حماية مؤقتة من الترحيل؟ - 40 عاما على "اللجوء الكنسي" في ألمانيا
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
دفن جثمان الشاب التركي جمال كمال ألطون في مقبرة بالعاصمة برلين ونصب حجر تذكاري تخليدا لذكراه عند مكان المحكمة التي قفز من شباكها.
كانت ألمانيا الاتحادية على وقع صدمة في أواخر أغسطس / آب عام 1983 مع مثول طالب لجوء تركي، يدعى "جمال كمال ألطون"، أمام المحكمة الإدارية العليا في العاصمة برلين، التي كانت تنظر في مسألة إعادته، إلى تركيا التي كانت قابعة آنذاك تحت الحكم العسكري.
بيد أن الجلسة شهدت حادثة مأساوية فمع قيام عناصر الشرطة بإزالة الأصفاد من يدي جمال ألطون البالغ من العمر 23 عاما أثناء المثول أمام القاضي، أقدم الشاب على القفز من نافذة مفتوحة في مبنى المحكمة ليسقط من على ارتفاع 25 مترا ويلقى حتفه.
وفي عام 1996، جرى وضع حجر تذكاري في شارع هاردنبيرغ شتراسه، حيث كانت تقع المحكمة آنذاك؛ من أجل إحياء ذكرى انتحار ألطون مع كتابة عبارة باللغتين الألمانية والتركية: "يتعين على الأشخاص المضطهدين سياسيا الحصول على اللجوء".
ولم تكن واقعة ألطون الوحيدة للاجئ يقدم على الانتحار خوفا من الترحيل، إذ شهدت البلاد أكثر من مئة حالة مشابهة، لكن انتحار ألطون كان الأكثر إثارة للجدل.
الالتزام الاجتماعي والسياسي
تابع يورغن كفانت مصير ألطون عام 1983. ويعمل الرجل البالغ من العمر 79 عامًا قسًا في أبرشية "إلى الصليب المقدس" البروتستانتية في برلين-كرويتسبرغ منذ عام 1980. وكان اللاجئون يبحثون أيضًا عن المساعدة من قبل الأبرشية في ذلك الوقت، وهم أشخاص من تركيا ولبنان والأراضي الفلسطينية. وفي مقابلة مع DW، قال كفانت "أردنا الانخراط بقوة أكبر في القضايا الاجتماعية والسياسية"، مشيرا إلى أن عددا من رفقاء ألطون شرعوا في إضراب عن الطعام في ربيع عام 1983 داخل الكنيسة.
نصب تذكاري خاصة جمال كمال ألطون الذي أقدم على الانتحار خوفا من ترحيله إلى تركيا
بعد أسابيع قليلة من وفاة ألطون، توجه لاجئون من الأراضي الفلسطينية إلى القس كفانت وقادة الأبرشية وطلبوا اللجوء إلى الكنيسة، خوفًا من الترحيل. وحتى اليوم، يصف كفانت كيف تحدث معه طالبو المساعدة عن تقليد الكنيسة القديم في منح الحماية واللجوء. وأعطت الكنيسة الحماية لهم، لجوءً كنسيا في مبنى الأبرشية.
وعلى وقع ذلك، مثلت قضية ألطون بداية لما عُرف لاحقا بـ "اللجوء الكنسي في ألمانيا"، إذ خلال الأربعين عامًا الماضية، حاولت الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والمستقلة في ألمانيا توفير الحماية المؤقتة لطالبي اللجوء، الذين سوف يواجهون الخطر في حالة ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
وفقًا للإحصائيات الرسمية المعنية باللجوء الكنسي، فقد قدمت الكنائس في ألمانيا المساعدة لآلاف من أقران ألطون، حيث أفادت اللجنة المعنية باللجوء إلى الكنيسة في منتصف أغسطس/آب الماضي بوجود قرابة 655 شخصا بينهم 136 طفلا، يتمتعون بحماية كنسية في إطار "اللجوء الكنسي"، فيما جرى حسم 285 قضية لجوء كنسي.
أحد أولئك الذين يمنحون اللجوء الكنسي هو غوتفريد مارتنز، راعي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية المستقلة في برلين، وهو من بين الأشخاص الأكثر دراية بالأمر، إذ يعيش داخل كنيسته العديد من الإيرانيين الذين فروا من بلادهم بعد اعتناقهم الديانة المسيحية.
