كل أسبوع.. عاقبة الكذب وخيمة في الدنيا والآخرة
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
لا شك أن الصدق من أعظم الأخلاق النبيلة، ونقيضه الكذب، وهو أن يخبر الإنسان بالشيء على خلاف ما هو عليه، والكذب على درجات، أشدها عقوبة وأعظمها ذنبا: الكذب على الله، كالتكلم في الدين بغير علم، أو القول على الله كذبا، ثم الكذب على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو من أعظم الذنوب أيضا، ثم شهادة الزور، ثم اليمين الغموس، وهو الحلف كذبا بحصول شيء لم يحدث، ومن أنواع الكذب كذلك: اختلاق القصص بهدف إضحاك الناس، أو ملء الفراغ، وقول المرء: رأيت كذا وهو لم يره، أو لم أر كذا وقد رآه، وزعم رؤية شيء ما في المنام وهو لم يره.
والكذب فى عمومه غير جائز لا في الجد ولا في المزاح، وهو خلق مذموم كله، إلا إذا دعت الحاجة إليه، كالكذب على الأعداء أو للصلح بين المتخاصمين، وإن ترتب علي الكذب فساد أو ضرر فإن إثمه يكون عظيما، واعتياد الكذب عده العلماء من أكبر الكبائر.
ومما يجده الكاذب من عقوبة في الدنيا أن تنعدم راحته وأمنه، كما يقل شعوره بالطمأنينة، لأن الكذب اضطراب وشك وقلق وإزعاج، وسبب في عدم هدوء البال، كما أنه سبب في مرض القلب، فقلب الكاذب غير مطمئن ولا ساكن، والكذب سبب في محق البركة، ونقص الرزق، وابتعاد الملائكة عن الكاذب، وسبب أيضا في نفرة الناس من الكاذب وابتعادهم عنه، وبه يحرم العبد من الهداية، ويؤدي به إلى الفجور.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عند عبد الله بن عامر، فنادته أمه - أي أم عبد الله - وقالت له: "هاكَ تَعالَ أُعطِيكَ شَيئًا"، فسألها رسول الله عن ذلك، فقالت له إنها تريد أن تعطيه تمراً، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمَا إنَّكِ لو لمْ تُعطِيه شَيئًا كُتِبَتْ عليكِ كِذبةٌ"، وفي هذا الحديث دليل على تربية الطفل على الصدق، حتى لا ينشأ على الكذب ويستسيغه.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ"، وهذا للأسف مما عمت به البلوى فى عصر الإتترنت ومواقع التواصل التى صارت سببا فى التقاطع الاجتماعى بسبب تداول كل ما يقال دون تمحيص أو تدقيق فيما إذا كان القول صادقا أو كاذبا.
والكذب من صفات المنافقين، فهو سبب في الفسوق والعصيان، وعاقبته ليست هينة في الدنيا والآخرة، وإنه يهوي بصاحبه إلى النار، حتى إن كان الإنسان مازحا، فقد توعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من يكذب ليضحك الناس بأشد الوعيد، حيث قال: "ويلٌ للَّذي يحدِّثُ فيَكذِبُ ليُضحِكَ بِه القومَ، ويلٌ لَه، ويلٌ لَهُ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الكذبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النارِ، وإنَّ الرجلَ ليكذبُ ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتب عندَ اللهِ كذَّابًا".
إذن الكذب من الأمور التي ينهانا عنها الإسلام، وكذلك جميع الأديان السماوية، ومن الحكم التى قيلت في الكذب: إذا أخطأت فلا تجعل العذر كذبة مزخرفة، وليس لأحد ذاكرة قوية بما فيه الكفاية لكي تجعل منه كاذبا ناجحا، ومن يكذب مرة، لا يدرك قدر الورطة التي أوقع نفسه فيها، إذ عليه أن يخترع عشرين كذبة أخرى للحفاظ على الكذبة الأولى، ومن يعتقدون أن الكذب الأبيض لا ضرر منه يصابون قريباً بعمى الألوان.
وأخيرا كن عزيزى القارئ على يقين بأن أفضل وأقصر طريق يكفل لك أن تعيش في هذه الدنيا موفور الكرامة مطمئن النفس، هو أن تنطق بالحق ولو كان مرا، وأن يكون ما تبطنه في نفسك كالذي يظهر منك للناس.
أسأل الله أن يكتبنا عنده من الصادقين.
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الصدق صلى الله علیه وسلم رسول الله الکذب على
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: ما ترك لنا رسول الله طريقا يؤدي الى النار إلا وحذرنا منه
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل ما ترك لنا طريقًا يبلغنا رضاه وجنته إلا وقد أرشدنا إليه، وحثنا عليه رسوله الكريم ﷺ ، وما ترك لنا طريقا يؤدي بنا إلى النار إلا وحذرنا منه وأحدث لنا منه ذكرا، وتركنا رسول الله ﷺ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه لما زاغ الناس عن المحجة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا، تلك الفتن التي وصفها سيدنا رسول الله ﷺ فقال : (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل : أبي يغترون ؟ أم علي يجترئون ؟ فبي حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا) [رواه الترمذي]. وفي ذلك تصديق لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .
ذلك الحليم الذي يفكر فلا يعرف قابيل الفتن من دبيرها، يحاول أن يعلم أين هو منها، فإذ به وكأنه في ظلمات بعضها فوق بعض، كموج البحر، قال تعالى : (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور)ٍ ، فهي فتن يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ونحن إذ في هذه الحالة نريد أن نعتصم بحبل الله، ونتعلق بسفينة النجاة التي توصلنا إلى الله بإذنه تعالى.
لابد أن نحاول معرفة أسباب ما يجري من حولنا، فإن العصر اتسم بالإنجاز الذي قد سبق الأخلاق والقيم، وسبق النشاط الفكر والتفكر والتدبر، وقدمت المصلحة على الشريعة، وتقدمت اللذات على عبادة الله، فكان الناس في العصر على ثلاثة أنحاء : فاجر قوي، وعاجز تقي، ومؤمن كامل وفي.
أما الفاجر القوي فقد تمكن اليوم من العالم، وأراد أن يثبته فكره الذي يقدم الإنجاز على القيم والأخلاق، فهذا الرجل الذي كان يحكم أكبر دولة في العالم علم بفضائحه وسوء أخلاقه الكبير والصغير، ولكن عقلية شعبه لا ترى مع ذلك ضررًا خاصة طالما أنه ما زال ينجز وينجح في عمله، فماذا يتعلم أولادنا من هذه القصة من غير كلام، يتعلمون أن النجاح هو القوة والإنجاز حتى وإن كان فاجرًا.
وفي المقابل نرى تربية الله ورسوله لنا على غير هذا الشأن، فسيدنا رسول الله ﷺ يربينا أن نكون أقوياء، وأن نأخذ بيد العاجز منا ونصل به إلى القوة، فالعجز مذموم خاصة إن كان في عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس، غير أن المؤمن العاجز خير من الفاجر القوي عند الله، وينبغي أن يكون كذلك عند الناس، فالمؤمن يمتلك القيم والأخلاق، والإصلاح الطهر الذي يكون به الحضارة الإنسانية الحقيقية.