هل تنتهي أمريكا كما انتهت الامبراطورية الرومانية؟
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
تطرق جون رابلي، مؤلف مشارك لكتاب "لماذا تسقط الإمبراطوريات: روما وأمريكا ومستقبل الغرب"، إلى أوجه الشبه والاختلاف بين الولايات المتحدة والإمبراطورية الرومانية لمعرفة ما إذا كانت واشنطن تسلك المسار نفسه الذي سبقتها إليه روما القديمة.
لا تزال البلاد تتمتع بمصادر قوة لا يمكن لأحد أن ينافسها عليها بجدية
وكتب رابلي في صحيفة "نيويورك تايمز" أن أمريكا تحب التفكير في نفسها بعبارات الأبّهة: المدينة المشرقة على تلة.
بخلاف المفاهيم الأخرى التي نشأت أثناء ولادة الجمهورية الصعبة، يعود هذا المفهوم إلى المراحل النهائية من الحرب العالمية الثانية.. في مؤتمر بريتون وودز الشهير، طورت الولايات المتحدة نظاماً تجارياً ومالياً دولياً كان بمثابة اقتصاد إمبراطوري، حيث وجه بشكل غير متناسب ثمار النمو العالمي إلى مواطني الغرب.. إلى جانب ذلك، أنشأت أمريكا حلف شمال الأطلسي لتوفير مظلة أمنية لحلفائها، ومنظمات مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لصياغة سياسات مشتركة.. وعلى مدى النصف الثاني من القرن، حقق هذا النظام درجة من الهيمنة على العالم لم تعرفها أي إمبراطورية سابقة.. لكن في العقدين الماضيين، تراجعت هذه القوة.
Over the second half of the 20th century, America “attained a degree of world domination no previous empire had ever known,” writes @jarapley. “In the past two decades, however, it has sunk into decline.” https://t.co/iT3nquM8Ft
— New York Times Opinion (@nytopinion) September 4, 2023 ماذا حصل؟في مطلع الألفية، كان العالم الغربي يمثل أربعة أخماس الناتج الاقتصادي العالمي.. اليوم، انخفضت هذه النسبة إلى ثلاثة أخماس، وهي آخذة بالانخفاض.. وفي حين تناضل الدول الغربية من أجل استعادة ديناميتها، تتمتع الدول النامية الآن بأسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم.. من خلال مؤسسات مثل بريكس وأوبيك، وبتشجيع من الصين، تعمل هذه الدول على تحويل ثقلها الاقتصادي المتنامي إلى قوة سياسية.. من هذا المنظور، قد يبدو أن الولايات المتحدة تتبع مسار جميع الإمبراطوريات: التراجع والسقوط الحتمي في نهاية المطاف.
صحيح أن أمريكا لن تتمتع مرة أخرى بدرجة الهيمنة الاقتصادية والسياسية العالمية التي مارستها في العقود التي تلت الحرب، ولكنها تستطيع، من خلال الخيارات الصحيحة، أن تتطلع إلى مستقبل حيث تظل الدولة الأبرز في العالم.
إثارة الجدلمن المسلّم به أن تسمية أمريكا بالإمبراطورية تثير الجدل، أو على الأقل الارتباك.. ففي نهاية المطاف، لا تطالب الولايات المتحدة بالسيادة على أي دولة، بل إنها حثت حلفاءها على التخلي عن مستعمراتهم.. ولكن هناك سابقة مضيئة لهذا النوع من المشروع الإمبراطوري الذي صاغته الولايات المتحدة بعد الحرب: الإمبراطورية الرومانية.
بحلول القرن الرابع، تطورت تلك الإمبراطورية من دولة غزو إلى دولة ظلت فيها المدينة الخالدة مركزاً روحياً ولكن مع تقاسم المقاطعات القوة الفعلية، بوجود مركزين للسلطة الإمبراطورية: أحدهما في الشرق والآخر في الغرب.. في مقابل جمع الضرائب، تمتعت النخب من ملّاك الأراضي في المقاطعات بحماية الفيالق، وتعزز ولاؤها للإمبراطورية من خلال حصة حقيقية في المنافع وما يسميه المؤرخ (والمؤلف المشارك مع رابلي للكتاب نفسه) بيتر هيذر ثقافة توحيدية للّاتينية والبلدات والتوجة (اللباس).
