هل يمكن إرساء قواعد الحكم المدني ـ الديمقراطي قبل حل معضلة الانقلابات العسكرية؟
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
يومٌ مشئومٌ في تاريخ الأمة العربية، لحظة أن تحركت قوة عسكرية مدججة بالسلاح، ضد الحكم الملكي ـ الدستوري في مصر، بقيادة ضباط جيش مصريون ينتمون لتنظيم شيطاني عرفوا بالضباط الأحرار، كان ذلك اليوم الكارثي هو يوم 23 يوليو 1952م، تمّخض عن ذلكم التحرك، إلغاء الملكية، ونفي الملك فاروق الأول لإيطاليا وتحول نظام الحكم في مصر إلي جمهورية رئاسية شمولية.
عُرفت تلك الحركة في البداية باسم «الحركة المباركة» ثم أُطلقت عليها ثورة 23 يوليو عقب حل الأحزاب السياسية وإسقاط دستور 1923م في يناير. ثم عُرّف لاحقا ذلك المسلك العسكري الغاشم بالحركة الناصرية، حيث كان عبد الناصر هو الرئيس الفعلي للجنة التأسيسية للضباط الأحرار. نشأت لها أفرع في معظم الدول العربية، اتخذت ذات المنحنى للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، نجحت منها في العراق واليمن وسوريا والسودان ولبيبا، ولا يزال التنظيم الناصري موجودا وفاعلا في معظم الدول العربية، تناصر الأنظمة الشمولية أينما وجدت، ومتى ما تقلدت مقاليد السلطة.
في السودان 47.5 سنة إجمالي حكم العسكر من 67 سنة عمر الاستقلال، أي ما يعادل 70 منه، ولا يزال الحبل على الجرار، فتتوا البلاد، وشردوا العباد، وكادوا ان يقضوا على الأخضر واليابس، بإدخالهم البلاد في الحرب الحالية، التي وصفوها بالعبثية. وكافة الدول العربية، التي تلوثت بالجرثومة الناصيرية، لم تستقر منها دولة حتى الآن، ولا تزال جميعها تتلمس طريقها للحكم المدني ــ الديمقراطي.
بعد أن رأينا مآل حكومة الإنقاذ، وسوء منقلبها، من العزلة الدولية المطّبقة، وتورط رموزها في الجرائم الجنائية، التي جعلتهم مطلوبين دوليا، وليس بإمكان رأس الدولة السفر خارجياً، إلا وهو خائفا يترقب، وبعد أن شهد العالم ضراوة ثورة ديسمبر، وبسالة شبابها، وعظم تضحياتهم، بناءً على كل تلك المعطيات، وبعد نجاح ثورة ديسمبر ظاهرياً، في إسقاط نظام السفاح البشير، تنفسنا الصعداء، وظننا أن انقلاب الـ 30 من يونيو 89، هو آخر الانقلابات العسكرية في البلاد، إلاّ أننا تفاجأنا في 25 أكتوبر، أن ظنونا تلك، ما هي إلاّ شطط، وأماني خُلّب في الحكم المدني ــ الديمقراطي المستدام.
أورد الأديب والكاتب فضيلي جمّاع في آخر مقال له في شأن حكم العسكر: "لكن لأنّ المؤسسة التي تولت بناء جيش البلاد ، بقيت أبعد ما تكون عن روح الوطن الواحد. لذا فإن الكلية الحربية عندنا تفرخ ضباطاً ليس في ثقافتهم العسكرية غير اثنتين: أولاهما حمل البندقية التي تقتل المواطن دون النظر لما يجهر به من مظالم (يسمونه متمرداً). والثانية: متى يحل دور هذا الضابط في الإنقلاب القادم والإستيلاء على السلطة؟"
وفي 15 أبريل، اكتشفنا أنّ نهم الانقلابات العسكرية، مرض عضال، مستشري في جسد المؤسسة العسكرية السودانية، ولا يمكن استئصاله، وأنها حالة ميؤوس منها hopeless case حتى إن زُرعت جينات سليمة في نخاعها الشوكي، فلن تصمد طويلا، ولابد من قبر هذه المؤسسة، وبناء جيش قومي ــ وطني من جينات طاهرة تماماً من مرض التعّطش لدماء الشعب، والافتتان بالاستيلاء على بالسلطة بقوة السلاح عبر الانقلابات العسكرية.
