الخليج الجديد:
2025-02-02@09:38:03 GMT

في مصر يوصون بتلفزيون للأطفال بالعامية

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

في مصر يوصون بتلفزيون للأطفال بالعامية

في مصر يوصون بتلفزيون للأطفال بالعامية

ليست مصر في حاجةٍ إلى كلامٍ كثير عن الهوية الوطنية المصرية، ولا إلى الثرثرة الاستعراضية في التأكيد على هذه الهوية وتنوّع مشمولاتها.

الوطنية لا تعني مطلقا تعظيم اللهجات العامية ونبذ اللغة العربية السليمة بل إن حماية العربية مسألةٌ وطنيةٌ واستراتيجية عليا، وفي صلب مسألة الهوية!

يبعث على أسىً كثير أن الذين خاضوا في هذه الأمور (وكثيرٍ غيرها بتفصيلٍ وفيرٍ) لم يأتوا أبدا على اللغة العربية مرتكزا أساسيا وجوهريا في ترسيخ الهوية الوطنية المصرية.

دعك من أن ضمن اللهجة المصرية تنويعاتٍ عديدة، تجيز القول إن ثمّة لهجات مصرية. الأساسي هنا: لماذا يوصَى بقناةٍ تلفزيونيةٍ للأطفال باللهجة المصرية فقط؟

لماذا لا تكون قناة الأطفال باللغة الفصحى، لتُساعدهم على امتلاكها صحيحة، مع المرور على اللهجات المتنوّّعة بدون عداء، سيما وأن العاميّة هي التي تسود الفضاء اللغوي المحيط بالطفل؟

* * *

عندما يُطنِب مجتمعٌ ما، نخبُه وتمثيلاتُه في التعليم والإعلام والفضاء السياسي، في الحديث في موضوعة هويّته، وبإلحاحٍ واسترسال، فهذا شاهدٌ على أزمةٍ يعبُر بها هذا المجتمع، وعلى أن اختلالا عميقا في أداء صنّاع السياسات الإعلامية والثقافية والتعليمية في إشاعة إحساسٍ مجتمعيٍّ عام بهويةٍ جامعةٍ مؤكَّدةٍ ومركّبةٍ ومنفتحة.

وللتخصيص هنا، ليست مصر في حاجةٍ إلى كلامٍ كثير عن هويتها، ولا إلى الثرثرة الاستعراضية في التأكيد على هذه الهوية وتنوّع مشمولاتها، مع القول، في الوقت نفسه، إن أيّ "استراتيجياتٍ" أو سياساتٍ أو خططٍ توضَع في هذا الأمر، لتعزيز الهوية المصرية الوطنية على ما يقال عادةً، لا يمكنها إلا أن تعبُر من البديهيّ إلى المستجدّ موضوع النقاش العام، الراهن أو الطارئ أو المطروح.

وأول هذا البديهيّ أن تعزيز اللغة العربية (اللغة الرسمية كما ينصّ الدستور) وحمايتها وسلامتها في الفضاء العام أمرٌ مركزي، لا يجوز التهاوُن والتسامح بشأنه.

مناسبة المجيء هنا على ما انكتَب أعلاه ما صودف في واحدةٍ من "توصيات لجان ومجلس أمناء الحوار الوطني ... المرحلة الأولى" في مصر، وذلك بعد جولات نقاشٍ في جلسات استمرّت أسابيع، ضمن "الحوار الوطني ... الطريق نحو الجمهورية الجديدة ... مساحات مشتركة".

وبعيدا عن رأيٍ وجيهٍ يذهب إلى أن هذا كله مُصطَنع، وأن مؤسّساتٍ أخرى، تشريعية وتنفيذية وإدارية، في الدولة والمجتمع، منوط بها صياغةُ سياساتٍ وخياراتٍ وطنيةٍ في الشؤون التي أشغل بها هذا الحوار نفسَه، والذي انعقد بطلبٍ من الرئيس عبد الفتاح السيسي.

بعيدا عن هذا، صودف في هذه التوصيات أن شيئا منها أنجزتْه "لجنة الثقافة والهوية الوطنية"، مخصوصٌ بقضية "ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ عليها"، ويضجّ بحزمةٍ من ينبَغي(ات) تقليديةٍ، ذات سمتٍ إنشائيٍّ مكرور، لطالما عوين وقُرئ في بيانات لجان وخطط مجالس مختصّة وتوصيات مؤتمراتٍ بلا عدد لمثقفين وإعلاميين حكوميين وغير حكوميين.

