نزاع السودان في ظل الانقلابات والحكم العسكري
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
نزاع السودان في ظل الانقلابات والحكم العسكري
واجه السودان في تاريخه انقلابات كثيرة بحيث أصبحت الحكومة التي يقودها العسكر هي القاعدة وليست الاستثناء.
يُعَدّ تعدين الذهب، الذي أعاد تكوين ديناميات السلطة في السودان منذ 2011، من الموارد الاقتصادية الرئيسة في صلب النزاع الحالي.
كشفت أحداث 2019 أنه يمكن للمجموعات العسكرية استغلال رغبة الشعب السوداني في الحكم الديمقراطي واستخدامها ذريعةً لإطاحة النخبة الحاكمة.
المجتمع السوداني قد يتمكّن من تجاوز هذا العبء التاريخي إذا تلقّت القوى الديمقراطية دعمًا مجديًا لزيادة قدرتها على المساومة في مواجهة الدولة.
فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على مناجم الذهب وطرق التهريب بما يُمكّنها من التنافس مع الجيش وتمويل مشاريع أعمال غير قانونية في قطاعات مختلفة.
اكتسب الجيش قدرة مالية خارج الدولة بانخراطه في ريادة الأعمال بقطاعات اقتصادية أساسية، حيث تملك القوى الأمنية وشبه العسكرية أكثر من 80% من موارد الدولة!
* * *
للسودان الذي يقع في "حزام الانقلابات" في منطقة الساحل، تاريخٌ حافل بالانقلابات والحكم العسكري، ما يتعارض مع النضال المستمر الذي يخوضه الشعب السوداني من أجل إرساء نظام سياسي ديمقراطي.
والحرب الأهلية التي تشهدها البلاد حاليًا، والتي اندلعت في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، تتأثّر بهذا الإرث السياسي من جملة أمور أخرى، حيث يتم الوصول إلى السلطة وانتقالها عن طريق القوة وليس الانتخابات.
شهد السودان، في تاريخه الحديث، نحو خمسة وثلاثين انقلابًا عسكريًا، ما يجعل البلاد بمثابة "مختبر للانقلابات". نجحت ستة انقلابات من هذه المحاولات الهادفة إلى فرض السيطرة العسكرية على البلاد، فيما مُنيت اثنتا عشرة محاولة بالفشل، وأُحبِطت سبع عشرة محاولة مسبقًا.
وفي حين اقتصرت بعض هذه الانقلابات على نقل السلطة من قائد عسكري إلى آخر، أدّت انقلابات أخرى إلى إنهاء فترات قصيرة من الحكم الديمقراطي (1956-1958، و1964-1969، و1985-1989). وكان الرئيس السابق عمر البشير الذي أُطيح به في نيسان/أبريل 2019، قد استولى على السلطة في انقلاب ضد حكومة صادق المهدي المنتخبة ديمقراطيًا في عام 1989.
وفي الفترة الأخيرة، تسبب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، والفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، تسببا في توقّف التقدّم السوداني نحو الحكم الديمقراطي من خلال التحريض على انقلاب جديد في تشرين الأول/أكتوبر 2021، ما أدّى إلى إسقاط الحكومة المدنية الانتقالية وأعاد البلاد إلى الحكم العسكري.
بتعبير آخر، الانقلاب العسكري هو الوسيلة الأساسية لتغيير النظام في السياسة السودانية، وقد لوحظت هذه النزعة أيضًا في بلدان أفريقية أخرى خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وفي النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد في الأعوام الثلاثة الماضية.
وهذا يختلف عن بعض الديمقراطيات الأفريقية منها غانا وموريشيوس وجنوب أفريقيا والسنغال وبوتسوانا، مع الإشارة إلى أن الدول الأربع الأخيرة لم تشهد أي سيطرة عسكرية، وتنتقل السلطة فيها من خلال الإجراءات الديمقراطية (على الرغم من أنها في معظم الأحيان إجراءات سطحية و"مشوبة بالعيوب").
تاريخ السودان مع التغيير في الأنظمة العسكرية يؤجّجه تفاعلٌ معقّد من العوامل الداخلية والخارجية، لكن السبب الأساسي يكمن في منظومة الحوكمة في البلاد. فالظروف التي تؤدّي حكمًا إلى تكرار الانقلابات تشمل منظومة الحوكمة العسكريتارية، والثقافة الريعية، والمحاباة، والكلبتوقراطية وتسليع المنصب العام من أجل مكاسب شخصية.
