#سواليف

بين #الرؤية #الاقتصادية #الرواندية ومثيلتها #الأردنية

#موسى_العدوان

سؤال بلا مقدمات . . أطرحه على من يهمه الأمر في بلدي الأردن وهو : كيف تمكنت دولة صغيرة كَ ” رواندا ” من تحقيق رؤيتها الاقتصادية، وصنع معجزة اقتصادية، بعد أن كانت تعاني من التخلف والحرب الأهلية لأكثر من نصف قرن، بينما لم تتمكن الأردن من صنع مثيلتها، رغم الاستقرار والرؤى الاقتصادية لحكوماتها المتعددة ؟ وللإجابة على هذا السؤال سأبين تاليا باختصار بعض المعلومات حول هذا الموضوع.

مقالات ذات صلة 21.9% نسبة البطالة في الأردن حتى نهاية الربع الأول من 2023 2023/09/05

* * *

لقد غرقت رواندا في مستنقع الحروب الأهلية، بعد أن هبط عليها الاستعمار الألماني عام 1885، ثم تبعه الاستعمار البلجيكي عام 1922. فقد عمد البلجيكيون إلى زرع الفتنة وإذكاء العصبية بين أكبر قبيلتين في البلاد هما الهوتي عمال الزراعة ويشكلون 80 % من السكان، والتوتسي ملاك الأراضي ويشكلون 20%.

ففي عقد الخمسينات من القرن الماضي اندلعت الاشتباكات بين القبيلتين، ورغم استقلال البلاد عام 1961، إلاّ أنها دخلت في فوضى عارمة حتى بداية الألفية الثانية، راح ضحيتها حوالي مليون قتيل من الطرفين.

في عام 2000 تولى السلطة نائب الرئيس ” بول كاغامي ” الذي ينتمي إلى قبيلة التوتسي، فنقل البلاد من عصر الفوضى والدماء إلى عصر المصالحة الوطنية والوحدة والتنمية. لقد عرف الرئيس الجديد أن مسار التفرقة العنصرية لا يؤدي بالبلاد إلاّ إلى مزيد من الدماء والحروب وتراجع البلاد.

اختار الرئيس الجديد مسار الوحدة والتنمية والمعرفة، وارتكزت رؤيته للنهوض بالبلاد على عاملين أساسيين، الأول توحيد الشعب المنقسم، والثاني انتزاع البلاد من الفقر، معلنا قولته الشهيرة: ” لم نأتِ من أجل الانتقام، فلدينا وطن لنبنيه، وبينما نمسح دموعنا بيد، سنبني باليد الأخرى “.

نجح الرئيس كوغامي في سياسته، وحقق المصالحة بين أفراد المجتمع، فعاد اللاجئون إلى بلادهم، ونُظمت محاكم محلية لإعادة الحقوق لأصحابها وإزالة المظالم، ثم قام بالأعمال التالية :

1. أقر دستورا جديدا يلغي الفوارق العرقية، وحضر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرّم استخدام إي خطاب عرقي.

2. شكّل حكومة وطنية أخذت فيها النساء نصيبا وافرا من الوظائف.

3. أطلق مشروع رؤية 2020 بهدف تحقيق نهضة تنموية شاملة على ثلاث مديات: المدى القصير ويتمحور حول تكوين الثروات وتقليل الاعتماد على المعونات والديون الدولية. والمدى المتوسط يتمحور حول التحول من الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد المعرفي، من خلال تطوير التعليم والتكنولوجيا والاتصالات. والمدى البعيد يتمحور حول خلق طبقة وسطى منتجة، وتعزيز روح المبادرة لديها عبر تمكينها من خلق الثروة، والمساهمة في تطوير اقتصاد البلاد. وهناك أيضا رؤية 2035 ورؤية 2050، واللتان تتطلعان للارتقاء بالبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة ذات الدخول العالية.

4. قام بمجهود كبير في الجانب التعليمي وتثقيف الشباب، والاهتمام باللغات المحلية والأجنبية، وبث الروح الوطنية بينهم.

5. اهتم بالجانب المعلوماتي والتكنولوجي والانفتاح على العالم الخارجي.

6. عمل على تطوير الاقتصاد بشكل عام، فأصبحت رواندا من الدول الرائدة في مجال النمو الاقتصادي، حيث سجل اقتصادها النمو الأكبر على مستوى العالم. فخلال الفترة من عام 2000 – 2015 حقق اقتصادها نموا في ناتجه المحلي بلغ 9 % سنويا، وارتفع الناتج المحلي عام 2016 إلى 8.5 مليار دولار مقارنة بِ 2.6 مليار دولار عام 2005. وأخذت السياحة وحدها تحقق دخلا بما نسبته 43 % من الدخل الإجمالي المحلي في البلاد. كما ارتفع مستوى دخل الفرد 30 ضعفا عما كان عليه قبل عشرين عاما، وتراجعت معدلات الفقر والبطالة، وتناقصت نسبة الأمية. 7. صُنّفت رواندا كأول دولة إفريقية جاذبة لرجال الأعمال، وحصلت العاصمة كيجالي على عدد من الألقاب التي تُعلي من مكانتها في العالم، منها على سبيل المثال: الأكثر أمنا في إفريقيا، الأنظف بين عواصم إفريقيا، أيقونة التنمية الإفريقية الحديثة.

