إعداد: فرانس24 تابِع إعلان اقرأ المزيد

بُنيت آمال بوادر انفراج اقتصادي إثر عودة العلاقات مع الدول العربية وخاصة السعودية قبل نحو أربعة أشهر، إلا أن مراقبين اعتبروا أن الرئيس السوري بشار الأسد أغلق الباب أمام احتمالات إيجاد حلول للمشكلات السورية. ثم رفع الدعم عن الوقود، وبالرغم من أن زيادة في الرواتب مئة في المئة تبعت ذلك، إلا أن أصواتا غاضبة تعالت ومظاهرات في مناطق عديدة من سوريا اندلعت، أبرزها محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين.

نادى المتظاهرون منذ اليوم الأول قبل أكثر من أسبوعين، "بالحرية" ورددوا شعار "سوريا لينا وما هي لبيت الأسد"، ثم اتسعت رقعة الاحتجاج في القرى والبلدات المجاورة وتطورت المطالب إلى "تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254" الذي يتضمن بنودا كثيرة أهمها إجراء انتخابات تحت إشراف أممي وإعادة صياغة الدستور وعودة اللاجئين. وما لبث المتظاهرون أن أغلقوا مقر حزب البعث في السويداء بالشمع الأحمر ومؤسسات أخرى للدولة.

إضافة إلى ذلك، برز تحد آخر أمام النظام منذ نحو أسبوع يرتبط باشتباكات تشهدها منطقة شرق وشمال شرق سوريا. ففي سابقة في عهد الرئيس بشار الأسد، أعلنت السبت واحدة من أكبر العشائر العربية في المنطقة، وهي العكيدات، النفير العام لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وأعلنت عشائر أخرى كثيرة تضامنها معها، ولا تزال الاشتباكات جارية حتى الآن. واتهم عدد كبير من هذه العشائر النظام السوري وإيران وكذلك روسيا بمؤازرة "قسد" ودعمها على حسابهم هم أبناء المنطقة وبتبذير مواردها الغنية خصوصا بالنفط.

اقرأ أيضااحتجاجات اجتماعية بطابع سياسي في جنوب سوريا وبشار الأسد في مرمى الانتقادات

لفهم هذه الظروف وكيفية تفاعل النظام معها، لا بد من فهم الواقع الاقتصادي الأخير، وما سيتيحه هذا الواقع المتداعي من خيارات أمام النظام السوري لتهدئة الشارع وإسكات الأصوات الغاضبة المتزايدة.

اقتصاد الحرب في السنوات الأخيرة

فسر مدير النشرة الإلكترونية (the Syrian Report) "ذا سيريان ريبورت" والصحافي والمحلل الاقتصادي جهاد اليازجي هذا المفهوم وأعطى لمحة عامة عنه فيما يرتبط بالشأن السوري. منذ بدء احتجاجات 2011 ثم الانزلاق في الحرب، خسرت سوريا الكثير من مقدراتها. وعلى الرغم من استمرار عمليات اقتصادية طبيعية مرتبطة بفترة ما قبل الحرب من تجارات حرة وتواصل نشاط القطاع العام، إلا أنها خلقت واقعا جديدا. يتمثل هذا الواقع بهجرة الرساميل وانقسام البلد إلى مناطق سيطرة ونفوذ، ما زاد كلفة البضائع بسبب الحواجز، وبروز حاجات وأنشطة مرتبطة بالحرب مثل تجارة الأسلحة والمخدرات وتجارة المولدات جراء قطع الكهرباء، وتهريب القطع الأثرية وعمليات الخطف لطلب الفديات وتهريب مواد مختلفة بحكم العقوبات ومنع الاستيراد، وغيرها.

وهناك عوامل إضافية ضغطت على النظام اقتصاديا خارجة عن إرادته، إضافة إلى تشديد العقوبات الأمريكية إثر تبني قانون قيصر عام 2019، وهي انعكاس تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان على الاقتصاد السوري بشكل كبير في الفترات الأخيرة، وظاهرة الجفاف التي امتدت أكثر في السنوات الأخيرة وأثرت على قطاع الزراعة.

