«القلب الكبير» تعلن فتح باب الترشيح لـ «جائزة الشارقة الدولية لمناصرة ودعم اللاجئين 2024»
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
الشارقة - وام
أعلنت «القلب الكبير»، المؤسسة الإنسانيّة العالميّة المعنية بمساعدة اللاجئين والمحتاجين حول العالم، عن فتح باب الترشيح للدورة الثامنة من «جائزة الشارقة الدولية لمناصرة ودعم اللاجئين» للعام 2024 بدءا من الثلاثاء، وحتى 15 نوفمبر القادم على أن يتم استقبال الترشيحات عبر موقع المؤسسة الإلكتروني https://tbhf.
وتفتح المؤسسة، المجال أمام المنظمات والمؤسسات والأفراد لترشيح أي منظمة أو مؤسسة إنسانية محلية عاملة في دعم ومناصرة اللاجئين، في منطقة الشرق الأوسط وقارتي آسيا وإفريقيا.
وتبلغ قيمة الجائزة، التي تُنظم سنوياً منذ عام 2017 بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 500 ألف درهم، وهي مساهمة خاصة من القلب الكبير ولا يتم احتساب قيمة الجائزة من أي تبرعات تقدم للمؤسسة.
وتلقت الجائزة، منذ إطلاقها أكثر من 2,000 طلب ترشح من 40 دولة حول العالم، بما يعكس الدور المحوري الذي تلعبه الجائزة في تكريم نخبة من المنظمات الإنسانية التي قدمت أكثر البرامج والمبادرات ابتكاراً وتأثيراً في مجال العمل الإنساني عالمياً.
ونجحت الجائزة، في تسليط الضوء على أهمية الدعم الشامل والمستدام لجهود العمل الطوعي والخيري في أكثر المجتمعات احتياجاً، وكرّمت العديد من المنظمات الإنسانية المحلية في منطقة الشرق الأوسط وقارتي آسيا وإفريقيا، نظراً لجهودها المتميزة في تقديم خدمات استثنائية للاجئين والمهجّرين قسرياً عن موطنهم، إضافة إلى تنظيمها لمجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية والفنية الترفيهية في المخيمات، ودعم المواهب وبناء المهارات وتوفير التدريب المهني بالتوازي مع تأمين الاحتياجات الأساسية من الماء والغذاء والرعاية الصحية والنفسية والتعليم، نحو الارتقاء الشامل بمستوى حياة الفئات المحتاجة.
وتتضمن معايير المشاركة في الجائزة، أن تكون المنظمة المشاركة مسجلة رسمياً كمنظمة غير ربحية تعمل في المجال الإنساني، وتقدم الخدمات الإنسانية والاجتماعية لمدة لا تقل عن سنة واحدة من تاريخ الترشيح للجائزة، وأن تكون قيمها وسلوكياتها متوافقة مع قيم «مؤسسة القلب الكبير» و«المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، ويمكن للمنظمات ترشيح نفسها أو أن يتم ترشيحها من أفراد أو منظمات أخرى.
وتشمل معايير تقييم المنظمات المشاركة، مدى تأثير عمل كل منها في تحقيق فوائد ملموسة على المجتمعات المستهدفة، وقدرتها على تطبيق الابتكار في المشاريع المنفذة، إضافة إلى المشاريع والممارسات المبتكرة التي تتبعها المنظمات لتعزيز الاستدامة، ومدى مراعاتها مبدأ المساواة بين الجنسين في تخطيط وتنفيذ تلك البرامج والمشاريع، إلى جانب قدرة المنظمة على سد الفجوات القائمة في العمل الإنساني ولا سيما في حالات الطوارئ.
ودعت مريم الحمادي مديرة «مؤسسة القلب الكبير»، منظمات العمل الإنساني وصناع التغيير من جميع أنحاء العالم للمشاركة في الدورة الثامنة من الجائزة، مشيرة إلى أن العمل الإنساني ليس مجرد سلسلة من الأعمال الخيرية بل هو أحد أبرز المجالات التي تعزز التنمية العالمية المستدامة والشاملة، ولذلك انطلقت هذه الجائزة برعاية ودعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وقرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة (القلب الكبير)، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين لدى (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) لتشكّل حافزاً للعديد من مؤسسات العمل الإنساني حول العالم نحو بذل المزيد من الجهود لمساعدة الفئات المحتاجة وتنظيم العمل الإنساني بصورة أفضل ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وقارتي آسيا وإفريقيا.
