مقدمة الترجمة

حينما نتحدث عن تاريخ الأرض، فعادة ما نصل إلى عصر الديناصورات ولا نرجع للوراء أكثر، لأن الديناصورات ببساطة كائنات مدهشة للجميع، سواء كانوا علماء أو أطفالا في سن ما قبل المدرسة، لكن لو تأملت قليلا لوجدت ما هو أكثر دعوة للاندهاش فيما سبق ذلك من أزمنة، ولا نقصد هنا زمنا يمكن حسابه بملايين السنوات، بل بالمليارات منها، وتحديدا خلال أول 500 مليون سنة من تاريخ الأرض، ما الذي حصل آنذاك؟ وكيف تشكلت الأرض من تلك النقطة ووصولا إلى ما هي عليه الآن؟ وهل كانت الأرض كلها يوما ما محيطا كبيرا أم بركة ماء شاسعة؟ مايكل مارشال من "نيوساينتست" يحكي لنا تلك الحكاية عبر آخر أبحاث العلماء حولها، في مادة دسمة لكنها حقا مفيدة.

نص الترجمة

يبلغ عمر كوكبنا تقريبا 4.5 مليارات سنة، وقد تشكَّل في الوقت ذاته الذي تشكَّلت فيه الشمس والكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي عندما اصطدمت آلاف الصخور الكبيرة والصغيرة ببعضها واندمجت معا في النهاية. بعد ذلك، تعرضت الأرض إلى ضربة قوية ناجمة عن اصطدام كوكب أصغر بها، وهذا الاصطدام العنيف شكَّل علامة فارقة في تاريخ الأرض بعدما تسبب في ذوبان سطحها وإطلاق كميات هائلة من المواد في الفضاء، التي تجمعت فيما بعد لتشكيل القمر في مدار حول الأرض.

وهذا يفسر لِمَ يُطلَق على أول 500 مليون سنة من تاريخ الأرض اسم "الدهر الجهنمي" أو "عصر الهاديان" نسبة إلى الأسطورة اليونانية (التي تفترض أن العالَم السفلي هادس (Hades) مكان مظلم ومروع تسكنه أرواح الموتى. وبالمثل، كان عصر الهاديان فترة قاسية ومظلمة في تطور الأرض التي كانت مغمورة بالماغما أو الصهارة الساخنة والانفجارات البركانية). لكن في نهاية المطاف، برد البحر الشاسع من الماغما وتصلب على هيئة صخور، وأعقب ذلك تشكُّل المحيطات وظهور اليابسة.

لطالما ظل سؤال كيف تشكَّلت التضاريس الطبيعية الفريدة على كوكب الأرض لغزا طويلا ومحيّرا. (غيتي)

إذا عدنا بالزمن إلى الوراء وتجولنا في جنبات هذا العالم، فسنكتشف كيف بدا الكوكب في فتراته الأولى مختلفا تماما عما هو عليه اليوم. في ذلك الوقت، لم يحمل الهواء أي أكسجين، وذابت كميات كبيرة من الحديد المعدني في الماء، وتمخض عن ذلك تلون المحيطات باللون الأخضر. وعلى الأرجح، وصلت مستويات الميثان في الغلاف الجوي في ذلك الوقت إلى درجات مرتفعة كفاية لإسباغ السماء باللون البرتقالي. ويمكنك تخيل أن معظم مساحات اليابسة حينذاك كانت تغشاها صخور قاحلة ملطخة باللون الأسود أو الرمادي الداكن.

لطالما ظل سؤال كيف تشكَّلت التضاريس الطبيعية الفريدة على كوكب الأرض لغزا طويلا ومحيّرا نجم عنه لجة متقافزة من أسئلة أخرى على غرار: متى ظهرت المحيطات؟ وإلى أي مدى وصل عمقها؟ هل كانت هناك دائما يابسة مكشوفة فوق الأمواج (أي قارات أو جزر مرئية ترتفع عن سطح الماء) أم أن كوكبنا كان في وقت من الأوقات عالما مائيا بالكامل؟ إن محاولة فهم الفترة التي بدأت فيها الأرض في نموها لتصبح لأول مرة كوكبا يحوي بين طياته يابسة لن يكشف فقط عن مفاجآت حول تكوين كوكبنا، بل سيؤثر أيضا على الأفكار المُتعلِّقة بكيفية اشتعال فتيل الحياة على سطحها.

