قطر الخيرية.. أبواب مُشرعة للاندماج في العمل الإنساني
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
منذ إنشائها قبل أكثر من ثلاثة عقود، عملت قطر الخيرية على أن تكون همزة وصل بين الفئات الفقيرة والمحتاجة من جهة وبين أهل الخير والعطاء والمتطوعين والداعمين من جهة أخرى، وبموازاة تنفيذ التدخلات الإنسانية والمشاريع التنموية المختلفة، حرصت على القيام بالجهود التوعوية واستثمار كافة الطاقات وتحفيز كافة شرائح المجتمع من الأفراد والمؤسسات والشركات والمبادرات من أجل المشاركة في دعم العمل الخيري وتنفيذ فعاليات إنسانية وتطوعية، وذلك من خلال عدد من الأدوات والوسائل والبرامج.
وبمناسبة اليوم الدولي للعمل الخيري الذي يصادف الخامس من شهر سبتمبر الحالي فإن هذا التقرير سيسلط الضوء على أهم جهود قطر الخيرية في دمج فئات ومكونات المجتمع بالعمل الخيري وحفزهم على دعمه، على اعتبار أن إقرار هذا اليوم من قبل الأمم المتحدة تم لهذا الهدف.
«ازدهار» حاضنة للمبادرات والتطوع
حاضنة للمبادرات والتطوع تتبع قطر الخيرية أنشئت في اكتوبر 2022، وتم إطلاق منصتها الالكترونية في فبراير 2023، وتعد امتدادا لجهود قطر الخيرية في هذه المجالات.
وتهدف «ازدهار» لنشر ثقافة المبادرة في المجتمع، وتوجيه الطاقات الشبابية إلى العمل الخيري والمجتمعي، وغرس وتعزيز قيم الابتكار والإبداع لدى المجتمع، وتوفير قاعدة بيانات تضم المتطوعين، وتدريب وإرشاد المتطوعين وأصحاب المبادرات.
وتقدم عدة خدمات أهمها: تدريب المتطوعين، وتوفير الفرص التطوعية مع الجهات ذات العلاقة، ودعم واحتضان المبادرات الشبابية والمجتمعية، والخدمات الاستشارية في إدارة التطوع.
ومن أهم إنجازات «ازدهار»:
ـ لديها قاعدة بيانات تضم أكثر من 21 ألف متطوع ومتطوعة.
ـ عدد الساعات التطوعية منذ إطلاق ازدهار 610,133 ساعة
ـ عدد الفرص التطوعية 55
ـ الساعات التدريبية التي نظمتها 3,321
ـ إطلاق برنامج تطوّع بتخصصك
دعم المبادرات التطوعية
قدمت « ازدهار» منذ إنشائها الدعم لـ 9 مبادرات تطوعية في قطر، وبلغ عدد برامج المبادرات التي دعمتها 12 برنامجا.
ونظمت في هذا العام برنامج «تحدي المبادرات 4» وهو مسابقة بين عدة مبادرات تطوعية تنافست على ابتكار وتنفيذ برامج مجتمعية لصناعة أثر في المجتمع المحلي خلال شهر رمضان الماضي.
السفراء الإنسانيون
منحت قطر الخيرية عددا من الشخصيات المحلية والدولية التي تملك القدرة على التأثير لقب سفير إنساني لها بهدف الاستفادة من الشهرة التي يتمتعون بها في نشر الوعي بالقضايا الإنسانية ودعم الحملات الخيرية، وفي شهر فبراير الماضي أعلنت قطر الخيرية عن انضمام البطل الرياضي القطري معتز برشم سفيرا إنسانيا، ومن سفرائها الإنسانيين السابقين: اللاعب الدولي فريدريك كانوتيه، والإعلامي المعروف محمد سعدون الكواري وغيرهما.
الشريك الإنساني CP
برنامج أطلقته قطر الخيرية في 2021 كأول علامة تجارية «وسم» تمنح للشركات مقابل دعم ومساندة الأنشطة الخيرية والتنموية في إطار مسؤوليتها المجتمعية، وقد بلغ عدد الشركات التي حصلت على هذا الوسم 21 شركة ومؤسسة حتى الآن.
