الجزيرة:
2024-10-01@21:09:02 GMT

من السويداء.. هنا سوريا

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

من السويداء.. هنا سوريا

في ظل تدهور قيمة الليرة السورية، وتراجع القدرة الشرائية، والعجز عن توفير الخدمات والاحتياجات الأساسية، وارتفاع الأسعار، وإصرار الرئيس السوري بشار الأسد على المضي في نهجه الحالي وتصلبه أمام أي مبادرة للتغيير أو التطوير أو الإصلاح، حتى تلك "الإصلاحات" التي لا ترقى لمستوى المطالب الشعبية؛ شهدت محافظة السويداء -التي يقدر عدد سكانها حاليا بنحو مليون نسمة، وأصبحت ملجأً للنازحين من المناطق المدمرة، ويتمركز نحو 100 ألف منهم في مركز المحافظة بمدينة السويداء- أكبر التجمعات المناهضة للنظام في تاريخ المحافظة، حيث تجمع نحو ألفي متظاهر في ساحة الكرامة (وسط السويداء)، رافعين راية "الحدود الخمسة"، وهم يهتفون برحيل الأسد ويرددون شعارات التغيير، والعدالة الاجتماعية، والحرية.

ومع استمرار الاحتجاجات في السويداء لليوم 14، وزيادة أعداد المشاركين، وتميزها بمشاركة نسائية كبيرة وحضور بارز لمشيخة العقل وشمولها شخصيات من جميع طبقات المجتمع؛ أصبح المحتجون أكثر جرأة في مطالبهم، وربطوا بين الحياة الكريمة والخروج من الأزمة الاقتصادية، وبين ضرورة تغيير جذري في السياق السياسي السوري.

ما يجري حاليا في السويداء -رغم محدوديتها الجغرافية- يمكن وصفه بأنه موجة جديدة من الحراك المعارض لنظام الأسد. يتميز هذا النظام بإصراره على احتكار قيادة الدولة ومواردها لعقود، مع عدم قدرته على رفع الأجور أكثر من 2%، وهو ما يعادل نحو 200 ألف ليرة، في حين تصل كلفة المعيشة إلى 10 ملايين ليرة. وبالتالي، لم تقتصر شعارات الحراك على الاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية فقط، بل تطورت لتشمل المطالبة بتحولات سياسية جذرية، ومنها رحيل النظام وتطبيق القرار 2254، خاصة الجزء المتعلق بالهيئة الانتقالية للحكم.

تُعد محافظة السويداء بمثابة رمز تاريخي مهم في المقاومة والثورات في المنطقة. تتكون أغلبية سكانها من الطائفة الدرزية، حيث يشكل الدروز نحو 90% من السكان. وتتميز السويداء بتاريخها الغني في المقاومة، بدءًا من المواجهة ضد الحكم العثماني، ومرورًا بالثورات ضد الاستعمار الفرنسي، ولعبت دورًا بارزًا في الثورة العربية الكبرى عام 1916، وثورتها على الفرنسيين عام 1923، وكذلك في الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة الزعيم الوطني سلطان الأطرش.

الدروز طائفة تمزج البُعدَين: الإثني والديني، وينتشرون أساسًا في سوريا ولبنان وفلسطين وتتداخل الهوية العائلية (الإثنية) مع الهوية الدينية لدى الدروز، مما أسهم في بلورة روابط قوية داخل بنية مجتمعهم. هذا المجتمع يُظهر هرمية محددة، حيث يتم اختيار "شيخ عقل" في كل دولة لقيادة المجتمع الدرزي المحلي. وفي سوريا، تعتمد مشيخة العقل على زعامة ثلاثية للطائفة الدرزية في السويداء والمناطق المجاورة، وهم: حكمت الهجري؛ المسؤول عن الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء (دار قنوات)، ويوسف جربوع؛ المسؤول عن مدينة السويداء والقرى المجاورة لها، وحمود الحناوي؛ المسؤول عن سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للسويداء.

