عربي21:
2024-12-23@00:00:47 GMT

حقوق الإنسان بين اللقطة والفرجة.. مفاهيم ملتبسة (12)

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

حقوق الإنسان كمفهوم يعبث به المحتل، والطاغية، وصاحب السلطان الدولي؛ يدخل على هذا المفهوم بطغيانه وسطوته وقوته فيبدد حقيقته، ويفرط في جوهره، ويهدر قيمته، ويقصي كل معاني الإنسانية فيه، هذه صنعة هؤلاء، يلبسون على المفهوم، ويدلسون عليه بأقسى طاقتهم مدعين ـ زورا ـ من كل طريق أن حقوق الإنسان تحت مظلتهم وضمن رعايتهم، هذا التلاعب بالمفهوم أوردنا منه أكثر من جانب حينما تطرقنا في تلك السلسلة حول مفهوم المواطنة من جديد لنؤكد أن هذا المفهوم هو محل عبث العابثين، وإهدار المتاجرين، ومحاولة الطاغين لتزييفه والدس عليه ما ليس فيه ومنه.



يبدو لنا ذلك جليا ضمن فهم المستبد الذي لا يتوقف عن ادعاء الديمقراطية سياسة، واحترام حقوق الإنسان بداهة، واعترافه بالشعب إرادة، وهو في حقيقة الأمر يزهق كل ذلك ضمن سلوكه اليومي، وسياساته المتبعة كطقس يمارس فيه انتهاك حقوق الإنسان بشكل متواتر فاضح لا تنكره عين، ولكنه رغم ذلك يواصل في خطابه تزييف هذا الأمر المتعلق بحقوق الإنسان.

وفي هذا المقام فإن أول التزييف إنما يتأتى من ابتداعه ليس فقط خطابا يحاول أن يغطي على مزيد من انتهاكاته الفاضحة والواضحة ولكنه في حقيقة الأمر يصادر كل ذلك فيمارس فائض الكلام في بناء استراتيجيات حول حقوق الإنسان، ولا بأس أن يقيم من المؤسسات الزائفة التي تشكل أغطية له، وتعمل على خدمة استبداده وطغيانه وتمرير انتهاكاته اليومية لحقوق الإنسان، فيقيم مؤسسة للمرأة، وأخرى لحقوق الإنسان، ومؤسسات أخرى، ومبادرات تتحدث عن الحياة الكريمة، والاهتمام بالإنسان وإنسانيته، بينما تلك السياسات الحقيقية تكذب كل ذلك فتؤكد أن ذلك ليس إلا فائض كلام يحاول فيه أن يغطي فائض سلطانه وطغيانه فيستخدم من الأوصاف أكذبها، ومن المعاني أزيفها، ومن الأقوال زخرفها، كل ذلك يمارسه تحت أعين الجميع؛ يحاول أن يبني مصداقية له في هذا المقام وهو كذوب؛ يتحرى الكذب في كلماته وخطاباته ومواقفه من خلال أدواته وزبانيته وسياساته ومؤسساته.

كل ذلك يطوف بأذهاننا حول المفهوم حينما نجد كلاما مهما يوضح حقيقة تصورات تلك السلطات الباطشة وسياساتها الزائفة، وهو يستحضر كل تلك الترسانة حينما يهم أن يذهب إلى خارج البلاد ليتأكد له في كل مرة وفي كل زيارة لبلد أوروبي أو أجنبي أنه سيواجه بسجله الأسود في حقوق الإنسان والانتهاكات الفاضحة التي تطير أخبارها في كل مكان، وفي وسائل إعلام مختلفة، وهو يعرف أنه مضطر لأن يجيب على سؤال حول حقوق الإنسان، والانتهاكات التي تمارس بصددها.

ففي زيارة المستبد الأخيرة لألمانيا أدلى بتصريحات حول حقوق الإنسان ليذكرنا مرة أخرى بذات المفردات التي تستخدم في هذا المقام على سبيل الكذب والتضليل والزيف والتزوير، مستغلا في ذلك بعض الأمور التي يقوم بها وتقوم تلك الأجهزة بالترويج لها، فهذا حوار وطني يدعو إليه، فيهرول إليه البعض، ويأتي من خارج البلاد بعض المعارضين، ويتحدثون ضمن جوقة الزيف عن إنجازات هذا النظام في المجال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي زورا وبهتانا، وقد كانوا من قبل يتحدثون عن هذه الانتهاكات وتلك التجاوزات بكونها تصدر من نظام فاشي استبدادي.