أصل الحياة

ثمة بعض السيناريوهات المختلفة حول كيفية بدء الحياة على الأرض، يفترض أحدها أن كوكبنا حينما كان فتيا تمتع بمساحات من اليابسة على سطحه، أي إن فتيل الحياة لم يشتعل في بيئة مائية فحسب، بل كانت هناك حاجة إلى وجود يابسة. لكن إذا كانت الأرض في بدايتها عالما مغمورا بالكامل تحت سطح الماء، فإن هذه السيناريوهات التي تفترض وجود يابسة لا يمكن أن تكون صحيحة أو تتوافق مع هذه الفرضية. لذا فالسؤال عن الفترات الأولى من تاريخ الأرض هو في الحقيقة سؤال عن أصل كل كائن حي، بما في ذلك نحن البشر.

توجد العديد من الفرضيات المتعلِّقة بأصل الحياة بقدر عدد العلماء الذين يفكرون فيها تقريبا. وإحدى أشهر الأفكار التي ناقشها العلماء فيما بينهم هي أن الحياة بدأت من شقوق قلوية في قاع البحر، حيث تدفقت المياه الدافئة الغنية بالمواد الكيميائية إلى المحيط من أعماق الأرض. وهذه النظرية تتوافق مع الأدلة التي تشير إلى أن أقدم الكائنات الحية الدقيقة اعتمدت على الطاقة الكيميائية، لكن العديد من علماء الكيمياء يشككون في إمكانية تشكُّل اللبنات الأساسية للحياة، بما في ذلك الأحماض الأمينية والأحماض النووية، في مثل هذه الأماكن. في حين تفترض مدرسة أخرى أن الحياة ظهرت على اليابسة في برك صغيرة من الماء أو في بحيرة.

كشفت التجارب عن أن العديد من المركبات الحيوية الأساسية يمكن أن تتشكل في مثل هذه البيئة، وذلك بفضل تكرار عمليات الرطوبة والجفاف. ومع ذلك، يرى النقاد أن التفاعلات الكيميائية المستخدمة في هذه الدراسات تسبب مشكلة في حد ذاتها أو تتداخل مع سير العملية أو النتائج المتوقعة، لأنها تتطلب في كثير من الأحيان مواد شديدة التفاعل تسحق الكائنات الحية تحت وطأتها، فيما يجادل أنصار فرضية الشقوق القلوية أن فرضية البرك الصغيرة لا يمكن أن تكون صحيحة لعدم وجود يابسة على سطح الكوكب في تلك الفترة الزمنية. لكن ذلك كله يعتمد على التوقيت الذي انبثقت فيه الحياة على سطح الأرض، وهي مسألة ما زالت محل خلاف كبير بين العلماء.

المشكلة الأساسية هي أننا كلما عدنا بالزمن إلى الوراء، باتت الأدلة المتاحة لنا من السجل الجيولوجي أكثر شحوبا وندرة، بمعنى أنه كلما بعدت الفترة الزمنية التي نتحدث عنها، قلَّ عدد الصخور المحفوظة. فمن الصعب العثور على صخور تعود للدهر الجهنمي، وثمة القليل منها فقط الذي تشكَّل في الفترة الزمنية التالية وهو الدهر الأركي، أو ما يسمى بالدهر السحيق، وهو ثاني الدهور الجيولوجية الذي استمر ما بين 4 مليارات إلى 2.5 مليار سنة مضت. ومع ذلك، ثمة أدلة مؤكدة على وجود كائنات دقيقة تعود إلى 3.5 مليارات سنة محفوظة في صخور بيلبارا في أستراليا.

في عام 2017، أفاد فريق من الباحثين بقيادة مارتن فان كرانندونك من جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا أن هذه الكائنات الدقيقة عاشت في وحول ينابيع ماء ساخنة على اليابسة، لكن هذا التفسير لا يتفق عليه الجميع. ومع ذلك توجد أدلة لا سبيل للشك فيها على ظهور الكائنات الدقيقة على اليابسة منذ 3.2 مليارات سنة، ومصدر هذه الأدلة جاء من صخور عُثِر عليها في جنوب أفريقيا تشير إلى وجود نهر يصب في بحر أو في بحيرة، مما يزيد من احتمالية كونه مكانا مناسبا للكائنات الحية. كما أن هذه الصخور تحوي كثبانا رملية تشكَّلت بفعل الرياح، ما يشير إلى وجود نشاط رياح قوي في المنطقة في ذلك الوقت.

