ماكرون: منع العباءة في مدارس فرنسا هدفه الدفاع عن العلمانية
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
سرايا - أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الاثنين، مجددا، أن قرار الحكومة منع العباءة في المدارس يهدف إلى "الدفاع عن العلمانية ومبادئ الجمهورية"، على حد زعمه.
وفي مقابلة أجراها معه اليوتيوبر "أوغو ديكريبت" على قناته، أوضح ماكرون قائلا: "نحن نعيش أيضاً في مجتمعنا مع أقلّية، مع أشخاص يغيرون وجهة الديانة ويأتون لتحدي الجمهورية والعلمانية"، حيث جاء هذا التصريح، ردا على سؤال طرحه عليه المذيع بشأن قرار الحكومة أخيرا حظر العباءة في المدارس والثانويات والمعاهد، علما بأن هذا الثوب الذي ترتديه بعض الفتيات المسلمات يُنظر إليه من قبل كثيرين على أنه وسيلة للدعوة إلى الإسلام.
وتابع ماكرون: "في بعض الأحيان حصل ما هو أسوأ..لا يمكننا التصرف كما لو أنه لم يقع هجوم إرهابي ولم يكن هناك صامويل باتي"، إذ أنه في 16 أكتوبر 2020، قُتل أستاذ التاريخ والجغرافيا صامويل باتي (47 عاماً) أمام مدرسته في المنطقة الباريسية طعنا بيد الجهادي عبد الله أنزوروف الذي قطع رأس المعلم قبل أن ترديه الشرطة قتيلا.
وقُتل هذا الأستاذ بعد أيام من عرضه على تلامذته خلال حصة حول حرية التعبير رسوما كاريكاتورية للنبي محمد، حيث أوضح الجهادي في تسجيل صوتي أنه ارتكب فعلته "انتقاما للنبي".
وفي معرض شرحه مبرّرات قرار منع العباءة، أردف الرئيس الفرنسي موضحا: "أنا أقول فحسب إنّ هذا النظام موجود..لقد حدث ذلك لأن مدرسا كان يعطي درسا عن العلمانية في فصله، ومن ثم حصل هياج على مواقع التواصل الاجتماعي أعقبه إقدام أشخاص على ارتكاب الأسوأ".
واستطرد إيمانويل ماكرون ردا على استفسار المذيع: "أنا لا أقارن بين أعمال الإرهاب والزي الذي ترتديه بعض الفتيات المسلمات"، متابعا: "أنا فقط أقول لك إن مسألة العلمانية في مدرستنا هي مسألة جوهرية".
كما أكد ماكرون أنه يؤيد إجراء "تجارب" و"تقييم" لارتداء زي مدرسي موحد في المدرسة، وأنه يفضل في هذا الإطار "زيّا أحاديا" كونه "أكثر قبولا" من قبل المراهقين، مضيفا: "هناك الزيّ الرسمي، وهناك أيضا الزي الأحادي..أي من دون أن يكون لدينا زيّ موحد، يمكننا أن نقول (للتلامذة)..ارتدوا بنطلون جينز وقميصا وسترة.. مسألة الزي الأحادي هي برأيي أكثر قبولا، وقد تبدو أقل صرامة من وجهة نظر الانضباط".وأوضح قائلا: "هذا الزي يحل الكثير من القضايا.. أولا.. العلمانية، وثانيا.. يوفر بعض الحشمة، فنحن لا نريد ملابس غريبة الأطوار للغاية".
وأعلن وزير التربية الفرنسي، غابريال أتال، الشهر الماضي، أنه "سيحظر ارتداء العباءة في المدارس" في فرنسا، مشددا على سعيه لوضع "قواعد واضحة على المستوى الوطني" لمدراء المدارس.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: العباءة فی
إقرأ أيضاً:
ماكرون دون مظلة؟!
كثيراً ما كان يطمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ استلامه الحكم منتصف العام 2017، أن يضع بلاده على خارطة الدول المؤثرة في المشهد العالمي، على شاكلة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، غير أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
صحيح أن فرنسا تعتبر من اللاعبين الدوليين الكبار وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، لكن تأثيرها السياسي والعسكري يأتي في مرتبة متأخرة لا تمكنها من صناعة السلام العالمي أو حتى قيادة أوروبا وحلف «الناتو» بديلاً عن غياب أو تراجع أميركي في لعب هذا الدور.
منذ ولايته الرئاسية الأولى، حاول ماكرون جاهداً قيادة القاطرة الأوروبية ولعب دور سياسي وعسكري أكبر من الذي تلعبه ألمانيا القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، وملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزيران 2016.
في أيلول 2018 وخلال خطاب ألقاه في باريس، دعا ماكرون إلى إنشاء جيش أوروبي موحد، رداً على تصريحات نظيره الأميركي ترامب، التي قال فيها: إن بلاده لا يمكنها حماية أوروبا مجاناً وإن على الأخيرة حماية نفسها بأموالها وليس بالمال الأميركي.
منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة، لم تتمكن فرنسا من إنشاء جيش أوروبي موحد، والسبب أن الأولى غير قادرة على ممارسة دور القيادة في ظل إمكانيات سياسية واقتصادية صعبة، إذ إن توفر هذا الدور يتطلب أولاً إرادة سياسية فرنسية موحدة وهذا لم يحصل، وثانياً إنفاق الكثير من المليارات على تطوير الأسلحة والقدرات العسكرية الفرنسية والأوروبية وهذا أيضاً متطلب غير ناضج بعد.
ثم إن الحرب الروسية على أوكرانيا منذ ثلاثة أعوام، كشفت هشاشة الاتحاد الأوروبي على المستويَين السياسي والعسكري، إذ لم تتمكن الدول الأوروبية من إرسال العتاد العسكري الكافي لأوكرانيا حتى تقيها شر الحرب، ولولا الدعم الأميركي لكانت كييف محتلة من جانب روسيا.
حرب أوكرانيا أثبتت أن أوروبا غير قادرة الاعتماد على نفسها في مواجهة أي مخاطر وتهديدات كبرى، وأنها بحاجة فعلاً إلى المظلة الأمنية الأميركية التي ظلت تدعمها منذ الحرب العالمية الثانية وحتى هذه اللحظة، لكن ثمة تغيرات كبرى تحدث في هذا المربع من العالم.
حرب أوكرانيا أثبتت أن أوروبا غير قادرة الاعتماد على نفسها في مواجهة أي مخاطر وتهديدات كبرى
ترامب خلال فترة رئاسته الأولى، ظل «يتحركش» بأوروبا ويهددها حتى يقبض ثمن الحماية التي يؤمنها لها، وماكرون اكتفى بالكلام والتوعد ولم يحدث أن وضعت فرنسا خطة متكاملة لقيادة أوروبا، سواء عبر بناء جيش موحد أو حتى توحيد الجهود لتمكين التحالف العسكري بين دول «الناتو».
لم تكن تصريحات ماكرون الأخيرة بشأن استخدام المظلة النووية الفرنسية لحماية أوروبا جديدة، إذ سبق له أن تحدث في هذا الموضوع مرات كثيرة، وحديثه الأخير يبدو أنه موجه للاستهلاك الإعلامي والغرض منه تلميع صورته أمام الرأي العام الفرنسي، وخارجياً القول: إن هناك رجلاً قوياً يمكنه الوقوف أمام روسيا وحضورها في أوروبا وعقيدتها النووية.
من الصعب على باريس؛ إذا غابت واشنطن عسكرياً عن أوروبا، أن تقوم بدور «سوبرمان» والتلويح بالسلاح النووي ضد روسيا، والسبب أنها أولاً: تمتلك حوالى 290 رأساً نووياً مقارنة بترسانة روسيّة تفوقها عدداً بعشرات المرات، حوالى 6375 رأساً نووياً.
ثانياً: يمكن القول، إن فرنسا تركز على الردع النووي وحماية حلفائها في العمق الجغرافي الأوروبي، بينما تستخدم روسيا سلاحها النووي جزءاً من إستراتيجيتها العسكرية لحماية مصالحها والتلويح بالسلاح للتأثير في المشهد العالمي.
ثالثاً: هناك فرق كبير بين القوتين الروسية والفرنسية لصالح الأولى، وعلى الرغم من تأثيرات الحرب على الاقتصاد الروسي، إلا أن روسيا ماضية بقوة في تحديث وبناء أسلحتها، ونلحظ أنها تُنوّع من إدخال طائرات جديدة وأخرى مُسيّرة وصواريخ باليستية قصيرة وطويلة المدى إلى ترسانتها العسكرية حتى تلبي احتياجاتها الإستراتيجية والأمنية.
النتيجة أن أوروبا دون أمريكا لن تكون قادرة على حماية مصالحها الإستراتيجية بالطريقة المطلوبة
النتيجة أن أوروبا دون أمريكا لن تكون قادرة على حماية مصالحها الإستراتيجية بالطريقة المطلوبة، وإن حاول الرئيس الفرنسي دفع نظرائه الأوروبيين إلى الاعتماد على أنفسهم، فإن ما ينقص أوروبا هو الإرادة السياسية للمضي في وحدة حال حقيقية تؤدي في النهاية إلى إحداث فرق جوهري في القوة العسكرية.
ماكرون يُذكّر الاتحاد الأوروبي كثيراً أن عليه الاعتماد على نفسه، ويُذكّر نفسه هو الآخر أن عليه التقدم خطوات للأمام حتى يحقق الأمن والسلام لأوروبا، وفي نفس الوقت يبقي الباب مفتوحاً للترحيب بالحليف الإستراتيجي الأميركي حتى يظل حامي أوروبا.
أخيراً مهما تحدثت أوروبا وماكرون عن بداية عهد جديد للتعاون الأوروبي، تظل أوروبا بحاجة إلى الولايات المتحدة حتى تدعمها في مواجهة التحديات والمخاطر الأمنية في الفضاء الأوروبي والعالمي، وتدرك أن عليها مغازلة ترامب ودفع الكثير حتى يصل الجميع إلى نقطة التلاقي.
(نقلا عن صحيفة الأيام الفلسطينية)