لا شك أن تصاعد الاحتجاجات في السويداء مثّل ضربة موجعة للنظام الذي طالما قدّم نفسه على أنه "حامي الأقليات"، وهي واحدة من أبرز السرديات التي بنى عليها النظام فكرة بقائه وتمسكه بالسلطة، خاصة أن التحركات في أوساط الدروز جاءت بالتوازي مع حراك آخر ذي طابع فردي ونخبوي في أوساط العلويين

في ظل غياب الأحزاب السياسية التي يُفترض أن تلتزم بتنظيم الأوضاع السياسية لتعزيز رفاه المواطنين ومستوى معيشتهم، تبرز أهمية وجود أطر تنظيمية بديلة؛ مثل الروابط العشائرية والعائلية، إضافةً إلى مرجعيات طائفية مثل "مشيخة العقل" بالنسبة للدروز. تُظهر هذه الزعامات البديلة قدرة متزايدة على توجيه وتنظيم الحراك المجتمعي، كما تُصبح ملزمة بتبني موقف سياسي والتدخل في توجيه الخطاب العام وضمان شرعيته.

رغم ما يحاول النظام ترويجه باستمرار، حيث يربط محركات الاحتجاج بعوامل خارجية، فإن الهرمية التنظيمية والروابط العائلية والدينية هي من أبرز الأسباب التي جعلت السويداء تلعب دورًا بارزًا في الثورات والاحتجاجات على مر السنين. وهذا يشمل الثورات التي انطلقت في أوائل القرن العشرين، وتلك التي وقعت بعد عام 2011؛ مثل تأسيس حركة "رجال الكرامة" عام 2013 بقيادة رجل الدين الشيخ وحيد البلعوس، وتجمع "أحرار جبل العرب"، إضافة إلى الحراكات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، مثل حراك 2022 والاحتجاجات التي سبقته.

مع ذلك، تشهد السويداء والمكون الدرزي في سوريا انقسامًا واضحًا في الموقف من النظام والعلاقة معه ومع الجهات الأخرى التي تسعى للتواجد وبسط النفوذ في المنطقة، خصوصًا روسيا وإيران. وبينما يؤيد شيخ العقل حكمت الهجري الاحتجاجات ويتبنى مطالبها؛ يميل الشيخان الآخران من مشيخة العقل يعقوب والحناوي إلى موقف أقل صدامًا مع النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، بل ويذهب أحدهما إلى حد الانحياز للنظام، كما في حالة شيخ العقل يوسف الجربوع.

والحقيقة أن السويداء والطائفة الدرزية لطالما واجهت تحديًا يتعلق بتموضعها خلال الصراع من ناحية موقفها وعلاقتها بباقي مكونات الحراك في سوريا وموقفها من النظام وموقف النظام منها. لقد تسببت إستراتيجية "الانخراط المحسوب" للسويداء والدروز في الحراك السوري العام في تقويض موقف الحراك تجاه السويداء، وفعليًا لم يتم النظر من قبل الحراك في سوريا إلى السويداء على أنها في صف المعارضة إلا مؤخرًا، ولا تزال هذه النظرة محل شك وأخذ ورد في أوساط معينة من المعارضة بسبب الاختلاف حول الدوافع الفعلية للاحتجاجات في السويداء ومدى علاقتها أو كونها امتدادًا فعليًا للحراك الذي بدأ في 2011.

رغم أن الدروز والسويداء لم ينخرطوا بشكل واسع في الحراك ضد النظام بقيادة بشار الأسد خلال 12 عامًا الماضية، فإن النظام اعتمد مقولة "إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا" في تعامله معهم. هذا النهج اتخذه النظام بعد فشله في تجييش سكان المنطقة ضد محافظة درعا المجاورة. ويبدو أن النظام لا يزال يسعى باستمرار لإضعاف السويداء والطائفة الدرزية، حيث يعمل على إثارة الفتنة بين عائلاتهم وإغراق المنطقة في فوضى الفساد والمليشيات وشبكات التهريب والمخدرات.