التعاون مع المبادرات المجتمعية والأندية والجامعات في تنفيذ المشاريع الخيرية
تواصل قطر الخيرية فتح المجال للأندية وطلبة المدارس والجامعات والمبادرات والوزارات للمساهمة في دعم وتنفيذ أنشطة خيرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: أسهم مركز دراجو قطر بدعم إقامة مدرسة الشيماء بغزة، ويعمل على تمويل مدارس بالصومال، وأسهم فريق «سول رايدرز» في مشروع «ترميم» لترميم وتأثيث البيوت القديمة داخل قطر.
إشراك الإعلاميين والمؤثرين على شبكات التواصل والناشطين والمتبرعين في الزيارات الميدانية ودعم الحملات والتحديات الإنسانية.
تحرص قطر الخيرية على أن تضم فرقها لتقديم المساعدات الإنسانية وتدشين المشاريع التنموية في الميدان (تقديم مساعدات الإغاثة العاجلة، حملة مواجهة مخاطر الشتاء، افتتاح مشاريع نوعية) عددا من الإعلاميين والمؤثرين على شبكات التواصل والناشطين والمتبرعين نظرا لدورهم في الحشد والمناصرة وتعريف الجمهور بالقضايا الإنسانية من خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل وتشجيعهم على التبرع أو مواصلة التبرع، كما تتعاون مع المؤثرين في دعم حملاتها أو تنفيذ تحديات لدعم القضايا الإنسانية، ومن هذه النماذج، «تحدي ليلة 27 « في شهر رمضان الماضي، حيث نجح كل من المؤثرين: عبد الله الغافري ـ الدكتور عبد الرحمن الحرمي ـ محمد عدنان بالتعاون مع قطر الخيرية في جمع تبرعات على «يوتيوب لايف» وصلت لـ 33 مليون ريال خلال 3 ساعات، بهدف توفير مأوى لـ 10,000 نازح.
إنتاج برامج ومواد إعلامية توعوية
تقوم قطر الخيرية بإنتاج برامج إذاعية وتلفزيونية تبث بالتعاون مع وسائل الإعلام، ومواد وبرامج تنشر عبر منصاتها على شبكات التواصل، بهدف التوعية بقضايا العمل الإنساني ونشر ثقافة العمل التطوعي وحشد الدعم لحملات ومشاريع قطر الخيرية. ومن البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي أنتجتها: قلب واحد، سفاري الخير، عيش التجربة، مهمة، الخير آت، تفريج كربة، تراويح، وغيرها، كما تسهم مجلة «غراس» التابعة لها وإصداراتها الأخرى بهذه المهمة.
تدريب القيادات الشبابية القطرية / فزعة شباب لدعم
يعد برنامج « فزعة شباب لدعم» الذي أطلقته وزارة الرياضة والشباب خلال هذا العام رائدا على مستوى دولة قطر في إعداد قيادات شبابية قطرية في العمل الإنساني والتنموي، حيث أسهمت قطر الخيرية في تطوير البرنامج وصياغة المحتوى التدريبي له واختيار المدربين والإشراف على إعداد مشاريع الملتحقين به وتحكيمها، وتنظيم الرحلة الميدانية للبرنامج.
