الخطاب الأفريقي الجديد.. والتحولات الراهنة
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
الخطاب الأفريقي الجديد.. والتحولات الراهنة
كيف يمكن تطبيع وضع الإفريقي في الوعي الإنساني المشترك؟ سؤال يُطرح بقوة ويكتسب أبعاداً راهنةً.
ما الضوابط المؤسسية الضرورية لفاعلية النظام الديمقراطي في بلدان يختل فيها توازن السلطات لصالح الحاكم التنفيذي؟
تغير المقاربات العملية لم يواكبه تحول في نظرة الغرب لإفريقيا، هذه النظرة التي ما تزال نتاجاً لما أطلق عليه «المكتبة الاستعمارية».
نتج عن نقد التمثل الغربي للإنسان الإفريقي أن «الزنوجة» التي احتفى بها بعض رواد الحداثة الأفارقة هي في حقيقتها من نتاج المركزية الغربية.
الانقلابات الأخيرة كلها تمت ضد أنظمة مدنية منتخبة ديمقراطياً، ومنها حكومات ترأسها شخصياتٌ ليبرالية لها باع طويل في المعارضة الراديكالية.
يتحمل الغربُ مسؤولية هذه النظم الديمقراطية المختلة التي هي الإطار الجديد لتأمين التحكم في مركز القرار وفي السياسات العمومية للدول الأفريقية.
يدور الحديث عن «الربيع الأفريقي» الجديد الذي أخذ شكلَ الانقلابات العسكرية بدلاً من الثورات والانتفاضات الشعبية التي حدثت بمناطق أخرى من العالم.
فشلت الأنظمة الديمقراطية في التنمية والعدالة الاجتماعية وكبح أغلبُها التداول السلمي على السلطة وتلاعب بالأحكام الدستورية حول عدد الفترات الرئاسية المشروعة.
يبرز الخطاب الشعبوي النقدي لنخب سياسية تدعم المشاريع الانقلابية كمنعرج جديد في العلاقات الغربية الإفريقية ومَظهرُ طموحٍ جذري للتحرر من نماذج الحكم والتحديث الغربية.
هل تعتبر المؤسسة العسكرية القوة الوحيدةَ الضامنة لحسن سير البنى الديمقراطية ومن ثم تسويغَ شرعية تدخلها لإخراج البلدان من مأزق انسداد الحقل السياسي وانغلاقه؟
* * *
«ناتالي يامب»، إعلامية كاميرونية واسعة الحضور في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد خصصت أبرز تعليقاتها في الآونة الأخيرة للانقلابات العسكرية المتتالية في الساحة الإفريقية، معتبرةً أنها بدايةَ عصر التحرر الأفريقي من الهيمنة الغربية (الفرنسية على الأخص) التي استمرت حسب رأيها رغم الاستقلال الشكلي لدول القارة.
ما تقوله «يامب» هو بالضبط مضمون الخطاب السياسي للنخب العسكرية والسياسية الإفريقية التي احتلت واجهة الأحداث في الفترة الماضية، مما حدا بالبعض إلى الحديث عن «الربيع الأفريقي» الجديد الذي أخذ شكلَ الانقلابات العسكرية بدلاً من الثورات والانتفاضات الشعبية التي حدثت في مناطق أخرى من العالم.
وفي هذا السياق يتجدد الحوار الفكري حول طبيعة التجربة الديمقراطية التعددية في نسختها الغربية ومدى ملاءمتها للواقع الأفريقي. فالانقلابات الأخيرة كلها تمت ضد أنظمة مدنية منتخبة ديمقراطياً، ومنها حكومات ترأسها شخصياتٌ ليبرالية لها باع طويل في المعارضة الراديكالية (كما هو شأن ألفا كوندي في غينيا ومحمد بازوم في النيجر).
بيد أن هذه الأنظمة فشلت في تحدي البناء التنموي والعدالة الاجتماعية، وانساق أغلبُها إلى كبح إمكانات التداول السلمي على السلطة من خلال التلاعب بالأحكام الدستورية ذات الصلة بعدد الولايات الرئاسية المشروعة.