القس غوتفريد مارتنز، الذي يمنح أيضا اللجوء الكنسي في برلين
الأمان بعد الخوف
ومن بين هؤلاء ساسان رضائي، الذي قال إنه فر من إيران بعد اعتناقه الديانة المسيحية. وفي مقابلة مع DW، قال إنه "تعرض للضرب والاعتقال دون طعام وشراب" قرب الحدود البوسنية-الكرواتية بعد دخوله بشكل غير القانوني، مضيفا "لقد طُلب مني الخروجُ وكنت أخشى الموت".
وقال رضائي، الذي كان يعمل طباخا، إنه بعد يومين من وصوله إلى ملجأ داخل كنيسة عقب وصوله ألمانيا، شعر بالطمأنينة وغاب عنه الخوف والقلق.
ويعيش الشاب الإيراني في الوقت الحالي داخل الكنيسة لكن غير مسموح له بمغادرتها، فيما يقوم بالطهي لإطعام نفسه وأقرانه من طالبي اللجوء، الذين وجدوا ضالتهم في الكنيسة.
وما زال الغموض يكتنف مصير رضائي وغيره من طالبي اللجوء الذين يعيشون في الكنائس بموجب "اللجوء الكنسي في ألمانيا"، خاصة عقب فشل التوصل إلى اتفاق بشأن لوائح قانون اللجوء داخل بلدان الاتحاد الأوروبي.
وتنص القواعد الحالية على أنه يجب البت في طلبات اللجوء في أول دولة أوروبية وصل إليها اللاجئ أو اللاجئة، ويعني هذا أنه يمكن للسلطات الألمانية ترحيل طالبي اللجوء مثل رضائي حيث يُسمح لألمانيا بإعادة اللاجئين إلى الدولة الأوروبية، التي جرى تسجيلهم فيها لأول مرة ما لم يكونوا يعيشون في ألمانيا لمدة 6 أشهر على الأقل.
وفي ذلك، قال القس كفانت لـDW إن "حماية اللاجئين تعد انعكاسا لإيماننا".
قال الإيراني رضائي (36 عاما) إنه قرر الفرار من بلاده خوفا على حياته عقب اعتناقه الديانة المسيحية
ومنذ بدء تطبيق "اللجوء الكنسي" في ألمانيا، ظلت هذه القضية موضع نقاش داخل الكنائس، فيما أصبح التركيز منصبا في الغالب على إيواء اللاجئين الذين يواجهون خطر إعادتهم إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، بعد أن كان الأمر في السابق يشمل حمايتهم من خطر ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وهو الأمر الذي كان يتطلب بقاءهم داخل الكنائس لفترات طويلة.
استمرار الجدل
وفي ظل استمرار حالة الجدل حول "اللجوء الكنسي" في ألمانيا، يتهم سياسيون الأبرشيات بانتهاك القوانين، إذ في بعض الأحيان يتعين على القساوسة المثول أمام المحاكم لتبرير الانخراط في "اللجوء الكنسي".
وقد شهد يوليو/تموز الماضي واقعة أثارت جدلا فيما كانت مسرحها مدينة فيرسين في منطقة الراين السفلى بين دسلدورف والحدود الهولندية. وبدأت القضية عندما دخل مسؤولو الهجرة إلى مرفق لجوء تابع لكنيسة في المدينة، حيث قاموا بإبعاد زوجين كرديين، كانا يعيشان داخل الكنيسة منذ مايو/ أيار الماضي 2023. وبسبب الخوف من حدوث حالة غضب، قررت السلطات عدم إعادة الزوجين إلى بولندا، حيث تم تسجيلهما لأول مرة بعد وصولهما إلى حدود الاتحاد الأوروبي.
مازالت قضية "اللجوء الكنسي" تثير جدلا في ألمانيا
يشار إلى أنه في عام 2019، وقف رجل دين مسيحي في ألمانيا في قفص الاتهام بسبب منح اللجوء الكنسي ومعه اللاجئ المعني أيضا، وهو مواطن أفغاني، فيما انتهت دون إصدار حكم نهائي.
وتشير هذه القضية إلى أن "اللجوء الكنسي" ما زال يثير الجدل إذ شهدت البلاد قبل ثلاثة أعوام تنظيم مئات ممثلي الكنيسة ورجال الدين مسيرات صامتة، رافعين لافتات كُتب عليها "اللجوء الكنسي ليس جرما" أو "لكل شخص الحق في الحصول على الحماية من الاضطهاد".