الرحلات الإنسانية
«رحلة إنسانية» برنامج تنظمه قطر الخيرية لشرائح المجتمع العمرية المختلفة بهدف إتاحة الفرصة لهم لخوض تجربة فريدة تدمج بين السياحة والترفيه ومعايشة العمل الإنساني الميداني عن قرب، تم انجاز الرحلة الأولى للبوسنة مؤخرا، وهناك رحلتان قادمتان للبوسنة وتنزانيا.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر قطر الخيرية المشاريع التنموي دعم العمل الخيري العمل الإنسانی قطر الخیریة فی
إقرأ أيضاً:
رمضان شهر فتح أبواب الجنان
#رمضان شهر فتح #أبواب_الجنان
#ماجد_دودين
الحمدُ لله المتفردِ بالجلالِ والبقاء، والعظمةِ والكبرياء، والعزِّ الَّذِي لا يُرام، الواحد الأحدِ، الرب الصمدِ، الملِكِ الَّذِي لا يحتاجُ إلى أحَد، العليِّ عن مُداناةِ الأوهام، الجليل العظيم الَّذِي لا تدركُه العقولُ والأفْهامُ، الغنيِّ بذاتِه عن جميعِ مخلوقاتِه، فكلُّ مَنْ سواه مفتقرٌ إليه على الدَّوامَ، وَفَّقَ مَنْ شاء فآمَنَ به واستقام ثم وَجَدَ لذة مناجاةِ مولاهُ فَهَجَر لذيذَ المنام، وصَحِب رُفقةً تتجافى جنوبُهم عن المضَاجع رغبةً في المقام، فَلَوْ رأيتَهم وَقَدْ سارتْ قوافلُهم في حَنْدسِ الظَّلام، فواحدٌ يسْأَلُ العفَو عن زَلَّته، وآخَرُ يشكو ما يجدُ من لَوْعَتِهِ، وآخَرُ شَغله ذِكْرُه عن مسألتِه، فسبحانَ من أيْقَظَهُمْ والناسُ نيام، وتبارك الَّذِي غَفَرَ وعفَا، وستَر وكَفَى، وأسْبَل على الكافةِ جميعَ الإِنعام، أحمده على نَعمِهِ الجِسام، وأشكرهُ وأسألُه حفظَ نعمةِ الإِسلامِ، وأشْهَدُ أن لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لاَ شريكَ لَهُ عَزَّ منْ اعتز به فلا يُضَام، وَذلَّ مَنْ تكبَّر عن طاعتِهِ ولَقِي الآثام، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الَّذِي بَيَّنَ الحلالَ والحرام، صلَّى الله عليه وعلى جميعِ الصحابةِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليماً.
· قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ”. وفي رواية لمسلم:” إذا كانَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الرَّحْمَةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ.
مقالات ذات صلة كفى استفزازًا لعزرائيل… 2025/03/04فضَّلَ اللهُ عزَّ وجلَّ شَهرَ رمَضانَ على سائرِ الشُّهورِ، حيثُ شرَّفه بإنزالِ القرآنِ فيه، وخَصَّه بفَريضةِ الصَّومِ، وجَعَلَه مَوسِمًا مِن مَواسمِ الخَيرِ والغُفرانِ. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا جاءَ شَهرُ رَمَضانَ فُتِّحَت أبوابُ الجَنَّةِ حَقيقةً؛ تَعظيمًا لهذا الشَّهرِ وتَكريمًا، وحَثًّا للنَّاسِ على الإقبالِ على الطَّاعاتِ وعمَلِ الخيرِ، وغُلِّقت أَبوابُ جَهنَّمَ حَقيقةً؛ فإنَّ ذلك باعثٌ على تَرْكِ الفواحشِ والبُعدِ عن المعاصِي، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ، فشُدَّت بالسَّلاسلِ ومُنِعَتْ مِنَ الوُصولِ إلى بُغيَتِها مِن إفسادِ المسلمينَ بالقَدْرِ الَّذي كانت تَفعَلُه في غَيرِ رَمضانَ، وقيل: سُلْسِلَت الشَّياطينُ مُسترِقو السَّمعِ حَقيقةً؛ لأنَّ رَمَضانَ كان وقْتًا لنُزولِ القرآنِ إلى سَماءِ الدُّنيا، وكانت الحراسةُ قدْ وَقَعَت بالشُّهبِ، كما قال اللهُ تعالَى: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7]، فزِيدوا التَّسلسُلَ في رَمَضانَ مُبالَغةٍ في الحِفظِ. أو المرادُ بالشَّياطِينِ في هذا الحَديثِ مَرَدةُ الجِنِّ منهم، وأشَدُّهم عَداوةً وعُدوانًا لا جميعُ الشَّياطينِ، وبذلك يُجابُ عمَّا يَقَعُ مِن الشُّرورِ والمَعاصي في رَمَضانَ، وعلى القَولِ بأنَّ جَميعَ الشَّياطينِ تُصَفَّدُ وتُسَلسَلُ فإنَّما تُصَفَّدُ عن الصَّائِمينَ الصَّومَ الَّذي حُوفِظَ على شُروطِه، ورُوعِيَت آدابُه، أمَّا ما لم يُحافَظْ عليه فلا يُغَلُّ عن فاعِلِه الشَّيطانُ، وأيضًا فإنَّ المُصَفَّدَ مِن الشَّياطينِ قد يُؤذِي، لكِنْ هذا أقَلُّ وأضعَفُ ممَّا يكونُ في غيرِ رَمَضانَ؛ فهو بحَسبِ كَمالِ الصَّومِ ونَقْصِه؛ فمَن كان صَومُه كامِلًا دُفِعَ عنه الشَّيطانُ دَفعًا لا يُدفَعُه حالَ الصَّومِ النَّاقِصِ، وأيضًا فلا يَلزَمُ مِن تَصفيدِ جَميعِ الشَّياطينِ ألَّا يَقَعَ شَرٌّ؛ لأنَّ لوُقوعِ الشَّرِّ أسبابًا أُخَرَ؛ كالنُّفوسِ الخَبيثةِ، والشَّياطينِ الإنسيَّةِ.
