لينا الموسوي
رسالة محبة أوجهها إلى كل من يحب أبنائه، رسالة نابعة من قلب خاض مسيرة حياة في غربة وعبر من خلالها مجتمعات ودول مختلفة رسالة من قلب والدة قبل أن تكون مهندسة.
رسالة كلماتها تقول "التعلم في الصغر كالنقش في الحجر".. هذه الكلمات البسيطة التي كنَّا نسمعها من والدينا ومدرسينا باستمرار في فترة من الزمن حيث كان المجتمع يهتم في محتواها وتأسيسها.
أول نصيحة في الغربة قد وجهت لي من قبل طبيب هولندي هي "علمي ابنك لغتك" لغة الأم.
وأخذ يسترسل في كلامه عن أهمية تعليم الأبناء لغتهم الأصلية كما سميت بلغة الأم، اللغة التي ينطق بها الوالدان ولحسن حظنا أننا ننطق لغة القرآن اللغة العربية، سميت لغة الأم لأنها تحمل أبعادا كثيرة أعمق من أن تكون كلمات ومعاني ترتب لينطق بها؛ حيث إنها تحمل بين تردداتها روح الأم وأحاسيسها، عاداتها ودينها وتقاليدها، حبها وهمساتها وأناشيدها فما بالك بأننا ننطق لغة القرآن الكريم، وإن كانت صعبة؛ فمع مرور الوقت يتم إدراك معانيها وفهمها والتقاط ما يقال منها في المساجد والمدارس والكتب وفهم الآيات والأحاديث والعبر.
وقد أدركت كلام الطبيب وحاولت جاهدة أن أحافظ على تعليم ابني اللغة العربية ولو النطق وإن كانت اللهجة الدارجة وليست الفصحى، كان من الصعب جدًا على الأولاد وهم يترعرعون في مجتمع غربي نطق اللغة العربية وغالبًا ما كانت غير مرغوب فيها.
لتعليم لغة الأم أبعاد مهمة جدًا وضرورية لنشأة الأبناء حيث ترسخ وتثبت أقدامهم وتمدهم بثقة داخلية تعزز فيها انتماءهم إلى أصولهم؛ لأنه من خلال تعلم لغته تفتح له أبواب أخرى فيتعلم تاريخه وأصوله ودينه خلال مسيرته الحياتية.
وأكثر ما يُؤلمني الآن في دولنا الأم، تداخل اللغات الأجنبية وخصوصا الإنجليزية غير الصحيحة النطق، بدلًا من اللغة الأم: اللغة العربية؛ لاعتقاد الآباء بأنها اللغة الأكثر فائدة وأنها مصدر الرقي والتحضر!
إنَّ تعلم اللغات الأجنبية لأمر إيجابي ومهم لمستقبل الأبناء، لكن يكون ذلك مع إتقان لغتهم الأصلية؛ لأنَّ خلط اللغات في التعامل اليومي خلال المراحل التربوية وتداولها بين أفراد الأسرة يشكل خطرًا كبيرًا جدًا على نشأة الأبناء، وبناء أسس شخصياتهم دون أن يشعر الوالدان، فإذا أتقن الطفل لغة الأم يستطيع عقله أن يصنف أي لغة غريبة أخرى يتعلمها بصورة صحيحة.
والخلط بين اللغات والكلمات بين الأم والطفل من أخطر الحالات التي تساهم في حيرة الطفل واهتزاز شخصيته وعدم معرفته إلى أي فئة مجتمعية ينتمي. وللأسف الشديد نجد أن الكثير من الأمهات اللاتي يعشن في أحضان دولهن الأم؛ الدول التي أكرمها الله تعالى باللغة العربية لغة القرآن يتحدثن مع أبنائهن بلغات مخلوطة دون أن يدركن خطورة ذلك على تركيبة شخصيات أبنائهن مع مرور الوقت، والتي تفقدهم روح الأم الحقيقية وانتماءها ومشاعرها فيصبح داخليا غير منتمٍ لأي من المجتمعات باحثًا عن ذاته.
لذلك حبيبتي الأم.. أولادنا أكبادنا، فلنتقن لغتنا الأصلية فالبسيط منها قد يكون جدارًا يستند عليه مستقبل أبنائنا.
هذه هي رسالتي، علموا أبناءكم الذين يحظون بنعمة وجودهم بين أحضان دولهم الأم، اللغة العربية، وإن كانت اللهجة العامية؛ لأنها لغة القرآن أولًا ولغتهم الأم ثانيًا، ولتحافظوا على تكوين شخصياتهم وتثبيت أقدامهم وانتمائهم إلى مجتمعاتهم ودينهم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دراسة الحمض النووي تكشف لغز أقدم لغة في أوروبا
أظهرت دراسة جديدة للحمض النووي أن لغة الهندو-أوروبية التي يتحدث بها ما يقرب من نصف سكان العالم اليوم نشأت من سكان قدامى عاشوا في مناطق جبال شمال القوقاز ومنطقة الفولجا السفلى في أوراسيا.
تتضمن هذه العائلة اللغوية عدة فروع مثل الجرمانية، والهندو-إيرانية، والكلتية، التي كانت تنحدر من لغة واحدة تُسمى "اللغة الهندو-أوروبية البدائية". على الرغم من أن أصل هذه اللغة كان لغزًا طويلًا، إلا أن هذه الدراسة كشفت عن تفاصيل هامة.
تفاصيل الدراسة
قام باحثون من جامعة فيينا بتحليل عينات الحمض النووي لـ 435 شخصًا من مواقع أثرية في أوراسيا، تعود إلى فترة بين 6400 قبل الميلاد و2000 قبل الميلاد. النتائج أظهرت أن السكان الذين عاشوا في السهوب بالقرب من جبال شمال القوقاز ونهر الفولجا السفلي كانوا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بكافة المتحدثين باللغات الهندو-أوروبية في الوقت الحالي.
شعب يامنايا ودوره في انتشار اللغات
السكان الذين تم التعرف عليهم حديثًا تحت اسم "CLV"، عاشوا بين عامي 4500 و3500 قبل الميلاد، وكانوا يرتبطون بمجموعة اللغات الهندو-أوروبية. الهجرة الواسعة التي قام بها شعب يامنايا ساهمت في انتشار هذه اللغات في مختلف أنحاء أوراسيا، وخاصةً من عام 3100 قبل الميلاد إلى 1500 قبل الميلاد، وكان لها تأثير كبير على الجينوم البشري الأوروبي.
اللغات الأناضولية
ومع ذلك، يختلف الفرع الأناضولي للغات الهندو-أوروبية عن باقي الفروع. تشمل اللغات الأناضولية مثل الحثية، وتعد الأقدم بين فروع هذه العائلة. ومن المثير أن هذا الفرع لا يظهر أي أصول سهوبية، ويُعتقد أن شعبًا مختلفًا عن شعب يامنايا قد تحدث بهذه اللغات.
من خلال التحليل الجيني، توصل الباحثون إلى أن مجموعة CLV كانت مرتبطة بـ 80% من أسلاف شعب يامنايا. وقد ثبت أن هذه المجموعة هي الأصل المحتمل للغات الهندو-أوروبية، بما في ذلك اللغة الهندو-أناضولية التي كانت سلفًا للغات مثل الحثية.
في النهاية، أكد الباحثون أن اكتشاف هذه المجموعة يُعتبر نقطة تحول هامة في فهم تاريخ اللغات الهندو-أوروبية، وقد يساعد في إعادة بناء أصول هذه اللغات وكيفية انتشارها عبر أوروبا وآسيا.