ومع ذلك، ما زالت هناك فجوة زمنية تصل إلى مليار سنة على الأقل بين تشكُّل الأرض وظهور الحياة عليها. تشير الفرضية إلى أن الحياة ربما نشأت في محيط يمتد على مستوى سطح الأرض منذ أكثر من 4 مليارات سنة، وهناك العديد من الادعاءات التي تدعم هذه النظرية وتؤكد وجود حياة في وقت سابق قبل ظهور الحياة الحالية على الأرض. وفرضا كانت هذه النظرية صحيحة كما يدّعي مؤيدوها، فذلك معناه أنه ما إن ظهرت اليابسة لأول مرة على الأرض حتى استعمرتها الكائنات البحرية على الفور. غير أن هناك احتمالية أخرى تفترض أن اليابسة ربما تشكّلت قبل 3.5 مليارات سنة، وأن فتيل الحياة اشتعل لأول مرة هناك وليس في محيط بدائي.

يظهر مدى صعوبة اختبار تلك الأفكار المتناقضة بسبب قلة البيانات والمعلومات المتاحة عن الأحداث والعمليات الجيولوجية التي وقعت في الماضي، فقد اعتقد العلماء -حتى وقت قريب إلى حدٍّ ما- أن محيط الصهارة (الماغما) في العصر الجهنمي استمر لفترة طويلة، ربما لمدة تصل إلى 500 مليون سنة. لكن في عام 2001 ظهرت دراستان تتحديان هذا الرأي بتحليلهما للزركون، وهي بلورات صغيرة تتشكل داخل أنواع معينة من الصخور المنصهرة، التي يحمل تركيبها الكيميائي أدلة حول البيئة التي تشكلت فيها. تمكن الباحثون من فحص هذا الزركون في جبال منطقة جاك هيلز بأستراليا، التي يبلغ عمر بعضها 4.3 مليارات سنة.

كانت إحدى هذه البلورات أقدم من ذلك بكثير، اكتشفوا أن عمرها يعود إلى ما قبل 4.4 مليارات سنة. ومع ذلك، انطوت جميعها على مزيج مميز من أنواع مختلفة من ذرات الأكسجين، مما يشير إلى أن الصخر الذي تشكلت منه كان يتفاعل مع الماء السائل. أشارت التحليلات اللاحقة إلى أن محيط الأرض الذي تكوّن من الماغما قد تصلب قبل 4.4 مليارات سنة. يبدو إذن أن الدهر الجهنمي لم يكن مروعا إلى هذا الحد الذي افترضه العلماء في السابق (وفقا لما أشار إليه التحليل، فقد تكون هناك بيئة مناسبة لوجود الماء السائل خلال تلك الفترة الزمنية القديمة).

تشير النتائج المتعلّقة بدراسة الزركون إلى أن الأرض كانت تضم على سطحها محيطات قبل 4.4 مليارات سنة، أي بعد 100 مليون سنة فقط من تشكُّل الكوكب. لكن على الجانب الآخر، يرى الباحث فان كرانيندونك أن الاستنتاج بوجود المحيطات قد يكون مبالغا فيه، لأن وجود الماء في الصهارات أمر طبيعي ويحدث طوال الوقت، ولا يعني بالضرورة وجود محيطات. بمعنى آخر، يرى كرانيندونك أن تفاعل الماء مع الصخور ليس دليلا قاطعا على وجود المحيطات في تلك الفترة الزمنية القديمة.

يظن كرانيندونك أن الأرض في مهدها الأول كانت في غاية السخونة، لذلك بدلا من وجود محيطات من الماء السائل، كان هناك الكثير من البخار والرطوبة في الهواء. ومع ذلك، يبدو أن المحيطات ظهرت في وقت أبكر مما توقعنا. تُظهر دراسة الزركون تغيرا في تركيب ذرات الأكسجين الموجودة فيها، مما يشير إلى حدوث تغيرات في التركيب الكيميائي للماء في تلك الفترة الزمنية، وهو ما يُعَدُّ دليلا على تشكُّل محيطات كبيرة منذ نحو 4.2 مليارات سنة وفقا لما يقوله كرانندونك.