استمرارًا للموقف العدائي للنظام تجاه السويداء، وفي الواقع تجاه أي فئة تنتقد أو تعارض سياسته، بادرت جهات تتبع النظام أو تقترب منه إلى الإدلاء باتهامات ضد المحتجين في السويداء؛ اتهموهم بالسعي نحو الانفصال، والمساهمة في تفتيت الوطن والركون إلى مشروعات خارجية. هذه الاتهامات -التي يتكرر استخدامها من قبل النظام وأنصاره لوصف المعارضين- تمثل السردية التي استخدمها النظام مبررا للهجمات العسكرية على المدن وأهلها.

ورغم أن استخدام النظام للوحشية، والبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية قد لا يكون السبيل المثلى للتعامل مع الاحتجاجات في السويداء والساحل، فإنه يتعين على الحراك في السويداء وباقي المناطق السورية التعامل بدقة مع التعقيدات المحلية والإقليمية.

ينبغي للحراك مراقبة خطوات النظام وردات فعله، وأن يبرز مطالبه بطريقة تحقق التوازن بين الرغبة في الحرية والكرامة والانتقال السياسي، وبين الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ملتزمًا بالقرارات الدولية ورافضًا للعنف، حتى لا يمنح النظام الفرصة لتشويه صورة الحراك وقمعه.

وبينما تنبئ طريقة تعاطي النظام مع الحراك في السويداء بمحدودية الخيارات التي يملكها، خاصة الخيار العسكري الذي لا يبدو خيارًا واردًا في ظل الأوضاع الحالية للنظام والمنطقة، وحتى العالم الذي لن يتحمل موجة جديدة من اللجوء والتشريد والمآسي؛ فإن غياب الخيار العسكري لا يعني انصياع النظام لمطالب المحتجين، بل على الأرجح سيعمد إلى تجاهل مطالب المحتجين وسيتخذ إجراءات تزيد معاناة السويداء وأهلها مثل وقف عمل المؤسسات وعزل المحافظة عن محيطها.

لا شك أن تصاعد الاحتجاجات في السويداء مثّل ضربة موجعة للنظام الذي طالما قدم نفسه على أنه "حامي الأقليات"، وهي واحدة من أبرز السرديات التي بنى عليها النظام فكرة بقائه وتمسكه بالسلطة، خاصة أن التحركات في أوساط الدروز جاءت بالتوازي مع حراك آخر ذي طابع فردي ونخبوي في أوساط العلويين.

نتابع ما يجري في السويداء بترقب كبير، وتتحدث الأصوات بالمضي في المسار نفسه، خاصة أن مطالب السويداء لا تختلف عن مطالب جميع السوريين، والمبررات التي أدت إلى انطلاق الاحتجاجات في السويداء موجودة في كل منطقة تحت سيطرة الأسد.

أخيرًا، لا بد من الإقرار بأن هناك خلافات عديدة تعصف بالمجتمع السوري، فمنذ تولي حزب البعث السلطة في سوريا عانت البلاد من صراعات طبقية وخلافات سياسية ونزعات طائفية متزايدة. ومع ذلك، لم يكن هناك شيء خلال العقد الماضي قد وحد السوريين وأظهر أواصر ارتباطهم ببعضهم كالحراك ضد الأسد.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاحتجاجات فی السویداء الحراک فی فی أوساط فی سوریا

إقرأ أيضاً:

العراق يتذكر احتجاجات تشرين.. حكايات نساء واجهن الرصاص

بمحافظة البصرة أقصى جنوبي العراق، تجلس لوديا ريمون، الناشطة العراقية البارزة، وتتصفح في هاتفها الذكي، ما يُذكرها به الفيس بوك لأشياء كتبتها قبل خمس سنوات.

صارت احتجاجات تشرين 2019 بالنسبة لها، ذكرى "تفتخر" بها.

يعود بها شريط الذكريات إلى يوم السابع عشر من أغسطس 2020، أي بعد عشرة أشهر من اندلاع الاحتجاجات.

في ذلك اليوم، مرّت الرصاصات من جانبها، عندما حاول مسلحون اغتيالها، وهي في طريقها لمجلس عزاء رفيقها في الاحتجاجات، تحسين أسامة، الذي اغتيل في 14 أغسطس 2020 في محافظة البصرة.

