هل يدخل الفضاء الأردني مرحلة الصمت؟
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
#سواليف
هل يدخل #الفضاء_الأردني #مرحلة_الصمت؟
#لميس_أندوني
إذ يقترب #قانون_الجرائم_الإلكترونية المثير للجدل في #الأردن من دخول حيز التنفيذ في 12 سبتمبر/أيلول الجاري، يسود قلق في #الأجواء_الصحفية والسياسية والحقوقية الأردنية من أن يعيد البلاد إلى #أجواء_الأحكام_العرفية، بغطاء قانوني يفرض الصمت ويغلق مساحات التعبير في البلاد.
صحيح أن من واجب الدولة حماية المجتمع من خطاب العنصرية والطائفية والتمييز، ولكن يجب أن تكون هناك تعريفات دقيقة لمصطلحاتٍ أصبحت أداة قمع وأحكاما وقراراتٍ تعسّفية، بل وسلاحا لتصفية حسابات سياسية ومجتمعية، وحتى شخصية، بما يحمله ذلك من تداعياتٍ على المجتمع، ويهزّ الشعور بالأمان، ويقوّض قوة القضاء بوصفه ضامنا للعدالة والحقوق.
ما يعمق القلق أن التعديلات الجديدة على قانون الجرائم الإلكترونية لم تكن بمعزل عن سياسات وإجراءات سبقته؛ من إنهاء نقابة المعلمين، واعتقالات حراكيين ومعارضين، ومنع ترخيص حزب الشراكة والإنقاذ، وتهميش لدور النقابات المهنية، من خلال تدخّل رسمي لمنع فعاليات سياسية شعبية في مقرّها؛ مجمع النقابات المهنية، الذي لعب دورا أساسيا حتى في سنوات الأحكام العرفية في توفير مساحة للنشاط السياسي في الأردن. أي أننا نشهد إغلاق مساحات الاجتماعات “المغلقة” بعد إغلاق ساحات التجمّع (الفضاءات المفتوحة) ذات الرمزية السياسية والوطنية، مثل دوار جمال عبد الناصر، المشهور بدوار الداخلية (جبل الحسين) والدوار الرابع (جبل عمّان)، وقبلها حصر التظاهرات ضد سفارة الكيان الصهيوني (في ضاحية الرابية) بعيدا عن محيطها إلى محيط جامع الكالوتي، ولم يتبقّ إلا الفضاء الافتراضي للتعبير والتحرّك السياسي، وجاء القانون بصورته الجديدة لينقضّ عليه في حركة محيرة وغريبة.
يحقّ للناس أن تسأل عن أسباب التضييق على الحرّيات، فيما تتوسّع عمليات التطبيع الاقتصادي مع الأردن
إجراءات الدولة لخنق مساحات التعبير محيّرة وغريبة فعلا؛ فلا توجد هناك حركة واسعة ومنظمة ومناوئة للنظام تطالب بتغييره، بل على العكس؛ فالثورات المضادّة التي ذبحت الانتفاضات العربية، والتدخلات الأجنبية، عسكرية كانت أو سياسية أو اقتصادية، أضعفت إيمان الشعوب العربية بقدرتها على التعبير، فيما أصبح الاستقرار هدفا أساسيا، وحتى حلما، لكثيرين. وفي الأردن على وجه الخصوص، يدفع الخوف من فقدان الاستقرار ومواجهة مآلات مشابهة لما حدث في دول عربية مجاورة إلى الاعتكاف عن النشاط السياسي المعارض، خوفا من أي تقويضٍ للسلم الأهلي.
صحيحٌ أن أصواتا ظهرت في السنوات الأخيرة تتحدّى العائلة الملكية نفسها، ولكنها لم تترجَم إلى حشود جماهيرية تدعو إلى إسقاط النظام، ما يجعل المشهد وإصرار الدولة على كبح أي صوت ناقد، ولا نقول معارضا، مستغرَبا جدا، خصوصا وأن الدولة مصرة، فيما يبدو، على إظهار جدّية وصرامة في نيتها. وإلا، ما معنى أن يصدر حكم على الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي بالسجن عاما على خلفية تعليق على الإنترنت، ينتقد تصريحا مثيرا للجدل لوزير؟ المستغرب أيضا أن الدولة لم تر أي إشكالية في كلمات الوزير “الدم أرخص من البترول”، في أثناء إضراب سائقي الشاحنات العام الماضي، لكنها وجدت في لجوء الزعبي إلى التعبير الأدبي والرمزي الطابع في استنكار الظلم جريمة!
