إن الخيار الوحيد الصحيح اخلاقيا والممكن واقعيا بالنسبة لكل القوى السياسية المدنية المنحازة للسلام والتحول الديمقراطي في السودان هو توحيد وتنظيم صفوفها واعادة بناء نفسها كمركز مستقل للفاعلية السياسية عبر الاستثمار في رأسمالها الخاص ممثلا في الصلة العضوية بالشعب وبناء المؤسسات السياسية والاعلامية والمالية الناجحة والمؤثرة بعمق في المجتمع، لو حققت ذلك فإن تعاملها مع المؤسسات العسكرية المهيمنة على البلاد بحكم الأمر الواقع سيكون منطلقا من منصة مدنية صلبة قادرة على الدفاع عن أجندة السلام والتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الديمقراطية استنادا إلى أدوات ضغطها ومصادر قوتها الشعبية، وهذا لن يتحقق الا اذا أدركت جميع التيارات المدنية ان اختلافاتها الفكرية والسياسية فيما بينها ، في هذا الظرف التاريخي العصيب، هي اختلافات ثانوية، وان اختلافها الاستراتيجي الجوهري مع القوى العسكرية التي تراهن على حكم البلاد بالقوة الغاشمة وفي سبيل ذلك اشعلت حربا ضارية حولت حياة الشعب إلى جحيم.


