نوافذ :هل فارقتنا السعادة؟
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
في هذا العصر بتنا نمتلك ما لم يمتلكه قارون في ملكه الواسع، ونترف في أثواب العز والجاه ما لم يترفه قيصر في عصره، وننحت من البيوت والقصور ما لم تستطع عليه ثمود ومَن جاء بعدها من نحت الجبال وتسويتها للسكنى، وبلغنا من مراتب المُلك والترف ما لم تبلغه أمم قبلنا، ومع هذا النعيم كله إلا أن السعادة غادرت الكثيرين منا وتلاشى الفرح والسرور من قلوب البعض وبات إنسان هذا الزمان بقدر ما ينعم به من ملذات لم تتَح لمَن قبله من الأمم إلا أنه صار حزينا بائسا يائسا لا يجد للفرح بابا أو نافذة يطل منها وإن أتته السعادة فهي قصيرة لا يستطيع الاستمتاع بها وسرعان ما ينقلب على عقبه ليعود إلى سيرته في الشقاء والحزن.
في كتابه «خراب: كتاب عن الأمل» يتحدّث مارك مانسون مؤلف كتاب «فن اللامبالاة» عن موضوع السعادة والأمل في واقعنا المعاصر ليُثير تساؤلا عما يجعل الناس تشعر بالقلق والتعاسة أكثر من السعادة على الرغم من أن الحياة صارت أكثر يُسرا وأتيح للبشر في هذا العصر ما لم يتَح لأسلافهم من قبل من التطور التقني والعلمي والمعرفي والطبي وبلغوا من الراحة ما لم يكن يحلم به آباؤهم وأجدادهم من قبل، ليصل المؤلف إلى تلخيص لفكرته بأن الحياة المادية وحياة الرخاء وحياة الكسل والتقدم العلمي بكافة أشكاله ما هي إلا واجهة للسعادة في حين أن السعادة الحقيقية تكمن في التواصل الإنساني والبشري والقناعة، ليلخص بقوله «كلما حصلنا على أشياء أفضل بدونا أكثر يأسا، هي مفارقة التقدم» ليختم فصلا من فصول كتابه بالقول «كلما كان المكان الذي تعيش فيه أكثر ثراءً وأمانًا ازداد احتمال إقدامك على الانتحار».
من المفارقات التي يسردها هذا الكتاب ونراها ماثلة بصورة يومية أمام أعيننا أننا بقدر ما نُحرز تقدما في الجوانب المادية لتحسين معيشة الإنسان وفي المجالات العلمية والطبية لإطالة العمر وفي الجوانب التقنية لجلب الراحة للإنسان على هذه الأرض إلا أن الأرقام تشير إلى عكس ذلك؛ فبدلا من أن ينعكس كل الرفاه والتقدم على الإنسان إيجابا لينعم بحياة أكثر رخاءً بات إنسان هذا الزمان أكثر قلقًا وأقل سعادة وأكثر عُرضة للأمراض النفسية والاجتماعية وللظواهر السلوكية الغريبة التي لم تكن موجودة في الأمم السابقة.
في حوار مع وائل حلاق، المفكّر الكَندي من أصل فلسطيني، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة كولومبيا والمتخصص في التاريخ وتحديدا تاريخ الفكر الإسلامي أجراه معه بودكاست ثمانية عن موضوع الدولة والحرية وتفكك المجتمع تحدّث حلاق عن موضوع الدولة الحديثة باعتبارين: الإنسان في مشروع هذه الدولة هو مجرد رقم لا أكثر تحرّكه مصالح المتنفذين من الشركات والتجّار وأصحاب الثروات الكبرى الذين يغلّبون مصالحهم المالية على مصلحة الفرد وسعادته، وأن الدولة الحديثة بكل ما فيها من مظاهر الترف والغنى ما هي إلا استعباد للإنسان وسلب لسعادته وحريته الشخصية باعتبار أن الإنسان في الأزمنة السابقة لهذا الزمان كان أكثر سعادة وفرحا ربما لأسباب تعود في مجملها إلى عدم تغليب الماديات على الروحانيات.
