قبل أيام حضرت ندوة حول (اللبان والتراث الثقافي) بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه الثقافية وجمعتني المناسبة بأستاذي عوض بن مسلم زعبنوت الذي أعادني وأنا أسلّم عليه إلى مقاعد المدرسة السعيدية في عام 1973م عندما كنت تلميذًا في المرحلة الابتدائية، كان الصف مكتّظًا بالتلاميذ وكانت جدران المبنى من أحجار القص المعروفة في محافظة ظفار وسقفه من الخشب ولم تكن هناك مكيفات للهواء البارد، فقط كانت هناك مراوح، وكانت الساحة واسعة جدًّا تسمح بإقامة الطابور وتحية العلم، وكذلك تتيح ممارسة الأنشطة البدنية ونشاط الكشافة، وكان بالمدرسة مسجد ومواضئ، كان اليوم الدراسي الأول بالنسبة لي تجربة فريدة لا تزال ماثلة في عقلي، كان ذلك هو اليوم الأول لي بالمدرسة.
ذهبت مع إخواني الذين كانوا قد سبقوني إلى المدرسة بعام دراسي، واجتازوا الصف الأول الابتدائي، وكنت أظن أنني سأدرس في الصف الأول أسوة ببقية التلاميذ الجدد، لكنني وجدت نفسي وحيدا في ساحة المدرسة بعد أن انتهى الطلاب من الطابور، فاقترب مني مدير المدرسة يومئذ المرحوم الأستاذ محمد بن علي العيدروس بملامحه المهيبة ووجهه الودود وبهيئة ناظر مدرسة وقور، وسألني بكل لطف ومودة: يا ولدي ليش ما رحت صفك؟! فأخبرته بأنني تلميذ جديد، فطلب مني أن أحضر بعد عشرين يومًا عندما تبدأ دراسة الصف الأول الابتدائي، لكنني وبرغبة عارمة أخبرته أنني اقرأ وأكتب! وبدون أن يسألني صحبني إلى الأستاذ محمد بن أحمد شروبة المعلم الذي كان يعمل بالمدرسة، فاستقبلني بابتسامة في الصف الثاني الابتدائي حيث كان يدرس أخي وأبناء عمي، وفي غضون ربع ساعة تقريبًا أخضعني لاختبار مباشر قصير في القراءة والكتابة والجمع والطرح، وتم تسجيلي في نفس اليوم بالصف الثاني الابتدائي، واستلمت كتبي الدراسية التي ما زلت أتذكر رائحتها وملمسها الناعم وهي مقررات دراسية صادرة عن وزارة التربية والتعليم بدولة قطر الشقيقة، وفي نفس اليوم وجدتني تلميذًا مع الأستاذ عوض زعبنوت الذي كان شابًّا لطيفًا دمثًا، يلبس دشداشة بيضاء جديدة ويتمصر عمامة بيضاء وتفوح منه رائحة عطر زكية، استقبلني ذلك المعلم الشاب بابتسامة وترحاب أشعرني بالأمان، ولم يكن يستخدم الضرب مطلقا، كان يعلمنا بالملاطفة ويلجأ إلى تعليم الأقران أحيانًا؛ لتبسيط ما كان يعلمنا من قراءة وكتابة وحساب ومحفوظات، ولم يكن يستخدم العصا كبقية المعلمين، وكان ودودًا يشجعنا على التعلم والمشاركة وكان يحرص كثيرًا على إكسابنا قيم النظافة ويأخذنا إلى المواضئ ويعلمنا بالمحاكاة كيف نتوضأ وكيف نصلي ثم يعيدنا إلى الصف.
وكان يحببنا في الدراسة بالرغم من أنه لم يكن يومئذٍ قد أنهى المرحلة الإعدادية، وكان يكمل تعليمه في تعليم الكبار مساء كما علمت لاحقًا، وقد صرنا زملاء بالصف الأول الثانوي لاحقًا، كان هذا المعلم قدوة بالفطرة في كل شيء، في هيئته وأخلاقه وتعامله معنا، وقد طبع هذه الصورة المضيئة في ذاكراتي التي جعلتني أنحني لأقبل يده المعطاءة، فهو من النماذج التي حببتني في دراسة التربية ومتابعة حياتي المهنية فيها بمختلف مجالاتها ومراحلها.
د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الصف الأول
إقرأ أيضاً:
اليوم.. عرض فيلم "غزة التي تطل على البحر" ضمن مسابقة آفاق السينما العربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يشهد اليوم، العرض العربي الأول للفيلم "غزة التي تطل على البحر" ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، والتي تقام ضمن فعاليات الدورة الـ 45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
فيلم "غزة التي تطل على البحر" وثائقي، تدور أحداثه في قلب قطاع غزة ينتقل ٤ رجال عبر مسارات متباينة سعيا وراء تعريفاتهم الخاصة بالنجوم و تتشابك مصائرهم وسط تعقيدات الحياة والحب والبقاء وبينما تتكشف أحداث الفيلم ينغمز المشاهدون في الحياة اليومية لهؤلاء الرجال ومراقبة انغماسهم في روتين حياتهم جنبا إلى جنب مع عائلاتهم فب مدينتهم الحبيبة.
ينطلق عرض الفيلم الذي تبلغ مدته 82 دقيقة، في تمام الساعة السادسة مساءً، بالمسرح الصغير في دار الأوبرا المصرية، وهو من إخراج محمود نبيل أحمد.
وتستمر فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي حتى يوم 22 نوفمبر الجاري، بمشاركة 190 فيلمًا من 72 دولة بالإضافة لحلقتين تلفزيونتين، وتشمل الفعاليات 16 عرضًا للسجادة الحمراء، و37 عرضًا عالميًا أول، و8 عروض دولية أولى، و119 عرضًا لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، هو أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي وأفريقيا وينفرد بكونه المهرجان الوحيد في المنطقة العربية والأفريقية المسجل ضمن الفئة A في الاتحاد الدولي للمنتجين بباريس "FIAPF".