المدنيون الديمقراطيون الأصلاء، حداة السلام والتنمية والديمقراطية يستحيل ان يتورطوا في الاصطفاف خلف طرف في هذه الحرب سواء الجيش وكتائب الكيزان او الدعم السريع.
هناك مسافة فاصلة ثابتة على المستوى الاستراتيجي تفصل بين القوى المدنية الديمقراطية والقوى العسكرية المتحاربة ، وهناك مسافة متغيرة على المستوى التكتيكي محكومة بمدى استعداد اي طرف في المكون العسكري لمبدأ الحل السياسي التفاوضي ولنوع التنازلات التي يمكن أن يقدمها في سياق الاستيفاء التدريجي لشروط الدولة المدنية الديمقراطية، اما من يمدون ألسنتهم ساخرين من فكرة قبول التسويات مع سلطة الأمر الواقع ممثلة في هذه الجيوش الجرارة وما يرتبط بها من مصالح ومؤسسات، ويراهنون على " التغيير الجذري" الذي يستأصل المؤسسات العسكرية القائمة ويزيل انقاضها ثم يشيد البناء الجديد ، هؤلاء لو كانوا جادين في طرحهم ولو كانوا يحترمون عقول الشعب، كان الواجب يحتم عليهم ان ينظموا جيشهم الثوري الخاص الذي يجب أن يكون من القوة والتأهيل الفني والعدة والعتاد بالقدر الذي يجعله قادرا من الناحية العملية على هزيمة الجيش والدعم السريع وكتائب الظل مجتمعين وإقامة البديل الجذري الجديد بقوة الجيش الثوري.
لكن السادة الجذريين في السودان لم يفعلوا ذلك! ماذا فعلوا؟ اصطفوا خلف الجيش الذي كانوا يخوِّنون القوى المدنية التي قبلت بالشراكة معه ويتهمونها ببيع دماء الشهداء ، واصطفوا في خندق واحد مع كتائب ظل الكيزان! وقد كانوا يشتمون القوى المدنية بأنها هادنتهم وخذلت الثوار بقبولها التفاوض مع بقاياهم ممثلة في المجلس العسكري! الآن هم يقاتلون معهم صفا واحدا!
والسؤال المنطقي هنا ما الذي كان يرغب "الجذريون" في تغييره جذريا؟ هل هو نظام الكيزان الذي كان حاكما قبل الثورة، وما تبقى من مؤسساته الامنية والعسكرية ومناطق نفوذه في القضاء والاقتصاد والخدمة المدنية بعد الثورة؟ لو كانت الإجابة بنعم ، يستحيل ان يكون الطريق الى التغيير الجذري في هذا الاتجاه يمر من خنادق علي كرتي واحمد هارون والبرهان والكباشي، لأن الحرب الدائرة حاليا ليست بين جيش السودان وجيش غازي من خارج حدود الوطن حتى تكون هناك مشروعية في مطالبة جميع السودانيين بتناسي خلافاتهم والقتال الى جانب جيشهم مهما كان رأيهم فيه، هذه الحرب هي صراع سلطة بين أبناء الوطن الواحد الذين ابتلاهم الكيزان بمصيبة تعدد الجيوش!
فمن يصطف خلف أي طرف فقد حدد موقعه من صراع السلطة الدائر، فالجذريون الذين اختاروا القتال في صفوف الجيش وكتائب الكيزان هم عمليا في خندق الثورة المضادة ، فلو انتصر الجيش والكيزان في الحرب فإن مصير هؤلاء سوف يتحدد تبعا لحقيقة جذريتهم المزعومة! بمعنى أنهم لو كانوا جذريين حقا في موقفهم من نظام الكيزان الذي اندلعت الثورة ضده، فإن مصيرهم سيكون مثل مصير حزب تودا (الحزب الشيوعي الإيراني) الذي تمت إبادته بعد نجاح الثورة الإيرانية، فالعقل الأصولي المهووس لا يفهم معنى الشراكة الوطنية ولا يقيم للأوطان وزنا لأن الوطن الحقيقي الذي يعرفونه هو الآيدولوجيا .
أما إذا كانت جذريتهم زائفة ومصنوعة على اعين الأجهزة الأمنية بهدف ضرب وحدة القوى المدنية الديمقراطية فسوف ينالون حظهم في الغنائم كشهود زور في التاريخ الوطني.
وعموما حتى لو تفهمنا – الى حد ما – موقف الجذري الذي اختار القتال بالسلاح او بالرأي في خندق الجيش والكيزان فمن الصعب جدا بل من المستحيل ان نتفهم ان يتماهى خطاب هذا الجذري الهمام تجاه القوى المدنية التي يختلف معها في الرأي مع خطاب الكيزان وكتائب الظل! فيختزل من تحدث عن دور الكيزان في اشعال الحرب في انه مصاب في صحته العقلية والنفسية وتسيطر عليه الكيزانوفوبيا!! ويختزل من تناول قضية الحرب في تعقيداتها الواقعية بعيدا عن التبسيط وثنائيات البطل والخائن في انه مناصر للمليشيا او عميل لها!
هذا أمر عجيب ومريب حقا!!
كسودانيين علينا ان لا ننسى ان الذي نزع طمأنينتنا وشردنا ومزق اجسادنا بالدانات والقذائف، وطردنا من بيوتنا مهانين صاغرين ونهب كل ما نملك ليس جيشا اجنبيا غازيا، بل ان الكارثة التي اصابتنا هي نتاج حرب بين جيشنا (أ) وجيشنا (ب) الذي خرج من رحم جيشنا (أ ) في سياق صراع سلطة بين الاستبداد الكيزاني المتحصن بجيشنا (أ ) والاستبداد المليشياوي المتحصن بجيشنا (ب).
