"ذاكرة الطفولة" زاوية نضيء فيها على طفولة أديب من الإمارات، نصغي لأولى تجاربه ورؤاه.

لا أنسى تشجيع محمد المزروعي لي وحبيب الصايغ في اتحاد الكتاب في أبوظبي

صداقاتي كنز أعتز به وأحرص عليه مهما بعدت بيننا المسافات

تقول الأديبة السودانية آن الصافي: "كنت الحفيدة الأولى لجدتي، والأقرب إليها دوماً، جمعني بها ود خاص وحنين متواصل، أمضيت جل وقتي برفقتها، تعلمت منها الكثير، أما أمي فهي نبع حنان، و بمثابة أختي الكبرى وصديقتي الصدوقة، وبعد وفاة جدتي رحمها الله، ظلت حاضرة بأخلاقها وقيمها التي غرستها في من حولها، كانت سيدة تهتم بتفاصيل الثقافات الأصيلة التي اكتسبتها من مجتمعها، تراعيها وتعي قيمتها وثمارها الطيبة، لقد ترملت في عمر مبكر، وتفرغت لرعاية صغارها، فالصبر والحكمة من أهم فصول مدرستها، والوالدة منفتحة على ثقافات وفدت إليها فاحترمتها ولم تغير مما ورثته من مجتمعها".

عالم من الشغف

وبالنسبة لعلاقتها مع والدها توضح: "والدي جعلني أعشق عالم الكتب، من حبه وحرصه عليّ كان دوماً يحضر لي كتباً ودفاتر بشكل شبه يومي، حتى قبل مرحلة التعليم المبكر وما تليها من مراحل، ولطالما استيقظت فوجدت هدية منه قرب وسادتي وهو يراقب مع والدتي ردة فعلي تجاه تلك الهدايا، الألوان والصفحات المرسومة والقصص والحكايات كلها شكّلت لدي عالم من الشغف والاكتشاف المتواصل".
وتتابع: "حين أجدت القراءة، كان والدي يطلب مني أن أجلس قربه في ساعة القيلولة وأقص عليه مما قرأت، وأحياناً يطلب أن أقص عليه حكاية من نسج مخيلتي، ثم يوجهني كي أعيد صياغتها وأعيد ترتيبها، مما حفّزني على التفكر والتخيل، وخلق لدي مصنعاً متنوعاً للسرد، كما حرص والدي ووالدتي على اصطحابي أثناء زيارة أقربائهما، مما جعلني أتعرف على عدد كبير منهم، جمعتني بهم حوارات ممتعة خاصة كبار السن، الذين سردوا لي قصصاً متنوعة محملة بذكرياتهم، وبعضهم كان يلقي الشعر ليوصل لي قيمة أو حكمة ما، تعلمت أن أكون مستمعة جيدة لهم، وكنت أحب السؤال والاستفسار، وأهتم بما يقولون".
وتضيف: "في المرحلة الأولى من عمري قرأت كتباً متنوعة واستمعت لحكايات تعكس أصالة ثقافة مجتمعنا السوداني، وقد عشت طفولتي بين الدرس واللعب والرياضة والموسيقى والصداقات، كما أن البيئة والطبيعة، بتنوعها حيث موطني والدول التي أقمت بها باختلاف وتكيف المجتمعات على أرضها وما نشأ عليها من ثقافات، غرس بنفسي التفكر وتأمل دقائق الأماكن والتفاصيل والوقوف عند مشاهد وذكريات مفعمة بزخم متنوع وبديع".

محبة

وتقول الصافي: "الأصدقاء فرح وسعادة وهذا ما تؤكده علاقاتنا الإنسانية مع من تجمعنا بهم محبة في الله، لدي صديقات عزيزات في السودان وخارجه من جنسيات متعددة، منهن جيران ومنهن زميلات دراسة، ولدي تواصل مع عدد منهن ونحرص على تبادل الأخبار ونهنئ بعضنا على النجاحات ونواسي بعضنا في حال تعرضت إحدانا لما يستدعي، صداقاتي كنز أعتز به وأحرص عليه، مهما بعّدتنا المسافات أو انقطعت الأخبار، وتلك المحبة موجودة وأصيلة لا تتغير".
وعن هواياتها المفضلة أثناء مرحلة الطفولة تذكر: "مارست الرياضة وتحديداً الجري، والسباحة، وكرة اليد، كذلك الموسيقى بتنوعها والرسم مع وجود الدفاتر والألوان ضمن هدايا الوالد، وما زلت أعود إليها من وقت لآخر".
وتضيف: "أتيت من مجتمع يحترم الخصوصية، ويقدر المرأة ودورها الفعّال، وهي رسالة يشترك في إتقانها المنزل والمدرسة بشكل موضوعي وآمن، فالأسرة تمارس دور الرعاية لا التسلط أو فرض القيود، وما كنت أشعر به من حرية في التواصل والتعامل والاحترام المتبادل يحقق الثقة بالنفس واحترام الذات، وجدت لي مكانة لا تقل عن أقراني من الجنسين، ودعم في مساري بمجتمعنا السوداني الراقي والمتحضر، منذ آلاف السنين المرأة تحكم وتقود الجيوش، وهذا لا يقلل من قدر الرجل أو المجتمع بل يعكس الوعي بقيمة الإنسان رجل كان أو امرأة".
وعن المدرسة والمعلمات تقول: "جميعهن تركن أطيب الأثر، التشجيع المتواصل والسؤال من حين لآخر حتى بعد انتهاء المرحلة الدراسية، الأستاذة جليلة من السودان، نسمة لطيفة في قاعة الدرس مبتسمة وداعمة، وهناك معلمات لا أنسى حسهنّ الإنساني في دعم التلميذات ومراقبة مواهبهن، عدد منهن في مدينة الدوحة بقطر، ومن ضمن معلماتي القديرات الأستاذة عائشة بن جبر آل ثاني والأستاذة روضة آل ثاني، وأخريات أحمل لهن ذكريات طيبة، وأذكر لهن مواقف مهمّة وملهمة، وأكنّ لهن الاحترام والتقدير".

مكتبة الوالد

وبالنسبة لعلاقتها مع القراءة توضح الصافي: "بعد تمكني من تعلم القراءة توجهت نحو مكتبة الوالد، ووجدت ألف ليلة وليلة ودواوين شعر للمعلقات واسماء عمالقة الإبداع، المتنبي، البحتري، أبو نواس... كذلك الكتب العلمية بتنوعها، كان والدي يرحمه الله يقدم لي عدداً من الكتب ويخصص ساعة للنقاش في نهاية الأسبوع يسألني عن الكتاب، ومن ضمن تلك الكتب، الانسيكلوبيديا التي زخرت وقتها بالمعلومات العلمية في عدة مجالات، جغرافيا الأمكنة وتاريخها، كذلك كتب معنونة بعظماء الحرب، أذكر منها موسيليني وتشرشل وهتلر، وكتب سير ذاتية لفنانين وعلماء، مثل فان جوخ ونيوتن وآينشتين، وأخرى عن الديانات وتاريخها، ومن حصيلة القراءات تشكلت لدي ذهنية باحثة عن عوالم جديدة وشغوفة بالقراءة والاطلاع".

فلك الغواية

وعن بداية رحلتها مع الكتابة تقول: "في المرحلة الابتدائية، وجدت دفتراً بمنزل جدتي، مكتوب على إحدى صفحاته بخط جميل كلمة (الزمن)، وكانت بقية الصفحة فارغة، شرعت بالكتابة من مخيلتي جملاً لا أذكرها ولكن معناها حمل تعريف الزمن للإنسان وللكائنات الحية ولكوكب الأرض وللسماء، كانت متخيلات في ذهني، ثم بدأت أقرأ بصوت مسموع، فتقدم مني خالي، رحمه الله، وسألني من كتب هذا الكلام؟ فأخبرته أني من كتبته، فقال لي مبتسماً استمري ولا تتوقفي، هذه الجملة شكلت لدي مفهوماً جديداً، انطلقت منه في الكتابة، وأصبحت أكتب خواطر وقصصاً وشعراً باستمرار، وفي أبوظبي، حضرت إلى اتحاد الكتاب كمتطوعة لتنظيم أمسية مسرحية مع فريق ساند وقتها، ثم علمت أن بإمكاني حضور جلسات الأربعاء، والتي يشارك فيها الحضور بقراءة ما يكتبون من نصوص أدبية، كنت مستمعة أعلق على بعض قراءات الحضور، ثم بدأت أعرض ما أكتب، ولا أنسى أبداً تشجيع الكاتب محمد المزروعي والراحل المقيم الشاعر حبيب الصايغ، في تلك المرحلة ثم درست بأكاديمية الشعر فقد كنت أحب الشعر النبطي، وفي عام 2013 أصدرت أول رواية لي، "فُلك الغواية".
وبالنسبة لأول مدينة زارتها تتابع: " زرنا الدوحة وكان علي أن أستوعب مفهوم المدن الكوزموبوليتان، وكيف يمكن لعدة ثقافات أن تتعايش معاً رغم الاختلافات، تعرفت وقتها على البيئة الصحراوية والساحلية ومفهوم البداوة وثقافة البادية، وكانت لافتة بالنسبة لي حيث قدمت من أرض النيلين، البيئة الزاخرة بألوان الطبيعة والطيور والحيوانات والحدائق والغابات الاستوائية، ووجدت كل يحمل هوية مختلفة وثقافة مختلفة ومتعايشة معاً، وأذكر أن أول مكان زرته برفقة أسرتي متحف قطر الوطني، وكنت أقارن بين ما أشاهده فيه وما رأيته في متحف السودان في الخرطوم، كانت رحلة مليئة بالدهشة والجماليات".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني

إقرأ أيضاً:

أربعة أشهر سجنا غيابيا بحق الصافي سعيد بتونس

قضى المجلس الجناحي لدى محكمة الناحية بتونس غيابيا بالسجن مدة 4 أشهر في حق المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الصافي سعيد.
ويتعلق ملف القضية بشكاية مرفوعة من هيئة الانتخابات من أجل شبهة تدليس التزكيات الخاصة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014، حيث أذنت النيابة العمومية سنة 2016 بإحالة الملف على إحدى الفرق الأمنية للبحث.

وحسب المعطيات المتوفرة فإن النيابة العمومية أحالت القضية لاحقا على أنظار المجلس الجناحي لمحكمة الناحية بتونس الذي أصدر في 25 مايو الماضي حكما غيابيا بالسجن مدة 4 أشهر، وفق ما ذكرته إذاعة "موزاييك".

من جهتها قالت صحيفة "الصباح نيوز" إن الصافي سعيد تمت مقاضاته بتهمة التدليس والتحايل.

والحكم الجناحي غيابي وقابل للطعن خلال عشرة أيام من تاريخ الإعلام به.

وكان الصافي سعيد قد أعلن خلال مؤتمر صحفي مؤخرا عن ترشحه للانتخابات الرئاسية أواخر سنة 2024.

مقالات مشابهة

  • لماذا أكتب.. ؟
  • إذا أزهر الصبر هل تجف نبتة الصبر؟
  • فضل الله: للكف عن كل ما يهدد الوحدة الداخلية
  • كيف يكون الحل سودانياً؟
  • فلسفة الصبر
  • خليل الشكيلي : يتدرج الذاكر لله عبر ثلاث مراحل وهي التخلي والتحلي والتجلي
  • أربعة أشهر سجنا غيابيا بحق الصافي سعيد بتونس
  • السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه
  • القائد المُلهم.. بين الإيمان والشجاعة والحكمة تُصنع ثورات التحرر
  • "منطقة حيوية وغنية".. كل ما تريد معرفته عن منطقة جبل مويا السودانية