ولمّا تقرأ هذه التوصيات تلقاك تتحمّس لكثيرٍ منها، وترى وجوب مساندتها، غير أنك أيضا ستعجََب من مقادير الأوهام التي استبدّت بأفهام الذين كتبوها، وهم يسترسلون بمجانيّةٍ ظاهرةٍ في كتابة كلامٍ لا يتوفّر على سُبل تنزيله إلى الواقع وأدوات الأخذ به!

وإنْ يتعلق الأمر بمهمّات وزارات التعليم ومؤسّساته وهيئاته الحكومية والأهلية، خذ مثلا "ترسيخ القيم الإنسانية كنمط حياة للمصريين"، و"تعزيز ثقافة نبذ العنف وخطابات الكراهية والتوعية المستمرّة بأخطارهم" (يحتاج الذين كتبوا التوصيات دورة تأهيليّة لتدريبهم على الصياغات الأفضل والأصحّ).

يبعث على أسىً كثير أن الذين خاضوا في هذه الأمور (وكثيرٍ غيرها بتفصيلٍ وفيرٍ أحيانا) لم يأتوا أبدا على اللغة العربية مرتكزا أساسيا وجوهريا في ترسيخ الهوية المصرية. لا يدري واحدُنا إن كان إغفال بديهيّة موقع اللغة في تشكيل الهويّة صدر عن جهلٍ بها، أم عن إهمالٍ وعدم اكتراث، أم هو مقصود.

وما يزيد الاستغراب الحادث هنا ما نصّت عليه واحدة من التوصيات التي تبعث على نفور واجب، وتستحقّ الاستنكار، وهي الخامسة في البند المؤشّر إليه أعلاه، ونصّها بالضبط "إطلاق قناة خاصة بالأطفال بإنتاج وطنيٍ متميّز يعبّر عن هويّتنا، يكون محتواها منطوق (الصحيح منطوقا) بلهجةٍ مصريةٍ صحيحةٍ في مقابل ما تقدّمه قنوات والمنصات العالمية والإقليمية الأخرى".

دعك من خلل الجملة تعبيريا، ودعك من أن ضمن اللهجة المصرية تنويعاتٍ عديدة، تجيز القول إن ثمّة لهجات مصرية. الأساسي هنا: لماذا يوصَى بقناةٍ تلفزيونيةٍ للأطفال باللهجة المصرية فقط؟ ولماذا لا تكون باللغة العربية الفصحى، لتُساعد الأطفال على امتلاكها صحيحة، مع المرور على اللهجات المتنوّّعة وعدم التعامل معها بعداء، سيما وأن العاميّة هي التي تسود الفضاء اللغوي الذي يحيط بالطفل؟

الأصل أن تتأصّل لدى الناشئة لغةٌ واضحةٌ يكونون قادرين على نطقها صحيحةً، بمخارج للحروف سليمة، وأن يعرفوا أن الفصحى هي الجوهر والأساس، وأن عليهم أن يعرفوها ويُتقنوها ويتدرّجوا في هذا مع جريان السنوات، ويقرأوا القرآن الكريم والإنجيل، والشعر القديم والحديث بها.

ولمّا كانت التوصية بإنتاج "وطنيٍّ متميز"، فالوطنية لا تعني، في أي حال، تعظيم اللهجات العامية ونبذ اللغة العربية السليمة. بل لا تزيّد أبدا في القول دائما إن حماية اللغة العربية مسألةٌ وطنيةٌ واستراتيجية عليا، وفي صلب مسألة الهوية ...

أخفق الحوار الوطني المصري في غير مسألةٍ وشأن. وسقط في واحدة من بديهيّات البديهيّات.

*معن البياري كاتب ومحرر صحفي

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: مصر العامية الفصحى الوطنية المصرية اللغة العربية القيم الإنسانية الحوار الوطني الهویة الوطنیة اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

وهب روميًة.. رحيل هادئ لأديب أثرى اللغة العربية

فقد المشهد الثقافي العربي، الثلاثاء الماضي، باحثاً وناقداً، عرفه المثقفون والأدباء من خلال مؤلفاته القيَمة، التي غلبت عليها الجدة، وتميزت بالعمق، واشتهر لدى الشارع العربي، في عام 2024 عضو لجنة تحكيم برنامج "أمير الشعراء" بموسمه الـ11.. إنه الأديب السوري وهب أحمد رُومِيَّة.

