الكيان الصهيوني في تحركات أميركية مستجدة بالمنطقة؟

عادت الحيوية إلى التحركات الأميركية في المنطقة بما أوحى بإعادة مراجعة أميركا لسياساتها، وتأكيد استمرارية انخراطها في قضايا المنطقة.

الكيان الصهيوني يقارب المشهد الإقليمي برؤية تفترض أنه مستهدف من أي انفتاح يمكن أن يحدث بين أي دولة إقليمية أو عالمية وبين إيران أو حلفائها.

يحاول الكيان الصهيوني إظهار الحيوية الأميركية المستجدة بالمنطقة كتعبير عن رد فعل أميركي يهدف إلى تبديد مخاوف الكيان الصهيوني المباشرة!

الحراك الصيني أكثر فعالية في وضع آليات جديدة لمستقبل العلاقات بالمنطقة لناحية عدم الانحياز إلى أي طرف والتركيز على تحقيق الأمن من خلال التعاون والتنمية.

عودة العلاقات السعودية -الإيرانية أزعجت الإدارة الأميركية بسبب عدم توافقها مع المسار الاستراتيجي الأميركي الذي يقوم على استمرار سياسة الاحتواء والتضييق على إيران.

التحركات الأميركية بالمنطقة محاولة لإلغاء آثار الاتفاق السعودي - الإيراني وتسريع مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية وتقييد إيران بالخليج وعلى الحدود السورية- العراقية.

مع تعارضها مع مسعى سلام سعودي -إسرائيلي، فعودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية ومباركة روسية قد تترك تأثيرات سلبية على مكانة أميركا الاستراتيجية وقدراتها الردعية.

تفكير أي دولة بالمنطقة في التوجه نحو "بريكس" أو "منظمة شنغهاي" أو تحالفات ومنظمات مصنفة كتهديد لمصالح الغرب لا يعبّر عن مخاوف الكيان الصهيوني بقدر ما يثير هواجس أميركا.

* * *

منذ أكثر من شهرين، عادت الحيوية إلى التحركات الأميركية في المنطقة بما أوحى بإعادة مراجعة الولايات المتحدة لسياساتها، وتأكيد استمرارية انخراطها في قضايا المنطقة.

إذ إن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى السعودية ومن قبله زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان معطوفتين على إعلان القيادة المركزية الأميركية عن وصول أكثر من 3000 بحار وعنصر إضافي من مشاة البحرية إلى الشرق الأوسط لا يمكن أن تترجم إلا في هذا الإطار.

وإذا كانت عودة العلاقات السعودية -الإيرانية قد أزعجت الإدارة الأميركية بسبب عدم توافقها مع المسار الاستراتيجي الأميركي الذي يقوم على استمرار سياسة الاحتواء والتضييق على إيران، بالإضافة إلى تعارضها مع مسعى تحقيق سلام سعودي -إسرائيلي، فإن تحقيق هذه العودة برعاية صينية ومباركة روسية قد يترك تأثيرات سلبية على مكانة أميركا الاستراتيجية وقدراتها الردعية العملانية.

ففي اللحظة التي يتأجج فيها الصراع الدولي نتيجة إصرار عدد من القوى العالمية على إلغاء مفاعيل النظام العالمي الأحادي عبر إرساء قواعد النظام العالمي متعدد الأقطاب، يعدّونه أكثر عدلاً وأماناً، تزداد تعقيدات المشهد الدولي أمام الولايات المتحدة من خلال ما يبدو أنه تصدع لعقد الحلفاء نتيجة عدم القدرة على هزيمة روسيا بشرق أوروبا، والاكتفاء بحالة الترنح التي تحكم الجبهة في أوكرانيا، ورفض الدول الخليجية الاصطفاف في مواجهة روسيا والصين.

