عالمان إيرانيان يحذران من تفاقم الانخسافات الأرضية
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
طهران – تتحدث التقارير الإيرانية عن بلوغ الانخسافات الأرضية في البلاد "مرحلة حرجة" بعد امتدادها إلى المدن الكبرى، وتعريضها ملايين السكان والبنى التحتية للخطر، لا سيما بالعاصمة طهران، وذهب البعض إلى تصنيف الظاهرة على أنها "قنبلة موقوتة وزلزال صامت".
فبعد أكثر من عقد من تحذير السلطات الإيرانية من تصاعد وتيرة الهبوط الأرضي في سهول المناطق الجنوبية والشرقية ووسط البلاد، أمسى الخسف الأرضي يدق ناقوس الخطر في طهران والسهول المحيطة بها خلال السنوات القليلة الماضية، إلى جانب انتشار الظاهرة في ربوع البلاد تقريبا.
واعتبر رئيس منظمة إدارة الأزمات في طهران علي نصيري أن الانخسافات الأرضية إحدى الأزمات المحدقة بالعاصمة خلال السنوات القليلة المقبلة.
وحذر خلال كلمته في مؤتمر "سلامة النقل بالسكك الحديدية" من التأثير السلبي لظاهرة الخسف الأرضي على تدمير الطرق والشرايين الحيوية بالعاصمة في حال حدوث زلزال محتمل.
تضخيم إعلاميويلحظ المتابع للشأن الإيراني أن وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية تكاد تنشر يوميا أخبارا عن انخسافات أرضية هنا وهناك، ومقابلات ومقالات تحذر من تفاقم الظاهرة التي تبعث على القلق.
وتحدثت بعض وسائل الإعلام المحلية -على سبيل المثال- أن "الخسف الأرضي في أصفهان بلغ 40 ضعفا من المعدل العالمي"، وأن "طهران هي الأولى عالميا في الانخسافات الأرضية"، كما تحدثت عن أن هبوط التربة في إيران أكبر بـ140 مرة من المؤشر المعتمد في هذا المجال.
السهول المحيطة بطهران مهددة هي الأخرى بالانخسافات الأرضية (الصحافة الإيرانية)العالم الجيوفيزيائي ورئيس المعهد الدولي لأبحاث الزلازل وجمعية هندسة الزلزال فريبرز ناطقي أكد -في رد على سؤال للجزيرة نت عن الظاهرة- أن إيران تقع ضمن الدول الأكثر خطورة في الانخسافات الأرضية، مشيرا إلى أن الأعداد والأرقام المعلنة عن الظاهرة مبالغ فيها.
وعزا ناطقي السبب وراء التضخيم الإعلامي بشأن الانخسافات الأرضية والمبالغة في التحذير من الظاهرة إلى ضرورة التثقيف المجتمعي للحد من استنزاف المياه الجوفية عبر الآبار غير المرخصة، ولفت انتباه الجهات المعنية إلى الظاهرة التي باتت تهدد جغرافيا البلاد.
زلزال محتملوتابع -في حديثه للجزيرة نت- أن طبيعة التربة تختلف من بقعة إلى أخرى وفق المناخ السائد فيها، مؤكدا أن الأراضي الإيرانية تعاني جفافا منذ عقود، وبسبب ارتفاع الحرارة وتراجع هطول الأمطار أفرط سكان مناطق شاسعة وسط الجمهورية الإسلامية وشرقها في استخراج المياه الجوفية، مما أدى إلى عجز في منسوب المياه بين الطبقات الأرضية الجوفية وتصاعد الانخسافات الأرضية.
وأوضح رئيس المعهد الدولي لأبحاث الزلازل في إيران أن نتائج المسح الأرضي عبر الأقمار الصناعية تظهر تسارعا في الهبوط الأرضي في نحو 50% من جغرافيا البلاد، وتتفاوت معدلات الانخساف فيها من 5 سنتيمرات حتى مترين خلال السنوات العشر الأخيرة.
وخلص ناطقي إلى أن أكثر ما يبعث على القلق بشأن الانخسافات الأرضية في العاصمة طهران هو أن يؤثر أي زلزال محتمل يضرب المدينة -التي تؤوي أكثر من 10 ملايين نسمة- في اتساع ظاهر الخسف.
وقال إن الدراسات العلمية تعزز احتمال حدوث زلزال في طهران قد تتجاوز شدته 7 درجات على مقياس ريختر.
تهديد للسكان والبنياتبدوره أكد رئيس فرع الجيوفيزياء في المجمع الإيراني للعلوم مهدي زارع أن نحو 35 مليون نسمة من المجتمع الإيراني يقطنون في 380 مدينة و9200 قرية، معرضون بشكل مباشر للانخسافات الأرضية، إلى جانب البنى التحتية من طرق سريعة وسكك حديدية وشبكة مياه وأبراج كهرباء وأنابيب نفط وغاز تمر عبر السهول، وأيضا المعالم الأثرية.