وحينما تسقط الأقنعة ويستخدم هؤلاء الزيف من الكلام، والزخرف من القول فإن هذا للأسف يشكل غطاء لكل هذه الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان التي تعج بها الأخبار، وتبرز المشاهد تلو المشاهد على صفحات التواصل الاجتماعي لتؤكد أن هذه الانتهاكات الممنهجة هي ديدن هذا النظام ومنهجه في التعامل مع حالة حقوق الإنسان، فإذا ما تحدث البعض عن المعايير ادعى الطاغية أن معايير الحقوق في بلادنا غير تلك البلاد، وحينما يتحدث عن الحقوق السياسية والحق في التعبير فإنه يتطرق إلى حال الشعب وزيادة سكانه، وأن هذا الشعب في حاجة إلى تعليم وصحة وغير ذلك من خدمات، وحينما يتحدث عن الانتخابات فيقول أنه مستعد أن يجريها كل عام على شرط أن يعطوه تمويلا لتلك الانتخابات التي يضمن نتائجها ويزور متحصلاتها، حتى الانتخابات المزورة لم يعد يريد أن يقوم بها !!.

تبقى حقوق الإنسان في التصور الزائف للمستبد الطاغية حول حقوق الإنسان تكذبه كل المشاهد التي تتعلق بضنك الإنسان، وانتهاكات حقوق المواطن والأوطان.ومن هنا تبدو المسألة المركبة في ذلك الشأن في النظر إلى معنى السياسة وموضع حقوق الإنسان منها، فحينما يقوم النظام على اغتصاب السياسة وقتلها ووأد كل قنواتها وتجريم أي معارضة أو احتجاج يمكن أن يقوم هنا وهناك من خلال ترسانة من التشريعات الظالمة والجائرة والاعتقال بلا جريرة، وأنظمة ومؤسسات فاسدة تخدم ذلك؛ سواء كانت أجهزة إعلامية أو أجهزة أمنية، أو أجهزة النيابة العامة، فضلا عن فساد القضاة الذي يمارس في الدولة ضمن مستويات مختلفة، فيؤدي ذلك في حقيقة الأمر إلى تكوين شبكة من مؤسسات الظلم وتكريسه كسياسة تتعلق بجعل هذه الانتهاكات سياسة منظمة، وممارسات ممنهجة.

فالشعب بالنسبة له هو ذلك الشعب الذي يراه قطيعا يقبل الترويض وفق تعبيرات بعض قادة العسكر في تسريباتهم "شعب جعان،.. متنيل بنيلة،... احنا اللي بنقعده وبنقومه،... ونأخذ اللقطة ونلبسه العمة"؛ هذا هو تصور الشعب في وجدانهم، فماذا عن تصور الحقوق بالنسبة لهم إلا أن تكون زيفا أو مجرد زينة وديكور ودعوة إلى فرجة.

هكذا كان حديث الطاغية لا يكرره فقط على مسامع هؤلاء في الداخل ولكنه صار يردده مرة تلو المرة على مسامع الخارج وحكوماته، فإذا سُئل عن حقوق الإنسان نادى عليهم "تعالوا شوفوا حقوق المرأة، والحوار الوطني الذي يجري في مصر، واستراتيجية حقوق الإنسان" مزكيا قيادته، مؤكدا بلسانه أنه يحترم شعبه وحقوق إنسانه، هكذا فإن حقوق الإنسان هي مجال لتلك اللقطة الزائفة، والفرجة الكاذبة على مشاهد زائفة ومزورة، حوار زائف ومشاهد من صنوف من المرأة يستدل بها على تقديره لها، فهو صاحب كشوف العذرية وهو ينتهك حقوقها ليل نهار، كما يقبع بعضهن في سجونه يمارس عليهن كل أشكال الظلم والامتهان والاعتداء والعدوان.

فحديثه ينصرف من بعد ذلك إلى "الفرجة" قائلا "تعالوا شوفوا.." يذكرنا هذا بحزب مبارك المخلوع حينما كان يتألى على الناس بالحقوق حينما أجاب جمال مبارك ـ ابن المخلوع ـ عن حقوق الإنسان أحالهم إلى الموقع الالكتروني للحزب الوطني الذي فيه العديد من حقوق الإنسان التي تعد بالعشرات، فكانت الحقوق بالنسبة له مجرد عبارات على موقع الكتروني لحزب يشكل أداة الطاغية والمستبد في حكم البلاد والعباد، وأشار هذا الابن في حينها أن على الجميع أن يدخل الموقع الالكتروني حتى يتعرف ويتفرج على تلك الحقوق، ولسان حاله ومقاله كأنه يدعوا الناس إلى الفرجة على حقوق الإنسان.

كل هذه الأمور ضمن تلك التصورات والإدراكات هي التي تنتهك المفهوم في حقيقته وجوهره فتزيف النظر إليه وتغفل طقوس الانتهاكات اليومية فيه وفي ممارسته، ثم بعد ذلك يتحول كل هذا إلى لقطات هنا أو هناك لممارسات مشبوهة زائفة لحوار مزور، ولجنة عفو تقوم بإخراج أعداد قليلة، والتغطية على إحلال أعداد أكبر منهم دخولا إلى السجون ضمن سياسة لا تفرط في المخزون الاستراتيجي من السجناء والمعتقلين، تقوم بكل ذلك وتتواتر مشاهد الانتهاكات الأمنية التي تمارس باستخفاف لدرجة قتل هؤلاء تحت التعذيب (من أحدث الحالات شاب عمره 19 عاما)، هكذا تبقى حقوق الإنسان في التصور الزائف للمستبد الطاغية حول حقوق الإنسان تكذبه كل المشاهد التي تتعلق بضنك الإنسان، وانتهاكات حقوق المواطن والأوطان.  