وأضافت مريم الحمادي، أن الجائزة تحتفل بمساهمات المنظمات الإنسانية التي تكرس جهودها للارتقاء بحياة الملايين من اللاجئين والنازحين حول العالم، حيث توفّر الجائزة منصة رائدة لتكريم وتقدير مساعي صناع العمل الإنساني، وتسليط الضوء على تجاربهم نحو استقطاب المزيد من الاهتمام الدولي بإنجازاتهم والاستفادة من التمويل الذي يتلقونه من الجهات المانحة والشركاء.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات مؤسسة القلب الكبير الشارقة العمل الإنسانی القلب الکبیر حول العالم
إقرأ أيضاً:
العمل الحقوقي في مواجهة أزمة التمويل: هل نشهد تراجعا لا رجعة فيه؟
لطالما شكلت منظمات حقوق الإنسان حجر الأساس في الدفاع عن الحريات الأساسية، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم للضحايا حول العالم. ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات اليوم أزمة غير مسبوقة تهدد استمراريتها نتيجة تقليص أو قطع التمويل، مما يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على أداء دورها الحيوي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك إعلان الصندوق الوطني للديمقراطية (NED) في 25 شباط/ فبراير 2025 في بيانه التاريخي تعليق عملياته بسبب عدم تمكنه من الوصول إلى الأموال المخصصة له من قبل الكونغرس الأمريكي، وهو ما أدى إلى وقف دعمه لحوالي 2000 منظمة شريكة تعمل في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون، الأمر الذي يشكل ضربة قاسية للعمل الحقوقي في مختلف أنحاء العالم.
ويُعد الصندوق واحدا من أبرز الجهات الدولية التي كرست جهودها على مدار عقود لدعم الحركات الديمقراطية حول العالم. فمنذ تأسيسه عام 1983، لعب دورا محوريا في مساندة نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين المستقلين والمنظمات المدنية، حيث قدم دعما لا يقدر بثمن للجهود الرامية إلى محاربة الاستبداد، وتعزيز الحريات السياسية، وتمكين المجتمعات من مواجهة القمع والتسلط. ونتيجة لذلك، أصبح الصندوق الوطني للديمقراطية هدفا للأنظمة القمعية التي ترى في أنشطته تهديدا لنفوذها. كما أن قرار تعليق عملياته بسبب انقطاع التمويل يكشف مدى هشاشة الدعم المقدم لمنظمات حقوق الإنسان أمام التقلبات السياسية.
وفي هذا السياق، يُعد التمويل العصب الرئيس لعمل المنظمات الحقوقية، حيث يمكّنها من تنفيذ مشاريعها، وتوثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا. إلا أن الاعتماد المفرط على التمويل الخارجي جعل هذه المنظمات عرضة للضغوط السياسية، إذ تستخدم بعض الحكومات المانحة التمويل كأداة نفوذ لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. ومن هنا، أصبح دعم حقوق الإنسان في بعض المناطق مرتبطا بالمصالح الجيوسياسية أكثر من كونه التزاما مبدئيا، مما دفع العديد من المنظمات إلى مواجهة خطر الإغلاق أو تقليص عملياتها بشكل كبير.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير الصراعات السياسية والعسكرية على تراجع الدعم لمنظمات حقوق الإنسان. فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، تحولت أولويات العديد من الحكومات نحو دعم المجهودات العسكرية بدلا من تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أدى تصاعد التوجهات الاستبدادية لدى بعض الأنظمة الديمقراطية الداعمة في بعض الدول إلى فرض قيود إضافية على عمل المنظمات الحقوقية وجهات التمويل، مما زاد من تعقيد مهمتها. وفي ظل هذه المتغيرات، أصبح البحث عن بدائل تمويلية مستدامة ضرورة ملحة لتجنب التراجع غير المسبوق في قدرة المنظمات على حماية الحقوق الأساسية ومنع تصاعد الانتهاكات دون رقيب.