لقد اكتسب الجيش سلطة مالية بمعزل عن الدولة من خلال انخراطه في ريادة الأعمال في القطاعات الاقتصادية الأساسية، حيث تملك القوى الأمنية والقوات شبه العسكرية أكثر من 80 في المئة من موارد الدولة.
تسيطر القوى الأمنية على 250 شركة في قطاعات بالغة الأهمية مثل الدفاع، والمصارف، وتعدين الذهب والمطاط، وإنتاج الطحين والسمسم، والبناء، وصادرات الثروة الحيوانية، والنقل.
وبوجهٍ خاص، يُعَدّ تعدين الذهب، الذي أعاد تكوين ديناميات السلطة في السودان منذ عام 2011، من الموارد الاقتصادية الرئيسة في صلب النزاع الحالي. لقد فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على مناجم الذهب وطرق التهريب الرئيسة، بما يُمكّن هذه القوات شبه العسكرية من التنافس مع القوات المسلحة السودانية وتمويل مشاريع أعمال غير قانونية في قطاعات مختلفة.
كشفت أحداث 2019 أنه يمكن للمجموعات العسكرية استغلال رغبة الشعب السوداني في الحكم الديمقراطي واستخدامها ذريعةً لإطاحة النخبة الحاكمة. ولكن المجتمع السوداني قد يتمكّن من تجاوز هذا العبء التاريخي إذا تلقّت القوى الديمقراطية دعمًا مجديًا لزيادة قدرتها على المساومة في مواجهة الدولة.
يجب على الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر والبلدان في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، ممارسة ضغوط منسّقة للحؤول دون حصول أي طرف من الأطراف المتناحرة على أفضلية في أرض المعركة.
ومن خلال استهداف شبكات الأعمال لدفع الأفرقاء المتناحرين نحو الإفلاس، بإمكان مثل هذا التحالف الدولي زيادة تكاليف مواصلة الحرب، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى توقف الأعمال العدائية وتطبيق وقف دائم لإطلاق النار.
*غاشاو أيفرام طالب دكتوراه في جامعة أديس أبابا وباحث في معهد الشؤون الخارجية.
المصدر | مؤسسة كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السودان العسكر الذهب التهريب الدعم السريع الانقلابات العسكرية الحرب الأهلية الحكم العسكري الحكم الديمقراطي موارد الدولة الحکم الدیمقراطی الحکم العسکری الدعم السریع السلطة فی من خلال
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: شركة تركية متورطة في تزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة وشحنة أسلحة سرية
كشف تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" عن تورط شركة بايكار، إحدى أبرز شركات الصناعات الدفاعية بتركيا، في الحرب الأهلية المستمرة بالسودان، من خلال إرسال شحنات أسلحة وذخائر بقيمة 120 مليون دولار سراً إلى الجيش السوداني بين آب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.
وأثار التقرير تساؤلات حول احتمال انتهاك الشركة للعقوبات الدولية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السودان، لا سيما فيما يتعلق بإقليم دارفور. وأوضح أن هذه الشحنات تمت بموجب عقد وقعته بايكار مع وكالة المشتريات التابعة للجيش السوداني، المعروفة باسم منظومة الصناعات الدفاعية، ما يعكس مستوى الدعم العسكري الذي حصلت عليه القوات السودانية خلال النزاع.
ووفقًا للوثائق التي استعرضتها الصحيفة، وصلت الشحنة الأولى إلى بورتسودان، الميناء الرئيسي المطل على البحر الأحمر، في آب/أغسطس، بينما أظهرت رسائل موثقة أن آخر دفعة من المعدات وصلت في 15 أيلول/سبتمبر.
كما أشار التقرير إلى أن العقد الرسمي، الذي يحمل توقيع ميرغني إدريس سليمان، المدير العام للمباحث والمعلومات، مؤرخ في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أي بعد خمسة أشهر من فرض الولايات المتحدة عقوبات على السودان.