8. أصبحت رواندا تحتضن العديد من الملتقيات الاقتصادية والقمم الإفريقية.

9. في 27 فبراير 2018 أطلقت رواندا قمرا صناعيا للاتصالات، من مركز كوروا للفضاء في غويانا الفرنسية، لربط المدارس والمناطق الحضرية بالأنترنت المجاني، والانتقال لشبكات الكوابل الضوئية.

لم يلجأ الرئيس كاغامي إلى البنك الدولي للاقتراض، ولم يستجدِ المساعدات من الدول الإفريقية أو العالمية، ولم يركب طائرته بين فترة وأخرى، لتوطيد علاقات بلاده مع دول العالم، ولم يبحث عن المستثمرين، ولم يعين حاملي الشهادات العالمية في وظائف الدولة الحساسة، ليضعوا خطط النهضة في البلاد، بل شكّل حكومة وطنية من المعروفين بإخلاصهم للوطن، وجلس معهم في مقر الحكومة، يستشرف ويخطط لمستقبل البلاد.

وهكذا نهضت هذه الدولة الزراعية الصغيرة من تحت مظلة الفقر والجوع، وتجاوزت التفرقة العنصرية والإبادة الجماعية التي أودت بحياة مليون إنسان، لتصنع معجزة اقتصادية عظيمة، بهمّة وإخلاص قائدها الوطني بول كاغامي في أقل من عقدين، فاستحق لقب ” رائد نهضة رواندا الحديثة “. وهو اليوم مرشح للبقاء في منصبه حتى عام 2034، ليحقق المزيد من التقدم لبلاده.

هناك العديد من الدول في جنوب شرق آسيا، وكذلك في المناطق غير العربية من إفريقيا، كانت تفتقر إلى مصادر الثروة الطبيعية، وتعاني من التخلف والفقر وهيمنة المستعمرين عليها، الذين غذّوا الحروب الأهلية في أرجائها، ولكنها حققت سيادتها وصنعت نهضة اقتصادية، انتشلت مواطنيها من معاناتهم، لتصبح في طليعة الدول المتقدمة. من بين هذه الدول على سبيل المثال : ماليزيا، اليابان، كوريا الجنوبية، سنغافورة، تنزانيا.

ومقارنة مع الأردن التي استقلت عام 1946 ودخلت مئويتها الثانية، ولديها من الثروات الطبيعية ما يمكنها من الاعتماد على نفسها وبناء اقتصاد فاعل، ينهض بها إلى مصاف الدول المتقدمة. إلاّ أنها فشلت في استغلال تلك الثروات، بل قامت ببيعها لمستثمرين أجانب، وراحت تتكئ على صندوق النقد الدولي لمزيد من الاقتراض، وانتظارا لمنح والمساعدات من الدول فاعلة الخير.

لقد أشبعنا المنظرون الحكوميون، ببرامج ” الرؤى والخطط الاقتصادية والإدارية “، منذ ما يزيد على عقدين من الزمان، ولكننا لم نقطف ثمارها الإيجابية حتى اليوم، لاسيما وأننا اليوم نستقبل العام الثاني لِ ” رؤية التحديث الاقتصادي للسنوات العشر القادمة بمراحلها الثلاث “، والتي نأمل أن لا تلحق بسابقاتها من الرؤى الفاشلة.

وإن كان لي من كلمة كمواطن مهتم بمصلحة وطنه، أوجها إلى المنظرين والمخططين الاقتصاديين في حكوماتنا الموقرة أقول : لا نريد منكم مبادرات وابتكارات في رؤى وخطط اقتصادية، تسوقونها علينا بدون نتائج ملموسة، بل نريد منكم أن تنقلوا عن تجارب الخبراء الآسيويين والإفريقيين، أساليبهم الناجحة في صنع المعجزات الاقتصادية في بلدانهم، وتطوروها بما يناسب أوضاعنا وظروفنا السائدة، على أن يتولى تنفيذها في مرحلة لاحقة، رجال أمناء يتقون الله في خدمة الوطن والشعب . . !

