الشاعر والإعلامي العربي زاهي وهبي يكتب عبر “أثير” عن متعة الحواس!
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
أثير – الشاعر والإعلامي العربي زاهي وهبي
لا تزال علاقتي بالكتاب الورقي هي الأكثر حميمية قياسًا بوسائط القراءة الحديثة.
تصالحت مع الكتابة بواسطة اللابتوب، ثم بواسطة الموبايل، أما قراءاتي “النتيّة” فلا تزال مقتصرة على المقالات والنصوص القصيرة. حتى الآن لا أستطيع قراءة كتاب ما لم يكن ورقيًا، سواء أكان رواية أو ديوان شعر أو من أي صنف آخر.
القراءة الورقية (إذا جاز هذ التعبير) متعة حقيقية، تختلط فيها الحواس وتتداخل، ويمتزج الواقع بالخيال.
يقال من شبَّ على شيء شابَ عليه، مذ كنت طفلاً صغيرًا لم أبلغ سنّ الوجد بعد، أذكرُني مفترِشًا الأرض لتناول الفطور أو الغداء أو العشاء. الوجبات الثلاث تبسطها أمي على مائدة “صفحاتٍ” نُزِعت من جرائدَ وصحفٍ قديمة. تصير الوجبة الواحدة وجبتين، الأولى متواضعة متقشفة كوجبات بسطاء الناس أنّى كانوا في رياح الأرض الأربع، والثانية دسمة شهية تكاد “سعراتها” تفوق الأولى من فرط غناها وتنوعها..وبرَكَتها.
الأولى عبارة عن لقيمات لبنة وجبنة وزعتر وزيتون وبطاطا وبرغل وعدس وسواها من قاموس المائدة الريفية المباركة. والوجبة الثانية كل ما تتضمّنه الأخبار والمقالات المكتوبة في صفحات فات عليها الزمن وألقى بها أرضًا لتكون مجرد بساطٍ لموائد البسطاء. أتناول لقمة وأقرأ سطرًا، هكذا دواليك حتى نقوم عن المائدة، ألتهمُ كلَّ ما تقع عليه عيناي سواء أكان سياسةً، أدبًا، فنًا، رياضةً، حتى صفحة الوفيات لم تكن تنجو منّي… ولعلنا لاحقًا في زمن الحرب صرنا نقرأ صفحة الوفيات كي نتأكد أن أسماءنا ليست مدرجة فيها وأننا لا نزال على قيد الحياة والقراءة!
ألتهمُ الأسطر والأحرف وأنسى تناولَ وجبة الطعام. لحظاتٌ ولا أمتع، حصّلت معها زادًا لا بأس به، خصوصًا حين رحتُ أستعيض عن الجرائد والمجلات بكتابٍ أضعه مفتوحًا إلى جانبي كلما هممت بتناول الطعام. وكم تناولت الفطور مع نجيب محفوظ والغداء مع فكتور هوغو والعشاء مع غادة السمّان، لأكتشف بعد حين أن تلك القراءات التي كانت بدافع التسلية وتزجية الوقت تحولت مع الأيام زادًا معرفيًا كلما غَرَفنا منه زادَ ولم ينقص.
وكم أسعفتني قراءات الطفولة واليفاعة في إثراء تجربتي المهنية خصوصًا حين تحوّلت من قارئ إلى كاتبٍ وصحافي ثم إلى محاوِرٍ تلفزيوني. إذ أن كثيرين من ضيوف برامجي من كبار الأدباء والشعراء كنتِ على اطلاع مسبق على مؤلفاتهم وتجاربهم الأمر الذي جعلني أحاورهم من موقع العارف. ودائمًا أردد.. القارئ الجيد يحصّن مهنته ويهذبّها أيًا كان مجال عمله. المحامي المثقف يجيد الدفاع بشكل أفضل من المحامي غير المثقف، النجّار المثقف يصنع قطعة خشبية أكثر جمالًا من النجّار غير المثقف، وهكذا مع سائر المهن.
