بقلم/ عبدالحليم سيف
بين يدي مجلة المستقبل ، العدد (334) ، - الصادرة في باريس - السبت 16 تموز (يوليو) 1983ِم، أقلب صفحاتها ؛ وكأنني لأول مرة اقتنيها؛ اتصفح بعجالة افتتاحية - رأي نبيل خوري رئيس تحريرها - ثم اتجاوز الصفحات الإخبارية..، إلى الصفحة (15) هنا لا يمكنك أن تقفز إلى ما حيث شئت؛ لأنك ببساطة تقع " أسيراً" في ركن المسرحي المرموق محمد الماغوط ".
حتى توج ذلك الاجتياح البربري بغزو بيروت ، وارتكاب مذبحة مخيمي صبرى وشاتيلا للاجئين الفلسطينين يومي18-17سبتمبر 1982م وحكام الانظمة العربية في صمتهم المريب يسبحون!! .
وأنا أعيد قراءة رائعة الأستاذ محمد الماغوط.. تارة بصوت مرتفع ؛ متقمصاً دور طرفي الحوار ِ؛ وطورا اخر، أتوقف متهيبا؛ كأني أسمع صوت الماغوط بنبرته المائزة، والمؤثرة ؛ وهو يهدر كشلال مندفع بقوة لا حدود لها؛ فقلت لنفسي متسائلاً : "..ترى اليس هناك من خسارة أنني وحدي أقرأ مقالة الماغوط..هذه؟"..؛ فكان أن رديت على حيرة جملتي الاستفهامية وبسرعة : " مادام اعجبك مقال عمره (34) عاما من الزمن العربي القاتم السواد؛ وأن كلماته كأنها تصف اللحظات الراهنة بكل تفاصيلها ؛ لكل مانراه؛ ونعيشه اليوم ساعة بساعة ؛ أسبوع بأسبوع ؛ وشهراً بآخر؛ وسنة بثالثة وخامسة وعاشرة ؛ فما عليك إلا أن تقدم تلخيصاً مكثفاً للمقال ؛ أو تنشره كاملا ًِ..؛ (هكذا) ..ولهذا وذاك حببت ان أشارككم قراءة "الحوار" من خلال الجمع بين الطريقتين معاً..، وعلى النحو التالي :
الزوج : من يقرع الباب في هذه الساعة المبكرة من الصباح؟
الزوجة : موزع الصحف.
الزوج : لا أريد أن أعرف شيئاً.
الزوجة : الفران.
الزوج : لا أريد أن أكل شيئاًِ.
الزوجة : مندوب مصلحة المياه.
الزوج : لا أريد أن أشرب شيئاً.
الزوجة : مندوب مصلحة الكهرباء.
الزوج: لا أريد أن أرى شيئاً.
الزوجة : مندوب مصلحة الهاتف.
الزوج : لا أريد أن أكلم أحدا ً.
الزوجة: ساعي البريد.
الزوج : لا أريد أن اطمئنِّ على أحد.
الزوجة: المحاسب.
الزوج : لا أريد أن أقبض شيئاً.
الزوجة : متسول.
الزوج : لا أريد ان أعطي شيئاً.
الزوجة: بائع اليانصيب.
الزوج : لا أريد ان اربح شيئاً.
الزوجة: قاضٍٍٍ.
الزوج : لا أريد أن أعترف بشيء.
الزوجة: صيدلي.
الزوج : لا أريد ان اشفى من شيء.
الزوجة : شيخ الحارة.
الزوج : لا أريد أن اؤمن باي شي ء.
وعند تلكم النقطه من حوار اللاءات الساخطة؛ والرافضة؛ لكل شيء وأي شيء ؛ ينفجر الزوج على لسان (الماغوط) ليعبر عن غضبه وسخريته وإحباطه من واقع عربي مريض وملوث ؛ ظل يصدقه ويؤمن به ؛ ويكتب عنه ؛ ويأمل في انتشاله من وحل الخراب ؛ فنقرأ معه بصوت مبحوح ؛ وكأنه نادماً لضياع وقته ؛ وهو يلهث مثل الملايين من العرب وراء السراب ؛...فيقول الماغوط :
" فطوال حياتي وأنا أركض وراء الحب.
وراء الصداقة.
وراء الحرية.
وراء فلسطين.
وراء القادة.
وراء الأحزاب.
وراء الشعر.
وراء المسرح .
وراء الصحافة.
ولم أصل إلا إلى الشيخوخة "
ويمضي الماغوط (مستطرداً):
" ومع ذلك فالشيخوخة يمكن التحايل عليها باصباغ الشعر.
والترهل بالرياضة.
والكبت بالصور العارية.
والضجر بالكلمات المتقاطعة.
والخطابات بالتثاؤب.
والصمت بالموسيقى.
والضجة بإغلاق الأبواب".
