز الأول الشاعر محمد خيري الإمام جبر، عن قصيدته "الباسقات"، فيما جاء بالمركز الثاني الشاعر محمد الأمين أحمد عبد عن قصيدته "يا أخت مريم"، أما المركز الثالث فكان من نصيب الشاعرة آلاء نعيم علي القطراوي عن قصيدتها "نزوح النخيل".

الفئة الثانية الشعر النبطي جاء بالمركز الأول الشاعر محمد عبد الله الزعبي عن قصيدته "قصة كفاح" ، فيما حل ثانيا الشاعر علي محمد سيف صالح المزروعي عن قصيدته "نخلة الخير"، وفازت بالمركز الثالث الشاعرة دنيا زياد خليل القيسي عن قصيدتها "بنت الصحاري".
وبلغ عدد المشاركين في المسابقة بدورتها التاسعة 698 شاعرًا وشاعرة من 23 دولة، حيث نظموا قصائدهم في فئتين الأولى للشعر الفصيح والثانية للشعر النبطي في حب النخلة وفضلها وأثرها.

أخبار ذات صلة نهيان بن مبارك يشيد برسالة «راجاديراج» الإنسانية نهيان بن مبارك: تعزيز الهوية الوطنية ركيزة أساسية لنمو المجتمع

وقال الدكتور عبد الوهاب زايد أمين عام الجائزة، إن نتائج تقييم الأعمال الشعرية قد تمت من قبل لجنة تحكيم متخصصة ضمت الشاعر والإعلامي عيضة بن مسعود والشاعر والإعلامي حمدان بن صروخ الدرع ، والشاعر والناقد سامح أحمد كعوش.
وأوضح أن منهجية التحكيم تعتمد على تقييم مستوى الشعراء بناءً على المعايير الجمالية والبلاغية، مثل الابتكار والجدة في الوصف والفكرة وإثراء الموضوع والصور البيانية، إضافة إلى المعايير اللغوية والنحوية والموسيقية مثل الوزن والقافية.

وتهدف مسابقة "النخلة بألسنة الشعراء"، إلى تعزيز الوعي بأهمية شجرة نخيل التمر من الناحية التراثية والزراعية والغذائية والاقتصادية، كما تسعى إلى إحياء دور الشعر في وصف شجرة النخيل، ورصد إبداعات الشعراء في هذا المجال، وتقديم فرص تنافسية شفافة للمشاركين، مع تسليط الضوء على تجارب الشعراء الفائزين في المسابقة.
 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • مفتي عمان :نحيي أبطال اليمن المغاوير الذين قالوا فصدقوا، وتوعدوا فنفذوا
  • نجم سعد السعود
  • الشارقة تحتفي بـ"اليوم العالمي للشعر"
  • التنمر وآثاره بعيدة المدى على الطلاب
  • تعرّف على أبرز قادة حماس الذين اغتالهم الاحتلال بعد خرق الهدنة (إنفوغراف)
  • عمر الأميري.. شاعر الإنسانية المؤمنة
  • نجم الشولة
  • من أبرز قادة حماس الذين قُتلوا في الضربات الإسرائيلية على غزة
  • إعلان الفائزين بمسابقة النخلة بألسنة الشعراء
  • نجم الهنعة