كريستوف شتراك / م. ع
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: اللجوء إلى أوروبا الاتحاد الأوروبي ألمانيا ترحيل اللاجئين اللجوء إلى أوروبا الاتحاد الأوروبي ألمانيا ترحيل اللاجئين الاتحاد الأوروبی من الترحیل فی ألمانیا
إقرأ أيضاً:
ترامب يستهدف 15 مليون مهاجر.. هل ينجو المجنسون من الترحيل؟
في مشهد يعيد تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة، يخطط الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتنفيذ واحدة من أكثر السياسات إثارة للجدل في تاريخ البلاد، متعهدا بترحيل ما لا يقل عن 15 مليون شخص، بينهم مواطنون أمريكيون مجنسون.
وتأتي هذه الخطوة ضمن وعد انتخابي يعكس رؤية ترامب الصارمة بشأن الهجرة، حيث وصف بعض المهاجرين بأنهم "يسمّمون دماء الأمة".
المجنسون ليسوا بمأمن
وعلى الرغم من أن الجهود المبذولة لترحيل المهاجرين غير الموثقين قد تكون مثيرة للجدل بحد ذاتها، إلا أن ما يجعل هذه الخطط غير مسبوقة هو توجه الإدارة لاستهداف المجنسين.
وتقود هذه الجهود عملية النظرة الثانية، وهي مبادرة أطلقتها وزارة العدل في فترة ولاية ترامب الأولى، للتحقيق في قضايا الاحتيال أو التزوير في طلبات التجنيس.
ويؤكد الخبراء أن هذه العملية، التي كانت تركز تقليديا على الإرهابيين ومنتهكي حقوق الإنسان، توسعت بشكل كبير لتشمل مهاجرين ارتكبوا أخطاء بسيطة في إجراءات التجنيس.
ويتوقع أن تُستخدم نفس الأداة بشكل أكثر صرامة في الإدارة القادمة، مما يثير مخاوف بشأن استهداف واسع النطاق قد يطال آلاف الأشخاص الذين يعيشون في الولايات المتحدة منذ عقود.
من وراء السياسات الصارمة؟
تأتي هذه الحملة بقيادة فريق سياسي معروف بمواقفه الصارمة تجاه الهجرة، ويقف على رأس الفريق، نائب رئيس الأركان للسياسة ستيفن ميلر وأحد أبرز مهندسي هذه السياسات.
ويروج ميلر، الذي أطلق تصريحات نارية خلال الحملة الانتخابية مثل "أمريكا للأمريكيين فقط"، لخطة شاملة تتضمن إشراك جهات متعددة مثل الشرطة الفيدرالية والحرس الوطني وحتى الجيش الأمريكي لتوقيف المهاجرين وترحيلهم.
إلى جانب ميلر، تلعب كريستي نويم، وزيرة الأمن الداخلي، وتوم هومان، المعروف باسم "قيصر الحدود"، أدوارًا حاسمة في تنفيذ هذه السياسات.
تهديدات واسعة
وتثير الخطط المقترحة قلقا خاصا بشأن القاصرين والمهاجرين الذين حصلوا على الجنسية عبر والديهم، وقد يؤدي نزع الجنسية عن أحد الوالدين إلى تأثير مباشر على وضع أبنائهم. الأكثر إثارة للجدل هو تعهد ترامب بإنهاء منح الجنسية بالولادة، ما يضع ملايين الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأبوين غير موثقين في خطر فقدان جنسيتهم.
تداعيات قانونية ومالية
وتتطلب عملية نزع الجنسية محاكمة في محكمة فيدرالية، إلا أنها لا تضمن الحق في تعيين محام للمستهدفين، هذا يعني أن الكثيرين ممن لا يستطيعون تحمل تكاليف الدفاع قد يواجهون خطر فقدان جنسيتهم دون فرصة عادلة للدفاع عن أنفسهم.
ويتوقع أن تكون هذه الحملة مكلفة للغاية، ليس فقط من حيث الموارد البشرية واللوجستية اللازمة، بل أيضًا من حيث التداعيات الاقتصادية على المجتمعات التي تعتمد على العمالة المهاجرة.
أزمة ثقة في النظام
وتوسع دائرة استهداف المجنسين قد يؤدي إلى خلق حالة من عدم الثقة في النظام القانوني الأمريكي، ويحول ملايين الأشخاص إلى مواطنين من الدرجة الثانية، الباحثون يحذرون من أن هذه السياسات قد تعمق الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي وتترك أثرًا طويل الأمد على صورة الولايات المتحدة كبلد للمهاجرين.