اندلعت احتجاجات تشرين في الأول من أكتوبر 2019، ورفع فيها المحتجون شعارات تندد بالفساد والمحاصصة السياسية. استخدمت حكومة عادل عبد المهدي آنذاك، أساليب عنف عديدة تجاه المحتجين، وفقاً لمنظمات حقوقية.

يُظهر مقطع الفيديو الذي نُشر آنذاك، ويوثق محاولة اغتيال ريمون، كيف كانت سيارة تويوتا (كراون)، وتُعرف بالعراق باسم "البطة" تنتظرها بالقرب من منزلها.

لحظة محاولة إغتيال الناشطين العراقيين "عباس صبحي" و "لوديا ريمون" بالرصاص الحي من قبل المجاميع المسلحة وسط #البصرة عصر الأثنين ونُقل الناشطين الى المشفى بعد إصابتهم بجروح. pic.twitter.com/HmyZ03ipeg

— الخوة النظيفة (@Brothersirq) August 19, 2020

تقول خلال مقابلة مع موقع "الحرة": "قبل ساعات من محاولة الاغتيال، اتفقنا على الذهاب لمجلس عزاء تحسين في منطقة الكرمة. لم أستطع الذهاب لوحدي، فطلبت من صديقي فهد الزيدي وعباس صبحي أن يقلاني معهما".

اتفقوا على أن يستقلوا سيارة الزيدي، لأنها تسع سبعة أشخاص، وهي كافية بالنسبة لهم.

كان الموعد بينهم في الساعة الخامسة، في الشارع الذي يقابل منزل ريمون. عندما وصلوا إلى "رأس الشارع" وفقاً للتعبير العراقي، وهو بداية الشارع المؤدي إلى المنزل، خرجت لهم ريمون.

قبل ثلاثة أيام من عملية الاغتيال، لم تخرج من المنزل، أي منذ مقتل تحسين. كانت تخرج إلى ساحة الاحتجاج في الساعة الرابعة عصراً، وهو توقيت واظبت عليه، إلا أنها توقفت عن ذلك، مذ قُتل رفيقها.

"قبل يوم من الاغتيال، أبلغني جيراني بأن هناك سيارة تراقب منزلي، وتقف بالقرب منه عند الساعة الرابعة عصراً، وهو موعد خروجي للساحة" تقول ريمون.

عندما اقتربت من سيارة أصدقائها، وشاهدت سيارة "البطة"، تذكرت ما أبلغها به جيرانها، فركضت مسرعة ورمت نفسها بسيارة رفيقها.

تتحدث وهي تستذكر تلك اللحظات التي كادت أن تُفقدها حياتها: "لو لم يبلغني جيراني، ولو لم أتذكر مواصفات السيارة، لفقدت حياتي. لولا شجاعة فهد وتداركه للأمر سريعاً، لقُتِلنا".

أصيب عباس برصاصة استقرت في منطقة الرئة.

سريعاً، نقلوه إلى المستشفى التعليمي في البصرة. هناك عرفت ريمون، بأن إحدى الرصاصات أصابتها، لكن إصابتها، لم تكن خطرة.

صارت احتجاجات تشرين التي خرجت فيها ريمون، وقبلها في احتجاجات عامي 2015 و2018، بمثابة الفرص التي يُمكنها من خلالها تغيير ما تُريد تغييره. 

سلاح منفلت، فساد، ميليشيات، فقر، وغياب للقانون، كلها أسباب دفعتها للنزول إلى الشارع.

منذ ثلاث سنوات، لم تعش ريمون باستقرار. كانت تتنقل بين مدينة وأخرى، لكنها مكثت طويلاً في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق.

لجأ الكثير من النشطاء إلى الإقليم الكوردي، وبعضهم غادر  إلى تركيا ودول أخرى.

قُتل نحو 600 متظاهر في احتجاجات تشرين، وجُرح الآلاف، وعلى إثرها قدمت حكومة عادل عبد المهدي استقالتها.