من أين أتت مياه الأرض؟ رسم توضيحي لطبقات الأرض (الجزيرة الوثائقية)

أما سؤال: "من أين جاءت كل هذه المياه؟" فلا تزال إجابته غير واضحة تماما إلى الآن. تشير إحدى الفرضيات إلى أن الصخور التي شكَّلت الأرض كانت تحمل بين طياتها ماء تدفق بعد ذلك إلى السطح. بينما تنص الفرضية الثانية على أن ذلك الكوكب -حديث الولادة- كان جافا ولم يستقبل الماء إلا لاحقا من المذنبات والكويكبات القادمة من الفضاء. أما الاحتمال الثالث فهو أن الماء أتى من الفضاء السحيق ووقع تحت وطأة تأثير جاذبية الأرض. ورغم أن الجدل حول هذه الفرضيات لا يزال مستمرا، فإن الشيء المؤكد هو أن المياه كانت متوفرة بكثرة منذ البداية الأولى لتشكُّل الأرض.

وسواء اتخذت هذه المياه شكل محيط سطحي أم اختفت داخل طبقات الأرض الداخلية، فتلك مسألة أخرى قرر الباحث جونجي دونغ من جامعة هارفارد وزملاؤه البحث عن إجابة لها عام 2021. جمع الفريق بيانات عن كمية المياه التي يمكن تخزينها في الصخور الموجودة في المانتل أو المعروف بالوشاح الباطني للأرض، وهو طبقة سميكة تحت القشرة الأرضية. تبيَّن أن الصخور الساخنة في طبقة الوشاح لا يمكن أن تحمل كمية كبيرة من الماء مقارنة بالصخور الباردة. ولأن درجة حرارة الجزء الداخلي من الأرض كان في أشد حالاته سخونة بعد تشكُّله مباشرة، لم يتمكن الكوكب في ذلك الوقت من تخزين كمية كبيرة من الماء في طبقاته الداخلية كما يفعل حاليا.

يستطيع وشاح الأرض اليوم استيعاب 2.3 ضعف كتلة المحيط، لكن في الدهر الجهنمي وأوائل العصر الأركي، كانت قدرة الكوكب على استيعاب الماء تقتصر على 0.7 فقط من كتلة المحيط. وهذا يعني أن بعض المياه الموجودة حاليا على كوكبنا لا بد أن كانت في الأصل على السطح قبل أن تُحتَجز في الطبقات الداخلية. ويقدر دونغ أن حجم المحيط المبكر قد يصل إلى أربعة أضعاف حجمه الحالي.

يرى دونغ أنه خلال الدهر الجهنمي كان من المحتمل أن تكون الأرض مغمورة بالماء مع عدم وجود أي يابسة تقريبا أو ربما القليل للغاية منها، ولعل هذا الوضع استمر حتى العصر الأركي، فضلا عن أن تلك الصخور المحفوظة من العصر الأركي المبكر لا تبدو وكأنها أتت من اليابسة بقوله: "تشكلت الكثير من تلك الصخور تحت الماء". ومع ذلك، فإن قلة وجود اليابسة لا يعني عدم وجودها على الإطلاق. ففي النهاية، يبدو أن الكائنات الحية الدقيقة في منطقة بيلبارا غرب أستراليا عاشت على اليابسة قبل 3.5 مليارات سنة. وثمة أدلة أقدم حتى من ذلك على وجود اليابسة في منطقة حزام إيسوا الصخري في جنوب غرب غرينلاند، التي تضم صخورا يبلغ عمرها 3.7 مليارات سنة. ورغم أن معظمها تشكَّل تحت الماء، فإن بعضها يبدو وكأنه بقايا سلاسل جزر بركانية.

تحتوي صخور الباريت على نوعين من عنصر السترونتيوم، يُعَدُّ النوع الأول شائعا في القشرة المحيطية، فيما يشتهر وجود النوع الثاني في القشرة القارية. (شترستوك)

تكمن الصعوبة الحقيقية في قلة عدد الصخور التي تعود إلى العصر الأركي، لذلك من الطبيعي ألا نتوقع العثور على أي صخور محفوظة ما دامت اليابسة في ذلك الوقت كانت نادرة للغاية. ومع ذلك وجد الجيولوجيون في السنوات الأخيرة أدلة أخرى، أحدها كان في دراسة نشرها فريق من الباحثين في شهر فبراير/شباط لهذا العام بقيادة ديزيري رويردينك من جامعة بيرغن في النرويج. اعتمدت دراسة الفريق على صخور تُسمى الباريت عثروا عليها في جنوب أفريقيا والهند وأستراليا، التي تشكلت ما بين 3.5 و3.2 مليارات سنة، أي في منتصف العصر الأركي.

