جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-08@20:59:15 GMT

لن تكسب الحكمة دون ألم

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

لن تكسب الحكمة دون ألم

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

كلما تأملنا في أسرار حياتنا التي نعيشها، وفي طبائع الأشياء، ظهر لنا جليًا أنه كلما امتلكنا رؤية أعمق وأشمل لواقعنا، ظهرت حاجتنا إلى أن لا نثقل كاهلنا أكثر مما تحتمل أنفسنا، نزولا عند قوله تعالى: "لا يُكلّفُ اللّهُ نفسًا إلّا وُسعها"، بمعنى أن الله لا يُطالبنا ولا يُحملنا ما لا يدخل تحت طاقتنا، أو يشق علينا مشقة كبيرة، ولكننا كثيرًا ما نحمّل أنفسنا ما لا تُطيق ونتحسر على الأشياء في حياتنا، ونعبّر عنها آهات ونكتبها قصائد وقصصًا.

فهل يكتب المرء أنفاسه التي تتردد، أو قطرات دمه العابرة في عروقه، أو أقسام روحه الهائمة؟ الذي يتكلم أو يكتب عن الآخرين يكتب ليُعبر عن نفسه، فكيف إذا كان الآخر هو النفس والنفيس والروح الساكنة في الجسد، وعادة ما تبدو الإجابات ذات طابع خيالي، إما مُغرقة في التفاؤل أو على النقيض، إجابات غارقة في السوداوية التي تنظّر لواقع مليء بالمشكلات والأزمات والبؤس، ومقالنا هذا نبدأه بسؤال مفاده هل كسبنا الحكمة لفهم حقيقة واقعنا الذي نعيشه كُلما هبت ريحُ الخطر على قيم مجتمعنا وجماله؟ وكيف يمكن أن يتجرد كل واحد منا من رداء الفردية الزائل ليدخُل معبد الفكر الخالد ويتكلم باسم المجتمع الواحد المُتحد.

الفرد منَّا والمجتمع وجهان لعملة واحدة؛ حيث تعد علاقتنا ببعض علاقة تبادلية بصفة عامة يعتمد فيها كلٌ منَّا على الآخر ونؤثر في بعضنا البعض، وحين يعرض الفرد منَّا نفسه لابتلاءات قاسية فإنه يضع نفسه ومجتمعه على حافة الخطر؛ حيث لا ضمانة لصبره على ما جره لنفسه من البلاء، ولا ضمان لنجاحه في الاختبار الصعب الذي قرر الدخول فيه، وقد نرى ونسمع الكثير الكثير من نكثوا على أعقابهم نتيجة تحميلهم لأنفسهم ما لم يحملهم الله تعالى إياه، وكانت النتيجة أنهم فقدوا الحكمة وانتهوا إلى لا شيء، لا كم ولا كيف، لأنَّ كل شيء نحمله فوق طاقته سنخسره أو نكاد.

خسارتنا لما نحمله فوق طاقته أشكال وألوان، قد تتجلى الخسارة في فقد الشيء وانعدامه، كما لو ضغطنا على كأس زجاج رقيق أكثر من طاقته على الاحتمال فيصبح عدما، وقد تتجلى الخسارة في فقد الوظيفة، والخسارة في بعض الأحيان تأتي في فقد فاعليتنا، وقد تتجسد الخسارة في عدم القدرة على الاستمرار.

 

هذا الألم سيظل موجودًا دائمًا ضمن واقع الحياة المجتمعية، ولكن ماذا عن واقعنا الآن؟ ونحن بصدد سطوة وسائل التواصل الاجتماعي حيث استشراء ظاهرة الرسائل والتغريدات، هل يُشكِّل هذا الفضاء الحيوي الجديد ميدانًا للخسارة والألم؟ أم أن الحكمة ستكون حاضرة تقصي الألم وتطرد الخسارة؟ بحيث تحظى الحكمة بالمكانة والحضور المنشود في فضائنا الافتراضي؛ سواءً على صعيد الموضوع أو الشكل، وعلينا أن نضع نصب أعيننا أننا لا نستطيع اكتساب الحكمة كما لو أنها لغة جديدة نتعلمها، أو على أنها دورة تدريبية بعد أن نجتازها سنجد الحكمة، ولكن هناك منهج سلوك فردي يصبح صاحبه في دائرة المجتمع حكيما تدريجيا، أو على الأقل يستطيع أن يتصرف بشكل يحميه ويحمي مجتمعه من أن يتخذ أي قرار انفعالي خاطئ في ساعة غضب، لكون أن الحكمة تبعده عن اتخاذ أي قرار لم يخضع للدراسة أو التخطيط وتحليل النتائج، والوقوف على السلبيات والإيجابيات، وتساعده الحكمة على تطوير علاقاته الاجتماعية من خلال عدم التسرع أو إطلاق الأحكام على الغير دون البحث في المشكلة، والتماس العذر للآخرين، وذلك في حال صدر خطأ سبب له ألمًا؛ لأن كل ذي حكمة يثق بنفسه وفي الخير الذي يحمله بين يديه، ولكل حكيم مكانة كبيرة وشأن عالٍ، وشعور دائم بالتفاؤل والقدرة لإيجاد الحل المناسب لكل مشكلة أو ألم أو فقد.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التمديد الحتمي لقائد الجيش.. السيناريو نفسه سيتكرّر؟!