المفارقةمثل أمريكا الحديثة، حققت روما درجة من التفوق لم يسبق لها مثيل في عصرها.. لكن المفارقة في الأنظمة الإمبراطورية العظيمة أنها غالباً ما تزرع بذور سقوطها، مع ازدياد ثراء روما وقوتها من خلال الاستغلال الاقتصادي لأطرافها، حفزت عن غير قصد تنمية المناطق خارج حدودها الأوروبية.. وبمرور الوقت، اكتسبت الكونفيديراليات الأكبر حجماً والأكثر تجانساً سياسياً القدرة على التصدي للهيمنة الإمبراطورية، وفي نهاية المطاف دحرها.
After World War II, “the United States developed an international trading and financial system that functioned in practice as an imperial economy,” writes @jarapley. “This system attained a degree of world domination no previous empire had ever known.” https://t.co/gyIGD6cat4
— New York Times Opinion (@nytopinion) September 4, 2023على نحو مماثل، كان تراجع أمريكا نتاجاً لنجاحها حسب الكاتب.. على الرغم من أن البلدان النامية كانت تنمو بشكل أبطأ في فترة ما بعد الحرب بالمقارنة مع نظيراتها الغربية، فهي واصلت النمو مع ذلك.. وبحلول نهاية القرن، بدأت بتحويل هذا النفوذ الاقتصادي المتوسع إلى قوة سياسية ودبلوماسية.. لم تبدأ فقط باكتساب قدرة التفاوض على اتفاقات تجارية ومالية أفضل، بل كان لديها أيضاً ورقة مقايضة حاسمة في شكل موردين تحتاج إليهما الشركات الغربية الآن: الأسواق المتنامية وإمدادات العمالة الوفيرة.
إحدى العلامات الأولى لدول طرفية أكثر حزماً جاءت في مؤتمر منظمة التجارة العالمية في سياتل سنة 1999، وحدت مجموعة من الدول النامية قواها لوقف المداولات منهية الممارسة القديمة المتمثلة في قيام حفنة من الحلفاء الغربيين بصياغة مسودة اتفاق لعرضها على المندوبين.. منذ ذلك الحين، خفضت البلدان النامية تدريجياً اعتمادها على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وشكلت مؤسسات إقراض جديدة وبدأت تجربة الترتيبات التجارية التي تقلل اعتمادها على الدولار.
قوة مدمرة؟تقول القصة إن روما تعرضت للإطاحة من خلال ما يسمى بالغزوات البربرية.. الحقيقة أكثر تعقيداً حسب رابلي. في غضون جيل فوضوي واحد من جانبي سنة 400، عبرت كونفيديراليات عدة إلى النصف الغربي من الإمبراطورية.. على الأراضي الرومانية، شكل هؤلاء المهاجرون أنفسهم تحالفات أكبر –مثل القوط الغربيين والوندال– والتي كانت قوية جداً بحيث لم تتمكن الإمبراطورية من هزيمتها.
سارع بعض المعلقين إلى رؤية الهجرة الحديثة نحو الغرب باعتبارها قوة مدمرة بنفس المقدار.. لكن هذا هو الاستنتاج الخاطئ من التاريخ الروماني.. كان اقتصادها زراعياً وثابتاً في المقام الأول.. إذا ارتفعت قوة ما، كان لا بد من سقوط أخرى، لأنه لا يمكن توسيع قاعدة الموارد لدعم كلتيهما، وعندما أثبتت روما عدم قدرتها على هزيمة المنافسين الجدد، فقدت مصدراً للضرائب لم تتمكن من استرداده.
ماذا عن الوضع الراهن؟الوضع اليوم مختلف تماماً وفق رابلي، بفضل التغير التكنولوجي لم يعد النمو الاقتصادي لعبة محصلتها صِفرية، أي ممكنة في مكان ومستحيلة في آخر.. وعلى الرغم من أن الدول الغربية لم تعد تهيمن على التصنيع والخدمات، هي لا تزال تحتفظ بميزة في الصناعات الكثيفة المعرفة مثل الذكاء الاصطناعي والأدوية، أو قامت ببناء العلامات التجارية القيمة، كما هي الحال مع السلع الفاخرة والرياضة والترفيه.. ومن الممكن أن يستمر النمو الاقتصادي في الغرب حتى ولو كان أبطأ مما هو عليه في الدول الطرفية، لكنه سوف يحتاج إلى العمال.