توفي روميًة عن عمر ناهز 81 عامًا، ونعاه مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي كان عضوا فيه، وهو من مواليد اللاذقية عام 1944، وحصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق عام 1967، ثم تابع دراسته في جامعة القاهرة بمصر، وحصل على ماجستير في الدراسات الأدبية، ثم نال درجة الدكتوراة في ا لأدب القديم من نفس الجامعة، عام 1977، بمرتبة الشرف.
ولدى عودته من مصر عمل مدرِّسًا للأدب القديم في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة دمشق عام 1978، كما عمل أستاذًا أكاديميا في عدة جهات، منها معهد اللغات الأول في بكين، بالصين، وجامعة قسنطينة بالجزائر، وجامعة صنعاء باليمن، كما عمل في الكويت كأستاذ مشارك بقسم اللغة العربية.
وعمل أيضا بجامعة دمشق، أستاذًا للأدب القديم، وعُيِّن عميدًا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة، عام 2009، كما درَّس في رحلته التعليمية عددًا من المقرَّرات: الأدب الجاهلي، والأدب الأموي، والأدب العباسي، وعلم الأسلوب، وأدب الطفل، والدراسات الفنية والجمالية.
وأثناء عمله الأكاديمي أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة دمشق، وشارك في مناقشة عدد من الرسائل والأطروحات في جامعة دمشق، وجامعة حلب، وجامعة اللاذقية، وجامعة قسنطينة بالجزائر.
قدم رومية خدمات جليلة للثقافة وللغة العربية فقد كان عضوا بمجمع اللغة العربية بدمشق منذ 2016، كما عمل رئيس تحرير مجلة جامعة دمشق للعلوم الإنسانية، وعضو هيئة تحرير مجلة التراث العربي، في اتحاد الكتَّاب العرب، وعضو لجنة الترقية العلمية في: جامعة دمشق، وجامعة اللاذقية، وجامعة مؤتة بالأردن، أيضا كان باحثا محكَّما في: (سلسلة عالم المعرفة - الكويت)، و(مؤسسة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري - الكويت)، و(حوليات كلية الآداب - الكويت)، و(مجلة الدراسات العربية والإسلامية - الإمارات)، و(مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية)، و(مجلة بحوث جامعة حلب) وغيرها.
وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات الأدبية محليا، ودوليا، كما تم انتخابه عضوًا عاملًا في مجمع اللغة العربية بدمشق في 2016، خلَفًا للشاعر سليمان العيسى، وشارك الدكتور رومية في أعمال عدد من لجان المجمع، منها: لجنة اللغة العربية وعلومها، ولجنة مجلة المجمع، ولجنة النشاط الثقافي، ولجنة المخطوطات وإحياء التراث، ولجنة المكتبة.
وصدرت له عدة مؤلفات، منها (قصيدة المدح حتى نهاية العصر الأموي بين الأصول والإحياء والتجديد) و(الرحلة في القصيدة الجاهلية) و (بنية القصيدة العربية) و(شعرنا القديم والنقد الجديد)، و(الشعر والناقد: من التشكيل إلى الرؤيا) و(الذاكرة: التناصُّ بين الشعر العربي في القرن العشرين والشعر الجاهلي)، و (من قضايا الثقافة).
وكان رومية نشيطاً في كتابة البحوث والمقالات، فكتب مجموعة من البحوث والمقالات في نقد الأدب العربي القديم والمعاصر في الدوريات الأدبية والثقافية، وعدد من المجلات؛ منها: (مجلة إبداع- القاهرة)، و(مجلة التراث العربي- دمشق)، و(مجلة المعرفة- دمشق)، و(مجلة فصول- القاهرة)، وغيرها.
وبفضل جهوده المتميزة نال رومية جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، عن كتابه شعرنا القديم والنقد الجديد، عام 2007، وجائزة الدولة التقديرية في مجال النقد من وِزارة الثقافة السورية، عام 2020، وجائزة مؤسسة البابطين الثقافية للإبداع الشعري الدورة 19، ثم جائزة الإبداع في نقد الشعر، عن كتابه "الشعر والذاكرة: التناصُّ بين الشعر العربي في القرن العشرين والشعر الجاهلي".

مقالات مشابهة

  • ندوة اللغة العربية والتقنيات تناقش التحديات والفرص في ظل الذكاء الاصطناعي
  • غربة اللغة العربية
  • الهوية الوطنية مستقبل الأجيال والمجتمعات
  • وهب روميًة.. رحيل هادئ لأديب أثرى اللغة العربية
  • "أبوظبي للغة العربية" يكرّم الفائزين بـ "أصدقاء اللغة"
  • استطلاع: الهوية الوطنية عند المغاربة تتفوق على هويتهم العرقية
  • زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
  • “تبسيط اللغة العربية” دورة تدريبية لأبناء الصحفيين
  • التدريب والبحوث بـ الصحفيين: تبسيط اللغة العربية لأبناء المهنة
  • د. حسن البراري يكتب .. الهوية الوطنية الأردنية مقابل التهجير … هل فهمتم الآن؟!!!!!