التلفيق الاعلامي الإسرائيلي لقضية السود في إسرائيل

في مجتمعات الاستعمار الاستيطاني ، تتباين الثقافات الفرعية لمكونات هذه المجتمعات القهرية، وهو الحال ذاته في إسرائيل.

الطبيعي في ظل التمييز العنصري ان يحتقن مجتمع السود في باطن المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي، وأن ينفجر بوجه هذا التمييز في أرض "الميعاد" المزيف.

ليس من الذكاء اختصار الصورة بانها بين "أنصار أسياس افورقي وبين معارضيه"، وقد يُفهم ان يلجأ معارضوه لإسرائيل، لكن ما معنى لجوء انصاره بهذا الزخم لاسرائيل؟

الرواية الإسرائيلية تقدم المظاهرات الأخيرة لليهود الإريتريين كصراع بين أنصار الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ومعارضيه، ولما تدخلت الشرطة الإسرائيلية اصطدم المتظاهرون بها.

تحاول الرواية الإسرائيلية إبعاد "التمييز العنصري" عن "الديمقراطية الوحيدة بالشرق الاوسط" وأن الامر صراع بين إريتريين، لا تستقيم وسجل العلاقة بين أجهزة الأمن والسود في إسرائيل.

* * *

ككل مجتمعات الاستعمار الاستيطاني ، تتباين الثقافات الفرعية لمكونات هذه المجتمعات القهرية ، وهو الحال ذاته في اسرائيل، ولن اتوقف عند الثقافات الفرعية كلها( عرب-يهود- سفارديم -اشكناز – حريديم – روس -المان و...الخ).

بل سأتوقف عند مجتمع السود في اسرائيل، والذي كانوا موضع عناية وسائل الاعلام الدولية في الايام الاخيرة بسبب المظاهرات والاصطدام مع الشرطة ووقوع اصابات تفوق المعدل المعتاد في مظاهرات اسرائيل.

تتضارب أعداد السود في اسرائيل بشكل كبير، لكن الرقم الاقرب الى التداول هو ما بين 200 الى 220 الف اسود ، وهم يتوزعون على 3 مجموعات هي:

أ‌- العبرانيون السود: وهم اليهود السود الذين جاءوا من الولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي في معظمهم ويقدر عددهم بحوالي 25 الف نسمة.

ب‌- اليهود الأفارقة وأغلبهم من أثيوبيا، وهم الذين جاءوا في فترة الثمانينات بتسهيلات ساهم فيها الرئيس السودان الاسبق جعفر النميري، وعددهم يقارب 155 الف نسمة.

ت‌- اللاجئون الأفارقة السود: وهم ليسوا يهودا ،واغلبهم من طالبي اللجوء او الباحثين عن العمل ، وأغلبهم من إريتريا ومن جنوب السودان، وقد عبر اغلبهم من افريقيا الى فلسطين المحتلة عبر صحراء سيناء خلال فترة 2012-2014، اثناء الاضطرابات في مصر.

وساعدهم بدو سيناء في العبور، ثم تقلص عبورهم بعد أن أكملت مصر واسرائيل بناء حاجز طولة 230 كم عام 2015 على الخط الفاصل بين سيناء وفلسطين المحتلة. ويبلغ عددهم ما بين 30-40 الف ويقيم اغلبهم في تل ابيب وميناء ايلات.

اليهودي الأبيض واليهودي الأسود

حاولت الرواية الاسرائيلية ان تقدم المظاهرات الأخيرة لليهود الإريتريين على انها صراع بين انصار الرئيس الإرتري أسياس أفورقي، (يحكم منذ 1993، (وهم اصحاب الراية الحمراء) وبين معارضيه (اصحاب الراية الزرقاء)، وعندما تدخلت الشرطة الاسرائيلية اصطدم المتظاهرون معها .

هذه الرواية التي تنطوي على محاولة ابعاد "التمييز العنصري" عن "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، وان الامر ليس الا صراعا بين الإريتريين ، لا تستقيم وسجل العلاقة بين الاجهزة الامنية الاسرائيلية والسود على اختلاف منابتهم وأصولهم في اسرائيل، ويكفي التذكير بما يلي:

أ‌- تشكيك الدوائر الدينية اليهودية في يهودية العبرانيين السود القادمين من امريكا في الستينات

ب‌- رفض تبرعات الدم التي قدمها اليهود السود بخاصة الاثيوبيين لبنوك الدم الاسرائيلية بحجة "التلوث" عام 1996 والذي فجر اضطرابات بهذا الخصوص.