تقول متألمة وهي تسترجع شريط لحظات كادت أن تنتهي فيها حياتها: "لم أعرف بأنني أصبت. في المستشفى، شعرت بحرارة في قدمي. عرفت حينها بأنني مصابة، فصرخت بصوت عالٍ".

هناك كُشف عليها، فظهرت إصابتها بجرح بمنطقة قريبة من الورك، نتيجة ملامسة الرصاصة، لكنها لم تخترقها "الحمد لله الذي نجاني"، تقول ريمون.

في ذلك اليوم، كانت ترتدي الحجاب والعباءة السوداء، وهو زي لم ترده سابقاً، خاصة وأنه زي إسلامي، وهي مسيحية.

ارتدته لأنها ستذهب إلى مجلس عزاء في منطقة عشائرية. كان من حسن حظها ارتداء زي لم تُعرَف به سابقاً.

"لم يعرفني القتلة، لأنهم لم يروني بهذا الزي. عندما ركضت تعرفوا علي. لو أنهم عرفوني منذ البداية، لتمكنوا من قتلي" تضيف الناشطة البصرية.

قبل شهرين من حادثة محاولة الاغتيال، وردت ريمون مكالمة من رقم "غير مُعرّف".

 هذه الأرقام لا يُمكن التعرف عليها، وتُستخدم لإبقاء هوية المتصل مجهولة، وعادة ما تمتلك السلطات والقِوى المتنفذة في مؤسسات الدولة، هذه الآلية.

كان صوت الاتصال لشخص في عمر متوسط، مثلما تقول ريمون. تحدث معها بدبلوماسية، وأبلغها بأنه "مثل والدها ويُريد نصيحتها فقط".

طلب منها أن تتوقف عن المشاركة في الاحتجاجات. كان يقول لها "أنت تؤثرين في الشباب، والبث المباشر الذي تظهرين به بشكل مستمر، يُحفزهم على الاحتجاج".

تقول ريمون: "عندما انتشر فايروس كورونا، وفُرض حظر التجوال، وضعفت الاحتجاجات، كُنت أخرج يومياً سيراً على الأقدام لساحة الاحتجاج. من هناك، كنت أظهر ببث مباشر على الفيس بوك، أحفز الشباب. بعد كل بث بربع ساعة تقريباً، يتوافد الشباب إلى الساحة".

عرض عليها المتصل المجهول، اختيار أي مؤسسة حكومية للتوظف فيها، مقابل إنهاء نشاطها الاحتجاجي.

في لحظة ما وخلال الحديث، سألته ريمون: ماذا لو لم أتوقف?

تنقل عنه الناشطة البصرية قوله: "لن تُكلفينا أكثر من 1500 دينار عراقي" في إشارة إلى سعر الرصاصة.

لم تفهم ما كان يقصد، فردت عليه: لماذا تعرض عليّ وظيفة، إن كُنت تراني بهذه القيمة.

سخر منها لأنها "لم تفهم ما قاله".

محاولة اغتيال ناشطين في البصرة بعد أيام من مقتل تحسين أسامة قالت مصادر محلية عراقية، الإثنين، إن ناشطين من محافظة البصرة، جنوبي العراق، تعرضا لمحاولة اغتيال نقلا على إثرها إلى المستشفى "في حالة خطرة".

في تلك الفترة، تلقى المتظاهرون تهديدات عديدة، بعضها بالقتل، وأخرى بقضايا تتعلق بشؤون خاصة، مثل وظائفهم، خاصة الذين يعملون في مؤسسات حكومية، وأخرى بذويهم.

في اليوم الذي تلى الاتصال، ظهرت ريمون ببث مباشر على صفحتها في الفيس بوك. وردها تعليق من مُتابع كتب لها: "تُريدينها تحدٍ. إذن، لتكن كذلك". تعتقد الناشطة، بأن التعليق كان لصاحب الاتصال.

لم تتوقع أن تتعرض لمحاولة اغتيال، أو أن تكون ضمن خارطة المستهدفين من النشطاء، حتى لحظة اغتيال صديقها تحسين، الذي اغتيل قبلها بثلاثة أيام.

"لم أتوقع أنهم سيقتلون النساء"، تقول ريمون مستغربة مما حدث لها ولرفيقتها ريهام يعقوب، التي اغتيلت بعد يومين من محاولة اغتيالها.

تُعتبر يعقوب، أبرز الوجوه النسائية التي اغتيلت في احتجاجات تشرين، وربما في التاريخ النسوي العراقي في القرن الأخير.

أثار مقتل الفتاة العشرينية، جدلاً واسعاً في العراق، ووصفت بأنها "أيقونة الاحتجاجات".

بعد مقتل ريهام يعقوب.. بيان أميركي عن "الاغتيالات المستهدفة" في البصرة ادانت الولايات المتحدة، الخميس، "بأشد العبارات الاعتداءات الأخيرة التي طالت ناشطي المجتمع المدني ومحتجين في البصرة، بما في ذلك عدد من الاغتيالات المستهدفة".

نشطت يعقوب في احتجاجات عام 2018، وأسست نادياً صحياً لتشجيع النساء على ممارسة الرياضة، وكانت تبث نشاطاتها بشكل مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي.

بعد أيام من مقتلها، زار رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي منزلها، والتقى عائلتها. آنذاك، أقسم الكاظمي بأن "الجناة لن يفلتوا من العقاب".

ورغم مرور نحو أربع سنوات على اغتيالها، إلا أن الجناة ما زالوا يفلتون من العقاب.

لم تثمر اللجان الحكومية التي شُكلت في حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، للتحقيق بشأن عمليات القتل في الاحتجاجات، عن أية نتائج.

"كانت التحقيقات مضحكة جداً"، تقول ريمون.

بعد ساعات من محاولة الاغتيال، زار وفد أمني منزلها. كان الوفد برئاسة عميد في جهاز الأمن الوطني.

سألني العميد: "هل لديك أعداء من الممكن أن ينفذوا هكذا عملية، لأن ليس من المعقول أن تُستهدفي لأنكِ شاركت في الاحتجاجات. هناك الآلاف غيرك".

استفز السؤال ريمون، فتجادلت مع الضابط. اتهمته حينها بمحاولة "تسويف" قضيتها. قالت له: "تعرف السيارة جيداً، وتعرف من أراد قتلي، وهي ذات السيارة التي قتلت تحسين".

بسبب الجدال بينهما، وجه العميد كلامه إلى والدها: "الآن عرفنا لماذا أرادوا قتلها، بسبب لسانها الطويل".

صرخت ريمون في وجه الضابط، وطلبت منه مغادرة المنزل.

بعد ثلاث سنوات على الحادثة، استدعي والدها إلى مركز شرطة الأصمعي في البصرة، ونصحه الضابط المسؤول عن القضية بـ"تسجيلها ضد مجهول".

"حتى الآن، وضعي الأمني غير مستقر. لا أعرف في أية لحظة أكون ضحية سلاحهم. أعرف بأنهم لن يجعلوني أستمر طويلاً"، تختم ريمون بألم.

مقالات مشابهة

  • علماء: كويكب ريوغو نشأ بين مداري المشتري وزحل
  • مصادر بالجيش السوري: إسرائيل أسقطت عشرات الصواريخ الإيرانية التي حلقت فوق سوريا
  • الجيش الإسرائيلي يستهدف مواقع عسكرية جنوب سوريا
  • صفاء أحمد.. من هي المذيعة السورية التي قتلت في غارة إسرائيلية؟
  • هل يؤثر اغتيال نصر الله على نفوذ الحزب في سوريا؟.. خبراء يجيبون
  • العراق يتذكر احتجاجات تشرين.. حكايات نساء واجهن الرصاص
  • بجريرة حزب الله.. المرصد السوري يوضح مآلات الحرب المحتملة على سوريا
  • بجريرة حزب الله.. المرصد السوري يوضح مآلات الحرب المحتملة على سوريا- عاجل
  • انتصار مدني في ظل الجيش.. تبون يواجه تحديات إعادة انتخابه في الجزائر
  • بغداد تحت وطأة الازدحام: هل أصبحت التظاهرات تهديدًا للسلام؟