تحتوي صخور الباريت على نوعين من عنصر السترونتيوم، يُعَدُّ النوع الأول شائعا في القشرة المحيطية (وهي الطبقة الخارجية الرقيقة التي تغطي قاع المحيطات)، فيما يشتهر وجود النوع الثاني في القشرة القارية (وهي الطبقة الخارجية السميكة التي تُشكِّل القارات). وبقياس مقدار المادة المحفوظة في كل نوع في هذه الصخور، حدد الفريق ما إذا كانت البحار تتلقى رواسب من القارات نتيجة للعوامل الجوية الناجمة عن العمليات الطبيعية كالرياح، وما إذا كانت هناك مساحات هائلة من اليابسة بالفعل في ذلك الوقت البعيد. (فإذا كانت هناك كمية أكبر من السترونتيوم الشائع في القشرة القارية، فذلك يعني وجود تعرية للصخور في القارات وترسبات في البحار. ومن ثم يمكن استنتاج ما إذا كان هناك بالفعل قارات كبيرة في هذا الوقت المبكر).

توصل فريق روردينك إلى أن تعرض صخور اليابسة لعوامل التعرية كان يزداد تدريجيا في الفترة ما بين 3.5 مليارات و3.2 مليارات سنة. وبالعودة إلى العصور السابقة، اكتشفوا بالحسابات أن تعرية الصخور بدأت منذ نحو 3.7 مليارات سنة. وعن ذلك تقول روردينك: "لا يمكننا الإقرار بعدم وجود يابسة قبل 3.7 مليارات سنة، ولكن ما يمكننا الإقرار به هو أنه ابتداء من تلك الفترة تقريبا بدأت عمليات التعرية في التأثير بدرجة كبيرة على كيمياء المحيطات".

وفي ضوء الأدلة الجديدة، يُعَدُّ الأمر منطقيا حول ما كان يحدث في القشرة الأرضية في ذلك الوقت. ومع انخفاض حرارة الكوكب وبداية تبريده، تشكَّلت قشرته على شكل صفائح كبيرة متحركة. وإذا بدأت هذه الصفائح التكتونية في الاصطدام ببعضها بعضا منذ نحو 3.8 مليارات سنة، فذلك من شأنه أن يفسر سبب عثور فريق الباحثين على أدلة تشير إلى وجود كتل كبيرة من اليابسة بعد ذلك بوقت قصير، أي قبل 3.7 مليارات سنة.

قدّر الباحثون أيضا مساحة اليابسة اللازمة لعملية التعرية التي لاحظوها في ذلك الوقت، وتوصلوا إلى أنها كانت أقل بكثير من اليابسة الموجودة حاليا التي تمثل 29% من سطح الأرض، لكنها قبل 3.5 مليارات تراوحت نسبتها ما بين 2-12% فقط. استغرق الأمر مئات الملايين من السنين حتى تنمو هذه القارات الأولى لتصل إلى حجمها الحالي. وتشير الأدلة إلى أن أول قارة عملاقة ربما بدأت في التشكل منذ نحو 2.7 مليار سنة.

وأخيرا تلوح اليابسة في الأفق تشير فرضية إلى أن المحيطات الكبيرة ربما تشكلت منذ نحو 4.2 مليارات سنة، لذا إذا نشأت الحياة من فتحة في أعماق البحار فلا بد أنها تشكّلت بعد تشكل هذه المحيطات بفترة. (بيكسابي)

رغم كثرة الشكوك التي تحوم حول هذه المسألة، فقد أظهرت الأدلة الجديدة وجود اليابسة منذ فترة زمنية أقدم مما كان يُعتقد سابقا. ولتأكيد ذلك يقول فان كرانندونك: "يراودني شعور بأن اليابسة تشكلت بالفعل قبل 3.7 مليارات سنة، بل وربما كانت هناك مساحات من الأراضي المكشوفة على سطح الكوكب قبل ذلك أيضا".