وعليه، لسنا مبالغين، إن ذهبنا إلى القول، أنّ أي جهود إصلاحية، للنهوض البلاد من كبوتها، التي أقعدتها عن ركب الأمم، عبر حكم مدني ــ ديمقراطي، قبل إيجاد حلّ جذري لمعضلة الانقلابات العسكرية، يعتبر حرث في البحر، ومسح القطران على الشعر، ولن يداوي جربا التصق بعظم المؤسسة العسكرية.
الجيش السوداني المنوط به حماية دستور البلاد، لن يستنكف من اغتصابه مراراً، دون وازع، وبدون تأنيب ضمير، وتشهر السلاح الفاتك في وجه كل من يحاول محاسبة قياداته الغاشمة، أو إعادة هيكلته.
لذا يجب ترك العواطف، والتسليم بهذا الحل، أي، تأسيس جيش وطني ــ قومي بديلا للمؤسسة الحالية، اختصاراً للجهد والزمن، ابتداءً من إنشاء كلية حربية، في بيئة طاهرة وغير ملوثة بوباء كلية وادي سيدنا الكارثية.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 114//
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الانقلابات العسکریة
إقرأ أيضاً:
الحزب الديمقراطي يحقق فوز مفاجئ في غرينلاند وسط تهديدات ترامب
مارس 12, 2025آخر تحديث: مارس 12, 2025
المستقلة/- صوت سكان غرينلاند لصالح إصلاح شامل لحكومتهم، في نتيجة صادمة، حيث ضاعف حزب الديمقراطيين، من يمين الوسط، مقاعده بأكثر من ثلاثة أضعاف، بعد حملة انتخابية مثيرة، جرت على خلفية تهديدات دونالد ترامب بالاستحواذ على الجزيرة القطبية الشمالية.
أدت انتخابات يوم الثلاثاء، التي حل فيها الديمقراطيون محل حزب رئيس الوزراء السابق موتي بي إيجيدي، إينويت أتاكاتيجيت (IA)، كأكبر حزب في برلمان غرينلاند (إناتسيسارتوت)، إلى مضاعفة مقاعد حزب ناليراك، الحزب الأكثر انفتاحًا على التعاون مع الولايات المتحدة، والذي يدعم التصويت السريع على الاستقلال، مما جعله ثاني أكبر حزب.
يؤيد كل من الديمقراطيين وناليراك الاستقلال عن الدنمارك، لكنهما يختلفان في وتيرة التغيير، حيث يفضل ناليراك وتيرة أسرع من الديمقراطيين (المعروفين باسم ديموكراتيت في غرينلاند).
فاجأت النتيجة حتى زعيم الحزب الديمقراطي، ينس فريدريك نيلسن. لم يسبق للحزب أن حصد هذا العدد من المقاعد – فقد فاز بعشرة مقاعد، بزيادة سبعة مقاعد عن الانتخابات الأخيرة، وثلاثة مقاعد أكثر من رقمه القياسي السابق البالغ سبعة مقاعد في عام ٢٠٠٥ – ولم يُعتبر من اللاعبين الرئيسيين، مع تركيز معظم الاهتمام على حزب IA، وناليراك، وسيوموت، شريك حزب IA في الائتلاف.
على الرغم من مشاركة الديمقراطيين في عدة ائتلافات، إلا أنهم لم يسبق لهم قيادة حكومة، كما هو متوقع منهم بعد محادثات الائتلاف.
يبلغ إجمالي مقاعد البرلمان في غرينلاند ٣١ مقعدًا، ويحتاج ١٦ مقعدًا لتحقيق الأغلبية.
فقد حزب IA ما يقرب من نصف مقاعده – من ١٢ إلى سبعة – مما جعله ثالث أكبر حزب. في ظل عدم فوز أي حزب بأغلبية المقاعد الـ ٣١، سيتوجه القادة بعد ذلك إلى محادثات الائتلاف للتفاوض على تشكيل الحكومة المقبلة.
يصف الديمقراطيون أنفسهم بأنهم “ليبراليون اجتماعيون”، ويدعون إلى الاستقلال، ولكن على المدى البعيد. وصرحت نيلسن: “لم نتوقع أن تُسفر الانتخابات عن هذه النتيجة. نحن سعداء للغاية”.
وقالت بطلة تنس الريشة السابقة، البالغة من العمر 33 عامًا: “الديمقراطيون منفتحون على الحوار مع جميع الأحزاب، ويسعون إلى الوحدة، لا سيما في ظل ما يحدث في العالم”.
وبعد فرز 90% من الأصوات، حصل الديمقراطيون على 29.9% من الأصوات، وهو تقدمٌ منقطع النظير، وفقًا لهيئة الإذاعة العامة في جرينلاند (KNR). بينما بلغت حصة ناليراك 24.5%.
قال زعيم حزب ناليراك، بيلي بروبيرغ، إن يوم الانتخابات سيُخلّد في الذاكرة، وهنأ نيلسن. وشكر الناخبين قائلاً: “سنعمل مع شعب البلاد لنُكرّم السلطة التي منحونا إياها. شكرًا لكم جميعًا، بلا استثناء، على هذا اليوم”.
وقال إيجيدي، الذي وصف يوم الثلاثاء الحملة بأنها “مثقلة بالتوترات الجيوسياسية” وقال: “نحن نحترم الانتخابات. أنا سعيد جدًا بمشاركة هذا العدد الكبير من الناس في التصويت”. وقد حصل الحزب على 21.4% من الأصوات.
وأقر زعيم حزب سيوموت، شريك التحالف التقدمي الإندونيسي، بالهزيمة.
من المتوقع أن تضع الحكومة المقبلة جدولاً زمنياً للاستقلال، وهو ما تدعمه أغلبية كبيرة من سكان غرينلاند البالغ عددهم 57 ألف نسمة. وقد اكتسبت هذه الحركة الراسخة زخماً كبيراً في السنوات الأخيرة بعد سلسلة من الفضائح التي سلّطت الضوء على معاملة الدنمارك العنصرية لسكان غرينلاند، بما في ذلك فضيحة اللولب الرحمي، حيث زُعم أن ما يصل إلى 4500 امرأة وفتاة زُوّدن بجهاز منع الحمل دون علمهن، واختبارات “كفاءة الأبوة والأمومة” التي فصلت العديد من أطفال الإنويت عن آبائهم.
وسط اهتمام عالمي مدفوع إلى حد كبير بترامب، الذي صرّح للكونغرس الأسبوع الماضي بأنه سيستحوذ على غرينلاند “بطريقة أو بأخرى” ووعد بإثراء سكان غرينلاند، كانت نسبة المشاركة في انتخابات يوم الثلاثاء أعلى من المعتاد، وفقاً لمسؤولي الانتخابات.
كما حظيت الانتخابات بمتابعة دقيقة في الدنمارك، التي حكمت غرينلاند كمستعمرة حتى عام 1953، ولا تزال تسيطر على سياستها الخارجية والأمنية. غرينلاند، إلى جانب جزر فارو، جزء من مملكة الدنمارك.
قالت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، يوم الثلاثاء إنه كان “يومًا سعيدًا واحتفالًا بالديمقراطية”. وأضافت: “أود أن أهنئ حزب ديموكراتيت على الانتخابات الناجحة. ستنتظر الحكومة الدنماركية نتائج المفاوضات التي ستُجرى الآن في جرينلاند. لكننا نتطلع إلى العمل مع حكومة جرينلاند المستقبلية”.