قبل نحو شهرين من انتهاء الولاية "الممدّدة" لقائد الجيش العماد جوزيف عون، المفترض مطلع العام المقبل، عاد الحديث عن "التمديد" للرجل لسنة ثانية، ليتصدّر الكواليس السياسية، باعتبار أنّ إنجاز الاستحقاق الذي كان "متعذّرًا" قبل عام، في ظلّ الفراغ الرئاسي المتمادي، أصبح "شبه مستحيل"، بعدما تحوّلت "جبهة الإسناد" التي كانت محصورة ضمن قواعد اشتباك محدّدة، إلى "حرب" إسرائيلية عبثيّة بأتمّ معنى الكلمة.
 
انطلاقًا من ذلك، بدأت اقتراحات ومشاريع القوانين تتوالى لضمان التمديد لقائد الجيش، حيث خطت "القوات اللبنانية" الخطوة الأولى في هذا المسار بتقديم اقتراح بالتمديد للعماد جوزيف عون، ليبدأ الحديث عن اقتراحات أخرى يتمّ العمل على بلورتها، من أجل عدم "حصر" الأمر بقائد الجيش دون غيره من قادة الأجهزة الأمنية، حتى لا يكون القانون معرّضًا للطعن، بداعي "الشخصنة"، بوصفه "مفصّلاً على قياس" شخص واحد هو عون.
 
وإذا كانت هذه النقاشات تذكّر بالجدل الذي دار العام الماضي، ولا سيما أنّها تبدو "مستنسَخة" بالكامل عنها، فإنّ ما قد يكون "مُستنسَخًا" أيضًا يتمثّل في موقف "التيار الوطني الحر" برئاسة الوزير السابق جبران باسيل، الذي وإن لم يتبلور بوضوح بعد، إلا أنّه يتمسّك في المبدأ بمعارضة أيّ توجّه للتمديد، لأسباب يصفها المحسوبون عليه بـ"المبدئية"، وباعتبار أنّ قانون المؤسسة العسكرية لا يسمح أساسًا بأيّ "شغور" في قيادتها..
 
أسباب "موجبة" للتمديد
 
في المبدأ، يقول العارفون إنّ ما تتّفق عليه كلّ القوى السياسية هو أنّ "الشغور" ممنوع في قيادة الجيش في الأيام العادية، فكيف بالحريّ في مثل هذه الظروف الدقيقة والاستثنائية، وفي ضوء الحرب الإسرائيلية المفتوحة، والتي تتوجّه فيها الأنظار إلى الجيش بقوة، بالنظر إلى الدور الذي يتوقع أن يكون مطلوبًا منه في "اليوم التالي" لها إن صحّ التعبير، وبالتالي فإنّ التمديد لقائد الجيش سيُبَتّ في الأيام المقبلة، وقبل نهاية العام، تفاديًا لسيناريوهات صعبة.
 
يتحدّث هؤلاء عن العديد من الأسباب الموجبة للتمديد التي تجعل الأخير خارج النقاش، على رأسها الحرب الإسرائيلية بطبيعة الحال، وذلك من أكثر من زاوية، فأيّ فراغ في المؤسسة العسكرية في هذا الوقت بالتحديد ستكون له تداعيات "كارثية"، خصوصًا أنّ الجيش قد يشكّل "مفتاح" الحلّ والتسوية، كما أنّ من غير المنطقيّ تغيير القادة في ذروة المعركة، وطالما أنّ الحرب مستمرّة، ولا أحد يستطيع أن يتكهّن بموعد نهايتها.
 