ومن هنا السؤال المطروح حول الضوابط المؤسسية الضرورية لفاعلية النظام الديمقراطي في بلدان يختل فيها توازن السلطات لصالح الحاكم التنفيذي، مما يؤدي بالبعض إلى اعتبار المؤسسة العسكرية القوة الوحيدةَ الضامنة لحسن سير البنيات الديمقراطية، ومن ثم تسويغَ شرعية تدخلها لإخراج البلدان من مأزق انسداد الحقل السياسي وانغلاقه.
وفق هذه الرؤية، يتحمل الغربُ مسؤولية هذه النظم الديمقراطية المختلة التي هي الإطار الجديد لتأمين التحكم في مركز القرار وفي السياسات العمومية للدول الأفريقية.
وكما كان الزعيم الفرنسي الراحل الجنرال ديغول قد طرح في سنة 1944 فكرة الاتحاد الفرنسي الإفريقي الذي أفضى لاحقاً إلى ما سمي بنقل الاختصاصات إلى حكومات مستقلة مع استمرار الروابط الخاصة بالمستعمر السابق، فإن الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران طرح على القادة الأفارقة في التسعينيات فكرةَ الانتقال الديمقراطي كشرط لاستمرارية الشراكة الفرنسية الأفريقية الخاصة.
ما تقوله ناتالي يامب هو أن تغير المقاربات العملية لم يواكبه تحول في طبيعة النظرة الغربية إلى إفريقيا، هذه النظرة التي ما تزال نتاجاً لما كان الفيلسوف الكونغولي «فالنتين ايف ميدمبة» قد أطلق عليه «المكتبة الاستعمارية».
ما يعنيه ميدمبة بهذا المصطلح هو مجموع التمثلات والصور والمصادرات التي تشكلت من كتابات المستكشفين والرحالة وعلماء الاثنوغرافيا والمبشرين الدينيين والحكام الإداريين، وهي في عمومها تكرس النظرة الإقصائية إزاء الإفريقي من حيث هو الوجه السلبي للإنسان الأوروبي، ومن حيث هو الشخصية التي لم تَدخل التاريخَ ولم تعرف مسار التقدم الإنساني كما كان يقول الفيلسوف الألماني الشهير هيغل.
وفي كتابه الهام «اختراع أفريقيا» الصادر في الولايات المتحدة عام 1988، يبين ميدمبة -على طريقة إدوارد سعيد في «الاستشراق»- أن «البنية الاستعمارية» تشمل السيطرةَ على الأرض والاستغلال الاقتصادي وإعادة قولبة العقل والوعي، بحيث لا يشكل الاستعمارُ مجردَ حدث تاريخي بل حالةً وجوديةً وابستمولوجيةً عميقةً لا تنفصل عن طبيعة الوعي الغربي نفسه، بمعنى الصورة التي شكّلها الغربُ عن نفسه واعتبر إفريقيا نقيضَها.
ما ينتج عن هذا النقد للتمثل الغربي للإنسان الإفريقي هو أن «الزنوجة» التي احتفى بها بعض رواد الحداثة الأفارقة هي في حقيقتها من نتاج المركزية الغربية.
ذلك ما يبينه الفيلسوف الكامروني أشيل بمبة في كتابه «نقد العقل الزنجي»، معتبراً أن هذا المفهوم تَشكلَ من خلال ممارسات الاستعباد الغربي التي حولت الإنسانَ الأفريقي إلى قوة عمل يدوية وبضاعة تجارية، قبل أن يتحول الإنسان كله في الثورة التقنية الراهنة إلى نمط من الزنجي المستعبد من الماكينة المروضة للأجسام الراغبة والمنتجة للمادة الإنسانية ذاتها بدلاً من المادة الطبيعية التي قامت عليها الثورة التقنية الصناعية الأولى.
كيف يمكن تطبيع وضع الإفريقي في الوعي الإنساني المشترك؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه بقوة المفكرون الأفارقة الجدد، ويكتسي في الساحة السياسية أبعاداً راهنةً ببروز الخطاب الشعبوي النقدي لدى النخب السياسية الداعمة لمشاريع الانقلابات العسكرية من حيث هي منعرج جديد في العلاقات الغربية الإفريقية ومَظهرُ طموحٍ جذري للتحرر من نماذج الحكم والتحديث الغربية.