اعلم أن فتح أبواب الجنة في رمضان حقيقة لا تحتاج إلى تأويل وهذه نعمة عظيمة ومنة كريمة من الله يتفضل بها على عباده في هذا الشهر فأبواب الجنان مغلقة لا تفتح إلا في تمام النعمة.
يقول ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى:” وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ” [الزمر: 73].
“أما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه، فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فيقول: “أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعه ما شاء أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيماً لخطرها وإظهاراً لمنزلة رسوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وكرامته عليه” وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك رب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها، وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم، وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله عالية غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به… فما لمن أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار، فليعد عنها إلى ما هو أولى به …وهنا يدرك الإنسان قيمة فتح أبواب الجنة في رمضان. عجباً لمن يعلم أن الجنة فوقه موجودة تزخرف وتفتح أبوابها في رمضان ثم لا يشتاق إليها ويسعى لها على الأجفان. قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” – من خاف أدلجَ ومَن أدلج بلغ المنزلَ ألا إن سلعةَ اللهِ غاليةٌ ألا إن سلعةَ اللهِ الجنةُ “.
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كثيرًا ما يَحُضُّ أصحابَهُ على أَمْرِ الآخِرَةِ، ويَحُثُّهم على التَّشميرِ لبُلوغِ الجَنَّةِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “مَنْ خاف أَدْلَجَ”، أي: مَنْ خاف ألَّا يَصِلَ إلى غايتِهِ سار أَثْناءَ الليلَ؛ ليَكونَ ذلك أَرْجى له في الوُصولِ إلى غايتِهِ، “ومَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ”، أي: ومَنْ سار بالليلِ وَصَلَ إلى غايتِهِ ونال مُبْتغاهُ، ويعني النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا أَمْرَ الآخرةِ: فمَنْ شَمَّرَ ساعِدَيْهِ واجْتَهَدَ في عِبادةِ اللهِ وأدَّى ما عليه مِنْ الحقوقِ والواجباتِ؛ فإنَّه أَرْجَى أنْ يَصِلَ إلى غايتِهِ مِنْ مَغْفِرةِ اللهِ ورحمته والفوزِ بجنَّتِهِ، “ألَا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غاليةٌ”، أي: إنَّ ما عِنْدَ اللهِ غالٍ وعظيمُ القَدْرِ، ولا يَنالُه إلَّا مَنْ اجْتَهدَ في تَحصيلِهِ وسعَى له حَقَّ السَّعي، “ألَا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ”، أي: إنَّ ما عِنْدَ اللهِ هي الجَنَّةُ، فمَنْ أرادها فلا بُدَّ له من السَّعي والتَّشميرِ لأَجْلِ الظَّفَرِ بها؛ فجَنَّةُ اللهِ لا تُنالُ بالأماني ولا بالتَّمنِّي، ولكِنْ بالعملِ والاجْتِهادِ، ثمَّ هي بعدَ ذلك لا يَدخُلُها أحدٌ إلَّا برَحمةِ اللهِ تَعالَى. فاحذر أن تقدم على جنة عرضها السماوات والأرض وليس لك فيها موضع قدم.
إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام، والوحوش والأنعام، فأما الجنة فهي الحياة اللائقة بذلك الإنسان الكريم على الله وأودع روحه الإيمان الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه …إن مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف، ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود… إنها الجنة التي غرس غراسها الرحمن بيده…. إنها الجنة الجزاء الرفيع الخالص الفريد، الجزاء الذي يتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة، والإعزاز الذاتي، والإكرام الإلهي والحفاوة الربانية بهذه النفوس “…فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون” [السجدة: 17].
يا الله! كم ذا يفيض الله على عباده من كرمه. إنها الجنة التي اشتاق إليها الصالحون من هذه الأمة …إنها الجنة دار كرامة الرحمن فهل من مشمر لها…. إنها الجنة فاعمل لها بقدر مقامك فيها…. إنها الجنة فاعمل لها بقدر شوقك إليها. فواعجبا لها كيف نام طالبها، وكم لم يسمح بمهرها في رمضان خاطبها، كيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها، وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها. إنها الجنة دار الموقنين بوعد الله المتهجدين في ليل رمضان، الصائمين نهاره، المطعمين عباد الله وهذا من موجبات الجنة.
قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:” قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ في الجَنَّةِ لَغُرفًا يُرى بُطونُها من ظُهورِها، وظُهورُها من بُطونِها، فقال أعرابيٌّ: يا رسولَ اللهِ لمَن هي؟ قال: لِمَن أَطاب الكلامَ، وأَطعَم الطَّعامَ، وصلَّى للهِ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ. “
تَسْعَى بهمْ أعمالُهم سَوْقَاً إلى الدَّ ارَيْنِ سَوْقَ الخَيلِ بالـرُّكـبَانِ
صَبَرُوا قليلاً فاستراحُوا دائماً يا عِزَّةَ التوفيقِ للإنسانِ
حَمِدُوا التُّقَى عندَ المماتِ كذا السُّرى عندَ الصباحِ فَحَبَّذَا الحَمْدَانِ
وَحَدَتْ بِهمْ عَزَمَاتُهُمْ نحو العُلى وَسَرُوا فَمَا نَزَلُوا إلى نَعمانِ
باعُوا الذي يَفنى مِن الخَزَفِ الخَسِيـْ ـسِ بدائمٍ مِنْ خالصِ العِقيانِ
رُفِعَتْ لهمْ في السَّيرِ أعلامُ السعا دةِ والهُدى يا ذِلَّةَ الحَيرانِ
فَتَسَابَقَ الأقوامُ وابتدرُوا لها كتسَابقِ الفرسانِ يومَ رِهَانِ
وأخو الهُوَيْنى في الدِّيارِ مُخلَّفٌ معَ شَكْلِهِ يَا خَيبةَ الكسلانِ
إنها الجنة … “ما حليت لأمة من الأم مثلما حُلِّيتْ لأمتنا هذه ومع هذا لا نرى لها عاشقا”. إنها الجنة …لو كنت تعلم من خطبت … ومن طلبت جعلت السعي منك لها على الأجفان إنها الجنة … وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص. فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن ملاطها فهو المسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من الحطب والخشب، وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها، وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها.
وإن سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين. وإن سألت عن أزواجهم فهن الخيرات الحسان اللاتي كالياقوت والمرجان. فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها أفما تعدُّ مهرها من الآن.. وهو طول التهجد بالقرآن في ليل رمضان، وخلوف الفم بالنهار من آثار الصيام. عجبا لك إن نبي الله موسى خدم العبد الصالح عشر سنوات مهرا لزواجه من ابنته، فكم تخدم مولاك لأجل بنات الجنان الحور الحسان، فوالله ما انتقلن من الجنة ولا أكلن منها ولا خلقن إلا فيها من ترك دفء الفوالق في ليل رمضان كان جزاؤه من جنس عمله وزوّج من الحور الحسان، أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل هم خزانها وحراسها، وإن سألت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد فذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد. فيا لذة الأسماع بأطيب محاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الآخرة” وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)” [القيامة].
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا *** مَنَازِلُكَ الأُولَى وَفِيهَا المُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنَا سَبْيُ العَدُوِّ فَهَلْ تَرَى *** نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّــــــمُ