موقع 24:
2024-11-02@18:29:32 GMT

"الاستعلاء والإنكار".. آفة الاستعمار الحديث

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

'الاستعلاء والإنكار'.. آفة الاستعمار الحديث

من المبكر الحكم على الأسلوب والمنهج الذي سيحكم مصائر الانقلابات الأخيرة التي حدثت في غرب ووسط أفريقيا طوال العامين الماضيين، لا سيما حالتي النيجر والغابون، وهما الأحدث.

صحيح هناك عناوين كبرى تتشارك فيها تلك الانقلابات كأسلوب للحل، مثل إعلان فترة انتقالية، ووجود مجلس عسكري حاكم، وضغوط دولية ترفض مبدأ الانقلابات، وعقوبات إفريقية وتهديدات بتدخل عسكري إفريقي يخص النيجر تحديداً، لكنه يتوارى نتيجة رفض قوى إفريقية وازنة، فضلاً عن تعقيدات كبرى تواجه أي عمل عسكري غير مضمون النتائج.

هذا إلى جانب التاريخ الفرنسي في هذه الدول، سواء في أثناء المرحلة الكولونيالية والاستعمار المباشر، أو ما بعد الاستقلال الصوري الشكلي منذ ستينات القرن الماضي، والذي حافظ على كل مظاهر النفوذ الفرنسي، وأهم ما فيه استغلال ثروات تلك الدول في ظل حكومات وطنية، ظلت مرتبطة ثقافياً ومصلحياً مع الدوائر الفرنسية المختلفة، بحيث أصبحت تلك الانقلابات الأخيرة كرد فعل على ديمومة النهب والفساد والاستعلاء الفرنسي والغربي عامة، والذي لم يتوقف رغم الاستقلال الشكلي والديمقراطيات العاجزة. ومع كل هذه العناصر المشتركة، يظل لكل حالة مسارها الخاص داخلياً وخارجياً.

خصوصية المسار ذات صلة وثيقة بالبيئة الخارجية الدولية، وحالة المنافسة الحادة بين أقطاب دولية كبرى على ثروات إفريقيا، على رأسها الصين، وروسيا حتى ما قبل التورط في الحرب الأوكرانية قبل عام ونصف عام، في وقت يتراجع فيه النفوذ الفرنسي، جنباً إلى جنب مع ارتباك أمريكي وانحسار أوروبي، رغم الحرص الشديد على محاصرة تمدد الصين اقتصادياً، وروسيا عسكرياً وأمنياً، في كثير من دول القارة السمراء.

وفي الإجمال، ثمة بيئة دولية إفريقية تتشكل فيها معادلات جيو-سياسية وجيو-إستراتيجية جديدة، من شأنها أن تقدم بعض عناصر تفسير حدوث تلك الانقلابات، كما تشكل مساراً مستقبلياً لن يخلو من اضطرابات قد تكون حادة، إلى أن يتحقق ما يشبه التوافق بين الأقطاب الدولية بشأن صيغة جديدة لإدارة العلاقات الدولية بشكل عام، تراعي مصالح الكل، وإن بنسب متباينة، وفقاً لطبيعة كل موقع على حدة.. ولعل استدعاء خبرة تأثير سياسة الوفاق الدولي بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة 1972 وما بعدها، والتي أسست إطاراً تعاونياً بين القطبين في مجالات الحد من التسلح، والتعاون لإحداث تسويات لكثير من الحروب الأهلية الإفريقية التي سادت قبل ذلك، قد يساعد في توقع بعض احتمالات المستقبل.

هذه المقاربة التاريخية تقود إلى نتائج عدة، أبرزها أن إفريقيا الآن -وليست فقط دول الانقلابات في غرب القارة ووسطها- معرضة أكثر لمزيد من الإغراءات والتدخلات والمراجعات الإستراتيجية، والتحدي الأكبر هنا يتعلق بالنخب الإفريقية نفسها، وكيف تقابل هذا التحدي من أجل نهضة بلدانها وبناء علاقات متوازنة مع كل الأقطاب الدولية، وتحقيق الأمن الداخلي، وبناء نموذج حكم لا يقصي أحداً من الإثنيات والتيارات السياسية الموجودة، والتوظيف الأمثل للثروات الوطنية، والعدالة في توزيع المردود.