قد يكون موضوع السعادة والشقاء غير جديد في نقاشه؛ فقد أوسعه الفلاسفة والعلماء والمختصون في علوم الإنسان والسلوك بحثا ودراسة، وأجزم أنهم لم يصلوا إلى قناعة تامة عما يجلب السعادة وما يجلب الشقاء، فبقدر ما كان الأوائل من أجدادنا سعداء في شيء فهُم تعساء وأشقياء في أشياء أخرى ربما لم نقف عليها في زمانهم، ولو جاءوا إلى زماننا هذا لتمنّوا أن يعيشوا فيه لتوافر كل مقومات الراحة والرخاء والأمن والسلام، ولكن كما يقال لكل عصر داؤه ودواؤه، وأيضا لكل شقاء علاجه، وعلاج شقائنا في هذا العصر بالعودة إلى منابع الإنسان الأولى في الأُلفة والاجتماع والاعتدال والانضباط ومراعاة قواعد القيم والأخلاق وغيرها من الوصفات التي يمكنها أن تضمن استدامة السعادة في حياتنا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
احترس من هذه اليمين بعد صلاة العصر ؟.. داعية يحذر
الحلف بالله كذبًا يُسمى في الشريعة الإسلامية باليمين الغموس، وهذا النوع من اليمين سمي كذلك؛ لأنه يغمس صاحبه في النار فهو إثم عظيم، وقال عنه بعض العلماء إنه ليس له كفارة من شدة الإثم.
وحذر الدكتور رمضان عبد الرازق، الداعية الإسلامي، من يمين شديدة على صاحبها لو كان كاذبًا، خاصة بعد صلاة العصر.
وقال عبد الرازق، في فيديو منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك،: احذر من كل الأيمان مرة، واحذر من يمين بعد العصر مليون مرة.
وتابع متسائلاً: "لماذا اليمين التي بعد العصر؟، سيدنا النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، منهم رجلا حلف يمينا كاذبة بعد العصر)، والسبب في اليمين التي بعد العصر؛ لأن بعد العصر تجتمع فيه ملائكة الليل والنهار، فهو عندما يحلف بيمين كاذبة؛ فكأنه كذب أمام الناس وأمام ملائكة النهار وملائكة الليل.
سؤال أجاب عنه الشيخ عمرو الورداني، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وذلك خلال فتوى مسجلة له، على صفحة دار الإفتاء المصرية عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
ردَّ الورداني، بأنه يجوز إخراج كفارة اليمين إطعاما بدلًا من المال، وهذا ما نفتي به في دار الإفتاء المصرية، ومن الممكن أن يقسم الكفارة على عدة أشخاص، ومن الممكن أن يعطيها لفرد واحد فقط.
هل يجوز في كفارة اليمين أن تكون مالا بدل الطعام؟قال الشيخ أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية، وأمين الفتوى بدار الإفتاء: إن كفارة حنث اليمين، تكون إطعام 10 مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، أو صيام 3 أيام.
وأوضح «ممدوح» خلال البث المباشر لدار الإفتاء على «فيسبوك»، أن مقدار إطعام المسكين شرعًا: نصف صاع من الطعام لكل مسكين، وقدره كيلو ونصف الكيلو تقريبًا، مشيرًا إلى أن دفع قيمة مالية بدل الإطعام في الكفارة أمر مختلف بين العلماء، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء تؤيد الإمام أبو حنيفة الذي رأى جواز إخراج قيمة مالية في الكفارات وزكاة الفطر.
وحدد أمين الفتوى، المقدار المالي لكفارة حنث اليمين، «70 جنيهًا» كحد أدنى، ويجوز لمن حنث في اليمين أن يخرج أكثر من هذه القيمة.
كفارة اليمين التصرف الشرعي لمن تراكمت عليه كفارة الأيمان
قال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، إنه يجب على المسلم عدم الإكثار من الحلف بالله، لما في ذلك من الجرأة على الله- سبحانه وتعالى- وعدم هيبته وتعظيمه، فقد قال الله- تعالى-: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224}، وقال: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}، وجاء ذمّ كثرة الحلف في قول الله عز وجل: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ {القلم:10}.
وأضاف لـ" صدى البلد" تعليقا على شخص يسأل ما حكم تكرار الحلف بالله في كثير من أمور الحياة فما كفارة ذلك اذا تعدد الحلف؟، قائلا : الْقَوْل الأْوَّل: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ لِكُل يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ، وَرِوَايَةُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ.
الْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِهِ قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، قَال الْقَاضِي: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وأوضح الأطرش أن أحكام كفارة اليمين هي على التخيير بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجزت عنها جميعًا انتقلت إلى الأمر الرابع وهو الصيام، ولا يجزئك البدء بالصيام ما دمت قادرا على واحد من تلك الأنواع الثلاثة.
واستطرد: وإذا جهلت عدد الأيمان التي تلزمك كفاراتها، فلك أن تأخذ بالأقل، فإن شككت ـ مثلًا ـ هل عليك خمس كفارات أو ست؟ فعليك أن تكفر عن خمس؛ لأن الأصل عدم لزوم الكفارة.