دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بمناظرها الطبيعية التي لم يمسها أحد، والغابات والخلجان البكر على جانبينها، تبدو شبه جزيرة داتشا وكأنها عالم بعيد عن المدن السياحية في هذه الزاوية من البحر الأبيض المتوسط.

وتعد داتشا، الممتدة بين بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط في جنوب غرب تركيا، غير مأهوله في الغالب، كما أنها تختلف تمامًا عن بودروم الأشهر على مسافة قريبة منها.

وقد أدت القوانين الصارمة المتعلقة بالبناء إلى حماية داتشا من المشاريع السياحية واسعة النطاق، ما ترك مدينتها الساحلية الصغيرة، التي تحمل الاسم ذاته، وتقع في منتصف الطريق تقريبًا في شبه الجزيرة، متجذرة في الماضي.

تمتلئ شوارع داتشا بالمطاعم والمقاهي.Credit: Ayhan Altun/Moment RF/Getty Images

ويُعد ميناء داتشا مركز الحياة المحلية، إذ تصطف مطاعم الأسماك ذات الطاولات والكراسي الخشبية البسيطة على الواجهة البحرية، بينما تملأ المتاجر الصغيرة التي تبيع السلع المحلية والمقاهي الحديثة الشوارع الخلفية الممتدة صعودًا وهبوطًا في المناطق السكنية الجبلية.

وعلى المنحدرات، يمكن رؤية ومضات من اللون الأزرق لبحر إيجه بين المنازل البيضاء ذات الأسطح البرتقالية المطلة على الميناء. ويبدو أن إيقاع الحياة اليومية الخالي من الهموم لا يتأثر بالسياحة الجماعية.

وخلف الميناء، توجد 9 قرى صغيرة منتشرة حول شبه الجزيرة.

يمكن أن تزدحم مناطق الخليج التي يسهل الوصول إليها بالباحثين عن أشعة الشمس خلال ذروة موسم العطلات، ولكن هناك الكثير من الشواطئ المخفية التي يتوجه إليها السكان المحليون.Credit: Mikel Bilbao Gorostiaga/Alamy Stock Photo

وتؤدي الطرق عبر شوارعها الضيقة إلى واحدة من مناطق الجذب المحلية الرئيسية، أي أطلال كنيدوس، التي كانت ذات يوم مدينة إغريقية تقع في منطقة كاريا القديمة.

ويقع هذا الموقع التاريخي على الطرف الغربي لمدينة داتشا، في نهاية طريق يمر عبر غابات الصنوبر العطرة، والجبال الشاهقة، والبساتين حيث يتم حصاد اللوز المحلي الشهير.

وفي الصيف، يتوافد السياح الأتراك إلى الخلجان الرئيسية، مثل بالاموتبوكو، بشاطئها الطويل المغطى بالحصى، وصفوف من المطاعم الصغيرة التي تنتشر عليه.

تشمل مناطق الجذب المحلية آثار مدينة كنيدوس الإغريقية.Credit: Selcuk Oner/iStockphoto/Getty Images

ويفضّل السكان المحليون قضاء أيامهم في أحد الخلجان العديدة التي لم يمسها أحد، وبعضها لا يعرفها أحد سواهم.

وعلى بعد 10 دقائق بالسيارة من جنوب وسط المدينة، تكون الشوارع الضيقة في مدينة داتشا القديمة، بمنازلها الحجرية التاريخية، ومقاهيها ومحلاتها التجارية، مزدحمة دائمًا تقريبًا. كما يجذب المنزل الصيفي السابق للشاعر التركي الموقر، جان يوسيل، الزوار.

أماكن الإقامة

وبعد التنزه على ممشى الواجهة البحرية لمدينة داتشا، والمعروف باسم "Sevgi Yolu" (طريق الحب)، يظهر أحد أحدث أماكن الإقامة في شبه الجزيرة، وتحده آثار قديمة اكتُشفت أثناء عملية البناء.

يعكس فندق Palaia فن العمارة والثقافة التقليدية في منطقة داتشا.Credit: Furkan Uyan/Courtesy Palaia

ومن خلال مجموعة من المنازل التي تتكونّ من طابقين مع واجهات حجرية محلية، وغرف بسيطة ومتجددة الهواء، ومطعم يقدم أطباق بحر إيجه المعاصرة، يعتبر فندق "Palaia" بمثابة تفسير حديث ومستدام للعمارة والثقافة التقليدية في مدينة داتشا.

ويقول عصمت تكينالب، مالك فندق "Palaia": "لقد أحببت شبه الجزيرة هذه منذ عام 2000، وعندما عثرت على هذا العقار، أدركت أني أريد إنشاء مكان هادئ ومتناغم مع المناطق المحيطة به".

ويشير إلى أن أهم العناصر المميزة في داتشا تتمثل بجودة الهواء، قائلا: "أستيقظ كل يوم لأتنفس هذا الأكسجين النقي".

Credit: Hayrullah Yondem/iStockphoto/Getty Images

ويرى أن الأشخاص الذين يأتون للزيارة هنا، يتوجب عليهم "رؤية آثار كنيدوس القديمة، واستكشاف الخلجان الجميلة مثل Hayıtbükü، وتذوق لوز داتشا المحلي الرائع وعسل الصنوبر، وجميعها تشارك في مهرجان أزهار اللوز السنوي في فبراير".

وفي وسط مدينة داتشا القديمة، توجد مجموعة من المنازل الحجرية التقليدية الواقعة في حديقة، وهي بمثابة فندق بوتيكي حديث.

وتحتوي منازل "Ultava" على أربع غرف ذات أسقف عالية ولمسات صغيرة أنيقة وشرفات مطلة على الحديقة الخضراء.

وبعيدًا عن مدينة داتشا، في قرية جومالي الصغيرة، يمكن للزوار الذين يبحثون عن ملاذ أكثر هدوءًا الإقامة في المنازل الحجرية التقليدية التي توفر الشعور وكأنهم في منزلهم وسط المناظر الطبيعية الجبلية في داتشا، وتحيط بها بساتين الزيتون وأشجار اللوز المتمايلة مع النسيم العليل.

وفي وسط مدينة داتشا، تبيع المحلات التجارية، مثل "Pehlivan"، اللوز المحلي بكل أشكاله التي يمكن تخيلها. وتمتلئ الرفوف بالمكسرات المعبأة، والتي تباع نيئة أو محمّصة أو في قشرتها أو على شكل زبدة اللوز، والدقيق، والمرزبان، والحلاوة الطحينية، والزيت.

وفي مطعم "Meşhur Datça Badem Kurabeyicisi"، تملأ الشارع رائحة كعك اللوز الطازج. 

ويُباع طبق "bal badem" المحلي الشهير، وهو عبارة عن لوز هش بالعسل، في متجر "Kaya Balları"، المتخصص في العسل المحلي، بما في ذلك العسل المصنوع من الصنوبر وزهر اللوز.

ويُعد اللوز بالعسل مكونا رئيسيا في البوظة المحلية السميكة المصنوعة من حليب الماعز، التي يمكن تجربتها بمتجر "Tekin Usta" الصغير في البلدة القديمة.

وتقع مزرعة "Knidia Eco Farm" على الطرف الغربي من شبه الجزيرة وأسفل طريق غير مطور يمر عبر الغابات الهادئة، وهي واحدة من أفضل أسرار داتشا، حيث توفر فرصة للتعمق في هدوء الطبيعة.

وتأسست المزرعة التي تبلغ مساحتها 12 فدانًا في عام 2000 على يد علي سومر، الذي ترك فوضى إسطنبول ليصبح مزارعًا، وبدأت المزرعة في استضافة الضيوف في أكواخها الخشبية الأربعة وأربعة منازل حجرية في عام 2007.

ويتم إعداد وجبات الطعام بالكامل تقريبًا من المكونات المزروعة في حديقة "Knidia"، وتُطهى على نار الحطب.

ويُعد الشاطئ القريب في "Değirmenbükü" ملاذاً للهدوء.

ويقول سومر: "أعتقد أن أحد أبرز السمات هنا هو الهدوء الذي ينعم به المكان. وسماء الليل الصافية، حيث لا وجود للضوضاء التي تستبدلها أصوات الطبيعة".

ويضيف:"داتشا هي واحدة من الأماكن النادرة في تركيا حيث يمكنك الاستمتاع بمناظر بحر إيجه الطبيعية التي لم تمس منذ قرون".

تركيانشر الثلاثاء، 05 سبتمبر / ايلول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: شبه الجزیرة

إقرأ أيضاً:

رمضان شهر فتح أبواب الجنان

#رمضان شهر فتح #أبواب_الجنان

#ماجد_دودين

الحمدُ لله المتفردِ بالجلالِ والبقاء، والعظمةِ والكبرياء، والعزِّ الَّذِي لا يُرام، الواحد الأحدِ، الرب الصمدِ، الملِكِ الَّذِي لا يحتاجُ إلى أحَد، العليِّ عن مُداناةِ الأوهام، الجليل العظيم الَّذِي لا تدركُه العقولُ والأفْهامُ، الغنيِّ بذاتِه عن جميعِ مخلوقاتِه، فكلُّ مَنْ سواه مفتقرٌ إليه على الدَّوامَ، وَفَّقَ مَنْ شاء فآمَنَ به واستقام ثم وَجَدَ لذة مناجاةِ مولاهُ فَهَجَر لذيذَ المنام، وصَحِب رُفقةً تتجافى جنوبُهم عن المضَاجع رغبةً في المقام، فَلَوْ رأيتَهم وَقَدْ سارتْ قوافلُهم في حَنْدسِ الظَّلام، فواحدٌ يسْأَلُ العفَو عن زَلَّته، وآخَرُ يشكو ما يجدُ من لَوْعَتِهِ، وآخَرُ شَغله ذِكْرُه عن مسألتِه، فسبحانَ من أيْقَظَهُمْ والناسُ نيام، وتبارك الَّذِي غَفَرَ وعفَا، وستَر وكَفَى، وأسْبَل على الكافةِ جميعَ الإِنعام، أحمده على نَعمِهِ الجِسام، وأشكرهُ وأسألُه حفظَ نعمةِ الإِسلامِ، وأشْهَدُ أن لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لاَ شريكَ لَهُ عَزَّ منْ اعتز به فلا يُضَام، وَذلَّ مَنْ تكبَّر عن طاعتِهِ ولَقِي الآثام، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الَّذِي بَيَّنَ الحلالَ والحرام، صلَّى الله عليه وعلى جميعِ الصحابةِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليماً.

· قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ”. وفي رواية لمسلم:” إذا كانَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الرَّحْمَةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ.

مقالات ذات صلة كفى استفزازًا لعزرائيل… 2025/03/04

فضَّلَ اللهُ عزَّ وجلَّ شَهرَ رمَضانَ على سائرِ الشُّهورِ، حيثُ شرَّفه بإنزالِ القرآنِ فيه، وخَصَّه بفَريضةِ الصَّومِ، وجَعَلَه مَوسِمًا مِن مَواسمِ الخَيرِ والغُفرانِ. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا جاءَ شَهرُ رَمَضانَ فُتِّحَت أبوابُ الجَنَّةِ حَقيقةً؛ تَعظيمًا لهذا الشَّهرِ وتَكريمًا، وحَثًّا للنَّاسِ على الإقبالِ على الطَّاعاتِ وعمَلِ الخيرِ، وغُلِّقت أَبوابُ جَهنَّمَ حَقيقةً؛ فإنَّ ذلك باعثٌ على تَرْكِ الفواحشِ والبُعدِ عن المعاصِي، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ، فشُدَّت بالسَّلاسلِ ومُنِعَتْ مِنَ الوُصولِ إلى بُغيَتِها مِن إفسادِ المسلمينَ بالقَدْرِ الَّذي كانت تَفعَلُه في غَيرِ رَمضانَ، وقيل: سُلْسِلَت الشَّياطينُ مُسترِقو السَّمعِ حَقيقةً؛ لأنَّ رَمَضانَ كان وقْتًا لنُزولِ القرآنِ إلى سَماءِ الدُّنيا، وكانت الحراسةُ قدْ وَقَعَت بالشُّهبِ، كما قال اللهُ تعالَى: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7]، فزِيدوا التَّسلسُلَ في رَمَضانَ مُبالَغةٍ في الحِفظِ. أو المرادُ بالشَّياطِينِ في هذا الحَديثِ مَرَدةُ الجِنِّ منهم، وأشَدُّهم عَداوةً وعُدوانًا لا جميعُ الشَّياطينِ، وبذلك يُجابُ عمَّا يَقَعُ مِن الشُّرورِ والمَعاصي في رَمَضانَ، وعلى القَولِ بأنَّ جَميعَ الشَّياطينِ تُصَفَّدُ وتُسَلسَلُ فإنَّما تُصَفَّدُ عن الصَّائِمينَ الصَّومَ الَّذي حُوفِظَ على شُروطِه، ورُوعِيَت آدابُه، أمَّا ما لم يُحافَظْ عليه فلا يُغَلُّ عن فاعِلِه الشَّيطانُ، وأيضًا فإنَّ المُصَفَّدَ مِن الشَّياطينِ قد يُؤذِي، لكِنْ هذا أقَلُّ وأضعَفُ ممَّا يكونُ في غيرِ رَمَضانَ؛ فهو بحَسبِ كَمالِ الصَّومِ ونَقْصِه؛ فمَن كان صَومُه كامِلًا دُفِعَ عنه الشَّيطانُ دَفعًا لا يُدفَعُه حالَ الصَّومِ النَّاقِصِ، وأيضًا فلا يَلزَمُ مِن تَصفيدِ جَميعِ الشَّياطينِ ألَّا يَقَعَ شَرٌّ؛ لأنَّ لوُقوعِ الشَّرِّ أسبابًا أُخَرَ؛ كالنُّفوسِ الخَبيثةِ، والشَّياطينِ الإنسيَّةِ.