العلاقة الحميمة مع الحبر والورق العائدة إلى زمن مضى وانقضى، قد لا يفقهها مَن لا ينتمي مثلي إلى جيل الحبر والورق. صعبٌ على مَن تفتّح وعيه على الشاشات واللمس والأجهزة الذكية أن يفهم سرّ الشغف الذي يحمله جيلنا وسابِقوه حيال الصفحات التي يعلَّق أثرُ حبرها على أطراف الأصابع. أجمل الكتب في مكتبتي اليوم هي تلك التي أكلنا عليها وشربنا. نعم، ليس الدهر مَن أكل عليها وشرب بل نحن (الدهر كما هو معلوم يزيدها قيمة وأهمية)، وأكاد أقول بالمعنى الحرفي لا المجازي، فكم من صفحات تلطخت ببقايا مناقيش الزعتر والزيت، وكم من صفحات أخرى تزركشت بخطوطٍ ورسومٍ وخربشاتٍ من زمنِ الولدنة أو المراهقة، وكم من ورودٍ يبست أوراقها بين الصفحات عربونَ شوقٍ وتوقٍ إلى زميلة عرفنا معها معنى الحُبّ من طرف واحد بدون امتلاك الجرأة على مكاشفتها بما يعتمل بين الضلوع. يومها كان الخفر مُستَحبًّا، وعلاقات الجنسين تشبه أغنيات فيروز والأخوين الرحباني.
لِكلِّ كتابٍ حكاياتٌ تُضاف إلى أسطره ومضامينه، فتمنحه قيمةً مضافةً بأن تجعله شاهدًا على أحداث وأحوال عامة وخاصة، لا سيما متى تفحصنا الهوامش التي كنّا نلخص فيها ما نقرأ أو نسطّر انطباعاتنا عن هذه الفكرة أو تلك.
كبرنا، شابت الأيام وما شابت الأحلام، صار الكتاب المشفوع بتوقيع صاحبه يحظى بمكانة لا تتأتّى للكتب الأخرى. في جعبتي اليوم كتبٌ موقعة من سعيد عقل وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش وجوزيف حرب وأنسي الحاج وعبدالرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وجمال الغيطاني وسواهم من مبدعين رحلوا تاركين كتبهم بمثابة مصابيح مضاءة في القلب والوجدان وفي الوعي والذاكرة، إلى جانب مئات التواقيع من مبدعين أحياء، كلماتهم بخطِّ أيديهم تجعل كتبَهم أكثر إمتاعًا ومؤانسة. فالعلاقة بالكتاب لا تتوقف بمجرد الانتهاء من قراءته. متى اقتنيناه؟ مَن أهدانا إياه؟ في أي مرحلة من مراحلنا العمرية قرأناه؟ أيُّ ذكرى خلّفها في النَّفْس والوجدان؟ وسواها من مسائل تقيم بيننا وبين كتبنا وشائج قربى لا تقوى الأيام على تقطيع أواصرها، حيث لكل كتاب صلة ما بأمرٍ ما حدث لنا أو عايشناه وكنا شهودًا عليه.
نعم للكتاب لغة. لغةٌ أخرى غير التي خطّها قلمُ مؤلِّفه، لونُ الورق يقول لنا ما يقول، حفيف الصفحات، ملمس الأوراق، رائحة الحبر… جميعها تؤلف أبجدية موازية تضاهي أحيانًا أبجدية الأحرف والكلمات، وتغدو أوركسترا تعزف لعاشقِ الكتب سمفونيةَ شغفٍ لا يضاهيه إلا الوقوع في الحُبّ.
أعرف، هي رؤية شاعرية بعض الشيء، لعلها رومانسية عاشق قديم، لعلها مجرد تحية إلى الكتب الورقية التي لا تشترط علينا توافر “واي فاي” ولا شاحن أو بطارية وكهرباء، تبقى معنا في السَّرَّاء والضَّرَّاء، في الحُبّ والهجران، في الابتسامة والدمعات، في الأفراح والأتراح.
حقًا؛ ما أشهى مائدة الكتاب، وما أشهى مذاق الحبر والورق، لا سمنة ولا وزن زائد إلا في حجم الوعي والمعرفة.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
إشارات عن تحسن في حالة البابا.. الحبر الأعظم لم يعد بحاجة لأجهزة التنفس الاصطناعي
تم نقل الحبر الأعظم البالغ من العمر 88 عامًا إلى المستشفى منذ 14 فبراير/شباط بسبب إصابته بالتهاب رئوي في كلتا الرئتين وصعوبات في التنفس.
قال الفاتيكان في بيان إن البابا فرانسيس لا يزال في حالة مستقرة ولم يكن بحاجة إلى أي تنفس صناعي يوم الأحد.
وتعد هذه إشارة إلى أن البابا قد تغلب على المضاعفات المحتملة لنوبة السعال التي أصابته الجمعة وأن عمل جهاز التنفس لديه بدأ يتحسن إثر الالتهاب الرئوي الذي أصابه وأدخله المستشفى.
