يومٌ مشئومٌ في تاريخ الأمة العربية، لحظة أن تحركت قوة عسكرية مدججة بالسلاح، ضد الحكم الملكي ـ الدستوري في مصر، بقيادة ضباط جيش مصريون ينتمون لتنظيم شيطاني عرفوا بالضباط الأحرار، كان ذلك اليوم الكارثي هو يوم 23 يوليو 1952م، تمّخض عن ذلكم التحرك، إلغاء الملكية، ونفي الملك فاروق الأول لإيطاليا وتحول نظام الحكم في مصر إلي جمهورية رئاسية شمولية.


عُرفت تلك الحركة في البداية باسم «الحركة المباركة» ثم أُطلقت عليها ثورة 23 يوليو عقب حل الأحزاب السياسية وإسقاط دستور 1923م في يناير. ثم عُرّف لاحقا ذلك المسلك العسكري الغاشم بالحركة الناصرية، حيث كان عبد الناصر هو الرئيس الفعلي للجنة التأسيسية للضباط الأحرار. نشأت لها أفرع في معظم الدول العربية، اتخذت ذات المنحنى للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، نجحت منها في العراق واليمن وسوريا والسودان ولبيبا، ولا يزال التنظيم الناصري موجودا وفاعلا في معظم الدول العربية، تناصر الأنظمة الشمولية أينما وجدت، ومتى ما تقلدت مقاليد السلطة.
في السودان 47.5 سنة إجمالي حكم العسكر من 67 سنة عمر الاستقلال، أي ما يعادل 70 منه، ولا يزال الحبل على الجرار، فتتوا البلاد، وشردوا العباد، وكادوا ان يقضوا على الأخضر واليابس، بإدخالهم البلاد في الحرب الحالية، التي وصفوها بالعبثية. وكافة الدول العربية، التي تلوثت بالجرثومة الناصيرية، لم تستقر منها دولة حتى الآن، ولا تزال جميعها تتلمس طريقها للحكم المدني ــ الديمقراطي.
بعد أن رأينا مآل حكومة الإنقاذ، وسوء منقلبها، من العزلة الدولية المطّبقة، وتورط رموزها في الجرائم الجنائية، التي جعلتهم مطلوبين دوليا، وليس بإمكان رأس الدولة السفر خارجياً، إلا وهو خائفا يترقب، وبعد أن شهد العالم ضراوة ثورة ديسمبر، وبسالة شبابها، وعظم تضحياتهم، بناءً على كل تلك المعطيات، وبعد نجاح ثورة ديسمبر ظاهرياً، في إسقاط نظام السفاح البشير، تنفسنا الصعداء، وظننا أن انقلاب الـ 30 من يونيو 89، هو آخر الانقلابات العسكرية في البلاد، إلاّ أننا تفاجأنا في 25 أكتوبر، أن ظنونا تلك، ما هي إلاّ شطط، وأماني خُلّب في الحكم المدني ــ الديمقراطي المستدام.
أورد الأديب والكاتب فضيلي جمّاع في آخر مقال له في شأن حكم العسكر: "لكن لأنّ المؤسسة التي تولت بناء جيش البلاد ، بقيت أبعد ما تكون عن روح الوطن الواحد. لذا فإن الكلية الحربية عندنا تفرخ ضباطاً ليس في ثقافتهم العسكرية غير اثنتين: أولاهما حمل البندقية التي تقتل المواطن دون النظر لما يجهر به من مظالم (يسمونه متمرداً). والثانية: متى يحل دور هذا الضابط في الإنقلاب القادم والإستيلاء على السلطة؟"
وفي 15 أبريل، اكتشفنا أنّ نهم الانقلابات العسكرية، مرض عضال، مستشري في جسد المؤسسة العسكرية السودانية، ولا يمكن استئصاله، وأنها حالة ميؤوس منها hopeless case حتى إن زُرعت جينات سليمة في نخاعها الشوكي، فلن تصمد طويلا، ولابد من قبر هذه المؤسسة، وبناء جيش قومي ــ وطني من جينات طاهرة تماماً من مرض التعّطش لدماء الشعب، والافتتان بالاستيلاء على بالسلطة بقوة السلاح عبر الانقلابات العسكرية.
وعليه، لسنا مبالغين، إن ذهبنا إلى القول، أنّ أي جهود إصلاحية، للنهوض البلاد من كبوتها، التي أقعدتها عن ركب الأمم، عبر حكم مدني ــ ديمقراطي، قبل إيجاد حلّ جذري لمعضلة الانقلابات العسكرية، يعتبر حرث في البحر، ومسح القطران على الشعر، ولن يداوي جربا التصق بعظم المؤسسة العسكرية.
الجيش السوداني المنوط به حماية دستور البلاد، لن يستنكف من اغتصابه مراراً، دون وازع، وبدون تأنيب ضمير، وتشهر السلاح الفاتك في وجه كل من يحاول محاسبة قياداته الغاشمة، أو إعادة هيكلته.
لذا يجب ترك العواطف، والتسليم بهذا الحل، أي، تأسيس جيش وطني ــ قومي بديلا للمؤسسة الحالية، اختصاراً للجهد والزمن، ابتداءً من إنشاء كلية حربية، في بيئة طاهرة وغير ملوثة بوباء كلية وادي سيدنا الكارثية.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 114//  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الانقلابات العسکریة