وما معنى توقيف الصحفي عبد المجيد المجالي لانتقاده محاضرا جامعيا لم يتعامل مع طالب بطريقة لائقة؟ السؤال الآخر: ما الحكمة من هذه الإجراءات، فالكتابة الناقدة الساخرة، كما يفترض، هي عمليا أيضا قناة عن الغضب الشعبي، فما الحكمة من قفل أمنية “التنفيس”؟ إذ تزيد هذه الخطوة من التأزيم المجتمعي والسياسي، فأين الحكماء من مسؤولي الدولة؟ بل وتزيد شكوك المواطن العادي في هدف الدولة السياسي في فرض مرحلةٍ من التعتيم. ومعلوم أنه في غياب معلومات كافية تنتشر الشائعات، حتى وإن لم يتم التعبير عن الشكوك تحت طائلة العقاب، لكن الشائعات والتكهنات تنتشر، فعهد الفضاء الإلكتروني جديد نسبيا، والناس لم تفقد القدرة على متابعة الأخبار ومحاولة استنباط مغزى ما يحدُث، أكانت استنتاجات صحيحة أم خاطئة، لكنها تزيد الشكوك ومن فقدان الثقة في الدولة ومؤسّساتها.
لم يتبقّ إلا الفضاء الافتراضي للتعبير والتحرّك السياسي، وجاء القانون بصورته الجديدة لينقضّ عليه في حركة محيرة وغريبة
تذهب الشكوك في الأردن دائما باتجاه تحضيرات لتسوية نهائية مع إسرائيل، لن تكون ضمن موازين القوى إلا تصفية للحقوق الفلسطينية على حساب فلسطين والأردن. لا نقول إن ذلك يحدُث. ولكن يحق للناس أن تسأل عن أسباب التضييق على الحريات، فيما تتوسّع عمليات التطبيع الاقتصادي مع الأردن، فكل هذه الاتفاقيات من استيراد الغاز (المسروق من الفلسطينيين) من إسرائيل، واتفاقية استيراد المياه المحلّاة من البحر الأبيض المتوسط مقابل الطاقة الشمسية من وادي عربة، إضافة إلى المشروع الجامع، مجمّع بوابة الأردن، الرابط بين كل مشاريع التطبيع الاقتصادي والطاقة بين تل أبيب والعالم العربي، تثير الشكوك وتدعو إلى التساؤل.
اللافت أن تشريع قانون الجرائم الإلكترونية تبعَه تمرير قانون الملكية العقارية المثير للجدل، خاصة بعد رفض مجلس النواب اقتراحا بالنصّ على منع بيع الأراضي والعقارات للإسرائيليين، فاستباحة أراضي الأردن وعقاراته أمام إسرائيل يُضعف موقف الأردن وسيادته في مواجهة حكومة إسرائيلية متطرّفة تريد إكمال المرحلة النهائية من بناء المشروع الصهيوني الاستيطاني في أسرع وقت، ولا تأبه بسيادة الأردن ولا مستقبله. فالعدو واضح، وأميركا تضغط على الأردن للدخول في الاتفاقيات الإبراهيمية التي تقبل ضمّ إسرائيل القدس، ولا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية التاريخية المشروعة. لذا، وجب التساؤل: إذا لم يحتمِ الأردن بشعبه فمن يقف أمام الأطماع الإسرائيلية وخطرها على الأردن وشعبه وعلى النظام، فليس لإسرائيل صديق؟
وبدل أن تبدأ في الأردن مرحلة مكاشفة، نجد أن “مشروع التحديث” السياسي الذي يجري تطبيقه، والمفروض أن يوسّع المشاركة السياسية من خلال الأحزاب، يقزّم هذه الأحزاب، وحتى الموالية منها، ويلغي دور الصحافة ويُضعف الحياة السياسية، والمستفيد الوحيد هو إسرائيل لا غير.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الأردن فی الأردن
إقرأ أيضاً:
مناصرة الجيش السوداني بين الكيد السياسي وفهم طبيعة الصراع
في خضم الصراعات السياسية والعسكرية التي يمر بها السودان، يبرز الجدل حول موقع الجيش ودوره في المشهد السياسي والأمني، خاصة في ظل استمرار تفريخ المليشيات المسلحة، وهذه المرة بطابع إسلامي متشدد. ورغم إدراك الجميع لهذه الظاهرة، فإن بعض القوى السياسية والناشطين ما زالوا يمارسون مناصرة غير مشروطة للجيش، لا استنادًا إلى رؤية استراتيجية تحمي الدولة، بل بدوافع الكيد السياسي والمكايدات الظرفية. هذا الانحياز العاطفي، القائم على تصفية الحسابات مع الخصوم، يُعمي كثيرين عن حقيقة الصراع وطبيعته المعقدة.
الجيش السوداني: مؤسسة الدولة أم طرف في الصراع؟
لطالما كان الجيش السوداني مؤسسة قومية، لكن بفعل الأحداث المتلاحقة، أصبح جزءًا من معادلات السلطة، سواء خلال فترات الحكم العسكري أو في ظل الانتقالات الديمقراطية المتعثرة. المشكلة ليست في وجود الجيش كحامٍ للأمن القومي، بل في تداخله مع الفاعلين السياسيين، مما جعله طرفًا في الصراع بدلاً من أن يكون ضامنًا للاستقرار.
