يتهم الفلسطينيون في الداخل المحتل، الاحتلال الإسرائيلي، في تأجيج جرائم القتل التي تزايدت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وطالت شخصية معروفة بالمجتمع الفلسطيني في أراضي الـ48.

والثلاثاء، قتل شاب في الثلاثينيات من العمر وأصيب شخصان آخران، بجروح وصفت بين المتوسطة والخطيرة في جريمة إطلاق نار ارتكبت بالقرب من مدينة الناصرة.



والسبت الماضي، قتل إمام مسجد قباء في بلدة "كفر قوع" الشيخ سامي عبد اللطيف (المصري)، متأثرا بإصابته بجريمة إطلاق نار عليه وهو خارج من "بيت عزاء" في بلدته.

ويعرف على الشيخ عبد اللطيف، بأنه من أبرز قادة العمل الإسلامي ورجال الإصلاح في الداخل الفلسطيني، ولديه خطب عدة تدعو إلى نصرة المسجد الأقصى.

#شاهد| من أواخر الخطب التي ألقاها الشيخ سامي عبد اللطيف مصري، قبل اغتياله اليوم، برصاص "مجهولين".
كان المصري إماما لمسجد قباء في كفر قرع، وأحد كبار الدعاة القدامى في الداخل المحتل، وناشطا مع اللجان الشعبية لمحاربة الجريمة، وأحد روّاد المسجد الأقصى والداعين لنصرته وشد الرحال إليه. pic.twitter.com/hZWRjOTbgJ — هيئة علماء فلسطين (@palscholars48) September 2, 2023
وارتفع عدد ضحايا جرائم القتل التي ارتكبت في بلدات الداخل الفلسطيني المحتل منذ مطلع عام 2023 إلى 160 ضحية بينهم عشر نساء.

وبلغت حصيلة ضحايا العام الماضي 109 قتلى، بينما جرى توثيق أكثر من 111 جريمة قتل في العام 2021.


اتهام الاحتلال بالمسؤولية
وحملت حركة الدعوة والإصلاح في الداخل المحتل، الاحتلال الإسرائيلي بالمسؤولية عن اغتيال الشيخ عبد اللطيف.

وقالت الحركة في بيان، إن المسؤول الأول والأخير عن الانفلات الأمني التي طالت المصلحين أمثال الشيخ هي المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بكافة أرعها.


بيان لحركة الدعوة والإصلاح بعد ارتقاء رئيسها الشيخ سامي عبداللطيف مصري، بإطلاق نار من مجهولين أمام مسجد قباء في كفر قرع في الداخل المحتل. pic.twitter.com/UdPNZunEEV — هيئة علماء فلسطين (@palscholars48) September 2, 2023
من جهته قال الشيخ كمال الخطيب، خلال مشاركته في فعالية منددة بمقتل الشيخ عبد اللطيف، أن ما يجري هو مشروع معاقبة للشعب الفلسطيني في الداخل المحتل لرفضهم "الأسرلة" و"التهويد".

وأضاف الخطيب، أن "الاحتلال الإسرائيلي يريد معاقبتنا عبر تمزيق نسيج شعبنا من خلال فتنة السلاح والجريمة" بسبب هبة العام 2000، وتزايد ذلك بعد هبة الفلسطينيين في الداخل المحتل في العام 2021 فيما بات يعرف بـ"هبة الكرامة".

وتابع: "علاقتنا بالمسجد الأقصى، وأرضنا ومقدساتنا، هي علاقة دين وعقيدة، ولذلك لا الضغط ولا الجرائم ستثنينا عن ذلك".

الشيخ كمال الخطيب للجرمق: "الشيخ سامي عبد اللطيف قُتل مظلومًا وهو يرفع راية الإصلاح في بلده، وما يجري هو مشروع معاقبة لشعبنا لرفضهم الأسرلة". pic.twitter.com/qpLxITuEva — الجرمق الإخباري (@aljarmaqnet) September 4, 2023

المحامي خالد زبارقة للجرمق: "إسرائيل هي التي ترعى وتدير الجريمة في المجتمع العربي، وهي من قتلت الشيخ سامي عبد اللطيف وضغطت على الزناد". pic.twitter.com/j5Ya0PGoMN — الجرمق الإخباري (@aljarmaqnet) September 4, 2023
من جهته قال الشيخ رائد صلاح، إن "المؤسسة الإسرائيلية هي المسؤولة عن كل ما نعاني منه من كوارث القتل في كل مجتمعنا".