إقرأ أيضاً:

ناسا تخصص 3 مليون دولار لمن يحل معضلة "القمامة على القمر"

تُقدم وكالة ناسا الأميركية جوائز نقدية بقيمة 3 ملايين دولار لمن يُساعد في حل مُشكلة قد تبدو بسيطة، لكنها تُمثل تحديا كبيرا لرواد الفضاء في المُستقبل، وهي إعادة تدوير القمامة على سطح القمر.

وذكرت صحيفة "ديلي ميل" أن ناسا أطلقت "تحدي LunaRecycle"  بهدف إيجاد حلول مبتكرة تُساعد رواد الفضاء على إعادة استخدام المواد التي يحضرونها إلى القمر بكفاءة أكبر.

وأشارت الصحيفة إلى أن التحدي سيركز على النفايات  الصلبة  "غير  الغازية  وغير  البيولوجية  وغير  الأيضية"،  مثل  مواد  التغليف  و  الأقمشة  و  العناصر  الهيكلية.

ونقلت "ديلي ميل" عن ناسا قولها إن  الهدف  النهائي  هو  التوصل  إلى  طرق  جديدة  مُبتكرة  و  فعّالة  لتحويل  هذه  القمامة  إلى "منتجات  قابلة  للاستخدام"  تدعم  "العلوم  و  الاستكشاف  خارج  الكوكب".

وسيتنافس المُشاركون في التحدي على مسارين:

مسار "التوأم الرقمي": يُقدم المُشاركون مُحاكاة افتراضية لتقنيات إعادة التدوير. مسار "بناء النموذج الأولي": يُقدم المُشاركون تصميمات مُفصلة لاختراعاتهم في مجال إعادة التدوير. وستُقدم ناسا جائزة قدرها مليون دولار للمرحلة الأولى من التحدي، و 2 مليون دولار للمرحلة الثانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن ناسا تأمل في أن تُساهم هذه التقنيات في تسهيل رحلات الفضاء إلى  المريخ  وجعلها أقل تكلفة وأكثر  كفاءة.

وأكدت "ديلي ميل" أن ناسا لن تُطالب بأي حقوق ملكية  فكرية من مُشاركات الفرق في التحدي.

 

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: حددنا الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها بصواريخ أتاكمز
  • باحث فلسطيني: نتنياهو يحمل المؤسسة العسكرية مسؤولية الفشل في 7 أكتوبر
  • مبادرة «بالعربي» تحصد جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية
  • النوّاب يبحث الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • “الشويهدي” يناقش الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • الشويهدي يناقش الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني
  • أوجار : لا يمكن أن يسيطر حزب واحد على كافة مؤسسات الحكامة في البلاد ويقدم تقارير تحت الطلب ضد الحكومة
  • الدفاع المدني ينشر مجمل الخسائر التي تكبدها جرّاء الحرب على قطاع غزة
  • ناسا تخصص 3 مليون دولار لمن يحل معضلة "القمامة على القمر"
  • ناسا تخصص 3 مليون دولار لمن يحل معضلة "القمامة على القمر"