يمانيون-بقلم- علي السفرجل|
شيخَنا الموقَّر صادق أمين أبو رأس -رئيس المؤتمر الشعبي العام-:
في البداية اسمحوا لي أن أرفعَ اليكم أسمى آياتِ التهاني بمناسبة المولد النبوي الشريف، أعاده اللهُ علينا وعليكم بالخير والبركات وعلى بلادنا بالتحرير الكامل والنصر.
شيخ صادق أكتُبُ إليكم اليومَ مستفسِراً حتى أستطيعَ أخذَ احتياطي وتجهيزاتي اللازمة في حضورِ مناسبة المولد النبوي الشريف.
فقبل سنوات ليست ببعيدة ولم يمر عليها الوقتُ لتُنسى، ظهر رئيسُ حزب المؤتمر السابق لكم في خطاب حادٍّ قبل المولد النبوي هاجم فيه شركاءه في الحكومة وحرَّض عليهم، وقال مثلما قلتم بأن الحرب انتهت… إلخ، ووقتها قلنا جميعاً إن الاختلاف واردٌ بين شركاء أي عمل سياسي، وإن خطابه هذا مقتضاه المصلحةُ الوطنية العامة، وذهبنا للمشاركة في المولد النبوي الشريف ككل سنة حاملين معنا أطفالَنا ونساءَنا، ورافعين رايات المناسبة، محتفلين، مبتهجين بمولد خير البشر.
ولكن ونحن في طريق خروجنا من ساحة الفعالية “ميدان السبعين” واتجهنا سيراً على الأقدام مع أطفالنا ونحن ننشد ونردّد أهازيج الصلاة على النبي ونعطر أفواهنا بذكره، وكنا قرّرنا في ذلك اليوم الخروج من اتّجاه شارع حدَّة للوصول إلى شارع الجزائر؛ لشراء وجبة عشاء من مطعم أمام المركَز الليبي.
وفي غمرة تحَرُّكنا الفرائحي في مواكب وأفواج يتقاطر المحتفلون بذكرى مولد رسول الله فوجاً تلو فوج، وحين وصلنا إلى منتصف شارع الجزائر تفاجأنا بشابين مختبئين في أحد الأزقة الفرعية ويتخذان وضعيةً قتالية، ويصرخان فينا: “نزّلوا الأعلام حق المولد، نزلوا الأعلام حق المولد، وغيِّروا الطريق”.
استنكرت أنا وقتَها هذا الطلبَ، ولم أفهم ما وراءه، كيف لإنسان سوي أن يطلبَ إنزالَ أعلام مكتوبٍ عليها اسم نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وعندها اقترب أحد هذين الشابين وهو يصيح فيَّ: “نزّل أعلام المولد به قناصة فوق العمارات اللي قدامك من خبرة عفاش يستهدفوا أي واحد خارج من المولد النبوي”.
وقبل أن أستوعبَ الموضوع، فوجئت بسقوط أحد الشباب المحتفلين إلى جواري برصاص قناص، شاب في مقتبل العمر كان مبتسماً ويشدو ويلوّح براية ذكرى خير البشر رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، وقتها لم ألحظ إلَّا والدماء تتطاير من رقبة ذلك الشاب العشريني إلى جواري ورأيته وهو مرميٌّ على الأرض ينازع، وعرفتُ لاحقاً من الأخبار بأن ذاك الشاب ارتقى شهيداً.
لم أعرف وقتَها ماذا أفعل، رميتُ رايةَ المولد جانباً وركضت مثل المجنون احتضن أطفالي داخل صدري، أحميهما من مجال رؤية القناص، وانبطحت على أحد أرصفة شارع الجزائر وأنا أحاول أن أزيل أية مظاهر احتفالية بالمولد حتى لا نكونَ طريدةَ قناص ما.
لم أعرف وقتَها ماذا أفعل، على يميني شابٌّ في عمر الزهور يلفُظُ أنفاسَه مرميًّا على الأرض، وتحت حضني أطفالي ترتفع أصوات بكائهم، وأمر بعيني على محيط المشهد من حولي، محتفلون بمولد رسول الله يتساقطون واحدًا تلو الآخر فجأةً، بمنتهى الغدر والترصُّد، بدون ذنبٍ يسقطُ واحدٌ هنا ويصابُ آخرُ هناك ويسحب آخر رِجلَه المكسورة وراءه والتي أصابتها طلقةُ قناص جبان، وأزيزُ الرصاص تتكثّـف أصواته من حولي وأطفال يصرخون بهستيرية ونساء رمين بحقائبهن وكلّ واحدة منهن تبحَثُ عن ساترٍ تحتمي خلفه.