وبالحديث عن ذلك، فقد شكل إعلان الصندوق عن تعليق عملياته صدمة كبرى للمدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أدى إلى وقف دعم آلاف المنظمات حول العالم. ولم يكن هذا القرار مجرد إعلان إداري، بل جرس إنذار يُدشن مرحلة جديدة من المواجهة بين العمل الحقوقي والإجراءات التي تستخدم التمويل كأداة ضغط سياسي. فقد كشف هشاشة النظام الداعم للعمل الحقوقي ومدى تأثير القرارات السياسية على استمراريته، مما جعل الحاجة إلى حلول بديلة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
ومن هنا، وفي مواجهة هذه التحديات، أصبح من الضروري إعادة النظر في استراتيجيات التمويل، والبحث عن مصادر دعم أكثر استدامة بعيدا عن الهيمنة السياسية.كما أعاد هذا الحدث النقاش حول استقلالية العمل الحقوقي وضرورة بناء تحالفات وشبكات دعم جديدة تضمن استمرار منظمات المجتمع المدني دون الابتزاز المالي أو الضغوط السياسية. وعلى الرغم من صعوبة هذه المرحلة، فإنها قد تمثل فرصة لإعادة هيكلة القطاع الحقوقي وتعزيز استقلاليته، حيث بات من الواضح أن الاعتماد على التمويل الخارجي وحده لم يعد خيارا آمنا، وأن النضال الحقوقي بحاجة إلى إصلاحات جوهرية تضمن استمراريته وتحميه من التقلبات السياسية والإدارية التي تهدد وجوده.
التمويل كعصب رئيس لعمل المنظمات الحقوقية
يُعد التمويل عنصرا حاسما في عمل المنظمات الحقوقية، حيث يمكّنها من القيام بأدوارها الأساسية في توثيق الانتهاكات، تقديم الدعم للضحايا، والمناصرة الدولية. تعتمد هذه المنظمات على الموارد المالية لتنفيذ مشاريعها، وتوفير المساعدات القانونية والنفسية والاجتماعية للمتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى تنظيم الحملات والضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية لاتخاذ إجراءات فعالة تجاه القضايا الحقوقية. بدون هذا التمويل، تصبح هذه الأنشطة مهددة بالتوقف، مما يترك الضحايا بلا دعم ويقلل من قدرة المجتمع المدني على محاسبة الجناة.
تستمد المنظمات الحقوقية تمويلها من عدة مصادر تقليدية، تشمل الحكومات الديمقراطية، والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والجهات المانحة الخاصة، مثل المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الربحية التي تخصص ميزانيات لدعم مشاريع حقوق الإنسان. ورغم أهمية هذه المصادر، إلا أن الاعتماد المفرط عليها يجعل المنظمات عرضة للتأثر بالتحولات السياسية والاستراتيجيات الدولية التي قد تُستخدم للتأثير على عملها. في بعض الأحيان، تُستخدم آليات التمويل للضغط على المنظمات الحقوقية لتغيير أولوياتها أو الحد من انتقاداتها للجهات المانحة، مما قد يؤثر على استقلالية عملها.
عند قطع التمويل أو تقليصه، تواجه المنظمات الحقوقية تحديات فورية، مثل تسريح الموظفين وإغلاق المشاريع الحيوية، ما يؤدي إلى تراجع قدرتها على الاستمرار في العمل الميداني. كما تصبح عمليات التوثيق والمناصرة أكثر صعوبة، حيث تعجز هذه المنظمات عن تغطية التكاليف اللوجستية والقانونية، مما يحدّ من تأثيرها ويزيد من هشاشتها. في ظل هذه التحديات، يصبح البحث عن نماذج تمويل مستدامة أمرا ضروريا للحفاظ على استقلالية المنظمات وقدرتها على مواصلة الدفاع عن حقوق الإنسان.
التداعيات الفعلية على العمل الحقوقي
إن قطع التمويل أو تقليصه لا ينعكس فقط على الميزانيات التشغيلية للمنظمات الحقوقية، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على قدرتها على توثيق الانتهاكات وإعداد التقارير الدولية، حيث تعتمد هذه المنظمات على فرق متخصصة في جمع الأدلة، وإجراء التحقيقات الميدانية، وإعداد تقارير تفصيلية حول أوضاع حقوق الإنسان. ومع تراجع التمويل، تصبح هذه العمليات أكثر صعوبة، حيث يُجبر العديد من الباحثين والمحققين على ترك أعمالهم بسبب نقص الموارد، مما يؤدي إلى فراغ معلوماتي خطير يحد من قدرة المجتمع الدولي على محاسبة الجناة ووضع الضغوط اللازمة لوقف الانتهاكات.