تشير الأدلة إلى وجود ثلاث مراحل رئيسية في تشكيل الأرض. في بداية الدهر الجهنمي، اكتسب الكوكب المنصهر غلافا جويا مُشبعا بالبخار مع كمية محدودة من المياه السطحية. بينما في المرحلة الثانية، تشكلت المحيطات وغمرت الكوكب كله بالماء. أما في الأخيرة -بدءا من أوائل العصر الأركي- بدأت الصفائح التكتونية في الظهور والتحرك لتوحيد الجزر المعزولة وتشكيل قارات أكبر.

ربما تتساءل عن علاقة هذا بأصل الحياة، تشير الفرضية الأولى إلى أن المحيطات الكبيرة ربما تشكلت منذ نحو 4.2 مليارات سنة، لذا إذا نشأت الحياة من فتحة في أعماق البحار فلا بد أنها تشكّلت بعد تشكل هذه المحيطات بفترة. غير أن الفرضية الثانية تنص على أن الحياة إذا نشأت على اليابسة، فذلك معناه أنها ربما قد ظهرت في وقت مبكر، عندما بدأت الأمطار بالهطول على سطح الكوكب لأول مرة، أي منذ 4.4 مليارات سنة.

في السياق ذاته، يقول فان كرانندونك: "عندما يهطل المطر، يتحول سطح الكوكب بأكمله إلى مفاعل جيوكيميائي". (بسقوط الأمطار، يتفاعل الماء مع المعادن والمركبات الكيميائية الأخرى الموجودة في البيئة الجيولوجية، مثل الأرض، مما يؤدي إلى تكوين تفاعلات كيميائية جديدة. وبالتالي، يمكن اعتبار سطح الكوكب بأكمله مفاعلا جيوكيميائيا). في حين يشير الاحتمال الثالث إلى أن الحياة ربما ظهرت في وقت لاحق على الجزر البركانية، التي ربما كانت موجودة قبل 3.7 مليارات سنة أو قبل ذلك الوقت حتى بفترة.

صحيح أننا ما زلنا عاجزين عن تحديد الزمان أو المكان الذي نشأت فيه الحياة تحديدا، لكن لدينا الآن صورة أفضل بكثير عن الحياة في مراحلها المبكرة لكوكبنا الأم، بدءا من كتلة الماغما شديدة السخونة، مرورا بعالم مغمور تماما بالماء، وصولا إلى طبيعة الأرض في العصر الأركي المليئة بالبحار الخضراء والسماء البرتقالية والصخور السوداء.

قد يبدو هذا كله غريبا للغاية، لكن فان كرانندونك لا يرى الأمر بهذه الطريقة. فمنذ مليار عام، كان هناك بالفعل الكثير مما قد نجده مألوفا، كالمحيطات الشاسعة والمساحات الأرضية المليئة بالبراكين والينابيع الساخنة بقوله: "يكتنفني شعور بأنه يمكنني التعرف على الأرض في مراحلها المبكرة". (فرغم التغيرات التي شهدها الكوكب على مر الزمن، ما زالت هناك عناصر ومظاهر من الحياة المبكرة تظل مألوفة وتشبه الحياة الحالية).

ولادة الصفائح التكتونية الصفائح التكتونية حول العالم (ويكيبيديا)

تنقسم القشرة الأرضية اليوم إلى عشرات الصفائح التكتونية الكبيرة، التي تتحرك بسرعات لا يمكن رصدها بالعين المجردة. وعلى مدى ملايين السنين، تتغير مواقع هذه الصفائح وتنتقل القارات من مكان إلى آخر. وعندما تتدافع هذه الصفائح تجاه بعضها البعض، تنزلق إحداها إلى الأسفل أو "تندس" في طبقة الوشاح الأرضي. (تساهم هذه العملية في تجديد قشرة الأرض وتشكيل المناطق الجبلية وتأثر على نشاط الزلازل وثوران البراكين).