وأضاف أن "المؤسسة الرسمية الإسرائيلية ليست عاجزة فقط عن كبح جماح العنف في الداخل الفلسطيني، بل هي تتبنى سياسة التقاعس، ولذلك فإن العجز والتقاعس أصبح من طرفها سياسي رسمي حكومي يتم إسقاطه".

الشيخ رائد صلاح خلال الجلسة الطارئة للجنة المتابعة: "المؤسسة الإسرائيلية هي المسؤولة عن كُل ما نعاني منه من كوارث القتل في كل مجتمعنا". pic.twitter.com/PNRSRyPRQd — الجرمق الإخباري (@aljarmaqnet) September 2, 2023
هنية يوجه نداء للداخل المحتل
من جهته دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، فلسطينيي الداخل المحتل إلى وقف النزيف وحق الدماء، محملا الاحتلال الإسرائيلي بالمسؤولية عن تفشي الجرائم هناك.

وقال هنية في مقطع فيديو: "الاحتلال يهدف من خلال دوره الخبيث في دعم الجريمة، إلى إشغال الشعب الفلسطيني في الداخل عن قضاياه الرئيسية".

وناشد هنية الطبقات السياسية والفكرية والحزبية وكافة الأهالي في الداخل المحتل بضرورة تركيز اهتماماتهم في حماية النسيج الوطني الفلسطيني أكثر من أي شيء آخر.

وشدد "على أنه مع وصول نيران الجرائم لكل بيت، فإنه يجب الخروج بموقف ثابت وقوي ضمن استراتيجية متكاملة لوقف هذا النزيف والدماء، وحماية أبناء الشعب الفلسطيني من الاستمرار في هذا المسار الدموي الذي لا يخدم إلا الاحتلال".

رئيس حركة حماس إسماعيل هنية يوجه نداء مهم لأهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطينى المحتل حول الأحداث الأخيرة من قتل موجّه ومنظم. pic.twitter.com/PluNVvbLDm — المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) September 2, 2023

اظهار ألبوم ليست


فعاليات شعبية ضد الجريمة
وأعلنت لجنة المتابعة للجماهير العربية، في بلدية كفر قرع، الإضراب العام والشامل في المجتمع العربي، الثلاثاء، على أن تنضم المدارس بعد الحصة الثالثة، لتنطلق مسيرات شعبية محلية في المدن والقرى العربية.

أيمن عودة للجرمق: "يجب أن ينجح الإضراب غدًا.. إذا حياة أولادنا غير طبيعية ممنوع حياة الدولة (إسرائيل) أن تكون طبيعية". pic.twitter.com/Ru8SwuWHz8 — الجرمق الإخباري (@aljarmaqnet) September 4, 2023
ومن ضمن القرارات، تشكيل لجنة طوارئ، تشمل لجنة إفشاء السلام ولجنة مناهضة العنف والجريمة ولجنة الرؤساء وغيرها.

وقال رئيس المتابعة محمد بركة، في تصريحات إن "استفحال التواطؤ السلطوي الإسرائيلي لتوسيع أكثر لدائرة الجريمة، يستدعي أكثر من أي وقت مضى، التوجه للمؤسسات الدولية ضد حكومة إسرائيل وأجهزتها، متهمين إياها بالسبب الأساس لما يجري في مجتمعنا".

وأوضح بركة أنه "نحن بحاجة إلى جدولة العديد من البرامج والنشاطات الكفاحية، وصولا إلى يوم ذكرى هبة القدس والأقصى، وأنا أذكر هذه المناسبة ليس صدفة، لأن إطلاق العنان الحكومي، لانفلات الجريمة في المجتمع العربي، جاء في أعقاب هذه الهبة في تشرين الأول/ أكتوبر العام 2000، لضرب مجتمعنا من داخله".

وشدد على "ضرورة الاستمرارية في الكفاح الشعبي ردا على التواطؤ الحكومي السلطوي مع دائرة الجريمة لتتسع أكثر".

صرف اهتمام فلسطينيي الداخل عن قضيته
الكاتب والباحث أنطوان شلحت، ذكر أن "خصوصية الجريمة في الداخل المحتل هي أنها في ازدياد مضطرد من دون أن تواجه من طرف من يفترض به مواجهتها، كما هي الحال في شتى الأماكن، وهي سلطات الدولة وبالأساس المؤسسة الأمنية".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن مرد ذلك أن الجريمة تؤدي إلى تشويه المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل وإلى تشرذمه وصرف اهتمامه عن قضيته القومية وعن حقوقه المدنية، وها من شأنه أن يخفف الوطأة عن دولة الاحتلال.

وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تشترط لكي تواجه الجريمة ضلوع جهاز الشاباك في هذه المواجهة بين صفوف المجتمع الفلسطيني، وهذا يسفر عن تعميق الملاحقات الأمنية بحجج شتى.

ويندرج في هذا الإطار أيضا موضوع زج السلاح داخل صفوف المجتمع الفلسطيني في الداخل. وطالما أن هذا السلاح يستخدم ضد أبناء المجتمع ولا يوجه نحو أي نشاطات أمنية تحيل إلى المقاومة فليست لدى دولة الاحتلال أي مشكلة.، بحسب رأي الباحث شلحت.

ونوه إلى أن هذا الوضع تفاقم مع وجود حكومة الاحتلال الأكثر تطرفا ويمينيا، وبات يتطلب أدوات مواجهة مغايرة.

وحول وصول الجريمة إلى شخصيات مجتمعية ومعروفة في الداخل المحتل، رأى الباحث أنطون شلحت، أنها رسالة من "عصابات الإجرام" إلى هذه الشخصيات التي تعمل علنا من أجل مكافحة آفة العنف والإجرام.

وأضاف أن هذه العصابات تعلم أن السلطات الإسرائيلية تغض الطرف عنها، وأن ما يهددها أكثر شيء هو حراك المجتمع من خلال أحزابه وقواه السياسية ومن خلال شخصياته الوازنة. ولذا يبدو أنها تحاول أن توجد معادلة ردع في مقابل هذا كله.

وتابع بأن الاحتلال يستفيد مما يجري، على المدى المنظور من خلال تشتيت المجتمع الفلسطيني في الداخل، وإضعاف هويته الوطنية والقومية الفلسطينية العربية، بما يعزز نزعات أسرلته، وانفصاله عن المجتمع الفلسطيني عموما.

وشدد على أن زيادة الجريمة في المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل سيؤثر في نهاية المطاف على المجتمع الإسرائيلي أيضا، وهناك مؤشرات أولية على ذلك.


الداخل المحتل تهديد استراتيجي يسعى الاحتلال لتحييده
الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسه، ذكر أن الاحتلال الإسرائيلي تعامل مع الداخل المحتل كتهديد استراتيجي، وحتى مراكز أبحاثها ظلت تتعاطى مع الفلسطينيين وتحديدا في الداخل كتهديد استراتيجي لها.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"،أنه هذه النظرة تصاعدت لدى المجتمع الإسرائيلي والأوساط الأمنية والسياسية إسرائيلية، مع مشاركة الفلسطينيين الواسعة في هبة القدس.

وأشار إلى أن الاحتلال اقتنع أن السنوات الطويلة من محاولة كي الوعي وتذويب الهوية الوطنية الفلسطينية بمختلف الطرق ذهبت هباء منثورا، وبأن الفلسطيني في الداخل المحتل مازال متمسكا بهويته رغم كل أساليب الفصل ومحاولة التجزئة التي قامت بها هذه المنظومة الاستعمارية.

ورأى الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن الإسرائيليين اقتنعوا أنه بحاجة إلى العمل أكثر على "طحن الفلسطيني في الداخل وتذويب هويته الوطنية، وتمزيق المجتمع الفلسطيني واشغاله بالقضايا الثانوية التي يعيشه لإشغاله عن الهم الوطني المتعلق بذاته وهويته وعلاقته في امتداده الفلسطيني والعربي والإسلامي".

ونوه إلى أن الجرائم في الداخل المحتل تجري فقط في الأماكن التي يتواجد فيه المكون العربي حصرا، وليس الأماكن المختلطة.

وأضاف أن نشر السلاح وغض الطرف عن ذلك ومساندة مرتكبي الجرائم، والتغطية عليهم ليست مسألة خفية، وتدخل الشاباك في المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل ليس جديدا.

وأوضح أن الشاباك الإسرائيلي يتدخل في كافة مفاصل الحياة الفلسطينية في الداخل المحتل، بما فيها قطاع التعليم والصحة، ولا يظهر هذا الأمر في شكل معلن في الدوائر الرسمية الإسرائيلية.

وأشار إلى أن الشاباك الإسرائيلي وحكومة الاحتلال، يدركون أن غض الطرف عن الجرائم المنظمة في الداخل المحتلة يخدم الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي بتذويب هوية المجتمع الفلسطيني بإشغاله بصراعات فرعية داخلية، وتخرجه من دائرة التهديد، أو تشكيل الخطر عليها في اطار امتداده العربي الإسلامي.