أشار يازجي إلى عدة عوامل ساعدت على بقاء النظام في سوريا متماسكا نسبيا، خارج استخدامه المفرط للعنف، بالرغم مما تعرض له اقتصاده من انهيارات متتالية. هذه العوامل هي أربعة بشكل رئيسي:

دعم الحلفاء وخاصة الروسي والإيراني، إذ صدّرت إيران على مدى سنوات طويلة النفط لسوريا (منذ 2013) بدون مقابل نقدي أو "كاش" عبر اتفاقية خط ائتماني بقيمة 3,6 مليار دولار. ما ساعد بترميم الاقتصاد. وكان الدعم الروسي مباشرا عبر استعادة أراض خرجت عن سيطرته وتمكينه أكثر من المناورة على منصات التفاوض، في حين وضعت قوات لها في قاعدة حميميم شرق اللاذقية واستأجرت ميناء طرطوس لنصف قرن.

المساعدات الإنسانية عن طريق الأمم المتحدة لمؤسسات ومنظمات دولية تعمل في سوريا أو منظمات سورية. وهي مصدر نشاط اقتصادي يعيش منه موظفون وأصحاب شركات. وآخرها كان المرتبط بالزلزال الذي جلب أموالا خصوصا من الإمارات وليّن بعض المواقف السياسية من الدول العربية تجاه النظام.

نظام الحوالات، أي المبالغ المالية التي يحولها سوريون مقيمون في الخارج إلى أهاليهم ومعارفهم في الداخل وهي تدعم الاقتصاد كونها توفر العملات الأجنبية، وتدعم النظام بشكل غير مباشر كون الاستلام يتم بالليرة السورية.

تجارة الكبتاغون: كشفت تقارير كان آخرها لبي بي سي قبل نحو شهرين عن تورط رأس النظام السوري بعمليات تصنيع لمخدر الكبتاغون تستقدم مادته الأولية من آسيا وتصنع في سوريا، ثم تصدر إلى دول عدة أولها الأردن للوصول إلى السعودية، وحتى وصلت شحنات منها إلى أوروبا. وهذا يعد مصدر دخل مباشر للنظام ويفيد الاقتصاد أيضا كون عبر هذه التجارة تُصرف العملة الصعبة.

يضاف إلى هذه العوامل، أنه على الرغم من التماسك الشكلي في هيكلية القطاع العام إلا أنه يشهد اضطرابا كبيرا، فالكثير من الموظفين لا يذهبون إلى العمل إلا جزئيا، والكثير منهم يطلبون الاستقالة نظرا إلى أن قيمة الراتب الشهري الفعلية لم تعد تكفي لمعيشة يومين للعائلة الواحدة في المتوسط. وأفادت تقارير عدة بوصول نسبة 90 بالمئة من السوريين إلى خط الفقر.

ما المتاح أمام النظام نظرا لهذا الواقع؟

وصل النظام إلى حالة عجز، والحرب المدمرة في مرحلة من المفترض أنها قيد الانتهاء، إلا أنه لم يتم التوصل إلى أي حل سياسي ينهي هذه المرحلة ويبدأ بجذب مشاريع إعادة الإعمار. "النظام السوري عاجز عن تقديم حلول بشكل عام وليس لديه أي حل اقتصادي" أو أي مشروع يعيد الحياة للاقتصاد، حسب اليازجي. ولم يعد هناك أي حديث في وسائل الإعلام المحلية عن مشاريع إعادة الإعمار التي كانت بفترة سابقة متكررة وجرت محاولات للترويج لها عبر إظهار تعاف جزئي في قطاع السياحة.

وفيما يخص تجارة الكبتاغون، هناك حديث عن مشروع أمريكي لإغلاق الحدود مع العراق وقطع "طريق طهران بيروت"، وأحد أهدافه ضبط عمليات تهريب الكبتاغون. ومن المؤكد أن هذه المسألة تؤرق بعض الدول وعلى رأسها الأردن والسعودية، لكن ما من معطيات دقيقة حول هذا الشأن حتى الآن. وبكل الأحوال هذه ليست تجارة يمكن للنظام التعويل عليها بشكل مستدام.

أما بشأن المظاهرات التي اندلعت في مناطق عدة من سوريا، فإن "التظاهر لا يحدث فقط بسبب الوضع الاقتصادي، وإنما أيضا بسبب غياب أي أمل في المستقبل. وقد يكون أحد أسباب المظاهرات هو عدم ظهور أي نتيجة عملية من التقارب مع العرب"، حسبما قال اليازجي. إضافة إلى أن هناك "إحساس عميق بأن كلفة السكوت أصبحت أغلى من خطورة الخروج" للتظاهر.