مواطن يرفع سبابتَه ويقولُ: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، وآخر من اللجان الشعبيّة يقول لنا: “لا تقلقوا، لا تخافوا خلّوكم منبطحين على الأرض.. لحظات لا أستطيع وصفها، تجمّد الدم في عروقي وشعرتُ أن الزمن من حولي توقف”.
لم أعرف ماذا أفعل وما هو الجرمُ الذي اقترفت أنا وغيري من الأبرياء في ذلك الشارع.. واستمررت بالزحف بهدوء ومعي أطفالي من على ذاك الرصيف حتى وصلنا إلى أحدِ الشوارع الفرعية وقد تجرحت أقدامُنا من الزحف وصارت تنزفُ دماً، وانطلقنا نركُضُ لمدة تتجاوزُ ربعَ الساعة حتى تقطعت أنفاسنا، وظل أطفالي يعانون أزمةً نفسيةً لشهور طويلة بعد تلك الحادثة.
عرفتُ يومَها من التلفاز في وقت لاحق أن أكثرَ من 20 شخصًا بين قريب أَو جار أَو صديق من الذين كانوا في ساحة الاحتفال بالمناسبة استشهدوا أَو تعرضوا لإصابة ما من قناص كان ينفِّذُ أوامرَ رئيس حزب المؤتمر السابق.
معالي الشيخ صادق أبو رأس -رئيس المؤتمر الشعبي العام -نائب رئيس الجمهورية-: أكتب إليك اليومَ لأعبِّرَ لك عن قلقي من تشابُهِ ظروف مولد الأمس بمولد اليوم، ولأكون صريحاً معك، حضورُ المولد بالنسبة لنا عقيدة وحياة، وسنحضر هذا العام أَيْـضاً نحن وأطفالنا، سواء عشنا أَو كُتِبت لنا الشهادة، إنما أردتُّ أن استفسرَ منك هل نذهبُ للاحتفال بعينٍ قريرة، أم تنصحنا أن نشتريَ خُوَذاً ودروعاً ضد الرصاص هذا العام بدلاً عن الرايات والقبعات الخضراء، إذَا كنت تعرفُ شيئاً أرجو أن تنصحَني؛ لأجل أطفالي الأبرياء في الحد الأدنى.
شيخنا الفاضل صادق أبو رأس: إن كان حولك “طارق ما” يحاول أن يجرجرَك والبلدَ معك إلى ما لا تُحمد عُقباه، أَو مخطّطات خارجية، ربما أمريكية أَو إماراتية أَو سعوديّة، بعد عجزها في المعركة العسكرية؛ فتحاول استخدامَ بعض مَن في الداخل لتحقيق انتصار..
فاقبَلْ مني هذه النصيحة، أنا المواطن العادي الذي “لا يفهمُ في السياسَة”، نحنُ –اليمنيين- مهما كانت مشاكلنا وخلافاتنا نبقى قادرين على الجلوس في غُرَفٍ مغلقة للتقارب وحل أي إشكال بشكل ودي داخلياً، وأنت رجلُ سلطة وسياسة وصاحب خِبرة وتعرف ذلك.
حاول أن لا تتركَ أُذُناً مفتوحةً لأي طارق يحاولُ أن يورِّطَك في عمل لا تُحْمَدُ عُقباه في الدنيا ولا في الآخرة، لقد علَّمَتْنا التجارِبُ في اليمن أن ما استعان يمنيٌّ بطرفٍ أجنبيٍّ إلا خسر مهما كانت الإمْكَاناتُ والوعود!
وما وقف أحدٌ في وجه المولد النبوي إلا وزال هو وزادت ونمت حشودُ المحتفلين بمولدِ خيرِ خلق الله تعالى.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المولد النبوی أبو رأس
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
المناطق_واس
أوصى إمام وخطيب الحرم المكي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله عز وجل وذكره وعدم الاغترار بالحياة الدنيا.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام : إن من دأب المخلصين من عباد الله، ذوي البصائر النيرة، والعقول الراجحة، دوام الأخذ بأسباب السعادة، وكمال الحرص على سلوك مسالك الفوز وسبل النجاة، رغبةً منهم في حسن العاقبة وكرم المآل، وكثيرًا ما يعرض القرآن للمدح لهم، والثناء عليهم، بكريم خصالهم، وجميل صفاتهم، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
أخبار قد تهمك خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي 14 أبريل 2023 - 2:04 مساءً خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي 7 أبريل 2023 - 2:42 مساءًوبين فضيلته بعض أوصاف أولي الألباب ، وفي الطليعة منها: الوفاء بالعهد الذي قطعه المرء على نفسه، والالتزام بالأوامر والنواهي التي أمر الله بها أو نهى عنها، والوفاء بالعهد الذي بينه وبين الناس، من عقود ومعاملات، وأداء للأمانات، لا يخل به ولا ينكص عنه، وكذلك عدم النقض للميثاق الذي وثقه بالله، وأشهد على المضي فيه والاستمرار عليه، لا يحمله على عدم الوفاء أو على النكث به، إغراء المادة وبريقها، أو تلويح بالسراب الخادع؛ فعهد الله تعالى واجب الوفاء حتمًا، ونقض الميثاق خطيئة كبرى، تنذر بالهلكة وسوء المصير.