نتائج المسح الأرضي عبر الأقمار الصناعية تظهر تسارعا في الهبوط الأرضي في نحو 50% من جغرافيا البلاد (الصحافة الإيرانية)وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر زارع الإفراط في استخراج المياه الجوفية عبر الآبار العميقة جدا أهم أسباب تصاعد ظاهرة الانخساف الأرضي في إيران، محذرا من أن استمرار الوتيرة الراهنة في استنزاف المياه الجوفية سيفاقم الظاهرة بحلول 2050.
وأشار إلى أن 70% من سهول إيران تشهد هبوطا أرضيا، وأن "معدل الهبوط الأرضي في البلاد يقدر بست سنتيمرات سنويا، في حين أن هذا المعدل يبلغ 13 سنتيمترا في السهول المحيطة بطهران".
ويرى زارع أن أسبابا عديدة تسهم في تصاعد الانخسافات الأرضية، منها استنزاف المياه الجوفية وإنشاء السدود وتغيير المناخ وتراجع هطول الأمطار وإساءة استخدام المياه للأغراض الزراعية والصناعية، مؤكدا أن الإفراط في استغلال المياه الجوفية يتسبب في 90% من الانخسافات الأرضية في إيران.
الأسباب والحلولوخلافًا للزلازل التي لا يمكن التنبؤ بها أو الحؤول دون وقوعها، فإن البشر قادرون على احتواء الانخسافات الأرضية، وفق الأكاديمي مهدي زارع، الذي يرى في منح الأرض حقها من مياه الأمطار وعدم الإفراط في استخراج المياه الجوفية حلا للظاهرة كي يفوق حجم المياه النافذة إلى طبقات الأرض المقادير المستخرجة منها.
وبدوره، يشدد ناطقي على أن هبوط التربة ظاهرة عالمية بحاجة إلى تكاتف دولي، ويقترح خارطة طريق من 3 مستويات لمعالجة الظاهرة علی مستوی العالم، وفق التالي:
المستوى الوطني: تقوم خلاله الدول بإطلاق المياه في السهول التي تعاني الجفاف والتصحر، وذلك بعد وضع حد لاستخراج المياه الجوفية، أو اتباع خطة محكمة كي تستعيد الطبقات الجوفية للأرض المياه المستخرجة منها على مدى عقود. المستوى الإقليمي: تتولى خلاله عدة دول ممن تتعرض تربتها للانخسافات الأرضية برنامجا مشتركا، مستفيدة من تجارب الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين، لاحتواء هذه الظاهرة. المستوى العالمي: ويكون ذلك عبر برنامج شامل برعاية أممية.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المیاه الجوفیة فی إیران
إقرأ أيضاً:
جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)
سمة المشكلة:هنالك في هذه الجدلية نوعان من الازدواج، وكل نوع مركب من أطياف، وهي ليست مرضا ليعالج وإنما اضطراب في تكوين الشخصية، وهي ليست متعلقة بدين أو عرق أو طائفة وإنما هي متعلقة بتركيبة المجتمع ككل، ومفرزات هذا الازدواج أن هنالك حياة غير طبيعية وأمة ليست قويمة غير قادرة على البناء ولا التعامل مع الواقع بشكل سليم.
1- دعوتنا ليست للدين وإنما لتدين لا يفيد إلا سد غريزة التدين، بينما يمكن أن يحصل نقيض الدين في كل خلق وسلوك. نقول الإسلام فيه الحل ولا نعرف أو نبحث كيف هو الحل فإن أتانا من يدلنا سفّهناه وكفّرناه، واحترمنا الخزعبلات والانحرافات لأنها تبرر الكسل والضعف والفشل.
2- النمطية والأحادية في كل شيء، من الحاكم إلى الرأي الفردي.
3- يحكم بتطرف على خطأ غيره أو ما يقترف، في حين أنه قد يكون مرتكبا لنفس الخطأ.
4- فقدان للقواعد والقيمة وتعريف المهام، وتكرار الأخطاء وتبرير نتائج الفشل بقضاء الله.
5- مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد رغم أنها سياسية مدنية أيضا في أصلها.
6- هنالك الكثير من السلبيات لكنها كلها تعود إلى أسباب المسارات الحضارية والمدنية، وتراكم أفكار متعددة متصالحة في العقلية وتؤدي إلى اضطرابات في النفسية، فما هو حلال في بعض الأفكار حرام في أفكار أخرى وما هو حسن في أحدها فهو قبيح في أخرى، وما يسد النقص هنا لا يصلح هناك، وهذا السبب الرئيس لازدواج ثنائي وثلاثي وأكثر في الشخصية نتيجة الاضطراب في العقلية والنفسية، وهو ما يفسر انفصال السلوك عن الخطاب وبتعايش تام هو المشكلة.