ت‌- في مظاهرات السود عام 2012 وصفهم نيتنياهو بانهم " اغرقوا الدولة ويهددون النسيج الاجتماعي للمجتمع الاسرائيلي"

ث‌- في مواجهات متجددة مع اليهود السود الاثيوبيين عام 2019 وصفهم عضو الكنيسيت الاسرائيلي ميري ريغيف (Miri Regev ) بان هؤلاء السود "سرطان في الجسد الاسرائيلي"، بينما وصفهم الحاخام اسحق يوسيف بانهم "قردة".

ج‌- التعقيدات الادارية المنهكة للاسود المهاجر لاسرائيل ، فطبقا للقانون الاسرائيلي على الاسود ان يجدد اقامته كل 3 شهور والا يوضع في الحجز الى حين ايجاد طريقة لترحيله، وهو ما اعاد نيتنياهو هذه الايام تكراره من ضرورة ترحيل كل الذين شاركوا في مظاهرات العنف خلال اليومين الماضيين من السود.

ح‌- عند النظر في احصاءات العنف في المجتمع الاسرائيلي طبقا للمصادر الاسرائيلية يتبين ان نسبة السود وهي حوالي 1.5% من المجتمع الاسرائيلي ، يعانون من تمييز ابرز ملامحه تظهر في المؤشرات التالية :

1- - ضحايا العنف منهم هي الاعلى وتصل الى 320% قياسا لنسبتهم السكانية مقابل 223% بين العرب الفلسطينيين و 160% بين اليهود الروس و 53% بين بقية اليهود

2- نسبة السجناء منهم الى نسبة عددهم السكاني تصل الى 760%

3- 40% من الجنود السود في الجيش الاسرائيلي تعرضوا للسجن.

4- اقتصاديا، يشكل دخل اليهودي الاسود مقارنة بدخل اليهودي الأبيض اقل من 20%.

5- الفارق في المستوى التعليمي بين اليهودي الابيض واليهود الاسود هو 18% لصالح الابيض.

ماذا يعني ذلك؟

من الطبيعي في ظل هذا التمييز العنصري ان يحتقن مجتمع السود في باطن المجتمع الاسرائيلي،وان ينفجر في وجه هذا التمييز في "أرض الميعاد" المزيفة، وليس من الذكاء اختصار الصورة بانها بين "أنصار أسياس افورقي وبين معارضيه"، وقد يُفهم ان يلجأ معارضوه لإسرائيل، ولكن ما معنى ان يلجأ انصاره وبهذا الزخم لاسرائيل؟

*د. وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية، باحث في الاستشراف والمستقبليات

المصدر | facebook.com/walid.abdulhay

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل العنف إريتريا الاستعمار الاستيطان التمييز العنصري أسياس أفورقي التمییز العنصری فی إسرائیل فی اسرائیل السود فی

إقرأ أيضاً:

بمسيّرات انقضاضية.. هجوم جديد لحزب الله على شمال اسرائيل

أعلن الاعلام الحربي في حزب الله ان عناصر الحزب، وردًا على ‌‏الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل الآمنة والاعتداء على المدنيين، ‏شنّوا يوم السبت 6-07-2024 هجومًا جويًا بسرب من المسيرات ‏الانقضاضية على مربض المدفعية التابع للكتيبة 403 التابع للفرقة 91 في بيت هلل ‏الذي اعتدى ‏بالأمس على قرانا وأهلنا وأصابت أهدافها بدقة مما أدى إلى اشتعال النيران فيه.

مقالات مشابهة

  • بنكيران: إيران محور المقاومة وأنا لست ضد اليهود
  • موقع: دولة عربية أجلت 100 يهودي يمني لمصر تمهيدا لنقلهم إلى فلسطين المحتلة
  • خلال جلسة للحكومة الإسرائيلية.. نتنياهو ووزراء يهاجمون غالانت بسبب “الهزيمة في الحرب”
  • ابن كيران: اسرائيل دولة غاشمة ووحشية ولا يصلح معها أي تواصل أو تعاون
  • القذائف الاسرائيلية سقطت بين المنازل في هذه البلدة الجنوبية
  • المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان تزور اسرائيل.. وتشديد على الحاجة لاستعادة الهدوء
  • مصادر في الموساد: هناك أمل كبير في الوصول إلى صفقة
  • الجيش الاسرائيلي: مقتل ضابطين بمعركة في قطاع غزة
  • 29 شهيداً في اليوم الـ 274 للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة
  • بمسيّرات انقضاضية.. هجوم جديد لحزب الله على شمال اسرائيل