أخطر ما في الأمر أن هذا الجيش، الذي يتم الترويج له كحائط الصد الأخير أمام انهيار الدولة، لم يتمكن من منع انتشار المليشيات المسلحة، بل في بعض الأحيان، استُخدمت هذه الجماعات كأدوات ضمن استراتيجيات عسكرية وسياسية. الآن، مع عودة موجة التفريخ المليشياوي بطابع إسلامي، يُطرح سؤال جوهري: هل مناصرة الجيش تعني دعم استمرارية هذا النمط من التحالفات الخطرة، أم الدفع به ليكون مؤسسة قومية منضبطة خاضعة للقانون؟
تفريخ المليشيات: إعادة إنتاج الفوضى؟
لا يمكن فصل استمرار تفريخ المليشيات المسلحة عن ضعف الدولة وانقسام مكوناتها. فالموجة الجديدة من المليشيات ذات الطابع الإسلامي المتشدد تعكس أزمة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، حيث تظهر تيارات تسعى لإعادة تجربة التسعينيات، حينما كان التحالف بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية هو السائد. لكن الفرق أن هذا النهج لم يعد مستساغًا في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، مما يجعل استمراره قنبلة موقوتة ستؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
من ناحية أخرى، فإن استمرار هذا التفريخ يعني أن أي تحول سياسي في المستقبل سيظل رهينة لمجموعات مسلحة لها ولاءات عقائدية أو جهوية. وبما أن هذه المليشيات لا تمتلك عقيدة وطنية جامعة، فإنها قد تتحول إلى أداة لفرض أجندات سياسية معينة، أو حتى إلى فصائل متمردة في حال تغيّرت موازين القوى.
المزايدات السياسية والاصطفافات العاطفية
يمارس جزء كبير من القوى السياسية والناشطين مناصرة الجيش ليس إيمانًا بإصلاحه أو بضرورة تقويته كمؤسسة وطنية، بل كرد فعل على سياسات الخصوم السياسيين. وهذا ما يجعل هذه المناصرة مجرد موقف تكتيكي، لا استراتيجية تهدف إلى بناء جيش محترف بعيد عن التجاذبات.
فالعديد من هؤلاء الذين يناصرون الجيش اليوم كانوا في وقت سابق يطالبون بتحجيم دوره وإبعاده عن السياسة، ولكن عندما تغيرت الظروف السياسية، انقلبت مواقفهم. هذا النفاق السياسي يعرقل أي مشروع جاد لإصلاح القطاع الأمني، ويبقي المؤسسة العسكرية في دائرة الاستغلال السياسي المتبادل.
كيف يمكن بناء جيش بعيد عن التفريخ المليشياوي؟
إذا كانت الغاية الحقيقية من دعم الجيش هي حماية الدولة، فيجب أن تكون هناك رؤية واضحة لإصلاحه، تتضمن:
تفكيك العلاقة بين الجيش والمليشيات: لا يمكن بناء مؤسسة عسكرية مستقرة في ظل استمرار اعتمادها على مليشيات عقائدية أو جهوية.
إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية: عبر تبني عقيدة قتالية موحدة تقوم على حماية الحدود والسيادة، وليس الدخول في الصراعات السياسية.
ضمان الرقابة المدنية: إخضاع الجيش لسلطة مدنية ديمقراطية يقلل من فرص استغلاله سياسيًا، ويمنع إعادة إنتاج تجارب الأنظمة العسكرية السابقة.
التعامل مع القوى السياسية بميزان واحد: بدلاً من أن يكون الجيش أداة لقمع فصيل سياسي وتمكين آخر، يجب أن يحافظ على مسافة واحدة من الجميع.
خاتمة
إن مناصرة الجيش السوداني يجب أن تكون قائمة على رؤية إصلاحية، لا على ردود الأفعال السياسية قصيرة المدى. فالجيش ليس مجرد طرف في معركة سياسية بين قوى مدنية متصارعة، بل هو مؤسسة تحتاج إلى إعادة بناء بعيدًا عن التفريخ المليشياوي، سواء كان بغطاء إسلامي أو غيره. الاستمرار في هذا النهج سيقود السودان إلى إعادة إنتاج نفس الأزمات، ولن يحل المشكلة الأمنية، بل سيوسع رقعتها. السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح: هل نحن نناصر الجيش كقوة وطنية، أم كأداة لتصفية الحسابات السياسية؟
رؤية مستقبلية
لتحقيق إصلاح حقيقي في المؤسسة العسكرية السودانية، يجب أن تكون هناك خطوات عملية وجادة، تشمل:
إصلاح الهيكل القيادي: تعيين قيادات عسكرية على أساس الكفاءة والخبرة، وليس الولاءات السياسية.
تدريب وتأهيل الجنود: تعزيز القدرات العسكرية عبر برامج تدريبية متطورة تركز على الأمن القومي وحماية الحدود.
تعزيز الشفافية: إخضاع المؤسسة العسكرية للمساءلة والرقابة العامة لضمان نزاهتها وفعاليتها.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: بناء شراكات مع دول الجوار والمنظمات الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
في النهاية، فإن إصلاح الجيش السوداني يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية استراتيجية واضحة، بعيدًا عن المزايدات السياسية والاصطفافات العاطفية. ويمكن للجيش أن يستعيد دوره الحقيقي كحامٍ للأمن القومي وضامنٍ للاستقرار، بدلاً من أن يكون طرفًا في الصراعات السياسية.
zuhair.osman@aol.com