إضافة إلى ذلك، يُؤدي خفض التمويل إلى إضعاف الحماية المقدمة للمدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة في البيئات القمعية حيث يواجه النشطاء مخاطر متزايدة من الملاحقة والاعتقال وحتى التهديد بالقتل. فعادة ما توفر المنظمات الحقوقية دعما قانونيا وأمنيا للمدافعين عن الحقوق، وتساعدهم في الحصول على ملاذ آمن أو مساعدات قانونية عند تعرضهم للخطر. ولكن مع تضاؤل الموارد المالية، تصبح هذه الحماية محدودة أو شبه معدومة، مما يعرض هؤلاء النشطاء لمزيد من القمع دون أي شبكة دعم أو آليات فعالة لحمايتهم.
علاوة على ذلك، فإن هذه الأزمة المالية تؤثر بشكل كبير على برامج التوعية والتدريب والمناصرة، والتي تُعد أدوات رئيسية في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز الوعي المجتمعي بالقضايا الحقوقية. فتقليص الميزانيات يعني إلغاء العديد من ورش العمل والدورات التدريبية والحملات الإعلامية التي تهدف إلى تثقيف الأفراد حول حقوقهم، وتقوية قدرات النشطاء على مواجهة التحديات القانونية والسياسية. ومع تراجع هذه الأنشطة، يصبح المجتمع المدني أكثر هشاشة، وتفقد الحركات الحقوقية تأثيرها على المستوى المحلي والدولي، مما يُمهّد الطريق أمام المزيد من التراجع في أوضاع الحريات والحقوق الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تقليص أو قطع التمويل سيؤدي إلى تأجيج التنافسية بين المنظمات الحقوقية، حيث ستصبح المؤسسات مضطرة إلى التنافس فيما بينها للحصول على أكبر قدر ممكن من التمويل المتبقي، مما سيخلق ديناميكية غير صحية في قطاع حقوق الإنسان. ففي ظل معادلة البقاء للأقوى، ستكون الخاسر الأكبر هي المنظمات الصغيرة والمجموعات المجتمعية التي تعمل مع الفئات المهمشة، إذ إن هذه الجهات غالبا ما تعتمد على تمويلات محدودة وغير مستدامة، ما يجعلها أكثر عرضة للانهيار في أوقات الأزمات المالية. وفي المقابل، قد تتمكن المنظمات الكبرى التي تمتلك علاقات قوية مع الجهات المانحة من الاستمرار، لكنها قد تضطر إلى تعديل أولوياتها لتتماشى مع مصالح الممولين، مما قد يُضعف التركيز على القضايا الحقوقية الأكثر حساسية والتي تهم الفئات الأكثر ضعفا.
بدائل لاستدامة تمويل العمل الحقوقي
في ظل الأزمات المالية التي تهدد استمرارية منظمات حقوق الإنسان، يصبح البحث عن بدائل تمويلية مستدامة أمرا بالغ الأهمية لضمان استمرار هذه المنظمات في أداء دورها دون الخضوع للضغوط السياسية التي قد تفرضها الجهات المانحة التقليدية. ومن هذا المنطلق، فإن تنويع مصادر التمويل يمثل استراتيجية ضرورية تتطلب إجراءات على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل لضمان استدامة العمل الحقوقي في مواجهة التحديات المتزايدة.
الإجراءات قصيرة الأمد: حلول عاجلة لمواجهة الأزمة
تتمثل الإجراءات قصيرة الأمد في الخطوات العاجلة التي يمكن للمنظمات الحقوقية اتخاذها لمواجهة الأزمة المالية وضمان استمرارية أنشطتها على المدى القريب. من بين هذه الإجراءات إطلاق حملات تمويل جماعي عبر الإنترنت، والتي تتيح الوصول إلى تبرعات مباشرة من الأفراد الداعمين لحقوق الإنسان، مما يوفر مصدرا سريعا للتمويل. كذلك، يُعد إعادة هيكلة الميزانيات عبر تقليل النفقات غير الضرورية والتركيز على الأولويات الأساسية خطوة حاسمة لضمان استمرار العمليات الأساسية للمنظمات.
إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التعاون المؤقت بين المنظمات من خلال تبادل الموارد والخبرات بدلا من التنافس على التمويل المتاح، مما يساهم في تخفيف الضغوط المالية بشكل فوري. كما تُعد إعادة التفاوض مع الجهات المانحة أحد الحلول الفعالة، حيث يمكن للمنظمات العمل على تعديل شروط التمويل أو تمديد فترات الدعم لضمان استمرار المشروعات القائمة دون توقف مفاجئ قد يعيق عملها.
الإجراءات طويلة الأمد: نحو استدامة مالية حقيقية
أما الإجراءات طويلة الأمد، فتعتمد على بناء استراتيجية تمويل مستدامة تضمن للمنظمات الحقوقية استقلالية مالية أكبر على المدى البعيد، مما يقلل من تأثير الضغوط الخارجية عليها. ومن بين هذه الحلول، تنويع مصادر التمويل عبر إقامة شراكات مع القطاع الخاص، حيث يمكن للشركات الداعمة للمسؤولية الاجتماعية أن توفر تمويلا مستداما للمنظمات الحقوقية. كما يمكن إطلاق مشاريع مدرة للدخل، مثل تقديم الاستشارات القانونية والتدريب في مجالات حقوق الإنسان، مما يساعد على توفير دخل ذاتي يقلل من الاعتماد على المانحين التقليديين.
بالإضافة إلى ذلك، يُعد إنشاء صناديق وقفية من بين الحلول الأكثر استدامة، حيث توفر هذه الصناديق مصدرا تمويليا طويل الأمد يمكن استثماره لدعم الأنشطة الحقوقية دون الحاجة إلى تمويل خارجي مستمر.كما أن تطوير شبكات وتحالفات حقوقية دولية يساهم في تعزيز قدرة المنظمات على مواجهة الضغوط المالية والسياسية، إذ توفر هذه الشبكات آلية لتبادل الدعم والخبرات، مما يسهم في تعزيز استدامة العمل الحقوقي رغم التحديات المتزايدة.
بهذه الطريقة، يمكن للمنظمات الحقوقية أن تتخطى الأزمة المالية عبر الجمع بين إجراءات قصيرة الأمد توفر استمرارية فورية، وإجراءات طويلة الأمد تضمن الاستقلالية والاستدامة، مما يمكنها من مواصلة دورها في حماية حقوق الإنسان دون قيود مالية أو سياسية.
التحديات الثقافية والمجتمعية أمام استدامة العمل الحقوقي
رغم أهمية البحث عن نماذج تمويل بديلة واستراتيجيات استدامة لمنظمات حقوق الإنسان، إلا أن التحدي الأساسي الذي يعيق مثل هذا التحرك في منطقتنا هو الثقافة السائدة حول العمل الحقوقي. إذ يرى قطاع واسع من المجتمع أن هذه المنظمات ليست نابعة من الداخل، بل هي امتداد لتدخلات خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار، مما يجعل أي محاولة لتعزيز التمويل المحلي محفوفة بالمخاطر وسوء الفهم.
يعود هذا التصور إلى عقود من التشكيك في مصطلح "حقوق الإنسان"، حيث جرى الترويج لفكرة أن القيم الحقوقية ليست أصيلة في ثقافتنا، بل تم فرضها من الخارج كجزء من أجندة سياسية تهدف إلى إشاعة الاضطراب وتهديد الهوية الوطنية.وقد ساهمت بعض الحكومات والجهات الإعلامية في تأجيج هذا الانطباع عبر تصوير المنظمات الحقوقية على أنها أذرع لمصالح أجنبية، وهو ما جعل المواطن العادي في كثير من الأحيان ينظر إليها بارتياب أو عداء بدلا من اعتبارها مؤسسات تعمل لصالحه.