انت كداعية تغيير مدني ديمقراطي بالوسائل السلمية إياك ان تنحشر بين (أ و ب) اي بين البصلة وقشرتها !لأن انحشارك بينهما لن تجني منه سوى رائحة البصلة! رائحة الدم والبارود والحرائق والاستبداد الأرعن! رائحة احتقار الشعب والاستخفاف بحياته وآلامه!
قف في مكانك الطبيعي وهو مناهضة الحرب التي تدفع انت فاتورتها وهي في أهدافها النهائية حرب لقمعك واستعبادك ومصادرة حريتك ونهب ثروات وطنك لا اكثر ولا اقل!
مشروع الكيزان هو ماعَلِمنا وذُقنا على مدى ثلاثين عاما من بيوت أشباح وسرقة المليارات وقتل مئات الآلاف في الحروب الأهلية في الجنوب قبل انفصاله وفي دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق!
ومشروع "الدعم السريع" رأينا مقدماته في هذه الحرب! رأينا الإبادة الجماعية في الجنينة، ورأينا بشاعة قتل الوالي خميس ابكر رحمه الله، ورأينا احتلال منازل المواطنين الأبرياء واغتصاب النساء ونهب الممتلكات.
ايها المواطن المدني ليتك تسحب عن هذه الحرب المشروعية السياسية والاخلاقية ولا تجتهد في نسج سردية وطنية لها حتى تقلل من احتمال توسعها وتمددها الذي سيمزق البلاد، لان الجيش غير مؤهل فنيا لحسم الحرب واستعادة عاصمة البلاد وبسط نفوذه على كامل تراب الوطن ، وهاهو قائده يهرب إلى بورسودان بواسطة دولة اجنبية، والكيزان يرغبون في تشكيل حكومة هناك تكريسا لتقسيم البلاد! حتى لو نجح الكيزان في تحويل الخرطوم إلى حلب او الفلوجة بواسطة طيران مصري او مُسيَّرات إيرانية فهذا لن يكون نصرا لك انت أيها المواطن المدني لان الكلفة في هذه الحالة قتلى بمئات الالاف(غالبيتهم مدنيون ابرياك مثلك)، وعاصمة غير صالحة للحياة وسوف تشتعل الحرب في مناطق أخرى، وهي بالفعل مشتعلة في دارفور وشمال وجنوب كردفان وسيناريو التقسيم حاضر بكثافة في خطاب مشعلي هذه الحرب!
نصرك الوحيد الممكن يا مواطن يا مدني هو ان تتوقف هذه الحرب الآن قبل الغد! نصر المواطن السوداني هو ان تصمت المدافع وتتوقف الطائرات عن القصف ويتوقف الرصاص الطائش والدانات والقذائف العمياء ... ان يتوقف المواطن عن سداد فواتير إجبارية من دمه ولحمه وماله وعرضه وطمأنينته في صراع سلطة بين مشروعين استبداديين خرج أحدهما من رحم الآخر! وإياك ان تشتري فكرة المثقفين النافعين للكيزان التي تريد إقناعك ان تاريخ الانتهاكات في السودان بدأ يوم 15 ابريل 2023 وان الجيش والكيزان يقاتلون من أجل حمايتك من الانتهاكات!
انت الان يا مواطن تقف وحيدا في مواجهة الانتهاكات والجيش فشل تماما في حمايتك بل فشل في حماية مقاره الاستراتيجية كالمدرعات والتصنيع الحربي والاحتياطي المركزي والاستراتيجية ومداخل ومخارج العاصمة وعدد من المطارات !
الجيش قصر تقصيرا بائنا في حماية مواطني الخرطوم أما أثناء الحرب في دارفور فقد كان الجيش ظهيرا للجنجويد وشريكا لهم في انتهاكات ابشع من التي تتعرض لها انت في الخرطوم وفي جنوب كردفان قصف الجيش المواطنين بالانتنوف وبالبراميل المتفجرة!
إياك ان تشتري اسطوانة الانتهاكات، ولو اشتريتها فإن من المنطق ان تكون الانتهاكات أقوى سبب للمطالبة بإيقاف الحرب لا التحريض على استمرارها كما يفعل كثير من المعتوهين!
أما إذا كنت تعتقد ان التغيير يحتاج لعمل مسلح، وان الحرب حتمية، فاحذر ان تراهن على قوة مسلحة مملوكة لغيرك مثل كتائب ظل الكيزان والجيش الذي يسيطر عليه الكيزان لان نتيجة ذلك هي استعادة الانقاذ في سيرتها الاولى، او تراهن على قوات الدعم السريع المملوكة لاسرة تتطلع لأن تكون عائلة حاكمة ، فالدعم السريع حتى لو تحالف مع قوى مدنية مجردة من أدوات الضغط السياسي ومعزولة عن قوة الجماهير، حتما ستكون من شروط التحالف ان تكون هذه القوى المدنية مقطوعة اليد و اللسان تجاه القضايا الآتية : ولاية وزارة المالية على المال العام ،وولاية وزارة الدفاع على جيش البلاد الواحد، وولاية وزارة الخارجية على علاقات البلاد الخارجية، بمعنى قوى مدنية لا تملك من امر الحكم شيئا مذكورا، ولا دور لها سوى توفير الغطاء المدني للحاكم الحقيقي المدجج بالسلاح.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المدنیة الدیمقراطیة القوى المدنیة هذه الحرب الحرب فی فی هذه

إقرأ أيضاً:

محور المقاومة والقوى الاستعمارية والحرب الإقليمية الشاملة

يمانيون/ كتابات/ الدكتور عبدالرحمن المختار تحذيرات متكررة وقلق معلن بشكل مستمر من جانب القوى الاستعمارية الغربية من نشوب حرب إقليمية شاملة. قابل ذلك رغبة واضحة من محور المقاومة في تجنيب المنطقة مثل هذه الحرب! فما هو هدف القوى الاستعمارية من تحذيراتها المتكررة وقلقها المعلن من نشوب الحرب الإقليمية الشاملة؟ وفي المقابل ما هو أساس رغبة محور المقاومة في تجنيب المنطقة هذه الحرب؟

 بداية لا بد من التوضيح أن عداء القوى الاستعمارية الغربية لا يستثني أي شعب من شعوب الأمة العربية، طالما أن هذا الشعب يدين بدين الإسلام، مهما أظهرت هذه القوى الاجرامية من أساليب الخداع والتمييز بين شعوب الأمة العربية، فلها أهدافها التي تعمل على تحقيقها على حساب هذه الشعوب من خلال أساليب متعددة، فهؤلاء المجرمون يوادون ظاهريا شعبا، ولا يوادون شعبا آخر من شعوب الأمة العربية المخدوعة بوهم وزيف حب أعدائها، رغم أن القرآن الكريم قد أوضح بجلاء، حقيقة مشاعرهم، تجاه شعوب الأمة، فقال تعالى: ﴿هَا َنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ِ﴾.

والواضح أن هذا التحذير ليس مقتصرا على فئة دون أخرى، أو شعب دون آخر من شعوب الأمة العربية، بل هو تحذير شامل لكل شعوب الأمة، يوضح بشكل لا لبس فيه ولا غموض، أن عداء القوى الاستعمارية يستهدفها بشكل عام، وإن أظهر مجرموها بعض الود لبعض شعوبها، فذلك هدفه بطبيعة الحال تمزيقها واضعافها، ليسهل لهم إخضاعها والسيطرة عليها مفرقة ضعيفة، فالقوى الاستعمارية الغربية تدرك جيدا أن وحدة شعوب الأمة العربية قوة لها، ومانع من إخضاعها والسيطرة عليها، بغض النظر عن قوة أعدائها، لكن ابتعاد شعوب الأمة العربية عن دينها القويم، وعن القرآن الكريم سهل مهمة القوى الاستعمارية في تمزيقها.

 وقد استخدمت هذه القوى في عدائها التاريخي لشعوب الأمة العربية أساليب متعددة للتفرقة بين هذه الشعوب، وإيهام كل شعب بالحرص على الصداقة معه، وعلى المصالح المشتركة، والمنافع المتبادلة من هذه الصداقة، وفي المقابل، الايهام بوجود عداء وصراع وجودي، بين الشعوب العربية ذاتها، وبين جيرانها من شعوب الأمة الإسلامية، وعملت القوى الاستعمارية على إدارة هذا الصراع وتغذيته، و لم يقف دور هذه القوى عند هذا الحد، بل إنها تواجدت عسكريا بعد تمزيقها لشعوب الأمة العربية الى دويلات متناحرة  في مواجهة بعضها وفي مواجهة جيرانها من الشعوب المسلمة، وصرفتها عن عدوها الحقيقي، الذي يمثل خطرا حقيقيا يتهدد حاضرها ومستقبلها، وقد شمل التواجد العسكري للقوى الاستعمارية أغلب النطاق الجغرافي لشعوب الأمة العربية، وهذه الشعوب لا تدرك أن حقيقية التواجد العسكري للقوى الاستعمارية على أراضيها، يمثل احتلالا مباشرا تحت عناوين متعددة، روجت لها هذه القوى بالتعاون مع الأنظمة الحاكمة القابعة منذ عقود على سدة الحكم في الشعوب العربية بغض النظر عن صيغة نظام الحكم، وراثي أو ديمقراطي شكلي، وهو تناقض أجادت القوى الاستعمارية الغربية اتقان إدارته، فرغم أنها تزعم رعاية الأنظمة الديمقراطية وتشجيعها، فهي في المقابل تحمي الأنظمة الوراثية الديكتاتورية، وهذه القوى الاستعمارية تستخدم أنظمة الحكم الموالية لها في شعوب الأمة العربية لتحقيق أهدافها من خلال تسليط بعضها على بعض، ومن أجل استمرار ابتزازها وتفريغ خزائنها، وتسليط هذه الأنظمة على جيرانها من  شعوب الأمة الإسلامية.

 ورغم تمكن القوى الاستعمارية من تمزيق وتفتيت شعوب الأمة العربية، وضرب بعضها ببعض، من خلال تكريس حالة العداء غير المبررة بين هذه الشعوب، فإنها لم تكتف بذلك، بل تعمدت وبشكل مباشر إلى ضرب أي شعب من الشعوب العربية يبدي أية مقاومة للوجود العسكري للقوى الاستعمارية، ليكون عبرة لغيره من الشعوب، ولعل ما جرى في بلادنا خلال عقد من الزمان كان ثمنا للنزعة التحررية التي أعلنها في وجه القوى الاستعمارية الغربية، هذه النزعة التي أشعل جذوتها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي_ رحمه الله_  وقائد مسيرتها عقب استشهاده أخيه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي  الذي تمكن شعبنا فعلا تحت قيادته من طرد الوجود الاستعماري الغربي من بلادنا.

 ولأن المشروع الذي حمل لواءه السيد القائد مشروع أمة، لا يتقيد بالجغرافيا فقد بادر بإعلان اسناد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حين بدأت القوى الاستعمارية الصهيوغربية اقتراف جريمة إبادة جماعية بحقهم، لسحق تلك النزعة التحررية التي جسدها الشعب الفلسطيني في عملية السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى).

ورغم كل التهديد والوعيد والارجاف من جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية، فإن السيد القائد لم يتزحزح قيد أنملة عن الاستمرار في اسناد أبناء الشعب الفلسطيني، ومعه وبإصرار وعزيمة أبناء شعبنا اليمني، الى جانب جبهات الاسناد من محور المقاومة.