ثم نجده في المقطع التالي.. يستدرك بقوله :
" ولكن هذا الخوف
ان كل شيء والذي
يسبح في دمي كبيوض الأسماك في أعماق
البحار كيف يمكن التحايل عليه".
**
قبالة هذه المنعطف المقلق؛ يَفلت الماغوط من حيرته إلى الماضي ؛ فيستعيد من خزان ذاكرته الطفولية ؛ المشهد القادم.. لعله يجد فيه جواباً :
" عندما كنا صغاراً نحفظ القرآن عند شيخ الضيعة" - يقول الماغوط :" كلما أقبل العيد نرتدي ثيابنا الجديدة ونتأبط صاحفنا وننطلق مبكرين إلى المقابر.. لنقرأ الآيات البينات على أرواح الموتي من أبناء ضيعتنا مقابل حفنة من السكاكر البدائية أو قرص من الكعك الذي تنبعث من نقوشه الريفية الجميلة رائحة حقولنا وليالينا بأسرها".
ثم يمضي الماغوط ليصف مشهد الساعات الأولى من يوم عيد :" ....كان ثمة أمير يصل صباح كل عيد إلى مقبرة العائلة على ظهر جواده الملهم لينثر النقود الفضية على رؤوسنا ..حفنة اثر أخرى فيبدأ العراك والشتائم وسط الغبار وشواهد القبور... وذات مرة- يزيد الماغوط ليصف حالته- لحقت بقطعة نقود صغيرة راحت تقفز وتكرج على أرض المقبرة الرخامية. وكنت في تلك الأثناء مستعداً لأن الحق بها إلى كامب ديفيد إلى أن نزلت أخيراً في أحد القبور المفتوحة حديثاً فنزلت وراءها دون تردد".
بعد هذه الصورة الضاحكة - الباكية ؛ يتوقف بنا الماغوط في نهاية مشهده التراجيدي..كما رسمه بعبارات بليغة المغزى عميقة المعنى..فيقول :
" وهناك بين تجاويف العيون المظلمة والأسنان المكشرةوالجماجم المتناثرة.. كنت أشعر بالطمأنينة *
والأمان والثقة
بالمستقبل أكثر مما
أشعر الآن حتى ولو
كنت نائماً تحت عباءة
أكثر الحكام ورعاً وحناناً وتقوى".
**
ترى..: ماذا لو كان المحمد الماغوط حياً يرزق بيننا؛ ويعيش اجواء عيد الأضحى هذه الأيام..؛ فكيف له في زمن الهول الأعظم ؛ والانكسار الاضخم ؛ والتصدع الأكبر؛ والخضوع المطلق للزمن الكالح بماضيه وحاضره.. أن يصف حالة العرب الذاتية والعامة المملوءة بالاوجاع والاهوال ..السابحة بالدم أمام النفس ؟!
لا أدري...!!
فقط وجدت نفسي أردد مقطعا من قصيدة "بيروت" للشاعر الفذ محمود درويش:
بيروت خيمتنا الأخيرة
بيروت نجمتنا الأخيرة
افق رصاصي تناثر في الافق
طرق من الصدف استدارت في الطرق
ومن المحيط إلى الخليج
من الخليج إلى الجحيم
ومن اليمين الى اليمين إلى الوسط
شاهدت مشنقة فقط".
حفظكم الله وابقاكم دوماً.
الأحد، 3 سبتمبر 2017م
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
تستهدف الباحثين عن الترفيه العائلي.. تجارب تفاعلية في «وظيفة العجائب»
البلاد – جدة
تمثل تجربة فعاليات” وظيفة العجائب” المقامة حاليًا على طريق الملك عبدالعزيز في جدة بتنظيم من إدارة تقويم الفعاليات، أبرز الفعاليات من خلال تجربة ماتعة وتعليمية تفاعلية تتيح للأطفال استكشاف المهن بطريقة مشوّقة.
وتتميز منطقة العجائب بتنوع الأنشطة التي تناسب جميع الأعمار؛ سواء الباحثين عن الترفيه العائلي، والمغامرات المثيرة، أو الاسترخاء.
وتُعد منطقة العجائب تجربة ترفيهية فريدة من نوعها، حيث تجمع بين التسلية، والتعليم، والتفاعل الثقافي في مكان واحد، وإضافة نوعية للفعاليات الثقافية والترفيهية؛ إذ تجمع المنطقة بين الأنشطة التعليمية والترفيهية، ما يجعلها وجهة مفضلة للعائلات الباحثة عن تجربة متكاملة.
وتُعزز منطقة العجائب السياحة الداخلية عبر عامل الجذب للسياح المحليين والدوليين، وذلك بتنوع الأنشطة، وتوفر المنطقة أنشطة تناسب مختلف الأعمار والاهتمامات؛ حيث تُقدم الفعاليات في بيئة آمنة وماتعة للعائلات، ما يعزز من قيم التفاعل الاجتماعي.