*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني
المصدر | الاتحادالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا الغرب الاستعباد التحديث التحولات هيمنة الغرب النخب السياسية المركزية الغربية
إقرأ أيضاً:
قرار العفو عنه في يد الديمقراطية كاثي .. ماذا يعني وجود سجل جنائي لترامب؟
سرايا - بعد أن أصدر قاضي محكمة مانهاتن خوان م. ميرشان، أمس الجمعة، حُكمًا رسميًّا على الرئيس المنتخب دونالد ترامب في قضية "شراء الصمت" من دون فرض أي عقوبة بالسجن أو الغرامة، سيكون لدى ترامب جرائم جنائية في سِجله الجنائي؛ ما سيؤثر على بعض حقوقه، بحسب وكالة "أسوشييتد برس".
ورصدت "أسوشييتد برس" بعض الإجراءات التي سيتعرض لها ترامب عقب إدانته.
وبحسب تقرير الوكالة، لا يتعين على الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذهاب إلى السجن أو دفع غرامة أو أداء خدمة المجتمع نتيجة لإدانته بتهمة شراء الصمت في نيويورك؛ إذ أنهى القاضي القضية أمس الجمعة بحكم بالإفراج غير المشروط، وأغلق القضية من دون عقوبة. ولكن ما لم يتم إلغاء إدانة تزوير السجلات التجارية يومًا ما فسيكون لدى ترامب جرائم جنائية في سِجله الجنائي؛ ما سيؤثر على بعض حقوقه.
هل يمكن لترامب الحصول على عفو؟
فقط حاكم نيويورك لديه سلطة العفو عن ترامب بسبب هذه الإدانة، لقد تم محاكمة قضية ترامب في محكمة الولاية وتضمنت انتهاكات لقانون الولاية، ولا ينطبق العفو الرئاسي إلا على الجرائم الفيدرالية.
ووفق التقرير، يبدو من غير المرجح أن تعفو حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوكول، وهي ديمقراطية، عن ترامب، عندما سئلت الشهر الماضي عما إذا كانت ستفكر في العفو عن ترامب، لم تقل نعم أو لا، لكنها أشارت إلى أن عملية العفو تتطلب عدة عناصر، بما في ذلك "الندم".
يحق التصويت لترامب
تم تسجيل ترامب للتصويت في فلوريدا، وسيكون قادرًا على التصويت هناك؛ إذ تمنع فلوريدا الأشخاص المدانين بجرائم جنائية من التصويت، لكنها تعيد لهم حقهم في التصويت بعد أن يكملوا عقوبتهم.
ممنوع من حيازة أسلحة نارية
بموجب القانون الفيدرالي، لا يُسمح للأشخاص المدانين بجرائم جنائية بحيازة الأسلحة النارية.
وعلى ترامب تقديم عينة من الحمض النووي بموجب القانون؛ إذ يجب على كل شخص مدان بجناية في نيويورك تقديم عينة من الحمض النووي لقاعدة بيانات الجرائم في الولاية.
ويتم جمع العينات بعد النطق بالحكم، وعادة عندما يتقدم المتهم للمراقبة أو السجن.
ويمكن أيضًا أخذ العينات من قِبل المحكمة أو مسؤول الشرطة.
هل يمكن لترامب أن يتولى منصبه وهو مدان بجناية؟
لا يوجد شيء في القانون الفيدرالي يمنع الشخص من أن يصبح رئيسا لأنه أدين بارتكاب جريمة، وتختلف قوانين الولايات بشأن ما إذا كان الشخص الذي لديه سجل إجرامي يمكنه الترشح لمناصب الولاية ومناصب محلية.
هل يمكنه السفر خارج الولايات المتحدة؟
نعم. بصفته رئيسا، سيكون لدى ترامب جواز سفر دبلوماسي يمكنه من السفر إلى دول أجنبية للقيام بأعمال رسمية، ويمكنه أيضا الاحتفاظ بجواز سفر عادي أو سياحي. ويمكن رفض جوازات سفر الأشخاص المحكوم عليهم بالسجن أو المراقبة أو إلغاؤها، لكن هذا ليس هو الحال مع ترامب.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #جرائم#ترامب#نيويورك#السفر#الجرائم#الرئيس
طباعة المشاهدات: 1157
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 11-01-2025 11:23 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...