Summary: America is still the richest, most powerful economic & military power, possesses the greatest soft power on the globe, and will remain preeminent power. Still, it is not 1955. We must use our power to continue building strong, strategic alliances. https://t.co/8gwkY8T62P
— Joe Scarborough (@JoeNBC) September 4, 2023بالنظر إلى أن المجتمعات الغربية لا تنتج ما يكفي منهم مع انخفاض معدلات المواليد والشيخوخة السكانية، سوف يتعين على هؤلاء العمال أن يأتوا من أطراف العالم، سواء أولئك الذين يهاجرون إلى الغرب أو العدد الأكبر ممن يبقون في وطنهم للعمل في الشركات التي تخدم سلاسل التوريد الغربية، وربما أدت الهجرة إلى تآكل ثروة الإمبراطورية الرومانية، والآن هي كل ما يقف بين الغرب والتراجع الاقتصادي المطلق حسب الكاتب.
نقطة حيوية.. وتحذيريةأوجه التشابه الأخرى مع التاريخ الروماني أكثر مباشرة، نجا النصف الشرقي من الإمبراطورية الرومانية من انهيار الغرب في القرن الخامس، وكان قادراً على تأسيس موقع هيمنة على الممالك الجديدة في أراضيه الغربية المفقودة، وكان من الممكن أن يستمر هذا الوضع إلى أجل غير مسمى لو لم تنفق الإمبراطورية مواردها الحيوية، بدءاً من أواخر القرن السادس، في صراع غير ضروري مع منافسها الفارسي المرير، لقد قادتها الغطرسة الإمبراطورية إلى سلسلة من الحروب تركت الإمبراطوريتين بعد جيلين من الصراع عرضة لتحدّ طغى عليهما في غضون بضعة عقود فقط، وهو عالم عربي موحد حديثاً.
بالنسبة إلى أمريكا، إنها قصة تحذيرية. في الرد على حتمية صعود الصين، يتعين على الولايات المتحدة أن تسأل نفسها ما هي التهديدات التي تعتبر وجودية وتلك التي تعد غير مريحة وحسب، ثمة مخاطر ملحة تواجه الغرب والصين معاً، مثل الأمراض وتغير المناخ، والتي من شأنها أن تدمر البشرية جمعاء ما لم تتصدّ لها الدول بشكل مشترك، أما بالنسبة للعسكرة والتمرد المتزايدين لدى الصين، فسيتعين على الولايات المتحدة أن تفكر في ما إذا كانت تواجه حقاً "فخ ثوسيديديس" لقوة صاعدة أو ببساطة دولة تدافع عن مصالحها المتوسعة.
ميزة لواشنطن.. حُرمت منها روماإذا كان على الولايات المتحدة أن تواجه الصين، سواء عسكرياً أو، كما يأمل المرء، دبلوماسياً فقط، فهي سترث مزايا كبيرة من إرثها الإمبراطوري.. فالبلاد لا تزال تتمتع بمصادر قوة لا يمكن لأحد أن ينافسها عليها بجدية: عملة لا تواجه تهديداً خطيراً كوسيلة للتبادل العالمي، ومجمعات رأس مال عميقة تتم إدارتها في وول ستريت وأقوى جيش في العالم، وقوة ناعمة تمارسها جامعاتها والجاذبية الواسعة لثقافتها.. ولا يزال بوسع أمريكا أن تلجأ إلى أصدقائها في مختلف أنحاء العالم، وفي الإجمال، ينبغي لها أن تكون قادرة على حشد مواردها الوفيرة حتى تظل القوة الرائدة في العالم.