هذا التصور لا يؤثر فقط على قبول المجتمع لهذه المنظمات، بل يعرقل أيضا إمكانية تنويع مصادر تمويلها من الداخل. فحتى عندما تحاول هذه المنظمات الاعتماد على الدعم المحلي من القطاع الخاص والمجتمع المدني، تجد نفسها أمام تحدٍ كبير يتمثل في إحجام الشركات والمواطنين عن تقديم الدعم خوفا من الارتباط بجهة تُعتبر "مشبوهة" أو "مستهدفة سياسيا". وهكذا، يصبح من الصعب بناء تمويل محلي مستقل، مما يُبقي هذه المنظمات في دائرة الاعتماد على الجهات المانحة الدولية، وهو ما يعيد إنتاج الأزمة ذاتها التي تحاول هذه المؤسسات تجاوزها.
كيفية تجاوز هذا التحدي؟
لمعالجة هذه الإشكالية، لا بد من إعادة تأطير العمل الحقوقي بحيث يتم تقديمه للمجتمع بوصفه جزءا أصيلا من نسيجه الثقافي، وليس كفكرة مستوردة. وهذا يتطلب جهودا توعوية مكثفة، تشمل إشراك شخصيات مجتمعية مؤثرة في الدفاع عن الحقوق الأساسية، وتوضيح أن حقوق الإنسان ليست مفاهيم غربية، بل هي قيم إنسانية عالمية تتقاطع مع المبادئ الدينية والثقافية التي نشأت عليها مجتمعاتنا.
كما أن هناك حاجة إلى تعزيز الشراكات مع المؤسسات المحلية، مثل النقابات، والجمعيات الأهلية، وحتى الهيئات الدينية، لخلق بيئة أكثر تقبلا للعمل الحقوقي، مما يسهل عليه كسب شرعية داخلية تساعد في التغلب على الصورة النمطية المرتبطة به.
في النهاية، لا يمكن الحديث عن استدامة حقيقية للعمل الحقوقي دون تغيير نظرة المجتمع تجاهه، وإقناع الناس بأنه ليس تهديدا أو مشروعا خارجيا، بل هو أداة لحماية كرامتهم وحقوقهم الأساسية. هذه المعركة تتطلب وقتا وجهدا، لكنها ضرورية لضمان أن يصبح الدفاع عن الحقوق جزءا من ثقافة المجتمع وليس فكرة دخيلة عليه.
الخاتمة
لا يمكن إغفال أن العمل الحقوقي هو جزء من الإطار الأخلاقي الذي يشكل عصب المجتمع، فهو ليس مجرد نشاط مؤسسي أو مشروعات تموّلها الجهات المانحة، بل هو التزام أخلاقي وإنساني يسعى إلى حماية الحقوق الأساسية وتعزيز العدالة والمساواة. هذا الدور يجعل منظمات حقوق الإنسان ركيزة أساسية في بناء مجتمعات أكثر عدلا وإنصافا، الأمر الذي يتطلب ضمان استدامتها واستقلاليتها بعيدا عن التقلبات السياسية والمالية.
وفي هذا السياق، لا ينبغي أن ننسى أن العاملين في مجال حقوق الإنسان لا يعتمدون فقط على التمويل أو الموارد المادية، بل إن جزءا كبيرا من عملهم يقوم على التضحية، حيث يكرّسون وقتهم وجهدهم وحتى أمنهم الشخصي في سبيل مساندة الضحايا والدفاع عن الفئات المهمشة، دون البحث عن مكاسب شخصية أو منافع مادية. إن التزام هؤلاء النشطاء بالقضية الحقوقية هو ما يجعل استمرار هذا العمل ممكنا، حتى في أحلك الظروف وأشد الأزمات.
لذلك، فإن أزمة التمويل الحالية ليست مجرد تحدٍ إداري، بل اختبار حقيقي لمستقبل العمل الحقوقي، ما يتطلب حلولا مبتكرة لضمان استمراريته رغم القيود المالية. ومن هنا، يجب العمل على تنويع مصادر التمويل، وتعزيز الدعم المحلي، وتطوير نماذج استدامة جديدة، مع بناء شراكات وتحالفات قوية تضمن استمرار النضال الحقوقي بعيدا عن الضغوط السياسية.
وفي النهاية، حماية حقوق الإنسان ليست مسؤولية المنظمات فقط، بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمعات المدنية، والإعلام، والأفراد الذين يدركون أن العدالة والكرامة الإنسانية لا يمكن أن تكون مرهونة بميزانيات أو سياسات دولية، بل هي قيمة يجب الدفاع عنها بغض النظر عن الظروف والتحديات.