وأضاف أن من صفات أولي الألباب الحميدة، صلة الأرحام، والإحسان إليهم، والصبر على ما يصدر منهم من أذى، وما يبدر منهم من جفوة وملام، كما جاء في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صل الله عليه وسلم عن ربه: “قال اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا اللهُ، وأنا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وشَقَقْتُ لها اسْمًا مِنَ اسْمِي، فمَنْ وصَلَها وصَلْتُهُ ، ومَنْ قَطَعَها قَطَعْتُهُ”. أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي في سننهما بإسناد صحيح، كذلك من صفات أولي الألباب الجليلة، الخشية من الله، ومخافة مقامه، والخوف من عذابه، ومن مناقشة الحساب يوم القيامة فإن “مَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ”. كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا، وحري بمن كان على هذه الحال، أن يستمسك بالحق والهدى، ولا يميل عنهما، اتباعًا لهواه، فيكون ممن أثنى الله عليهم بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ﴾.
وواصل قائلا : من صفات أولي الألباب التي ينبغي أن يحرص المرء على التحلي بها، الصبر في مختلف دروبه، صبر على طاعة الله، وما يقتضيه من إخلاص وبذل جهد، وصبر عن معصيته سبحانه، وما يوجبه من لجم للنفس، وكبح لجماحها، وحجزها عن النزوات والهفوات، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وما يستلزمه من رضا واحتساب وتسليم، والعباد يتفاوتون في ذلك؛ فمن كان أعظم صبرًا واحتسابًا، كان أجزل أجرًا وأكثر ثوابًا ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
وأفاد فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط أن من صفات أولي الألباب أيضًا، إقامة الصلاة المكتوبة، بحدودها ومواقيتها، وركوعها وسجودها وخشوعها، على الوجه الشرعي المرضي، الذي أمر به وبينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، دون إخلال بها، أو تشاغل عنها بصوارف الحياة ، وكذا الإنفاق مما آتاهم الله من رزق، على من يجب الإنفاق عليه، من أهل وولد وقرابات، وعلى من يندب الإنفاق فيه من أوجه البر، كالصدقة على البؤساء والمحرومين، أو والإسهام في مشروعات تنتفع بها الأمة، من بناء للمدراس، وإنشاء للمستشفيات، ودور للأيتام، وحفر للآبار، وتمهيد للطرق، وكافة الأعمال التطوعية، مما تنهض بها البلاد، وينتفع بها العباد، مع صدق النية وإخلاص القصد، ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا، علاوة على درء السيئة بالحسنة، مقابلة للقبيح بالجميل، ومدافعة للشر بالخير، وللأذى بالإحسان، امتثالاً للأدب القرآني، الذي أدب الله به عباده في قوله عز اسمه: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
وأكد فضيلته أن المرء إذا ملك نفسه، وألزمها سلوك الجادة، وسار بها في سبيل النجاة وطريق السعادة، ونأى بها عن أسباب التهلكة، وجنبها مسالك البوار والخسران، فإنه يكون بهذا من أولي الألباب، الذين رفع الله قدرهم، وأعلى منزلتهم، وبين ما أعدَّ لهم في دار كرامته، ومستقر رحمته، من الجزاء الضافي والأجر الكريم، فقال عز من قائل: ﴿ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ .
وأفاد الشيخ الخياط أن على العكس من ذلك الفريق الصالح، والطائفة الراشدة، والفئة الفائزة، من كان على النقيض منهم في جميل صفاتهم، وكريم خلالهم، وهم الذين لا يوفون بعهد الله من بعد تأكيده وتغليظه وتوثيقه عليهم، بل يقابلونه بالنقض والإعراض، ويقطعون ما أمر سبحانه وتعالى بوصله من الإيمان والعمل الصالح وصلة الأرحام، ويفسدون في الأرض بالكفر والإثم والصد عن سبيل الله، فهؤلاء الذين توعدهم الله بالطرد والإبعاد من رحمته، مع ما أعدَّ لهم في نار جهنم يوم القيامة من سوء المصير، فقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. عياذًا بالله من ذلك ، حاثًا المسلمين على تقوى الله عز وجل والعمل على الأخذ بصفات أولي الألباب الأخيار، والحذر من صفات الفجار الأشرار، لتطب حياتهم، وتستقم أحوالهم، ونيل رضوان الله عز وجل.
كما