حقوق الإنسان بين اللقطة والفرجة.. مفاهيم ملتبسة (12)
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
حقوق الإنسان كمفهوم يعبث به المحتل، والطاغية، وصاحب السلطان الدولي؛ يدخل على هذا المفهوم بطغيانه وسطوته وقوته فيبدد حقيقته، ويفرط في جوهره، ويهدر قيمته، ويقصي كل معاني الإنسانية فيه، هذه صنعة هؤلاء، يلبسون على المفهوم، ويدلسون عليه بأقسى طاقتهم مدعين ـ زورا ـ من كل طريق أن حقوق الإنسان تحت مظلتهم وضمن رعايتهم، هذا التلاعب بالمفهوم أوردنا منه أكثر من جانب حينما تطرقنا في تلك السلسلة حول مفهوم المواطنة من جديد لنؤكد أن هذا المفهوم هو محل عبث العابثين، وإهدار المتاجرين، ومحاولة الطاغين لتزييفه والدس عليه ما ليس فيه ومنه.
يبدو لنا ذلك جليا ضمن فهم المستبد الذي لا يتوقف عن ادعاء الديمقراطية سياسة، واحترام حقوق الإنسان بداهة، واعترافه بالشعب إرادة، وهو في حقيقة الأمر يزهق كل ذلك ضمن سلوكه اليومي، وسياساته المتبعة كطقس يمارس فيه انتهاك حقوق الإنسان بشكل متواتر فاضح لا تنكره عين، ولكنه رغم ذلك يواصل في خطابه تزييف هذا الأمر المتعلق بحقوق الإنسان.
وفي هذا المقام فإن أول التزييف إنما يتأتى من ابتداعه ليس فقط خطابا يحاول أن يغطي على مزيد من انتهاكاته الفاضحة والواضحة ولكنه في حقيقة الأمر يصادر كل ذلك فيمارس فائض الكلام في بناء استراتيجيات حول حقوق الإنسان، ولا بأس أن يقيم من المؤسسات الزائفة التي تشكل أغطية له، وتعمل على خدمة استبداده وطغيانه وتمرير انتهاكاته اليومية لحقوق الإنسان، فيقيم مؤسسة للمرأة، وأخرى لحقوق الإنسان، ومؤسسات أخرى، ومبادرات تتحدث عن الحياة الكريمة، والاهتمام بالإنسان وإنسانيته، بينما تلك السياسات الحقيقية تكذب كل ذلك فتؤكد أن ذلك ليس إلا فائض كلام يحاول فيه أن يغطي فائض سلطانه وطغيانه فيستخدم من الأوصاف أكذبها، ومن المعاني أزيفها، ومن الأقوال زخرفها، كل ذلك يمارسه تحت أعين الجميع؛ يحاول أن يبني مصداقية له في هذا المقام وهو كذوب؛ يتحرى الكذب في كلماته وخطاباته ومواقفه من خلال أدواته وزبانيته وسياساته ومؤسساته.
كل ذلك يطوف بأذهاننا حول المفهوم حينما نجد كلاما مهما يوضح حقيقة تصورات تلك السلطات الباطشة وسياساتها الزائفة، وهو يستحضر كل تلك الترسانة حينما يهم أن يذهب إلى خارج البلاد ليتأكد له في كل مرة وفي كل زيارة لبلد أوروبي أو أجنبي أنه سيواجه بسجله الأسود في حقوق الإنسان والانتهاكات الفاضحة التي تطير أخبارها في كل مكان، وفي وسائل إعلام مختلفة، وهو يعرف أنه مضطر لأن يجيب على سؤال حول حقوق الإنسان، والانتهاكات التي تمارس بصددها.
ففي زيارة المستبد الأخيرة لألمانيا أدلى بتصريحات حول حقوق الإنسان ليذكرنا مرة أخرى بذات المفردات التي تستخدم في هذا المقام على سبيل الكذب والتضليل والزيف والتزوير، مستغلا في ذلك بعض الأمور التي يقوم بها وتقوم تلك الأجهزة بالترويج لها، فهذا حوار وطني يدعو إليه، فيهرول إليه البعض، ويأتي من خارج البلاد بعض المعارضين، ويتحدثون ضمن جوقة الزيف عن إنجازات هذا النظام في المجال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي زورا وبهتانا، وقد كانوا من قبل يتحدثون عن هذه الانتهاكات وتلك التجاوزات بكونها تصدر من نظام فاشي استبدادي.
وحينما تسقط الأقنعة ويستخدم هؤلاء الزيف من الكلام، والزخرف من القول فإن هذا للأسف يشكل غطاء لكل هذه الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان التي تعج بها الأخبار، وتبرز المشاهد تلو المشاهد على صفحات التواصل الاجتماعي لتؤكد أن هذه الانتهاكات الممنهجة هي ديدن هذا النظام ومنهجه في التعامل مع حالة حقوق الإنسان، فإذا ما تحدث البعض عن المعايير ادعى الطاغية أن معايير الحقوق في بلادنا غير تلك البلاد، وحينما يتحدث عن الحقوق السياسية والحق في التعبير فإنه يتطرق إلى حال الشعب وزيادة سكانه، وأن هذا الشعب في حاجة إلى تعليم وصحة وغير ذلك من خدمات، وحينما يتحدث عن الانتخابات فيقول أنه مستعد أن يجريها كل عام على شرط أن يعطوه تمويلا لتلك الانتخابات التي يضمن نتائجها ويزور متحصلاتها، حتى الانتخابات المزورة لم يعد يريد أن يقوم بها !!.
تبقى حقوق الإنسان في التصور الزائف للمستبد الطاغية حول حقوق الإنسان تكذبه كل المشاهد التي تتعلق بضنك الإنسان، وانتهاكات حقوق المواطن والأوطان.ومن هنا تبدو المسألة المركبة في ذلك الشأن في النظر إلى معنى السياسة وموضع حقوق الإنسان منها، فحينما يقوم النظام على اغتصاب السياسة وقتلها ووأد كل قنواتها وتجريم أي معارضة أو احتجاج يمكن أن يقوم هنا وهناك من خلال ترسانة من التشريعات الظالمة والجائرة والاعتقال بلا جريرة، وأنظمة ومؤسسات فاسدة تخدم ذلك؛ سواء كانت أجهزة إعلامية أو أجهزة أمنية، أو أجهزة النيابة العامة، فضلا عن فساد القضاة الذي يمارس في الدولة ضمن مستويات مختلفة، فيؤدي ذلك في حقيقة الأمر إلى تكوين شبكة من مؤسسات الظلم وتكريسه كسياسة تتعلق بجعل هذه الانتهاكات سياسة منظمة، وممارسات ممنهجة.
فالشعب بالنسبة له هو ذلك الشعب الذي يراه قطيعا يقبل الترويض وفق تعبيرات بعض قادة العسكر في تسريباتهم "شعب جعان،.. متنيل بنيلة،... احنا اللي بنقعده وبنقومه،... ونأخذ اللقطة ونلبسه العمة"؛ هذا هو تصور الشعب في وجدانهم، فماذا عن تصور الحقوق بالنسبة لهم إلا أن تكون زيفا أو مجرد زينة وديكور ودعوة إلى فرجة.
هكذا كان حديث الطاغية لا يكرره فقط على مسامع هؤلاء في الداخل ولكنه صار يردده مرة تلو المرة على مسامع الخارج وحكوماته، فإذا سُئل عن حقوق الإنسان نادى عليهم "تعالوا شوفوا حقوق المرأة، والحوار الوطني الذي يجري في مصر، واستراتيجية حقوق الإنسان" مزكيا قيادته، مؤكدا بلسانه أنه يحترم شعبه وحقوق إنسانه، هكذا فإن حقوق الإنسان هي مجال لتلك اللقطة الزائفة، والفرجة الكاذبة على مشاهد زائفة ومزورة، حوار زائف ومشاهد من صنوف من المرأة يستدل بها على تقديره لها، فهو صاحب كشوف العذرية وهو ينتهك حقوقها ليل نهار، كما يقبع بعضهن في سجونه يمارس عليهن كل أشكال الظلم والامتهان والاعتداء والعدوان.
فحديثه ينصرف من بعد ذلك إلى "الفرجة" قائلا "تعالوا شوفوا.." يذكرنا هذا بحزب مبارك المخلوع حينما كان يتألى على الناس بالحقوق حينما أجاب جمال مبارك ـ ابن المخلوع ـ عن حقوق الإنسان أحالهم إلى الموقع الالكتروني للحزب الوطني الذي فيه العديد من حقوق الإنسان التي تعد بالعشرات، فكانت الحقوق بالنسبة له مجرد عبارات على موقع الكتروني لحزب يشكل أداة الطاغية والمستبد في حكم البلاد والعباد، وأشار هذا الابن في حينها أن على الجميع أن يدخل الموقع الالكتروني حتى يتعرف ويتفرج على تلك الحقوق، ولسان حاله ومقاله كأنه يدعوا الناس إلى الفرجة على حقوق الإنسان.
كل هذه الأمور ضمن تلك التصورات والإدراكات هي التي تنتهك المفهوم في حقيقته وجوهره فتزيف النظر إليه وتغفل طقوس الانتهاكات اليومية فيه وفي ممارسته، ثم بعد ذلك يتحول كل هذا إلى لقطات هنا أو هناك لممارسات مشبوهة زائفة لحوار مزور، ولجنة عفو تقوم بإخراج أعداد قليلة، والتغطية على إحلال أعداد أكبر منهم دخولا إلى السجون ضمن سياسة لا تفرط في المخزون الاستراتيجي من السجناء والمعتقلين، تقوم بكل ذلك وتتواتر مشاهد الانتهاكات الأمنية التي تمارس باستخفاف لدرجة قتل هؤلاء تحت التعذيب (من أحدث الحالات شاب عمره 19 عاما)، هكذا تبقى حقوق الإنسان في التصور الزائف للمستبد الطاغية حول حقوق الإنسان تكذبه كل المشاهد التي تتعلق بضنك الإنسان، وانتهاكات حقوق المواطن والأوطان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حقوق الإنسان سياسة مصر مصر حقوق إنسان سياسة رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حول حقوق الإنسان هذه الانتهاکات کل ذلک
إقرأ أيضاً:
جامعة بنها تنظم ندوة عن حقوق الإنسان "تحديات وإنجازات "
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
افتتح الدكتور ناصر الجيزاوي رئيس جامعة بنها ، ندوة حقوق الإنسان - " تحديات وإنجازات " بحضور الدكتور السيد فوده نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ، وحاضر فيها اللواء أركان حرب محمد حجازي.
وحضر الندوة الدكتور أسامة صلاح عميد كلية علوم الرياضة، والدكتور وليد طلعت القائم بأعمال عميد كلية العلاج الطبيعى ، والدكتور إبراهيم راجح المدير التنفيذي لوحدة إدارة الأزمات والكوارث بالجامعة، وتنسيق وتنظيم الأستاذة رانيا معتز أمين الجامعة المساعد لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ، والدكتور هاني زكريا وكيل كلية علوم الرياضة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ، والدكتور أحمد نجيب نائب المشرف العام على مركز إعداد القادة ، وطلاب الجامعة.
وفى كلمته أكد الدكتور ناصر الجيزاوي، أن الدولة المصرية حريصة على تطبيق معايير حقوق الانسان في مختلف المجالات ، مشيرا إلى أنه خلال الـ 10 سنوات الماضية شهدت منظومة التعليم العالي طفرة كبيرة حيث أصبح لدينا 120 جامعة مختلفة تقدم خدماتها للطلاب، وذلك في إطار تأهيلهم لسوق العمل وتجهيزهم على أعلى مستوى للمنافسة في السوق المحلية والدولية.
وأضاف " الجيزاوي " أن الصحة أحد المجالات العامة لحقوق الانسان ونجحت الجهود في تطوير منظومة الصحة ، مشيرا الى أن مستشفيات بنها الجامعية شهدت تطورا كبيرا خلال الفترة الماضية، حيث وصلت حجم استثماراتها إلى 600 مليون جنيه ما بين رفع كفاءة وشراء أجهزة طبية حديثة بهدف توفير كافة سُبل الرعاية الصحية للمرضى المُترددين عليها.
وأشار " الجيزاوي" إلى إطلاق الدولة المصرية العديد من المبادرات الرئاسية التي تدعم وتحقق كافة أهداف الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، منها مبادرة "حياة كريمة" لتطوير قرى الريف المصري والتي أشاد بها المجتمع الدولي، والتي استطاعت فى القضاء على عدد من المناطق العشوائية ، والتخفيف عن كاهل المواطنين بتنفيذ العديد من المشروعات التنموية في مختلف المجالات ، بالإضافة الى مبادرة " بداية جديدة لبناء الإنسان " والتي تستهدف إحداث تغييرات بناء الإنسان المصري صحيًا واجتماعيًا وتعليميًا ، وتحسين جودة الحياة، والاستثمار في رأس المال البشري في سبيل تحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل.
وطالب رئيس الجامعة الطلاب بعدم الانسياق وراء الشائعات التي توجهها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، و تقارير المنظمات الدولية حول انتهاء حقوق الانسان في بعض الدول، مؤكدا أن الجامعة حريصة على تنمية وعي الطلاب بهدف إعداد أجيال ترسخ لديها قيم الانتماء والولاء للوطن.
من جانبه قدم اللواء أركان حرب محمد حجازي، عرض تقديمي عن مفهوم حقوق الإنسان ، وأنواع حقوق الإنسان ، والمعاهدات الدولية ، وتحديات تطبيق حقوق الإنسان في العالم.
وخلال الندوة دار نقاش بين اللواء أركان حرب محمد حجازي ، والطلاب حيث أجاب على الاستفسارات لتوضيح توجهات الدولة لترسيخ قيم حقوق الإنسان.