ولا يقف دور السيد القائد عند مجرد مساندة أبناء الشعب الفلسطيني بكل الإمكانيات المتاحة، بل أنه يخوض غمار معركة كبرى، هي معركة وعي الأمة، فهو يخاطب باستمرار ضمير شعوب الأمة العربية ووجدانها لإعادتها لدينها ومبادئها وقيمها الإنسانية السامية، ولم يظهر عليه  في يوم من الأيام مللا، أو يأسا من صحوة شعوب الأمة، بل أنه وبكل ثقة يعول على صحوة قريبة لهذه الشعوب، لتدرك حقيقة الهوة السحيقة التي أحدثتها القوى الاستعمارية الصهيوغربية، ليعمل الجميع بجد على ردمها، فأثرها التدميري واضح على شعوب الأمة خصوصا في الظرف الراهن الذي يُباد فيه أبناؤها ويدمر بنيانها تدميرا شاملا في نطاقات متعددة من جغرافيتها الواحدة بأيدي القوى الاجرامية الصهيوغربية، وبأيدي الأنظمة العميلة لها، ودون أن تحرك هذه الشعوب ساكنا.

ولا تزال هذه القوى الاجرامية تطلق التحذيرات تلو التحذيرات من مخاطر توسيع نطاق ما تسميه بالحرب على غزة إلى حرب إقليمية شاملة! وهي بهذه التحذيرات إنما تريد تنفيذ جرائم إبادة جماعية متنقلة في نقاط متعددة من الجغرافيا العربية، كما فعلت في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وستنتقل الى سوريه وغيرها من الشعوب العربية، وعلى الشعوب الأخرى أن تنتظر دورها، وهذه القوى لن تعدم الذريعة لتنفيذ أفعال الإبادة الجماعية في أي نطاق من جغرافية الادأمة العربية، وإذا ما كان هناك من جهود دعم واسناد لمن يواجهون إجرام هذه القوى، فإنها تكون جاهزة للتهويل على مختلف المستويات بأن هذا الاسناد من شأنه جر المنطقة بأسرها الى حرب إقليمية شاملة، فما هو مفهوم الحرب الإقليمية الشاملة التي تحذر القوى الاستعمارية الغربية باستمرار من اندلاعها؟ ومن هم أطرافها؟

الإدارة الأمريكية على رأس القوى الاستعمارية الاجرامية التي تحذر باستمرار من جر المنطقة الى حرب إقليمية شاملة، وهي وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية، إنما تهدف من إطلاق التحذيرات الى تمكين أداتها ورأس حربتها وقاعدتها المتقدمة في المنطقة الكيان الصهيوني من اخضاع شعوب المنطقة بشكل عام لتكون لهذه القوى السطوة والسيطرة عليها، وإعادة تشكيلها وفقا لمخططاتها، وقد أعلن عن ذلك المجرم نتنياهو متباهيا عقب جرائمه غير المسبوقة في جنوب لبنان! وعن وصف القوى الاستعمارية للحرب في المنطقة بأنها إقليمية شاملة فذلك يعني أن جميع دول المنطقة ستكون طرفا في الحرب الى جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية في مواجهة محور المقاومة.. لكن ما علاقة دول المنطقة أساسا، وما هو سبب دخولها في هذه الحرب إلى جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية، رغم أن هذه الدول التزمت الصمت أمام جرائم القوى الاستعمارية الصهيوغربية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، وبحق أبناء الشعب اللبناني مؤخرا؟

رغم أن دول المنطقة لم تلتزم الصمت فحسب في مواجهة الإبادة الجماعية والدمار الشامل بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، بل أنها ساندت بشكل مباشر وغير مباشر، معلن وغير معلن القوى الاستعمارية الصهيوغربية في جرائمها، وهذه الدول ستكون فعلا طرفا في الحرب الإقليمية الشاملة في مواجهة محور المقاومة، ولا تملك إلا أن تكون طرفا في هذه الحرب، التي تصفها القوى الاستعمارية الصهيوغربية دائما بأنها شاملة.