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حقوق الإنسان سياسة مصر مصر حقوق إنسان سياسة رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حول حقوق الإنسان هذه الانتهاکات کل ذلک

إقرأ أيضاً:

وزارة الخارجية والهجرة تحتفل باليوم العالمى لحقوق الإنسان | صور

نظمت وزارة الخارجية والهجرة مساء اليوم الأحد، احتفالاً لإحياء الذكرى الـ ٧٦ لاعتماد "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، بحضور عدد كبير من السادة الوزراء وكبار المسئولين وأعضاء السلك الدبلوماسي بالقاهرة.

استقبل د. بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة كل من المستشار بولس فهمى رئيس المحكمة الدستورية العليا، ود. رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ود. مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، ود. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، ود. أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والمهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، والمستشار محمود فوزي وزير شئون المجالس النيابية، ود. منال عوض وزيرة التنمية المحلية، ود. أسامة الأزهري وزير الأوقاف، ود. عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمستشار عدنان فنجري وزير العدل، والسيد محمد جبران وزير العمل، و د. شريف فاروق وزير التموين، ود. سامح الحفني وزير الطيران المدني، والمستشارة أمل عمار رئيسة المجلس القومى للمرأة، والسيد محمد ابو العنين وكيل مجلس النواب، والنائب طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، ونواب من مجلسى النواب والشيوخ، ووزراء خارجية سابقين. 


وألقى الوزير عبد العاطى كلمة خلال الاحتفال استعرض فيها الخطوات التي اتخذتها مصر على مدار السنوات الأخيرة للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان  بمفهومها الشامل، مشيداً بالدور المحوري الذى اضطلعت به السلطة التشريعية فى تعديل وصياغة التشريعات ذات الصلة بحقوق الإنسان وأبرزها مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، كما أشاد كذلك بالدور الهام للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية العليا  فى حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها. 

كما سلط الضوء على المبادرات التي اتخذتها مصر على مدار السنوات الماضية بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية وأبرزها اعتماد أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان وتنفيذ مستهدافاتها، وإطلاق العديد من المبادرات الحقوقية مثل "حياة كريمة" و"تكافل وكرامة" و"بداية جديدة لبناء الإنسان"، وإطلاق الحوار الوطني، وإصدار قرارات عفو رئاسي.

كما تناول وزير الخارجية إطلاق التقرير السنوي الثالث لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مشيداً بالجهود المبذولة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية من قبل اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان ومختلف الجهات الحكومية والمجالس القومية المتخصصة والمجتمع المدني فى هذا الشأن. 

وشدد على ضرورة إعلاء قيم حقوق الإنسان والتعامل معها بمنأى عن سياسة المعايير المزدوجة، كما اكد على ضرورة تكاتف الجهد الدولى لوقف انتهاكات حقوق الإنسان فى فلسطين. 

ومن جانبه، ألقى المستشار بولس فهمى رئيس المحكمة الدستورية العليا كلمة خلال الاحتفال أكد فيها على الدور الرائد للمحكمة الدستورية العليا فى ترسيخ مبدأ المساواة وكفالة حقوق الإنسان للجميع، واستعرض ما كفله الدستور المصرى لأول مرة من نطاق واسع للحقوق والحريات. 
 

وشارك فى الاحتفال فرقة النور والأمل التي تضم نخبة متميزة من العازفات حيث قدموا مقطوعات موسيقية شرقية وغربية.

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان
  • "القومي لحقوق الإنسان" يطلق مؤتمر اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة
  • وزارة الخارجية تحتفل باليوم العالمى لحقوق الإنسان
  • وزارة الخارجية والهجرة تحتفل باليوم العالمى لحقوق الإنسان | صور
  • تغيير نسبة الـ5%.. قومي حقوق الإنسان يناقش مشكلات ذوي الإعاقة في القانون
  • عضو بـ قومي حقوق الإنسان: هل سيكون هناك مكانًا لذوي الإعاقة في برلمان 2025؟
  • سوريا والعدالة الانتقالية؟
  • «قضاء أبوظبي» تنظم منتدى حول «دور القانون في حماية حقوق الإنسان»
  • قضاء أبوظبي تنظم منتدى حول "دور القانون في حماية حقوق الإنسان"
  • أمين سر «حقوق إنسان النواب»: وعي المواطنين خط الدفاع الأول ضد الشائعات