لأن كوكبنا في مهده الأول كان شديد السخونة، لم تتمكن قشرة الأرض من التشكل إلى صفائح صلبة. تقول ناديا درابون من جامعة هارفارد: "لعل طبقة الوشاح كانت موغلة في السخونة، في حين كانت القشرة خفيفة ومرنة للغاية أو سريعة التشكل". وما حدث بعد ذلك ما زال محل نقاش كبير، لكن أحد الاحتمالات يشير إلى أن الأرض طورت "قشرة ثابتة"، وانقسمت هذه القشرة فيما بعد إلى صفائح، لكنها نادرا ما كانت تنزلق أو تندس تحت الصفائح الأخرى، وبدلا من ذلك، ربما تراكمت مواد (كالرواسب الرملية أو الطينية، والمعادن المترسبة، والمواد العضوية المتحللة) على الجانب السفلي من القشرة وانزلقت إلى الوشاح عندما باتت ثقيلة للغاية، وهي عملية تُسمى الاندساس أو الطَرْح.

تختلف التقديرات حول بداية "تحرك الصفائح التكتونية الحديثة" وتتفاوت بدرجة كبيرة ما بين 4 مليارات سنة إلى أقل من مليار سنة، وهو ما تعتبره درابون مدة زمنية مهولة تعكس عدم وجود اتفاق قطعي بين العلماء حول الوقت الدقيق لبداية هذه العملية الجيولوجية المهمة. في دراسة نُشرت في أبريل/نيسان عام 2022، حاولت درابون وفريقها تحديد متى بدأت حركة هذه الصفائح بدراسة التركيب الكيميائي للزركون في جنوب أفريقيا في الفترة ما بين 3.3 مليارات و4.1 مليارات سنة.

نظرا إلى أن المواد الكيميائية في هذه البلورات الصغيرة تحمل أدلة على الصخور التي تشكلت فيها، اكتشف الفريق بتحليل هذه البلورات حدوث تحول ضخم قبل 3.8 مليارات سنة. فبعد تحليل الزركونات الأقدم، توصلوا إلى أنها تشكلت في قشرة طويلة العمر، مما يشير إلى ندرة عملية الانزلاق أو "الاندساس" أو ربما عدم حدوثها على الإطلاق، في حين حملت الزركونات الأحدث أدلة على وجود قشرة قصيرة العمر، مما يشير إلى أن الصفائح التكتونية كانت تتحرك ويُعاد تدويرها. قد تكون هذه عملية اندساس حقيقية أو قد لا تكون كذلك، ولكن درابون تصفه بأنه "الخطوة الأولى نحو النظام الذي نتمتع به اليوم". (أي إن هذه العملية هي الأساس لتشكُّل القشرة الأرضية والجبال والزلازل وتحرك الصفائح التكتونية التي نشهدها اليوم).

في نهاية المطاف، توصل باحثون آخرون إلى أدلة واضحة لا سبيل للشك فيها على حدوث عملية الاندساس في وقت لاحق في التاريخ الجيولوجي، أي قبل 3.2 مليارات أو 3 مليارات سنة. وقد تكون هناك حالات فردية لعملية الاندساس ظهرت نتيجة لتأثيرات خاصة مثل اصطدامات الكويكبات، وربما تشير هذه الحالات الفردية إلى أن عملية الاندساس لم تكن مستمرة على نحو متواصل في ذلك الوقت. يشير الباحثون أيضا إلى احتمالية وجود أنشطة تكتونية أخرى في فترة مُبكرة تشبه النشاط الحديث الذي نراه حاليا، ولعل هذه الأنشطة التكتونية كانت محدودة في البداية، ولكنها تطورت بمرور الوقت إلى أنشطة تكتونية عالمية أوسع انتشارا على مستوى الكوكب.

________________________________

ترجمة: سمية زاهر

هذا التقرير مترجم عن New Scientist ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی ذلک الوقت على الیابسة تاریخ الأرض سطح الکوکب الیابسة فی على الأرض ملیار سنة کانت هناک أن الحیاة العدید من ملیون سنة من جامعة عدم وجود على وجود إذا کانت الأرض فی إلى وجود کبیرة من لأول مرة من الماء ومع ذلک إذا کان ل الأرض بعد ذلک منذ نحو فی جنوب على سطح یمکن أن لا یمکن فی وقت التی ت ما بین صخور ت إلى أن ما کان فی حین

إقرأ أيضاً:

“حزب الله” يصف الاختراقات الإسرائيلية للأجهزة اللاسلكية بـ “العملية الغامضة”

يمن مونيتور/ وكالات

وصف “حزب الله”، مساء الثلاثاء، الاختراقات الإسرائيلية للأجهزة اللاسلكية في لبنان بـ “العملية الغامضة”، مشيرا إلى أنه يجري تحقيقا أمنيا وعلميا واسعا لمعرفة أسباب انفجار أجهزة اتصال محمولة من نوع “بيجر” (pager).

وقال الحزب، في بيان تلقت: “قرابة الساعة 03:30 من بعد ظهر ( 13:30 ت.غ) يوم الثلاثاء 17-09-2024 انفجر عدد ‏من أجهزة تلقي ‏الرسائل المعروفة بالبيجر، والموجودة لدى عدد من العاملين في وحدات ومؤسسات حزب الله ‏المختلفة”.

وتابع: “أدت هذه الانفجارات الغامضة الأسباب حتى ‏الآن إلى استشهاد طفلة واثنين من الأخوة، ‏وإصابة عدد كبير بجراح مختلفة”.

بينما أفاد وزير الصحة فراس الأبيض، في مؤتمر صحفي لاحق، بمقتل 8 أشخاص بينهم طفلة وإصابة 2800 بجروح، بينهم 20 في حالة حرجة، وهي حصيلة غير نهائية.

وأردف الحزب: “تقوم الأجهزة المختصة في حزب الله بإجراء تحقيق واسع النطاق ‏أمنيًا وعلميًا لمعرفة الأسباب ‏التي أدّت إلى تلك الانفجارات المتزامنة، ‏وكذلك تقوم الأجهزة الطبية والصحية بمعالجة الجرحى ‏‏والمصابين في عدد من المستشفيات في مختلف المناطق اللبنانية.”.

ودعا “أهلنا الكرام إلى الانتباه من ‏الشائعات والمعلومات الخاطئة والمضلّلة التي تقوم بها ‏بعض الجهات بما ‏يخدم الحرب النفسية لمصلحة العدو الصهيوني، لا سيما أنّ ذلك يترافق ‏مع خطابات ‏التهويل والتهديد للعدو الصهيوني وما يُسمّيه بتغيير الوضع ‏في الشمال”. ‏

وشدد على أن “المقاومة بكافة مستوياتها ومختلف وحداتها في أعلى جهوزية ‏للدفاع عن لبنان وشعبه ‏الصامد”.

ودعا الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، في 14 فبراير/ شباط الماضي، مقاتلي الحزب وعائلاتهم وأهل الجنوب اللبناني إلى الاستغناء عن الهواتف المحمولة، ووصفها بـ”العميل القاتل” الذي يقدم معلومات دقيقة ومجانا لإسرائيل.

وفي إسرائيل، تنصل رئيس مجلس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، من منشور لمستشاره توباز لوك على منصة “إكس” ألمح فيه إلى مسؤولية تل أبيب عن تفجير أجهزة الاتصال في لبنان قبل أن يحذفه.

من جانبها، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، أن وفاة ثمانية أشخاص بينهم طفلة ونحو 2750 جريح حتى الآن، جراء انفجار انفجارات أجهزة اتصال محمولة في لبنان.

 

مقالات مشابهة

  • ما الذي نعرفه عن انفجارات أجهزة اللاسلكي في لبنان؟.. 6 أسئلة تفسر ما جرى
  • ما الذي نعرفه عن انفجارات أجهزة اللاسلكي في لبنان.. 6 أسئلة تفسر ما جرى
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • الموساد نفذها خوفًا من اكتشاف حزب الله الأمر: عن أجهزة "البيجر" التي كانت ورقة خفية في يد إسرائيل
  • إنفوغراف24| ما الذي نعرفه عن تفجيرات "البيجر" في لبنان؟
  • وزير المالية فشل في الرد علي الأسئلة التي كانت تندفع نحوه كالسيل جعلته في حالة توهان وغياب تام عن المشهد الدراماتيكي !!..
  • مصدر لبناني: أجهزة الاتصال التي انفجرت كانت مفخخة بشكل مسبق
  • “حزب الله” يصف الاختراقات الإسرائيلية للأجهزة اللاسلكية بـ “العملية الغامضة”
  • بعد أن أثارت ضجة واسعة بتصريحاتها الأخيرة بشأن الشقة التي كانت تسكن فيها وتمت زيادة الإيجار لها.. الممثلة المصرية مروة عبد المنعم: “ما قولتش أنه هيأجرها للسودانيين”
  • بعد العثور على جثة طفل.. إب تشهد مسلسلًا من الوفيات الغامضة داخل السيارات!