بالإضافة إلى ما يخلفه الانقسام الإسرائيلي الداخلي، من خلال تأثيرات سلبية على مكانة الكيان وقدراته الموظفة دائماً في خدمة المشروع الأميركي، من فراغ يستدعي حتماً المبادرة إلى التدخل الأميركي المباشر حين تعدّ الولايات المتحدة الأميركية ذلك حاجة حيوية.

من ناحيته، يقارب الكيان الصهيوني المشهد في الشرق الأوسط انطلاقاً من رؤيته التي تفترض أنه المستهدف من أي انفتاح أو تقارب يمكن أن يحدث بين أي دولة إقليمية أو عالمية من جهة وإيران أو حلفائها من جهة أخرى.

وعليه، فإذا كان من الواقعي، وفق المنطق الإسرائيلي، النظر بعين الريبة إلى الانفتاح العربي على إيران أو الحديث عن تسوية للواقع اليمني أو اللبناني، فإن القلق الإسرائيلي من أي علاقة تربط أياً من دول المنطقة بروسيا أو الصين أو حتى مجرد تفكير أي من هذه الدول في التوجه نحو "بريكس" أو "منظمة شنغهاي" أو غيرهما من التحالفات والمنظمات المصنفة كتهديد للمصالح الغربية لا يعبّر عن مخاوف الكيان الصهيوني بقدر ما يعبّر أكثر عن هواجس الولايات المتحدة.

حتى هذه اللحظة، استطاع الكيان الصهيوني أن يظهر الحيوية الأميركية المستجدة في المنطقة على أنها تعبير عن رد فعل أميركي يهدف إلى تبديد المخاوف المباشرة للكيان الصهيوني من التفاعلات الدولية التي تحيط به، مع محاولة وضعها في إطار يجمع أيضاً التهديدات الإستراتيجية التي قد تطال مكانة الولايات المتحدة ودورها الحيوي في المنطقة.

فالعمل على إظهار حراك المقاومة على حدوده الشمالية والحديث الدائم عن استفزازاتها، بالإضافة إلى اتهام إيران بإدارة العمل المقاوم في الضفة الغربية ودعم محور الممانعة والمحافظة على خطوط التواصل بين أطرافه.

من دون أن ننسى التأثيرات السلبية المفترضة لاتفاق تطبيع العلاقات الإيرانية- السعودية على مسعى التطبيع مع السعودية على أنها سياق من الأحداث المرتبطة التي لا تخرج عن إطار المسعى الهادف لإضعاف أميركا وتقييد قدراتها الحيوية، والتي من ضمنها ضرورة المحافظة على تفوّق الكيان الصهيوني كشرط لازم في هذا المجال.

غير أنه من خلال مراقبة واقع الكيان الإسرائيلي المنقسم على نفسه والعاجز حتى اللحظة عن ابتداع صيغة توافقية تؤسس لشكل جديد من السلطة القادرة على إدارة الانقسام العمودي للمجتمع الإسرائيلي، بالإضافة إلى فشل نتنياهو في الموازنة بين حاجته إلى اليمين المتطرف، الذي يمثله بن غفير وسموتريتش، وبين ما كانت تطلبه إدارة بايدن من تهدئة وعدم جر المنطقة إلى حرب في توقيت تعدّه الإدارة الأميركية ذا تأثير سلبي على الجهد الأميركي المبذول في المعركة الكبرى مع روسيا والصين، يمكن القول إن تلك الحيوية الأميركية لا ترتبط بحاجات الكيان الإسرائيلي بقدر ارتباطها فعلياً بحاجات الولايات المتحدة.

فالولايات المتحدة قد بيّنت في إستراتيجيتها الأخيرة للأمن القومي أن مهمتها الأساسية في العقد الحالي، الذي وصفته بالحاسم، تتمثل في تحديد شروط المنافسة الإستراتيجية التي تضمن لها مصالحها عند تشكيل النظام الدولي الجديد، من دون أي تركيز على حاجات الكيان، إلا في ما قد يخدم مشروعها.

أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فقد أغفلت عن تطوير تقنيات العلاقة مع حلفائها وحافظت على سلوكها التقليدي من خلال الاحتفاظ بنظام من الشراكات الإستراتيجية التي تهدف إلى مواجهة التهديدات التي تحيط بموقعها، غافلة بذلك عن طموح دول المنطقة بالتحول نحو التنمية وتنويع الخيارات.

بالمقابل، فقد كان الحراك الصيني أكثر فعالية في وضع آليات جديدة لمستقبل العلاقات في المنطقة لناحية عدم الانحياز إلى أي طرف والتركيز على تحقيق الأمن من خلال التعاون والتنمية.

وإذا كانت الصين قد أعلنت مراراً أنها لا تستهدف مواجهة الولايات المتحدة، فإن سياساتها لم توافق توازنات القوى والأحلاف التي حرصت واشنطن على تكريسها.

وفي حين يظهر الخطاب الصيني مسالماً، يأتي الخطاب الروسي أكثر عدوانية تجاه الولايات المتحدة، إذ يمكن ملاحظة تعمّده إظهار أي سلوك إقليمي على أنه يستهدف موقعها.

فالتركيز على آثار التزام السعودية بقرارات "أوبك" واستمرارها بالتخفيض الطوعي لإنتاج النفط، بالإضافة إلى دعمها جهود كسر عزلة إيران الإقليمية، وإصرارها على عدم الخضوع لمطالب الولايات المتحدة بالتخلي عن حلفائها الإقليميين وتفكيك برنامجها البالستي يظهر توجه هذا الخطاب.

وعليه، يمكن وضع التحركات الأميركية في المنطقة، انطلاقاً من محاولاتها لإلغاء آثار الاتفاق السعودي - الإيراني إلى تسريع مسار تطبيع العلاقات الإسرائيلية - السعودية مروراً بمحاولة تقييد إيران في الخليج وعلى الحدود السورية- العراقية.

من دون أن ننسى الإصرار الأميركي على تغيير آلية عمل القوات الدولية في جنوب لبنان، في إطار محاولاتها للحد من الأضرار التي تطال موقعها، إذ إن الأحداث الأخيرة لا تستهدف بالدرجة الأولى أمن الكيان الصهيوني، بل تؤثر في مسار الصراع الدولي المستعر حول كيفية إرساء توازنات وقواعد النظام الدولي الجديد.

فالتوجه الصيني إلى المنطقة لا يستهدف الكيان الصهيوني، وإنما يسعى إلى دمجه في إطار مشروع "الحزام والطريق".

أما بالنسبة إلى السعودية، فإنها لن تربط أبداً بين إعادة علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية ومسار التطبيع مع الكيان. فالفلسفة الحاكمة للعقل السعودي لا تدلل على خلاف أيديولوجي مع الكيان الإسرائيلي، وهي تبرر علاقاتها الدولية والإقليمية من خلال المصلحة فقط.

أما المنطق الإيراني، فإنه لا يحصر عداءه بالكيان الإسرائيلي فقط، وإنما يسوق لفكرة أن الحرب الكبرى أو الأخيرة ستستهدف إخراج الأميركي من المنطقة، وبالتالي يظهر الكيان الإسرائيلي في هذه الفلسفة على أنه عنصر ثانوي.

وبالتالي، يمكن القول إن المرحلة الحالية تفترض تحركاً أميركياً وفق التوقيت الأميركي بعيداً عن ما تتطلبه الأجندة الإسرائيلية.

فإذا كان من الممكن الحديث عن حراك عسكري أميركي في المنطقة، فمن الواقعي القول إن الإدارة الأميركية التي تشعر بأفول القرن الأميركي قد تتحرك للحفاظ على موقعها العالمي.