وتضمنت الشحنة العسكرية ست طائرات مسيّرة من طراز TB2، إضافة إلى ثلاث محطات تحكم أرضية، و600 رأس حربي. كما نص الاتفاق على إرسال 48 خبيرًا تقنيًا إلى السودان، في إطار عرض لتقديم "الدعم الفني داخل البلاد".
وأبرز التقرير أيضًا مذكرة داخلية من شركة بايكار، تفيد بأن مسؤولين سودانيين أبلغوا ممثلي الشركة، خلال اجتماع عُقد في 9 أيلول/سبتمبر، بأن تركيا أصبحت "الدولة الأكثر دعمًا لهم"، ما يشير إلى مستوى التعاون العسكري المتزايد بين أنقرة والخرطوم وسط الصراع المستمر.
معركة بالوكالة بين القوى الأجنبيةأصبحت شركات الدفاع التركية جزءًا من شبكة واسعة من الأطراف الدولية المتنافسة على النفوذ في الحرب المستمرة منذ 22 شهرًا. إلى جانب تركيا، وُجهت اتهامات لدول مثل الإمارات العربية المتحدة وروسيا بلعب أدوار مختلفة في تأجيج النزاع وتعقيد المشهد العسكري والسياسي.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أفادت منظمة العفو الدولية بأن قوات شبه عسكرية في السودان تستخدم مركبات مدرعة من صنع الإمارات العربية المتحدة، مزودة بتكنولوجيا عسكرية فرنسية، ما يعكس تداخل المصالح الدولية في النزاع.
وفي خطوة تصعيدية أخرى، أعلنت محكمة العدل الدولية، الخميس، أن السودان قدم شكوى ضد الإمارات، متهمًا إياها بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية عبر دعمها لقوات الدعم السريع، وهي القوة شبه العسكرية المنافسة للجيش السوداني. ورغم هذه الاتهامات، يواصل المسؤولون الإماراتيون نفي أي تورط في النزاع.
وفي غضون ذلك، عززت روسيا وجودها في السودان من خلال توقيع اتفاق، خلال الشهر الماضي، لإنشاء محطة بحرية في بورتسودان،ما يوفر لها حضورًا استراتيجيًا إضافيًا على امتداد البحر الأحمر. وتم توقيع الاتفاقية بين وزير الخارجية الروسي ونظيره السوداني.
ورغم تمديد حظر الأسلحة المفروض على دارفور في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عبر تصويت بالإجماع في مجلس الأمن الدولي، لم تتخذ الأمم المتحدة أي إجراءات ضد الدول المتهمة بانتهاك هذا الحظر، ما يثير تساؤلات حول فاعلية القرارات الدولية في الحد من تدفق السلاح إلى أطراف النزاع.
Relatedحمدوك يطلق مبادرة جديدة لإنهاء الحرب في السودان تحت عنوان "نداء سلام السودان"جنوب السودان على صفيح ساخن: الجيش يحاصر منزل نائب الرئيس ويعتقل حلفاءه.. بداية أزمة جديدة؟معركة القصر الرئاسي السوداني: كيف تطورت الأحداث وما التالي؟واندلعت الحرب بالسودان في نيسان/أبريل 2023 إثر صراع على السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو، الذي يقود قوات الدعم السريع، ما أدى إلى مواجهات عنيفة، لا سيما في العاصمة، واشتباكات ذات طابع عرقي امتدت إلى مناطق أخرى من البلاد.
وتصف الأمم المتحدة الحرب الأهلية في السودان بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم، حيث أدت إلى نزوح نحو 14 مليون شخص، فيما تهدد المجاعة عدة مناطق في البلاد. وبينما تظل الأرقام الدقيقة لعدد الضحايا غير واضحة، تتراوح التقديرات بين 20,000 و150,000 قتيل، ما يعكس حجم المأساة الإنسانية المستمرة.
المصادر الإضافية • AP
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية جنوب السودان على صفيح ساخن: الجيش يحاصر منزل نائب الرئيس ويعتقل حلفاءه.. بداية أزمة جديدة؟ حمدوك يطلق مبادرة جديدة لإنهاء الحرب في السودان تحت عنوان "نداء سلام السودان" معركة القصر الرئاسي السوداني: كيف تطورت الأحداث وما التالي؟ قوات الدعم السريع - السودانعبد الفتاح البرهان أسلحةجمهورية السودانتركياالإمارات العربية المتحدة