الشاباك يريد تحييد جبهة فلسطينيي الداخل في أي معركة قادمة

ونوه إلى أن الاحتلال يحضر نفسه اليوم لسيناريو متعدد الجبهات، وتحييد الداخل الفلسطيني في اطار التخطيط المستقبلي في إمكانية اندلاعها هكذا مواجهة مهم جدا، وإسقاط واحدة من الجبهات التي تهدده.

وتابع بأن مصلحة الشاباك الإسرائيلي تتقاطع مع مصلحة دولته المحتلة بشكل أساسي، والجريمة تقع في الداخل المحتل لأن تل أبيب لا تريد العمل ضدها، بل وتغطيها وتدعمها.

الخبير في الشأن الإسرائيلي حسن مرهج، ذكر أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ليس لديها استعداد أو نية لإنهاء ظاهرة الجريمة في الداخل المحتل التي طالت الأطفال وشخصيات اجتماعية لها مكانة خاصة.

وتابع لـ"عربي21"، أن الشاباك الإسرائيلي صدم من مواقف الجماهير العربية في الداخل  المحتل خلال معركة سيف القدس، وهو الآن يستغل ظاهرة الجريمة ولا يحاربها، ليحصل ما يريد، بحيث أنه في أي معركة قادمة يسود الاعتقاد لديه أنه لن يكون أي حراك من جبهة فلسطينيي الـ48.


75 بالمئة من الجرائم تحظى بتغطية جهات رسمية إسرائيلية
وكشف الباحث الفلسطيني محمد هلسه، أن مستويات أمنية وشرطية إسرائيلية صرحت علانية أن تعليمات تصلها بإطلاق سراح من تعتقله، لأن هناك تغطية لمرتكبي الجرائم بما يخدم هدف الاحتلال.

وأكد أن 75 بالمئة من جرائم القتل في الداخل المحتل، هي جرائم تقودها عصابات جريمة منظمة تحظى بتغطية جهات إسرائيلية رسمية.

ورأى أن هناك أوراق قوة لدى المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل يستطيع تحريكها، أبرزها إعلان العصيان المدني وإجبار "إسرائيل" على أن تقوم بالمطلوب منها في ملاحقة الجريمة والجناة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الداخل المحتل الاحتلال الجريمة الشاباك الاحتلال الشاباك الداخل المحتل الجريمة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الشاباک الإسرائیلی الداخل الفلسطینی فلسطینیی الداخل جرائم القتل أن الاحتلال فی المجتمع الجریمة فی pic twitter com ما یجری من خلال إلى أن September 2 قتل فی على أن

إقرأ أيضاً:

ترامب يتراجع: العرب يسقطون مخطط تهجير فلسطينيي غزة

#سواليف

ترامب يتراجع: #العرب يسقطون #مخطط_تهجير #فلسطينيي_غزة

بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

في خطوة تعكس هزيمة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته المثيرة للجدل بشأن قطاع غزة، معلنًا أنه لن يفرضها بل سيكتفي بالتوصية بها. هذا التراجع لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل جاء تحت وطأة رفض عربي حاسم، تقوده الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني ومصر، في مواجهة مشروع كان يهدف إلى تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى منطقة سياحية تحت الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.

مقالات ذات صلة قناة إسرائيلية: الطب الشرعي يؤكد جثة شيري بيباس 2025/02/22

دهشة ترامب من هذا الرفض بدت واضحة في تصريحه: “فوجئت بعدم ترحيب الأردن ومصر بالخطة التي طرحتها بشأن غزة، ونحن نقدم لهما مليارات الدولارات سنويًا”. كلمات تعكس صدمة البيت الأبيض من فشل الرهان على الضغوط الاقتصادية لفرض مشروع يتعارض مع المصالح الوطنية والقومية للدول العربية. الأردن ومصر لم يخضعا للابتزاز المالي، ولم يقبلا بأن يكونا أدوات لتنفيذ مشروع يصادر حقوق الفلسطينيين ويهدد استقرار المنطقة.