وقال الأطباء إن البابا استمر في تلقي الأكسجين عالي التدفق التكميلي بعد نوبة السعال التي أثارت مخاوف من احتمال إصابته بعدوى رئوية جديدة.
وخلص البيان إلى أن وضع البابا مستقر ولكن الحالة السريرية لا تزال "معقدة" حيث يتعامل الأطباء مع مآل التشخيص بشيئ من الحذر، مما يعني أن البابا لم يخرج بعد من دائرة الخطر.
وقد صلى الحبر الأعظم الذي يرقد في المستشفى منذ 14 فبراير/شباط، في مصلاه الخاص وشارك في قداس الأحد بعد زيارة صباحية قام بها أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين ورئيس ديوانه رئيس الأساقفة إدغار بينا بارا.
Relatedتحذيرات من خطر "تعفن الدم"..البابا فرنسيس في حالة صحية حرجة جراء التهاب رئوي معقدهل قرر البابا فرانسيس الاستقالة؟ الفاتيكان يوضح الحقيقة انتكاسة مقلقة في حالة البابا فرانسيس: الحبر الأعظم يستنشق القيء بعد نوبة سعال"حالته مستقرة".. الفاتيكان يطمئن العالم على صحة البابا فرنسيسالبابا لم يخرج بعد من دائرة الخطر وتكهنات حول احتمال استقالته لو ساءت حالتهالفاتيكان: تحسن طفيف في صحة البابا فرانسيسوقد غاب البابا عن مباركة الظهر الأسبوعية، وبدلاً من ذلك قام بتوزيع رسالة شكر فيها أطباءه على رعايتهم والمهنئين على صلواتهم.
وقال فرنسيس في الرسالة التي صاغها في الأيام الأخيرة: "من هنا، تبدو الحرب عبثية أكثر".
وقال فرنسيس في نص الرسالة: "أشعر في قلبي بـ "البركة" التي تختبئ في ضعفي لأنه في هذه اللحظات تحديدا نتعلم أكثر أن نثق بالرب". "في الوقت نفسه، أشكر الله لأنه أعطاني الفرصة لأشارك بجسدي وروحي حالة العديد من المرضى ومن يعانون".
وثمة عدة مؤشرات على أن حالة البابا بدأت تتحسن بعد أزمة ظهر يوم الجمعة التي أدت إلى استنشاقه القيء أثناء نوبة سعال.
أطول فترة إقامة في المستشفىيعاني البابا من مرض رئوي أدخله المستشفى في 14 فبراير/شباط بعد أن تفاقمت نوبة التهاب الشعب الهوائية وتحولت إلى التهاب رئوي معقد في كلتا الرئتين.
وهذه هي رابع إقامة للحبر الأعظم في المستشفى والأطول مدة منذ أن تولى منصبه عام 2013.
وقد عانى البابا معظم حياته من مشاكل في الجهاز التنفسي بعد استئصال جزء من إحدى رئتيه عندما كان شابًا.
وقد تمت مراجعة جدول مواعيده حتى يتمكن من متابعة علاجه الطبي المكثف - إذ لم يؤم صلاة التبشير الملائكي يوم الأحد للأسبوع الثالث على التوالي.
ومن المقرر أيضًا أن يغيب عن قداس أربعاء الرماد الأسبوع المقبل بمناسبة بداية الصوم الكبير، وذلك للمرة الثانية فقط خلال اثني عشر عامًا من توليه منصب البابا. ومن المتوقع أن يحل محله كاردينال في هذه المهمة.
قال الكاردينال الأرجنتيني فيكتور مانويل فرنانديز يوم الجمعة أثناء صلاته من أجل صحة البابا: "من المؤكد أنه قريب من قلب قداسة البابا أن صلاتنا ليست من أجله فقط، بل من أجل جميع الذين يتحملون في هذه اللحظة المأساوية والمعاناة الخاصة في العالم، عبء الحرب والمرض وقسوة الفقر".
ويصدر الفاتيكان بيانيْن محدّثيْن يوميًا عن صحة الحبر الأعظم.
المصادر الإضافية • AP
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية هل تستأنف إسرائيل الحرب؟ آمال معلقة على ويتكوف وصبر حتى يستلم زامير رئاسة الأركان ألمانيا تدرس إنشاء صندوقين بمئات المليارات لتمويل ميزانية الدفاع والبنية التحتية "حالته مستقرة".. الفاتيكان يطمئن العالم على صحة البابا فرنسيس التهابالبابا فرنسيسكنيسةكاثوليكية