ما جدلية الاضطراب وما علاجه؟
الإسلام عموما أتى إلى بيئة في وقت بعيد عن التقنيات الحديثة، وأهم هذه التقنيات التي تفيد الإسلام كفكر ليكون بعيدا عن تشويه الفكرة والنقاء حينها هي الاتصالات والمطابع، فالناس يتداولون المعلومة بطريق النقل والحفظ كما اعتادوا أن يتناقلوا الشعر والكلمة، ومنها الشروحات والرأي، فلم تترسخ الفكرة بشكل صائب وإنما هي ظنون في الفكرة عند العامة من الناس، مع تصور أنهم معلمون ولهم رأي وهو أمر جاذب في مجتمع تأتيه الحرية بعد قمع الإمبراطوريات، وهي أحد أسباب الفتنة التي أدت إلى حكم التغلب لاحقا. فالفكرة قد تبدأ بسلوك أو حدث مهما كان بسيطا، فإن لم تصحح تكبر وربما ينظَّر لها لتكون أيديولوجيا، فإهمال الإخفاقات أو الانحرافات أدى إلى صراعات وتعاظم للتخلف مستمر حتى الآن.
ثم اصطدمت الحضارة الفكرية التي استقر عليها الناس باختلافاتهم على الأمور البسيطة بمخرجات الفلسفة اليونانية، فكانت مادة للجميع لإرساء تنظيرات كل لفكره وإصراره عليه بمنطق تصوره مع غياب الفهم العميق للإسلام، ظهرت أسئلة الفلسفة اليونانية التي هي ليست أسئلة الفلسفة أو فكر الحكمة الإسلامي، فماهية الإله الذي طرحته نظرية الفيض هي ليست سؤالا في الإسلام، فالإسلام يأخذ الجانب المؤثر في الحياة.
أسئلة مثل الإنسان هل هو مخيّر أم هو مسيّر، خلقت فرقا متعددة وهي فكرة لا وجود لها لمن يفهم الإسلام، وهو يعرف ماهية الإنسان والحياة، وما انفك الناس يناقشون هذه الأمور دون فهم لتضارب الأفكار بين أمور محلولة أصلا، فلا يوجد هذا السؤال في الفكرة لأن الإجابة أصلا موجودة بشرح السؤال، والسؤال عن القضاء والقدر مجاب، مثله مثل معنى الروح والقلب والفؤاد. الإسلام يجيب عن كل هذا ضمنا، بينما ما زال الناس يسألون والمفسرون والوعاظ والخطباء والكتاب يستخدمون كل هذه الأسئلة الوهمية والمصطلحات، عالم وهم يدورون في تيه افتراضي لا مخرج منه، كذلك هو حال الأمة اليوم.
عقدة التغيير وتراكم الأسئلة:
الأمة في منطقة ذات ثروات فتتصارع عليها الدول بأيديولوجياتها وأساليبها المتعددة للهيمنة عليها، من التعليم لإنشاء موظفين بأسلوب غربي، إلى إدخال لغات المحتلين وثقافتهم، إلى الأيديولوجيات كالشيوعية إلى انغلاق الفقهاء ورجال الدين ورفض أي تجديد حتى يفرض نفسه أو محاولة مقاربته بالإسلام، تماما كما فعل السابقون مع الفلسفة، وهي ثقافة وفكر يحوي اختلاف الجوهر إن عومل كفكر حضاري وليس كمخرجات مدنية.
ولكوننا نحاول التأصيل في الدين لكل شيء اختلطت علينا الأمور فتفشل الفكرة عند التطبيق، هنالك من تحسس هذا ولم يدرك منه الحل له فقال "إننا لن ننهض إلا إذا أخذنا ما عند الغرب كله بإيجابياته وسلبياته". وهذا يمثل حالة الخلط التي نوهنا إليها لأننا نعتبر كل أمر عقدي، في حين أن المدنية تراكم للجهد البشري، أما الفكر الحضاري فهو توسع بغرض الفهم لفكر عقدي أنزل كمنهج للإنسان وكقيم تستند عليها معايير السلوك وتصويبه، واستعاض الغرب عنها بالقانون وسيادة القانون وتقديس قوة الدولة وسيادتها، نجد هنا الدولة الإله ونجد القوانين بدل قيم الشريعة.
السلوكيات السلبية والمزدوجة:
السلوكيات المزدوجة عندما تلاحظ أن رجلا متدينا يحكم على مخالف الشرع بكل قسوة، وهو يمكن أن يزني ولا يؤثر هذا على شدة حكمه على الزاني مثلا.. ما التوصيف والعلاج؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في الجزء الثاني.