التاريخ : 5 / 9 / 2023

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف الرؤية الاقتصادية الرواندية الأردنية من الدول

إقرأ أيضاً:

اليمن يعيد تعريف المقاومة في الشرق الأوسط

 

 

في وقت تتوسع فيه الفتن في منطقة الشرق الأوسط، يظل اليمن يثبت موقفه الصلب ضد العدوان الخارجي. بلد اليمن الجبار، الذي وقف صامداً أمام التحديات المتعددة، يواجه الآن محاولات من قبل دول تريد تمد قرونها إليه، بحثاً عن توسعة نفوذها أو تحقيق مصالحها الاستراتيجية.
تتربع أمريكا وإسرائيل التي تحتل فلسطين في قمة الدول التي تروج بأنها ستعتدي على سيادة اليمن. هذه الدول تقدم الدعم لوحدات من المرتزقة، ممولة جزئياً من ذراعي أمريكا وإسرائيل، بهدف تحقيق أهداف متنوعة، من بينها السيطرة على مناطق استراتيجية وتقويض الجهود اليمنية في دعم فلسطين.
على الرغم من العدوان، يُعرف بأن اليمن ليست مثل سوريا، التي شهدت تدخلات متعددة وتفككاً لنسيجها الاجتماعي والسياسي. اليمن، بقواته المسلحة، قد أثبت بالفعل أنه يمكنه مواجهة العدوان بشكل غير مسبوق. استهدفت القوات اليمنية أهدافاً عسكرية في إسرائيل، مثل ضربة يافا، مما أعاد الأمل إلى المقاومة الفلسطينية وجعل الدول المعادية تعيد تقييم استراتيجياتها. هذه الضربات أكدت على قدرة اليمن على التصدي لأي عدوان وأثبتت مدى الجاهزية العسكرية للقوات اليمنية.
قبل الحرب العسكرية، يتم توجيه حملة إعلامية كبيرة ضد اليمن، تقودها مرتزقة يمنيون في الرياض، الذين يجدون دعماً من أمريكا وإسرائيل. هذه الحملة تهدف إلى تخريب السمعة اليمنية وتبرير العدوان العسكري اللاحق. ومع ذلك، يبقى الشعب اليمني واعياً وصنعاء عصية، مما يجعل الجهود الإعلامية تفشل في تغيير الوعي العام في اليمن. الهجمات الإعلامية تستخدم وسائل متنوعة من التشويه والتضليل، لكنها تظل تواجه الرفض الشعبي والوعي الجماهيري بحقائق الأمور.
كما أي دولة ستشارك مع العدو، سواءً كان ذلك عسكرياً أو إعلامياً، ستواجه ردود فعل قوية. الضربات اليمنية المستمرة على المطارات والأهداف العسكرية تظهر أن اليمن ليس مجرد موقع للدفاع، بل هو قادر على الهجوم والتأثير على البنية التحتية والسمعة الدولية لأولئك الذين يعتدون عليه. التهديدات اليمنية ليست مجرد كلمات، بل تعبر عن استعداد حقيقي وقدرة فعلية على توجيه ضربات مؤثرة تقلب موازين القوى.
اليمن لا تزال ثابتة على موقفها الداعم لفلسطين، مما يزيد من عزلة العدو في المنطقة. الشعب اليمني يفهم جيدًا أن قضيته مرتبطة بشكل وثيق بالقضية الفلسطينية، وأن الوحدة والصمود هما السلاح الأقوى في مواجهة العدوان. العلاقة الوطيدة بين الشعبين تعكس التزامًا مشتركًا بالدفاع عن الحقوق والكرامة، وتجسد الشراكة الحقيقية في مقاومة الاحتلال والظلم.
القوات المسلحة اليمنية تظل في المرحلة الخامسة من استعداداتها لمواجهة أي تهديدات. الشعب اليمني يقف خلف قواته المسلحة، مؤكدًا على أن أي عدوان سيواجه برد قاسٍ وغير مسبوق. اليمن، الذي أثبت قدرته على التصدي للعدوان في الماضي، يظل مستعدًا للدفاع عن أرضه وسيادته في المستقبل. التجهيزات العسكرية والتدريبات المستمرة تعكس مدى الجاهزية والاستعداد لمواجهة أي تصعيد محتمل.

مقالات مشابهة

  • اليمن يعيد تعريف المقاومة في الشرق الأوسط
  • وفد الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية يلتقي الأمين العام لجامعة الدول
  • وفد الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية يلتقي أمين عام جامعة الدول العربية
  • وفد الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية يلتقي بالأمين العام لجامعة الدول العربية
  • صاروخ يمني نحو الأراضي المحتلة.. 9 مصابين بسبب التدافع إلى الملاجئ
  • الأنواء تحذر من الضباب وانعدام الرؤية غداً في العراق - عاجل
  • ما لم يقله الرئيس
  • المجلس الوزاري يبحث استخدام الدفع الإلكتروني لجميع الفعاليات الاقتصادية في البلاد
  • مدبولي يكلف بوضع تصور نهائى بشأن إنشاء المنطقة الاقتصادية بجرجوب لعرضه على الرئيس
  • البحوث الزراعية ينظم ورشة عمل عن الطاقة وآثارها الاقتصادية على الإنتاج الزراعي