اعلم أن فتح أبواب الجنة في رمضان حقيقة لا تحتاج إلى تأويل وهذه نعمة عظيمة ومنة كريمة من الله يتفضل بها على عباده في هذا الشهر فأبواب الجنان مغلقة لا تفتح إلا في تمام النعمة.

يقول ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى:” وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ” [الزمر: 73].

“أما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه، فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فيقول: “أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعه ما شاء أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيماً لخطرها وإظهاراً لمنزلة رسوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وكرامته عليه” وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك رب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها، وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم، وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله عالية غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به… فما لمن أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار، فليعد عنها إلى ما هو أولى به …وهنا يدرك الإنسان قيمة فتح أبواب الجنة في رمضان. عجباً لمن يعلم أن الجنة فوقه موجودة تزخرف وتفتح أبوابها في رمضان ثم لا يشتاق إليها ويسعى لها على الأجفان. قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” – من خاف أدلجَ ومَن أدلج بلغ المنزلَ ألا إن سلعةَ اللهِ غاليةٌ ألا إن سلعةَ اللهِ الجنةُ “.

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كثيرًا ما يَحُضُّ أصحابَهُ على أَمْرِ الآخِرَةِ، ويَحُثُّهم على التَّشميرِ لبُلوغِ الجَنَّةِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “مَنْ خاف أَدْلَجَ”، أي: مَنْ خاف ألَّا يَصِلَ إلى غايتِهِ سار أَثْناءَ الليلَ؛ ليَكونَ ذلك أَرْجى له في الوُصولِ إلى غايتِهِ، “ومَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ”، أي: ومَنْ سار بالليلِ وَصَلَ إلى غايتِهِ ونال مُبْتغاهُ، ويعني النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا أَمْرَ الآخرةِ: فمَنْ شَمَّرَ ساعِدَيْهِ واجْتَهَدَ في عِبادةِ اللهِ وأدَّى ما عليه مِنْ الحقوقِ والواجباتِ؛ فإنَّه أَرْجَى أنْ يَصِلَ إلى غايتِهِ مِنْ مَغْفِرةِ اللهِ ورحمته والفوزِ بجنَّتِهِ، “ألَا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غاليةٌ”، أي: إنَّ ما عِنْدَ اللهِ غالٍ وعظيمُ القَدْرِ، ولا يَنالُه إلَّا مَنْ اجْتَهدَ في تَحصيلِهِ وسعَى له حَقَّ السَّعي، “ألَا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ”، أي: إنَّ ما عِنْدَ اللهِ هي الجَنَّةُ، فمَنْ أرادها فلا بُدَّ له من السَّعي والتَّشميرِ لأَجْلِ الظَّفَرِ بها؛ فجَنَّةُ اللهِ لا تُنالُ بالأماني ولا بالتَّمنِّي، ولكِنْ بالعملِ والاجْتِهادِ، ثمَّ هي بعدَ ذلك لا يَدخُلُها أحدٌ إلَّا برَحمةِ اللهِ تَعالَى. فاحذر أن تقدم على جنة عرضها السماوات والأرض وليس لك فيها موضع قدم.

إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام، والوحوش والأنعام، فأما الجنة فهي الحياة اللائقة بذلك الإنسان الكريم على الله وأودع روحه الإيمان الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه …إن مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف، ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود… إنها الجنة التي غرس غراسها الرحمن بيده…. إنها الجنة الجزاء الرفيع الخالص الفريد، الجزاء الذي يتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة، والإعزاز الذاتي، والإكرام الإلهي والحفاوة الربانية بهذه النفوس “…فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون” [السجدة: 17].

يا الله! كم ذا يفيض الله على عباده من كرمه. إنها الجنة التي اشتاق إليها الصالحون من هذه الأمة …إنها الجنة دار كرامة الرحمن فهل من مشمر لها…. إنها الجنة فاعمل لها بقدر مقامك فيها…. إنها الجنة فاعمل لها بقدر شوقك إليها. فواعجبا لها كيف نام طالبها، وكم لم يسمح بمهرها في رمضان خاطبها، كيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها، وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها. إنها الجنة دار الموقنين بوعد الله المتهجدين في ليل رمضان، الصائمين نهاره، المطعمين عباد الله وهذا من موجبات الجنة.

قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ في الجَنَّةِ لَغُرفًا يُرى بُطونُها من ظُهورِها، وظُهورُها من بُطونِها، فقال أعرابيٌّ: يا رسولَ اللهِ لمَن هي؟ قال: لِمَن أَطاب الكلامَ، وأَطعَم الطَّعامَ، وصلَّى للهِ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ. “

تَسْعَى بهمْ أعمالُهم سَوْقَاً إلى الدَّ ارَيْنِ سَوْقَ الخَيلِ بالـرُّكـبَانِ

صَبَرُوا قليلاً فاستراحُوا دائماً يا عِزَّةَ التوفيقِ للإنسانِ

حَمِدُوا التُّقَى عندَ المماتِ كذا السُّرى عندَ الصباحِ فَحَبَّذَا الحَمْدَانِ

وَحَدَتْ بِهمْ عَزَمَاتُهُمْ نحو العُلى وَسَرُوا فَمَا نَزَلُوا إلى نَعمانِ

باعُوا الذي يَفنى مِن الخَزَفِ الخَسِيـْ ـسِ بدائمٍ مِنْ خالصِ العِقيانِ

رُفِعَتْ لهمْ في السَّيرِ أعلامُ السعا دةِ والهُدى يا ذِلَّةَ الحَيرانِ

فَتَسَابَقَ الأقوامُ وابتدرُوا لها كتسَابقِ الفرسانِ يومَ رِهَانِ

وأخو الهُوَيْنى في الدِّيارِ مُخلَّفٌ معَ شَكْلِهِ يَا خَيبةَ الكسلانِ

إنها الجنة … “ما حليت لأمة من الأم مثلما حُلِّيتْ لأمتنا هذه ومع هذا لا نرى لها عاشقا”. إنها الجنة …لو كنت تعلم من خطبت … ومن طلبت جعلت السعي منك لها على الأجفان إنها الجنة … وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص. فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن ملاطها فهو المسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من الحطب والخشب، وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها، وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها.

وإن سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين. وإن سألت عن أزواجهم فهن الخيرات الحسان اللاتي كالياقوت والمرجان. فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها أفما تعدُّ مهرها من الآن.. وهو طول التهجد بالقرآن في ليل رمضان، وخلوف الفم بالنهار من آثار الصيام. عجبا لك إن نبي الله موسى خدم العبد الصالح عشر سنوات مهرا لزواجه من ابنته، فكم تخدم مولاك لأجل بنات الجنان الحور الحسان، فوالله ما انتقلن من الجنة ولا أكلن منها ولا خلقن إلا فيها من ترك دفء الفوالق في ليل رمضان كان جزاؤه من جنس عمله وزوّج من الحور الحسان، أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل هم خزانها وحراسها، وإن سألت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد فذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد. فيا لذة الأسماع بأطيب محاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الآخرة” وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)” [القيامة].

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا *** مَنَازِلُكَ الأُولَى وَفِيهَا المُخَيَّمُ

وَلَكِنَّنَا سَبْيُ العَدُوِّ فَهَلْ تَرَى *** نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّــــــمُ

مقالات مشابهة

  • أرتال لقوات الأمن العام في مدينة إعزاز شمال حلب تستعد للتوجه إلى منطقة جبلة وريفها، ضمن التعزيزات التي دفعت بها وزارة الداخلية
  • المسند يكشف عن تعرض جبل اللوز لظاهرة السليت.. فيديو
  • حجز 7 قناطير من “قلب اللوز” وشاربات مجهولة المصدر بعين الدفلى
  • إدارة الأمن العام بدرعا لـ سانا: نتقدم بخالص العزاء لذوي الشهداء من أهلنا الذين ارتقوا برصاص المجموعات الخارجة عن القانون التي أرادت زعزعة الأمن في مدينة الصنمين،ونعدهم بأننا مستمرون بتأدية واجبنا حمايةً لهم وصوناً لممتلكاتهم
  • الأماكن والمواعيد.. ثلوج خفيفة على أجزاء من منطقة تبوك
  • بعيدا عن تل أبيب.. البيت الأبيض يقود محادثات مباشرة مع حركة حماس
  • سوسن بدر: «أم الدنيا» يقدم حضارتنا القديمة بعيون وروح مصرية
  • بعيدا عن "الوصايات والهيمنات".. عون يكشف وجه لبنان الجديد
  • أردوغان: لا يمكن تصور ”الأمن الأوروبي” بدون تركيا!
  • رمضان شهر فتح أبواب الجنان