شق كبير من التحدي البنيوي الذي تواجهه بعض دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء في اللحظة الجارية، مرتبط بمواجهة التنظيمات الراديكالية الإسلامية، سواء داعش أو المجموعات الفرعية التابعة للقاعدة، والتي تنشط في دول كثيرة، بما فيها دول تبدو مستقرة نسبياً، كنيجيريا التي تواجه تحدي جماعة بوكو حرام منذ أكثر من عقدين، ولم تحقق الكثير في تلك المواجهة، رغم فارق الإمكانات بين الدولة والجماعة.

والوضع أكثر تحدياً بالنسبة للدول الأقل إمكانات، والأكثر تخلفاً اجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً، كما هي الحال في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وغيرها.. وهي دول حصلت على دعم فرنسي ووجود عسكري مباشر، ولكنها لم تحقق الكثير، بل أثارت حنق وغضب فئات واسعة من شعوب تلك البلدان، ونموذج عملية "سيرفال" التي استبدلت إلى "برخان" الفرنسية الفاشلة لمكافحة الإرهاب التي استمرت عقداً كاملاً في منطقة الساحل الإفريقي ليس ببعيد، ما دفع فرنسا إلى الهروب بعيداً، وترك مالي ومصيرها للقدر، وتدخلات الآخرين، وعلى رأسهم روسيا والجماعات المسلحة ذاتها.

المردود العكسي للتدخلات العسكرية الفرنسية في دول مستعمراتها السابقة، فضلاً عن مشاعر الغضب الشعبي نتيجة نهب الثروات والحكم الفاسد المدعوم فرنسياً وغربياً، يفترض مراجعات إستراتيجية كبرى ذات قابلية للتحقق على أرض الواقع.. وهو ما لم يحدث عملياً، رغم الإعلان عن حدوث ذلك، وآخرها ما أعلنه الرئيس ماكرون نفسه في فبراير (شباط) الماضي عن ضرورة تغيير سياسة التعامل مع إفريقيا، والتخلي عن الأبوية والاستعلاء في العلاقة مع الأفارقة، وإنهاء قواعد الوجود العسكري الفرنسي، وأفرقة القواعد العسكرية، والتحول إلى نموذج تشاركي يقوم على توفير التدريب والتسليح للجيوش الإفريقية.. ومن قبل أعلن الرئيس الأسبق ساركوزي، في 2007، عن تأسيس شراكة جديدة مع إفريقيا وقطع سياسات الماضي، كذلك أعلن الرئيس هولاند عن انتهاء سياسة إفريقيا الفرنسية، والبدء في علاقات تقوم على الاحترام المتبادل.

الرئيس ماكرون نفسه كرر هذه المعاني في مناسبات مختلفة، لكنه أيضاً قدم تفسيرات لمواقف فرنسية عكست معاني متناقضة لم تخلُ من الاستعلاء القديم، كالتفسير الذي قدمه أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين، 28 أغسطس (آب) الماضي، شرح فيه دور عملية "برخان" وتضحيات الجنود الفرنسيين، فيما سمَّاه بقاء دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو في حدودها الراهنة، كما أنه حمَّل الانقلابات العسكرية مسؤولية تدهور الأوضاع التنموية في بلدانها، متناسياً أن فرنسا ذاتها تُعد مسؤولة عن كثير من الحالات الانقلابية، ومسؤولة مباشرة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في مستعمراتها السابقة، حتى بعد الحصول على الاستقلال.. وليس خافياً موقف الرئيس ماكرون من المطلب الجزائري المشروع للحصول على الأرشيف الوطني الجزائري الذي سلبته فرنسا عند خروجها من الجزائر، وما زالت ترفض إعادته لأصحابه الأصليين، ما يكشف فشل تطبيق دعوات المراجعة، وبناء علاقات جديدة تستند إلى الاحترام المتبادل.