المخطط الأمريكي، الذي كان يسعى إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية لغزة، لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل جزء من نهج أمريكي مستمر لفرض حلول أحادية على قضايا المنطقة. لكن كما فشلت واشنطن سابقًا في مشاريعها الكبرى، من “صفقة القرن” إلى محاولات إعادة تشكيل الأنظمة عبر سياسات “نشر الديمقراطية” و”محاربة الإرهاب”، جاء هذا التراجع ليؤكد مرة أخرى أن الحسابات الأمريكية لا تستطيع تجاوز الإرادة العربية عندما تتوحد.

رفض الأردن ومصر لهذا المشروع لم يكن مجرد موقف سياسي، بل تعبير عن قناعة راسخة بأن أي حل لا يراعي حقوق الفلسطينيين وواقع المنطقة محكوم عليه بالفشل. الأردن، بصفته الحاضن للقضية الفلسطينية والمدافع عن المقدسات، يدرك أن تمرير مثل هذا المخطط سيؤدي إلى تداعيات كارثية على الأمن الإقليمي والاستقرار الداخلي. ومصر، التي تشكل معبرًا رئيسيًا إلى غزة، تدرك أن تهجير الفلسطينيين يعني فتح باب للفوضى على حدودها، وهو أمر لا يمكن القبول به.

العزلة الدولية التي واجهتها واشنطن بسبب هذه الخطة زادت من تعقيد المشهد، حيث رفضتها الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان. كما أن الموقف الفلسطيني كان صارمًا في رفض أي محاولات لفرض واقع جديد بالقوة، وهو ما جعل من المستحيل تنفيذ المخطط حتى لو واصلت الولايات المتحدة الضغط على حلفائها الإقليميين.

ترامب، الذي اعتاد على استخدام النفوذ المالي لتمرير سياساته، وجد نفسه في مواجهة حقائق لا يمكن تجاوزها. فالقرار السياسي في الدول المستقلة لا يُشترى بالمساعدات، والمواقف الوطنية ليست للبيع والشراء. إدراكه لهذا الواقع، ولو متأخرًا، جعله يتراجع، لأنه يعلم أن الاستمرار في هذا المسار سيؤدي إلى أزمة دبلوماسية جديدة ويهدد مصالح بلاده في المنطقة.

التراجع الأمريكي لم يكن مجرد نتيجة ضغوط خارجية فقط، بل جاء أيضًا تحت تأثير المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة نفسها. النخب السياسية، سواء الديمقراطيون أو حتى بعض الجمهوريين، يدركون أن مثل هذه المشاريع التي تقوم على التهجير القسري والتلاعب بالخرائط الجيوسياسية لا تؤدي إلا إلى مزيد من الصراعات وتعزز صورة أمريكا كدولة لا تحترم مبادئها المعلنة عن الحرية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

ما حدث هو انتصار جديد للإرادة العربية في مواجهة الإملاءات الخارجية. أثبتت الأردن ومصر أن الضغط السياسي والدبلوماسي قادر على إسقاط المشاريع المفروضة، وأن المال الأمريكي لن يكون أبدًا وسيلة لشراء المواقف الوطنية. هذا التراجع، يؤكد أن الشعوب الحرة لا تقايض حقوقها، وأن القضية الفلسطينية ستظل عصية على مشاريع التصفية مهما بلغت الضغوط.

مقالات مشابهة

  • بعد 10 سنوات من الأسر.. حماس تطلق سراح الإسرائيلي هشام السيد دون مراسم
  • حنفي جبالي: مصر تحركت على عدة محاور لحقن دماء الشعب الفلسطيني
  • سر قُبلة الجندي الإسرائيلي للمقاتل الفلسطيني على منصة التسليم
  • ترامب يتراجع: العرب يسقطون مخطط تهجير فلسطينيي غزة
  • العدالة الانتقالية (2/2)
  • جرائم تحت تأثير المخدرات| أب ينهي حياة رضيعة بطريقة وحشية.. سائق توك توك يتسبب في وفاة فتاة بالمنوفية.. خبراء: المخدرات تغيّر سلوك مدمنيها وتدفعهم إلى الجريمة ومكافحتها تتطلب التوعية والرقابة المشددة
  • كشف طبي لـ1175 حالة بالمجان في قافلة لجامعة كفر الشيخ بقرية «دفرية».. صور
  • تقرير لـ«الجارديان» يرصد رد أهالي غزة على دعوات التهجير: «لن نكرر النكبة مرة أخرى»
  • حزن وغضب وتبادل للاتهامات..كيف تفاعل الداخل الإسرائيلي مع تسلم الجثث
  • خبير سياسي: نتنياهو قرر الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية خوفا من الداخل الإسرائيلي