 ولأن لهذه القوى عشرات القواعد العسكرية في السعودية والكويت والبحرين والامارات وقطر والأردن، فإن تطور الحالة القائمة في المنطقة الى حرب مفتوحة بين محور المقاومة وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية، والقوى الاستعمارية الصهيوغربية، فإن هذه الحرب والحال هذه لن تكون على أراض هذه القوى، بل ستكون على أراض محور المقاومة ودول المنطقة التي تتواجد فيها القواعد العسكرية للقوى الاستعمارية الصهيوغربية، والتي ستستخدم قواعدها في دول المنطقة بكل تأكيد، ويوم أمس وجه بايدن قواته في المنطقة بما سماه ظاهريا مساعدة إسرائيل في مواجهة الهجوم الإيراني، والأمر ذاته أعلنه الأردن بتباه كبير بأن قواته الدفاعية شاركت بفاعلية في اسقاط الصواريخ الإيرانية، وينطبق الأمر على بقية الدول العربية التي تتواجد فيها قواعد عسكرية للقوى الاستعمارية الصهيوغربية.

وستكون هذه القواعد عرضة للاستهداف من جانب محور المقاومة، وهو ما عبرت عنه يوم أمس هيئة الأركان الإيرانية بالقول إن تدخل القوى الداعمة للكيان الصهيوني سيترتب عليه ضرب مصالحها وقواعدها في المنطقة، وبمجرد استهدافها من جانب محور المقاومة ستعلن الدول العربية التي تتواجد على أراضيها هذه القواعد دخول الحرب إلى جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية تحت عنوان الدفاع عن السيادة، وهذا الإعلان في حقيقة الأمر لا يعد منشأ لموقف جديد، بل هو كاشف عن موقف سابق قائم فعلا، وهو أن الدول العربية التي توجد على أراضيها القواعد العسكرية للقوى الاستعمارية هي شريكة لهذه القوى في جميع جرائمها بصور ومستويات مختلفة، وسوف لن يقتصر الأمر على الدول العربية، بل ستكون دولا إسلامية طرفا في هذه الحرب الى جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية، وعلى رأس هذه الدول تركيا التي تتواجد على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية  بالقرب من أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن المرجح أن تجر القوى الاستعمارية باكستان وغيرها من الدول المحيطة لتكون الى جانبها طرفا في الحرب الإقليمية في مواجهة محور المقاومة، ولن تعدم القوى الاستعمارية الاجرامية الذريعة لجر هذه الدول الى جانبها بشكل واضح ومعلن، وهي أساسا الى جانبها بشكل غير معلن!

لذلك يتوجب على الجميع أن يفهم هدف القوى الاستعمارية الصهيوغربية من استمرار إطلاق التحذيرات من توسيع الحرب إلى إقليمية شاملة، حيث يتلخص هذا الهدف في تمكينها من الفتك بشعوب الأمة العربية شعبا بعد آخر، وأي تدخل مساند سيعني أن ترفع هذه القوى في وجهه عنوان الحرب الإقليمية الشاملة، ويجب على الجميع أن يتفهم هدف محور المقاومة، وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية من التحذير من توسع الحرب الى إقليمية شاملة، وهو عدم تعريض أمن المنطقة للخطر، مع الحيلولة دون تحقيق القوى الاستعمارية الصهيوغربية لأهدافها.

مقالات مشابهة

  • الجاكومي : الشعب سينتصر على مليشيا الدعم السريع المتمردة
  • مدنية خيار الشعب
  • ضوء في العتمة: ترشيح غرف الطوارئ لجائزة نوبل للسلام.. مصاعب عودة المقاومة المدنية
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • الصراع الداخلي في السودان و الأبعاد السياسية والتجاذبات المدنية حول التدخل الدولي
  • محور المقاومة والقوى الاستعمارية والحرب الإقليمية الشاملة
  • مجزرة الحلفايا سوف تتكرر في اي منطقة تدخلها كتائب الكيزان!
  • الحرب و السياسة و المتغيرات التي أحدثتها
  • مجزرة الحلفايا سوف تتكرر في أي منطقة تدخلها كتائب الكيزان!
  • نبارك الرد الإيراني الذي طال بضربة قاصِمة على رؤوس الاحتلال المُجرم