الاستعلاء والاستغلال ليسا فقط آفة الاستعمار الكولونيالي المباشر، بل الآفة الأكبر في الاستعمار المالي والاقتصادي الذي تمارسه دول استعمارية عدة لم تستطع أن تتخلى عن عاداتها الكولونيالية القديمة، رغم كثرة حديثها عن التحضر والقيم الإنسانية.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني

إقرأ أيضاً:

القيادي في حماس النونو: ما يجري الحديث عنه أن هناك مفاوضات استعداداً للانتخابات الأميركية هو مجرد حرق للوقت

متابعات:

أكد القـيادي في حركة حماس طاهــر النونو: أنه وفي أي مفاوضات مع العدو الصهيوني تتم نهدف إلى وقف الحرب بينما الاحتلال يريد فقط عملية تبادل.

كما أكد أن حماس وبقية الفصائل الفلسطينية تؤكد أنه وفي أي اتفاق يجب وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الشامل وإعادة الإعمار وإنهاء الحصار والتبادل.

مشيرا إلى ان البدء بالمطلب الرابع أي التبادل لن يؤدي بالضرورة إلى وقف دائم لإطلاق النار.. وما يجري الحديث عنه هو مجرد حرق للوقت والقول إن هناك مفاوضات استعداداً للانتخابات الأميركية.

ولفت القيادي في حماس إلى أن محاولة مجرم الحرب النتن ياهو من هذه العروض تمرير الوقت هو جزء من حملة انتخابية محلية أو في الداخل الأميركي.

وقال لا يوجد أي “فيتو” من قبلنا على الاستماع للوسطاء في حال كان عندهم أي عرض ففكرة الوقف المؤقت ثم العودة إلى العدوان من جديد سبق وأبدينا رأينا فيها ومفاده أننا مع الوقف الدائم للحرب.

وتابع النونو: في أصعب الظروف التي مرت فيها حماس كان لها قيادة ومنظومة تحتكم إليها والاستماع للعروض أمر مختلف عن الموافقة عليها إذا كانت لا تلبي المطالب الأربعة للمقاومة.. وإذا تمت دعوتنا للاستماع لعروض جديدة فنحن بالتأكيد سنلبي هذه الدعوة.

وخاطب القيادي في حماس الإدارة الأمريكية بالقول: نقول للإدارة الأميركية إن المطالبة بالإفراج عن الأسرى الأميركيين يجب أن يتم بالضغط على الاحتلال.

 

مقالات مشابهة

  • ماكرون يقر بقتل فرنسا الثائر الجزائري بن مهيدي
  • من وعد بلفور إلى إبادة غزة… جرائم الاستعمار والصهيونية مستمرة
  • سلام: لتطبيق اتفاق الطائف قبل الحديث عن حلول أخرى
  • أهمية مواقف السيارات في ظل التنظيم الحضري الحديث
  • يجب الحديث عن التفاصيل للحل.. باحث يحلل تداعيات التصعيد بالمنطقة
  • باحث: المنطقة في حاجة إلى تجاوز الحديث عن الخطوط العريضة والذهاب للتفاصيل
  • أموريم يرفض الحديث عن انتقاله إلى مانشستر يونايتد
  • محللان: الحديث عن قرب وقف القتال في لبنان غير واقعي وتكرار لسيناريو غزة
  • المطران عطا الله حنا: ما يحدث بغزة كارثة مروعة غير مسبوقة في التاريخ البشري الحديث
  • القيادي في حماس النونو: ما يجري الحديث عنه أن هناك مفاوضات استعداداً للانتخابات الأميركية هو مجرد حرق للوقت