وإذا كانت الولايات المتحدة تتلمس مدى خطورة الحراك العالمي الموجه ضد أحاديتها، ومن دون أن نغفل إمكانية استفادة الكيان من مطلق تحرك أميركي، فإنها لن تخاطر بالتحرك فقط من أجل حماية كيان يُحكم من مجموعة متطرفة تسعى للاستفادة من الصراع الدولي من أجل تحقيق أهداف داخلية ضيقة.

*د. وسام إسماعيل باحث واستاذ جامعي لبناني

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أميركا سوريا العراق إيران إسرائيل الاحتلال الأميركي شرق الفرات الكيان الصهيوني الصراع الدولي الاتفاق السعودي الإيراني التطبيع مع إسرائيل السعودية التحرکات الأمیرکیة الإدارة الأمیرکیة الکیان الإسرائیلی الولایات المتحدة الکیان الصهیونی بالإضافة إلى فی المنطقة على أنه من خلال من دون

إقرأ أيضاً:

خبير دولي: سياسة نتنياهو في التصعيد بالمنطقة تؤكد عدم الرشد وفقدان الاتزان

قال الدكتور أشرف سنجر، خبير السياسات الدولية بقطاع أخبار«المتحدة»، إنّ تصرفات بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، في المنطقة تؤكد عدم الرشد وفقدان الاتزان واستغلاله لكل الظروف الدولية كالانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية، موضحا أنّ نتنياهو يحاول الحفاظ على الائتلاف الحكومي وحماية نفسه من المحاسبة، بالتالي يفعل تصرفات طائشة قد تكون ضده في المستقبل.

مواصلة القصف والتدمير في المنطقة

وأضاف «سنجر»، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «هذا الصباح»، عبر قناة «إكسترا نيوز»، أنّ اتساع الغزو الإسرائيلي في المنطقة وخاصة لبنان ومواصلة التدمير والقصف وقتل الأبرياء بدم بارد تعد عملية تواجه صعوبة لوجستية وأمنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

نتنياهو يريد التصعيد

وأشار إلى، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تنظر إلى الشرق الأوسط على أنّها منطقة ستفرض سيطرتها عليها كما فعلت في «الربيع العربي»، ولكن أفكار الحروب والتصعيد نابعة من بنيامين نتنياهو، لافتا إلى أنّ أمريكا تدافع عن دولة الاحتلال وتحميها من الاعتداءات، ولكن من الصعب أن تفكر بطريقة الربيع العربي، كونه مات إكلينكيا ولن يعاد مرة أخرى، إذ إنّ الدول بدأت تستعيد قوتها ومركزيتها كمصر.

مقالات مشابهة

  • عراقجي: جرائم الكيان الصهيوني تدفع بالمنطقة إلى حافة أزمة جادة
  • الولايات المتحدة وإسرائيل.. الأولويات بشأن التصعيد في الشرق الأوسط
  • ما هي مواصفات الصواريخ الإيرانية التي استهدفت الكيان الصهيوني؟
  • تحركات عسكرية يمنية سعودية مكثفة على وقع تصاعد التوتر بالمنطقة
  • مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة: ندعو جميع الأطراف للتوصل لحل سياسي لإنهاء التصعيد بالمنطقة
  • خبير دولي: سياسة نتنياهو في التصعيد بالمنطقة تؤكد عدم الرشد وفقدان الاتزان
  • مادورو: الولايات المتحدة تدعم العدوان الإسرائيلي ضد فلسطين ولبنان
  • نائب الرئيس الإيراني يدعو المجتمع الدولي لمواجهة جرائم الكيان الصهيوني في غزة ولبنان
  • الولايات المتحدة تحذر إيران من عواقب وخيمة إذا هاجمت إسرائيل.. أوستن: واشنطن مستعدة للدفاع عن شركائها وحلفائها بالمنطقة
  • وزارة الحرب الأمريكية تعلن ارسال آلاف الجنود إلى المنطقة للدفاع عن الكيان الصهيوني