جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-05@23:39:52 GMT

رسالة محبة

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

رسالة محبة

 

لينا الموسوي

رسالة محبة أوجهها إلى كل من يحب أبنائه، رسالة نابعة من قلب خاض مسيرة حياة في غربة وعبر من خلالها مجتمعات ودول مختلفة رسالة من قلب والدة قبل أن تكون مهندسة.

رسالة كلماتها تقول "التعلم في الصغر كالنقش في الحجر".. هذه الكلمات البسيطة التي كنَّا نسمعها من والدينا ومدرسينا باستمرار في فترة من الزمن حيث كان المجتمع يهتم في محتواها وتأسيسها.

كلمات تربوية تم تطبيقها بحذافيرها في مجتمعات الغرب في المراحل العمرية المتقدمة لتأسيس أجيال موحدة منظمة تتبع منهجا تربويا واحدا ضمن نظام واحد.

أول نصيحة في الغربة قد وجهت لي  من قبل طبيب هولندي هي "علمي ابنك لغتك" لغة الأم.

وأخذ يسترسل في كلامه عن أهمية تعليم الأبناء لغتهم الأصلية كما سميت بلغة الأم، اللغة التي ينطق بها الوالدان ولحسن حظنا أننا ننطق لغة القرآن اللغة العربية، سميت لغة الأم لأنها تحمل أبعادا كثيرة أعمق من أن تكون كلمات ومعاني ترتب لينطق بها؛ حيث إنها تحمل بين تردداتها روح الأم وأحاسيسها، عاداتها ودينها وتقاليدها، حبها وهمساتها وأناشيدها فما بالك بأننا ننطق لغة القرآن الكريم، وإن كانت صعبة؛ فمع مرور الوقت يتم إدراك معانيها وفهمها والتقاط ما يقال منها في المساجد والمدارس والكتب وفهم الآيات والأحاديث والعبر.

وقد أدركت كلام الطبيب وحاولت جاهدة أن أحافظ على تعليم ابني اللغة العربية ولو النطق وإن كانت اللهجة الدارجة وليست الفصحى، كان من الصعب جدًا على الأولاد وهم يترعرعون في مجتمع غربي نطق اللغة العربية وغالبًا ما كانت غير مرغوب فيها.

لتعليم لغة الأم أبعاد مهمة جدًا وضرورية لنشأة الأبناء حيث ترسخ وتثبت أقدامهم وتمدهم بثقة داخلية تعزز فيها انتماءهم إلى أصولهم؛ لأنه من خلال تعلم لغته تفتح له أبواب أخرى فيتعلم تاريخه وأصوله ودينه خلال مسيرته الحياتية.

وأكثر ما يُؤلمني الآن في دولنا الأم، تداخل اللغات الأجنبية وخصوصا الإنجليزية غير الصحيحة النطق، بدلًا من اللغة الأم: اللغة العربية؛ لاعتقاد الآباء بأنها اللغة الأكثر فائدة وأنها مصدر الرقي والتحضر!

إنَّ تعلم اللغات الأجنبية لأمر إيجابي ومهم لمستقبل الأبناء، لكن يكون ذلك مع إتقان لغتهم الأصلية؛ لأنَّ  خلط اللغات في التعامل اليومي خلال المراحل التربوية وتداولها بين أفراد الأسرة يشكل خطرًا كبيرًا جدًا على نشأة الأبناء، وبناء أسس شخصياتهم دون أن يشعر الوالدان، فإذا أتقن الطفل لغة الأم يستطيع عقله أن يصنف أي لغة غريبة أخرى يتعلمها بصورة صحيحة.

والخلط بين اللغات والكلمات بين الأم والطفل من أخطر الحالات التي تساهم في حيرة الطفل واهتزاز شخصيته وعدم معرفته إلى أي فئة مجتمعية ينتمي. وللأسف الشديد نجد أن الكثير من الأمهات اللاتي يعشن في أحضان دولهن الأم؛ الدول التي أكرمها الله تعالى باللغة العربية لغة القرآن يتحدثن مع أبنائهن بلغات مخلوطة دون أن يدركن خطورة ذلك على تركيبة شخصيات أبنائهن مع مرور الوقت، والتي تفقدهم روح الأم الحقيقية وانتماءها ومشاعرها فيصبح داخليا غير منتمٍ لأي من المجتمعات باحثًا عن ذاته.

لذلك حبيبتي الأم.. أولادنا أكبادنا، فلنتقن لغتنا الأصلية فالبسيط منها قد يكون جدارًا يستند عليه مستقبل أبنائنا.

هذه هي رسالتي، علموا أبناءكم الذين يحظون بنعمة وجودهم بين أحضان دولهم الأم، اللغة العربية، وإن كانت اللهجة العامية؛ لأنها لغة القرآن أولًا ولغتهم الأم ثانيًا، ولتحافظوا على تكوين شخصياتهم وتثبيت أقدامهم وانتمائهم إلى مجتمعاتهم ودينهم.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أمي.. ظل لا يغيب

 

سلطان بن محمد القاسمي

في سكون الليل الحالك؛ حيث يستتر العالم تحت وشاح الظلام، تبقى نجمة واحدة تلمع في سماء قلبي، تلك هي أمي. كانت تلك الروح النابضة بالحياة، التي علمتني كيف أعتنق النور حتى في أشد الأيام ظلمة.

محرومٌ جدًا من لا يعشق ظلًا في الدار ينطقها العالم أمًّا، ويحكيها القلب روحًا، ويترنمها القول أنغامًا. محرومٌ جدًا من يسكن بجوار الحب ولا يدري كيف يحياه ويعيشه. محرومٌ جدًا من لا تحتفل به أمه عمرًا، ذاك الذي يتصدق بكلمة في يوم الأم، والأم هي الأيام، والحب، بل هي أنت.. يا أنت.

الأم، يجهل قدرها من لا قدر له، من لا علم له، من لا فهم له، من لا تشغله إلّا نفسه. وقد يشعر بعد فوات الأوان، بعد أن يخسرها، كم ضيع من عمره أيامًا وأيامًا كانت لتكون أبهى لو جلس عند قدمي أمه، يطلب رضاها ودعاءها، وتقبيل كفها ورأسها، ويتلمس في عينيها ما ترغب، فيلبي لها قلبه قبل يديه، ويسعى ليسُرَّها بروحه قبل جيبه. من فَقَدَ أمه ولم يُرضها فَقَدَ الكثير الكثير، فمن يكافئ الأم بعد الفقد؟ لا أحد.. إلا قلب آمن بالله، أرضاها من قبل، وأسعدها بعد بعمل صالح، وصدقة مستمرة، ودعاء عريض آناء الليل وأطراف النهار.

وأنا لم أكن أظن يومًا أني سأفقد ذلك الظل الظليل بهذه السرعة.. ما كنت أظن.. أن الآجال تتخطف الناس من حولي على حين غرة.. وإن كانت أمي ومن قبلها أبي.. ولو كنت بأمس الحاجة لهما.. لكنه أجل لا بُد أن يأتي.. ولا بُد لي أن أبرّ وأن أُحسن لمن فقدت .. فإني أظنُّ - وهذه المرة أثق بظني- أن ما أقوم به سيصل إليهما سرورًا وسعادةً.. ومحبةً وفرحًا.. كأنني أراهما الآن يضحكان لكلماتي.. يبتسمان... ينتشيان.. يتعانقان.. وكأنني أسمع لصوتهما صدى يقول: رضي الله عنك.. يا بني.. كما أرضيتنا.. واسعدك كما أسعدتنا..  وكأنني اسمع صدى الوحي يردد: "وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا"..

أمي، ذاك الاسم الذي يكتنفه الحب الخالد والحنان الذي لا يفتر. في رحيلك، يا أمي، خلّفت خلفك فراغًا لا يملؤه الزمن، وذكريات تفوق العد. كنتِ مثال العطاء بلا حدود، والصبر الذي يقهر الصعاب، والأمل الذي لا يعرف المستحيل. في وجودك كانت الحياة أكثر إشراقًا، وفي غيابك بات كل شيء يحمل لون الحنين.

لقد علمتني، بصمتك النبيل، دروسًا عظيمة في الحب والتضحية. كنت تنسجين من روحك ثوبًا يحتوينا، يحمينا من قسوة الأيام وبرودة الوحدة. كنت لنا السند الذي إن مالت به الدنيا، تماسك ولم ينثني.

أتذكر الآن كيف كانت يداك تلك البوصلة التي تهديني خلال عواصف الحياة. لم يكن هناك خوف يستطيع أن يقتحم سكون الليل طالما كنت أستمد الأمان من صدرك. كنتِ اللحن الذي يتردد في أعماقي، يوقظ فيّ الأمل ويبعث النور في دروبي المظلمة.

يا أمي، في كل مرة تشرق الشمس أراك في أشعتها الذهبية، وفي كل مساء إذ تغفو الأفق تحت طيات الغسق، أرى ظلك يمتد على جدران قلبي. لقد كنتِ لي الدفء في برد الوحدة، والسلوان في لحظات الأسى. كيف لا، وأنتِ من علمتني أن الحب لا يعرف حدودًا ولا يقيده زمان أو مكان.

رحيلك، يا أمي، كان كسرًا لا يُجبر، لكن في كل يوم أجد فيه قوة أن أمضي، أعلم أنه بفضل القوة التي زرعتيها فيّ. وأنا الآن، إذ أكتب هذه الكلمات، أحاول أن أرسم من حروفي صورة لمحبتك، أتأمل أن تحلق فوق عالمي كطائر الفينيق الذي يولد من جديد من تحت الرماد.

لم يكن حبك مجرد مشاعر تتردد في أرجاء البيت؛ بل كان عملًا مُستمرًا، صلة لا تنقطع، تعبيرًا عن الجمال في أسمى معانيه. في كل زاوية من هذا البيت، في كل لمسة على الأثاث، في كل قطعة من الزهور التي زرعتها، أرى بصمات يدك التي لطالما كانت مصدر إلهامي وأماني.

أمي الغالية، اليوم أنتِ لست بيننا بجسدك، لكن روحك تظل تحوم حولنا، توجهنا وترعانا. أشكرك على كل ما قدمتيه، وإن كانت الكلمات لا تفي حقك أبدًا. سأحمل ذكراك في قلبي، كعهدٍ أبديٍّ بأنني سأظل أحبك وأذكرك، حتى يوم أن نلتقي مجددًا في عالمٍ لا يعرف الفراق.

في رثائك، يا أمي، لن أقول وداعًا، بل إلى اللقاء. لأنني أعلم أن كل نسيم يحمل إليّ عطرك، وكل ضحكة تذكرني بصوتك، وكل دمعة تعكس صورتك. فأنتِ هنا، معي، دائمًا وأبدًا، في القلب تسكنين، وفي الروح تعيشين.

من كانت له أم تنعم بالحياة، فلينعم هو ببرها، ومودتها، ولا يضيع يومًا دون أن يبرها ولو بكلمة، الخسارة الحقيقية ليست خسارة المال، ولا الوظيفة، الخسارة الفادحة فَقْدُ الأم، لأنها خيمة لك من برد وحر، وأُنس لك من وحشة وفقر، ووطن لك من غربة ووحدة. الأمُّ جنة الله في الأرض، فاسكنوها واعمروها وانعموا بأفيائها وخيراتها، فإن من ورائنا يوم فقد شديد وعصيب. وكم أني حزين لفراقها، وأسعى لأن أعوِّض ذلك في أن أقص على أولادي أجمل قصة في حياتي هي قصة أمي..

تعجَّل.. يا من لك أُمٌّ تعيش معك.. بالقرب منك.. لا تُطل بينها المسافات.. وتُعكِّر عليها أيامها.. لاتُسئ إليها.. أحسن ثم أحسن ثم أحسن... فإن للمحسنين سرورًا.

رحم الله أمهاتنا جميعًا، ومنح الأحياء منهن صحة وسلامة وعزيمة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تحتفل بتخريج دفعة جديدة من كلية اللغات والترجمة
  • حصول "تعليم بني سويف" على المركز السابع في مسابقة التحدث باللغة العربية
  • وزير الأوقاف مخاطبا الأئمة والخطباء: «أنا داعم لكم.. واحتاج لـ كل موهوب ومبدع»
  • «أمانة الأوقاف» تدعم مشروع اللغة العربية في «التعريف بالإسلام»
  • الحمل والحوت والجوزاء والقوس.. أكثر الأبراج محبة للسهر
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُطلق أربعة إصدارات جديدة عن”واقع اللغة العربية في العالم”
  • غدا.. القومي لثقافة الطفل يستأنف صالون "محبة الوطن"
  • أمي.. ظل لا يغيب
  • نائب رئيس جامعة الفيوم يتفقد امتحانات الدراسات العليا بكليتَي الخدمة الاجتماعية والعلوم
  • الفيوم تحصد المركز الأول في بطولة الجمهورية لألعاب القوى