لكن لكي تتمكن أمريكا من تحقيق هذه الغاية، يتعين عليها أن تتخلى عن محاولة استعادة مجدها الماضي من خلال نهج "أمريكا أولاً" الذي يعتمد على العمل بمفردها.. لقد كان نفس الحافز الذي دفع الإمبراطورية الرومانية إلى المغامرة العسكرية التي أدت إلى تدميرها في نهاية المطاف.. لقد تغير الاقتصاد العالمي، ولن تتمكن الولايات المتحدة مرة أخرى من السيطرة على الكوكب كما فعلت من قبل.. لكن إمكانية بناء عالم جديد من خلال تحالف ذوي التفكير المماثل هو ترف لم تتمتع به روما على الإطلاق.. ويتعين على أمريكا، أياً تكن التسمية التي تطلقها على نفسها، أن تغتنم الفرصة، حسب نصيحة رابلي الأخيرة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني أمريكا والصين على الولایات المتحدة من خلال
إقرأ أيضاً:
???? ماذا تريد الإمبراطورية العجوز من السودان
بريطانيا التي احتلت السودان و كثير من الدول الأفريقية و الآسيوية في الحقبة الإمبريالية و نهبت خيراتها و مواردها ثم أجبرت لاحقاً على الخروج من (مستعمراتها) تلك مع تنامي الوعي و النضال و المقاومة في منتصف خمسينيات القرن الماضي يبدو أن الحنين بدأ يعاودها للرجوع إلى الماضي البغيض في قهر و إذلال الشعوب ، و يبدو أنها تفكر في تكرار ما قامت به ضمن ما يسمى بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة و مشاركة كل الدول الإمبريالية حديثاً في أفغانستان و العراق و سوريا و ليبيا في السودان !!
بريطانيا هذه التي لاذت بالصمت و أغمضت عينيها عن قتل عشرات الآلاف و تشريد الملايين و اغتصاب آلاف النساء بواسطة مليشيا الدعم السريع المتمردة المجرمة الإرهابية و بدعم مباشر بالسلاح و العتاد من حليفتها الإمارات كما أثبت ذلك تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة الذي تم اعتماده و نشره في فبراير 2024 و مئات التقارير التي أعدتها و نشرتها منظمات و مؤسسات مستقلة بعضها أوروبي و تقارير استقصائية قامت بها مؤسسات إعلامية كبرى من بينها (البي بي سي) و (السي إن إن) ، بل و عجزت هي و حلفائها عن إصدار أي كلمة إدانة في حق المليشيا و جرائمها و لم تقم بأي مجهود للضغط على الإمارات لإيقاف إرسال السلاح الذي تقتل به المليشيا شعبنا لا تملك أي مؤهلات أخلاقية لمجرد الحديث عن حماية المدنيين في السودان !!
إن تصريحات وزير خارجية بريطانيا (الأسود) ديفيد لامي التي أعلن فيها أن بلاده (ستستغل) موقعها في رئاسة مجلس الأمن و بحضوره شخصياً لجلسة اليوم الإثنين لفرض إرسال قوات أممية لحماية المدنيين تعتبر تعدياً صارخاً و سافراً على سيادة السودان و شعبه و تبنياً كاملاً لأطروحات عملاء بريطانيا من حملة جوازاتها الذين يقودهم رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك الذي يعتبر أسوأ رئيس وزراء يمر على حكم البلاد منذ إستقلالها و أكثرهم جرأة في عدم إخفاء عمالته حيث كان يتلقى التعليمات و التوجيهات بصورة مباشرة من السفير البريطاني عرفان صديق و خَلَفَهُ جايلز ليفر و كان مكتبه يستقبل شهرياً ملايين الدولارات كمرتبات له و للمستشارين و الموظفين الذين يعملون معه و قد سبق له أن أعلن في ندوة أقامها ب (تشتام هاوس ـ لندن) في الثاني من نوفمبر الحالي بوضوح أنه و جماعته في (تقدم) الذين يمثلون الذراع السياسي للمليشيا يسعون لإدخال قوات أممية إلى البلاد تحت ذريعة حماية المدنيين و وقف الحرب !!
في ظل هذه المعطيات و السعي الماكر الذي تقوم به حكومة بريطانيا يجب على الحكومة السودانية ممثلة في مجلس السيادة و وزارة الخارجية العمل بصورة قوية و جادة مع روسيا و الصين و بقية الأصدقاء لإفشال هذا المخطط حتى لو إقتضى الأمر بالموافقة الفورية على إنشاء القاعدة الروسية في البحر الأحمر و التوقيع على شراكة عادلة كاملة و شاملة مع الصين لإستغلال موارد البلاد و توظيفها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب و تطوير مشاريع البنية التحتية في البلاد !!
و أخيراً فلتعلم بريطانيا و من يقفون معها بأن الشعب السوداني يمتلك كل الأدوات التي تمكنه من مواجهة الإحتلال الجديد تحت ذريعة حماية المدنيين و وقف الحرب مستلهماً تأريخه التليد و مستفيداً من تجارب الشعوب !!
حاج ماجد سوار #كتابات_حاج_ماجد_سوار18 نوفمبر 2024 إنضم لقناة النيلين على واتساب