وفي السياق، يضيف العارفون إلى الأسباب الموجبة أيضًا، "تعذّر" تعيين قائد جديد للجيش في المرحلة المقبلة، في ضوء "أولوية" وقف إطلاق النار، قبل إنجاز أيّ استحقاق آخر، ولكن أيضًا في ضوء استمرار الفراغ الرئاسي، ورفض شريحة واسعة الذهاب إلى تعيينات في قيادة الجيش وغيرها من المراكز الأساسية قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو الاستحقاق الذي يبدو أنّه سيبقى مؤجَّلاً لما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية.
 
ماذا عن "الإخراج"؟
 
استنادًا إلى ما تقدّم، وبالنظر إلى ظرف الحرب الإسرائيلية المفتوحة، وسيناريوهات المرحلة المقبلة، والدور المطلوب من الجيش، وتعذّر تعيين قائد جديد للجيش، يصبح التمديد لقائد الجيش "حتميًا" برأي كثيرين، بمعزل عن موقف "التيار الوطني الحر" المعارض، ولو أنّ هناك من المحسوبين على "الثنائي الشيعي" خصوصًا، من يقول إنّه لا يزال هناك متّسع من الوقت لبتّ هذا الموضوع وحسمه، قبل انتهاء ولاية العماد جوزيف عون.
 
بهذا المعنى، فإنّ ما يبقى هو حسم "الإخراج" المحتمل للأمر، وسط توقّعات بأن يتكرّر السيناريو نفسه الذي اعتُمِد العام الماضي، في ضوء تعدّد وتنوّع المشاريع المطروحة، مع أرجحية للذهاب نحو توافق نيابي على إقرار مشروع قانون يشمل العديد من قادة الأجهزة الأمنية، وبالتالي لا يكون محصورًا بقائد الجيش وحده بما يعرّضه للطعن، علمًا أنّ ثمّة مشروعًا بهذا المعنى للحزب التقدمي الاشتراكي، كما أنّ كتلة "الاعتدال" تبلور اقتراحًا في هذا السياق.
 
في كلّ الأحوال، ومهما كان الإخراج النهائي للموضوع، يقول العارفون إنّ ما هو محسوم هو أنّ التمديد لقائد الجيش "حتميّ"، وأنّ الحرب الإسرائيلي تعزّز الذهاب إليه، إلا في حالة واحدة، وهي التوصّل إلى وقف لإطلاق النار قريبًا، والتوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، عبر "سلّة متكاملة" قد تشمل تعيينات سريعة، بما في ذلك في قيادة الجيش، وهو أمر يبقى مُستبعَدًا حتى الآن، رغم الرهان على الانتخابات الأميركية في هذا السياق.
 
لا شغور في قيادة الجيش. هذا ما يؤكده الجميع، بمعزل عمّا إذا كانت قوانين المؤسسة العسكرية تسمح بالفراغ، أو تؤمّن "البدائل" كما يقول المعارضون للتمديد. بالنسبة إلى مؤيدي التمديد، فإنّ الأمر ليس متعلّقًا بـ"شخص" العماد عون، ولا بكونه مرشحًا محتملاً لرئاسة الجمهورية، بل بمصلحة وطنية بتحصين المؤسسة العسكرية، التي لا يخفى على أحد "ثقل" الدور المُنتظر منها في المرحلة المقبلة!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • التقدمي: لا يجوز تحميل الجيش ما هو أكبر من طاقته
  • «بيت الحكمة» يسلط الضوء على الإرث التاريخي لجامعة القَرويين
  • جريمة قتل في سبها.. والقاتل يسلم نفسه
  • في المغرب..طفل يُطلق النار على نفسه
  • هل يعفو عن نفسه؟.. مصير التهم الجنائية بحق ترامب بعد فوزه بالرئاسة
  • تقرير: الحزب الديموقراطي يستحق الخسارة
  • التمديد الحتمي لقائد الجيش.. السيناريو نفسه سيتكرّر؟!
  • شخص يفجر نفسه أمام الشرطة .. فيديو
  • عاجل - انتخابات أمريكا 2024.. ترامب يفوز بإنديانا وكنتاكي وهاريس تكسب فيرمونت
  • الانتخابات الأمريكية 2024.. ترامب يفوز بإنديانا وكنتاكي وهاريس تكسب فيرمونت