أحدث روبوت "تشات جي بي تي" ChatGPT حالة من الهوس بتكنولوجيا  الذكاء الاصطناعي  التوليدي وأشعل شرارة تنافس في مضمار جديد بين شركات التكنولوجيا سواء العملاقة أو الناشئة، الكل يتسابق على ابتكار روبوتات بأعلى المواصفات والإمكانات قادرة على إبهار المستخدم.

 

بالفعل حقق روبوت "إرني بوت" من شركة بايدو الصينية، وهو شبيه في تقنية عمله بـ  ChatGPT من شركة "أوبن إيه آي"، نجاحا مدويا في بلده حيث اجتذب قدرا هائلا من الاهتمام الشعبي وفي وسائل الإعلام وعدد كبير من التنزيلات، ومع ذلك، يواجه تحديات كبيرة.

Ernie Bot

قوبل الظهور العلني لـ Ernie Bot باستجابة غير متوقعة حتى من قبل الشركة المصنعة، حيث وصلت التنزيلات إلى أكثر من 313.610 تنزيلًا على متجر آبل Apple iOS الصيني و2.4 مليون تنزيل عبر متاجر تطبيقات أندرويد المختلفة في اليوم الأول من إطلاقه. وسارع المستخدمون لاختبار قدرات روبوت الدردشة الجديد، مما أدى إلى سيل من الأسئلة، وصل عددها إلى 33 مليونًا خلال الـ 24 ساعة الأولى.

 

من جانبها رفعت الحكومة الصينية مؤخرًا بعض القيود المفروضة على خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدية، بما في ذلك Ernie Bot، كجزء من جهودها لتنظيم المشهد التقني في البلاد، وتشمل الخدمات المعتمدة الأخرى التي استفادت من تسهيلات الحكومة الصينية شركة SenseTime المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وشركة Baichuan، التي أسسها وانغ شياو تشوان من شركة Sogou، وشركة Zhipu AI المدعومة من الدولة.

 

رغم حالة الشعبية الفورية و الحفاوة الشديدة التي قوبل بها  Ernie Bot، إلا أنه يبدو أنه لم يكن على قدر هذا التفاؤل والآمال الموضوعة عليه، إذ واجه صعوبات في الرد على بعض استفسارات وقدم أحيانًا إجابات تركت المستخدمين مشوشين، كشفت لقطات الشاشة للمحادثات مع برنامج الدردشة الآلي عن حالات فشل فيها في الاستجابة أو قدم إجابات وصفت بأنها متحيزة.

 

أحد الأمثلة البارزة التي وجهت للأداة ولم يكن أمينا في الإجابة عليها هو عندما سأل عن مؤسسي بايدو، ومجموعة علي بابا القابضة، وتينسينت هولدنجز Tencent Holdings التي يمكن اعتبارها "رأسمالية". وأشار إرني بوت إلى مؤسسي شركتي علي بابا وتينسنت، لكنه استبعد بشكل واضح مؤسس بايدو، روبن لي. وقد أثار هذا الأمر الدهشة، لا سيما أن عمالقة التكنولوجيا الثلاثة لديهم نفس الممارسات التجارية.

روبوت هندي يكشف مفاجأة كبرى بعد أيام على سطح القمر .. ما القصة؟ فعاليات معرض IFA للتكنولوجيا.. روبوتات تحب الرقص وتعتقد أن استبدال البشر "شيء لذيذ"

وفي اختبار آخر، حاول إيرني بوت الإجابة على نفس السؤال الخاص برجال الأعمال الثلاثة بشكل يبدو غير محايد، فأنشأ ملفًا شخصيًا مطولًا على غرار ما يقدمه موقع "ويكيبيديا" لرجال الأعمال الثلاثة وتجنب في الأساس الرد المباشر، حتى عندما طُلب منه صراحة الرد بـ "نعم" أو "لا" بسيطة.

 

على الرغم من هذه المشكلات، فإن اعتماد إرني بوت السريع والحجم الهائل من الأسئلة التي تلقاها يؤكد فضول وحرص المستخدمين الصينيين على استكشاف خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدية الخاصة بهم، إذ تلقى 33 مليون سؤال في يوم ظهوره الأول.

 

وتعد موافقة الحكومة الصينية على إجازة هذه التقنية خطوة مهمة إلى الأمام، وذلك عقب سن لوائح تشريعية شاملة بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي قبل أسبوعين فقط من طرح "إيرني". ويستعد إرني بوت، إلى جانب الخدمات الأخرى المعتمدة، الآن لتشكيل مستقبل تفاعلات الذكاء الاصطناعي في الصين.

 

الإجابات التي لم تكن محايدة بقدر كافٍ والردود الغير دقيقة تسلط الضوء على التعقيدات التي ينطوي عليها تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها التعامل مع ما يعتبر موضوعات حساسة أو ملغمة سياسيًا، ومع استمرار الصين في تبني تطوير وسائل الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن تحقيق التوازن الصحيح بين الابتكار والاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي سيكون مصدر قلق مستمرا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصين بايدو روبوت تشات جي بي تي آبل الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟

يشهد العالم المعاصر تحوّلًا غير مسبوق في تاريخ الوجود البشري، تقوده التكنولوجيا بصفتها القوة الأكثر تأثيرًا في تشكيل ملامح الحياة الحديثة.

لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات أو منصات مساعدة، بل أصبحت بحد ذاتها بيئةً كلية نعيش فيها، وعاملًا حيويًا يُعيد صياغة مفاهيم الإنسان عن ذاته، وعن العالم، وعن الآخرين من حوله. وفي قلب هذا التحول تقف الأجيال الجديدة لا كمتلقٍّ سلبي، بل كنتاجٍ حيّ لهذا العصر الرقمي بكل تعقيداته وتناقضاته.

نتحدث هنا تحديدًا عن جيل Z (المولود بين 1997 و2012)، وجيل ألفا (المولود بعد 2013)، وهما جيلان نشآ في ظل تحوّل تكنولوجي عميق بدأ مع الثورة الرقمية في نهاية القرن العشرين، وتفاقم مع دخول الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والميتافيرس والبيانات الضخمة إلى صلب الحياة اليومية.

جيل Z يمثل الجسر بين عالمين: عالم ما قبل الثورة الرقمية، وعالم أصبحت فيه الخوارزميات هي "العقل الجمعي" الجديد.

لقد عاش هذا الجيل مراحل الانتقال الكبرى: من الكتب الورقية إلى الشاشات، من الاتصالات الهاتفية إلى الرسائل الفورية، من الصفوف المدرسية إلى التعليم عن بُعد. أما جيل ألفا، فهو الجيل الذي لم يعرف سوى الرقمية منذ لحظة الميلاد، إذ تفتحت حواسه الأولى على شاشة، وتكوّنت مهاراته اللغوية من خلال مساعد صوتي، وتعلّم المفاهيم الأولى عن طريق تطبيقات ذكية وخوارزميات دقيقة تستجيب لسلوك المستخدم لحظيًا.

إعلان

إننا لا نتحدث عن تغيّر في أنماط الحياة فقط، بل عن إعادة تشكيل حقيقية للذات الإنسانية. ففي السابق، كانت الهوية تُبنى عبر التفاعل مع الأسرة، والمدرسة، والثقافة المحلية، وكانت تنشأ ضمن سياق اجتماعي واضح المعالم.

أما اليوم، فالأجيال الرقمية تبني صورها الذاتية في فضاءات افتراضية عالمية، تتخطى الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية. إنها هوية "مُفلترة"، تُنتجها الصور والمنشورات والتفاعلات المرسومة وفق خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، وتُقاس بكمية "الإعجابات" والمشاهدات، لا بتجربة الذات العميقة.

هذا التحول لا يخلو من مفارقات. فعلى الرغم من الكمّ الهائل من التواصل الرقمي، تشير دراسات عديدة إلى تصاعد مشاعر الوحدة والعزلة، خصوصًا بين المراهقين والشباب.

وقد ربطت تقارير صحية بين الإفراط في استخدام التكنولوجيا وبين ارتفاع معدلات القلق، واضطرابات النوم، وضعف التركيز، وتراجع المهارات الاجتماعية.

جيل Z، برغم إتقانه المذهل للتكنولوجيا، يواجه صعوبة متزايدة في بناء علاقات واقعية مستقرة. أما جيل ألفا، فيُظهر مبكرًا قدرة رقمية خارقة، لكنها تقترن أحيانًا بضعف في التطور اللغوي والعاطفي، وكأن المهارات الإنسانية الكلاسيكية باتت تُستبدل تدريجيًا بكفاءات رقمية جديدة.

هذا لا يعني أن الأجيال الرقمية "أقل إنسانية"، بل إنها مختلفة في تركيبها المعرفي والعاطفي والاجتماعي. إنها أجيال تعيش فيما يمكن تسميته "الواقع الموسّع"، حيث تتداخل فيه الذات البيولوجية بالذات الرقمية، ويذوب فيه الخط الفاصل بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.

وهذه الحالة تطرح سؤالًا وجوديًا جوهريًا: من أنا في عالم يُعاد فيه تشكيل الذات بواسطة أدوات لا أتحكم بها بالكامل؟ من يوجّهني فعلًا: أنا، أم البرمجية التي تختار لي ما أقرأ وأشاهد وأرغب؟

في هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى تفكيك العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من جديد. فنحن لم نعد فقط نستخدم التكنولوجيا، بل يُعاد تشكيلنا من خلالها، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا خفيًا في اتخاذ القرارات، وتوجيه السلوك، وحتى في تكوين القيم وتصورات العالم. منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام لم تعد وسائط ترفيهية فحسب، بل منصات لإنتاج الثقافة والهوية والسلوك الاستهلاكي.

إعلان

ولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه التكنولوجيا التي وُعدنا بها كوسيلة لتحرير الإنسان، باتت تخلق أشكالًا جديدة من التبعية. فمن جهة، تسهّل الحياة وتختصر الوقت، لكنها من جهة أخرى تُعيد تشكي إدراكنا بطريقة غير مرئية. إنها "القوة الناعمة" الأشد تأثيرًا في تاريخ البشرية.

في ظل هذا الواقع، لا يكفي أن نُحمّل الأفراد مسؤولية التكيف. المطلوب هو تفكير جماعي لإعادة توجيه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. المؤسسات التعليمية مطالبة بأن تراجع مناهجها، لا فقط لتُدخل التقنية، بل لتُعيد التوازن بين ما هو رقمي وما هو إنساني.

الأسرة، بدورها، لم تعد فقط مصدرًا للقيم، بل أصبحت "ساحة مقاومة" للحفاظ على الحميمية في وجه التمدد الرقمي. أما صانعو السياسات، فعليهم مسؤولية أخلاقية وتشريعية للحدّ من تغوّل التكنولوجيا في تفاصيل الحياة اليومية، ووضع ضوابط تحمي الأجيال من فقدان الجوهر الإنساني.

ينبغي ألا يكون السؤال: كيف نُقلل من استخدام التكنولوجيا؟ بل: كيف نستخدمها بطريقة تحافظ على إنسانيتنا؟ كيف نُدرّب أبناءنا على التفكير النقدي، والقدرة على التأمل، والانفتاح العاطفي، لا فقط على البرمجة والتصميم؟

نحن نعيش لحظة مفصلية، لحظة يُعاد فيها تعريف الإنسان، لا بالمعنى البيولوجي، بل بالمعنى الوجودي. وإذا لم نُحسن إدارة هذا التحوّل، فإننا قد نخسر القدرة على أن نكون ذاتًا فاعلة حرة في عالم تتزايد فيه السيطرة غير المرئية للأنظمة الذكية.

المستقبل لا تصنعه الآلات، بل الإنسان الذي يعرف كيف يتعامل معها. ولهذا، فإن المعركة الأهم ليست بين الأجيال والتكنولوجيا، بل بين الإنسان وإنسانيته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • وزير الكهرباء يبحث مع شركة ستيت جريد الصينية تعزيز الشراكة في الطاقة المتجددة
  • يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟
  • “دييز” تحتضن 700 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي
  • روبوت دقيق بحجم «حبة الأرز» يحدث ثورة في جراحات الدماغ 
  • الصين تتوعد الدول التي تسير على خطى أمريكا لعزل بكين
  • وزير الكهرباء يبحث مع شركة هواوي الصينية التعاون فى مجالات الطاقة المتجددة
  • باحث في مجال الذكاء الاصطناعي يطلق شركة لتحل محل جميع العمال البشر
  • وزير الإسكان يلتقي رئيس شركة "CSCEC" الصينية ببكين لمتابعة موقف المشروعات المشتركة
  • ميتا: إنستغرام يستخدم الذكاء الاصطناعي لمنع القُصّر من الكذب بشأن أعمارهم
  • منافسة غير مسبوقة بين البشر والروبوتات في الصين