وحول القمع واستخدام العنف المفرط على غرار عام 2011، فإن "كلفة القمع عالية" وستزيد النظام هشاشة، وأولويته هي حصر مظاهرات الجنوب في السويداء ودرعا، كونها مناطق أطراف وليست مركزية، واعتماد سياسة الترهيب في مناطق الساحل ودمشق ووسط البلاد عبر الاعتقالات وإسكات الأصوات المعارضة. ووثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقرير صدر السبت 2 أيلول/سبتمبر اعتقال ما لا يقل عن 223 شخصا خلال شهر آب/أغسطس، بينهم 57 مدنيا شاركوا في الاحتجاجات. ويصعب اللعب على الوتر الطائفي من جديد في الجنوب، حيث إن السويداء محسوبة على الأقليات التي روج كثيرا النظام في السابق أنه يحميها من الأكثرية السنية. ومنطقة الشرق والشمال الشرقي هي أصلا تخضع بجزء كبير منها لنفوذ الأكراد المدعومين من التحالف الدولي والولايات المتحدة، وفيها أيضا تواجد للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

والمشكلة الأكبر تبقى، حسب اليازجي، هي أن النظام "ينتظر، ولا يبادر، ويراهن على الوقت". وهذا يظهر بالعلاقة مع تركيا والعرب بشكل أساسي. هو "لا يقدم أي تنازلات وليس لديه أية مبادرة سياسية" مقابل الحصول على مكتسبات خارج حليفيه إيران وروسيا، إن كان من دول الخليج أو حتى من الأكراد الذين يسيطرون على منابع النفط في الشمال والشمال الشرقي. ويواصل الانتظار وكسب الوقت انطلاقا من معرفته أن حلفاءه سيستمرون بالوقوف خلفه على الرغم مما تشوب العلاقة معهم من خلافات. فكرة أخرى قد يعول عليها النظام هي أن بعض الدول الغربية لا ترى أن هناك من يمكنه أن يكون بديلا للأسد وأنه بأحسن الأحوال قد يكون البديل من قلب النظام نفسه وليس من خارجه، إضافة إلى أن سوريا ليست أولوية بالنسبة لهذه الدول. 

في النهاية، النظام "محشور اقتصاديا" وسوريا هبطت كثيرا في سلم الأولويات بالنسبة للغرب.

 

فرانس24

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: العراق الغابون النيجر ريبورتاج سوريا سوريا بشار الأسد مظاهرات اقتصاد للمزيد النظام السوری إضافة إلى إلا أن

إقرأ أيضاً:

ما مصير الوجود المضطرب للاجئين السوريين في تركيا؟

لا تزال تركيا ومناطق الشمال السوري تعيش على وقع التوترات التي عمت الجانبين خلال الأيام الأخيرة بسبب الاعتداءات التي طالت منازل وممتلكات لاجئين سوريين في ولاية قيصري التركية، رغم تراجع التوترات والهدوء الذي الجانبين بعد ليالي صعبة عاشها السوريون المقيمون في تركيا.

ويرى مراقبون تحدثوا لـ"عربي21"، أن الأحداث الأخيرة جاءت نتيجة لاحتقان متصاعد في الشارع التركي تجاه اللاجئين السوريين، الأمر الذي يجعل تكرر مثل هذه الاعتداءات واردا في حال لم يتم التعامل مع الأمر والحد من الاستياء لدى الجانبين.

ومساء الأحد، فجر اعتداء مجموعة من المواطنين الأتراك على منازل وممتلكات لاجئين سوريين في ولاية قيصري وسط البلاد موجة من الغضب تجلت في تظاهرات احتجاجية في مناطق الشمال السوري ضد الانتهاكات بحق السوريين في تركيا وحملات الترحيل، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.



كما أعقب ذلك تعرض سوريين في العديد من الولايات التركية مثل غازي عنتاب وقونيا وإسطنبول لاعتداءات جديدة لليوم الثاني على التوالي، في حين أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا اعتقال 474 شخصا تورطوا في أعمال تحريض ضد اللاجئين، بينهم 285 من أصحاب السوابق الجنائية.

"وجود مضطرب"
يرى رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، أنه من الممكن أن يكون لما حدث انعكاسات أشد وطأة على خلفية تواصل حملة الترحيل الواسعة جنوبي البلاد، والتي من المتوقع  أن تمتد موجاتها إلى ولايات ومدن أخرى بسبب عزم الحكومة التركية على ترحيل ما لا يقل عن مليون سوري إلى بلادهم.

ويضيف في حديثه لـ"عربي21" أن الوجود السوري في تركيا قبل أحداث قيصري هو "وجود مضطرب"، بمعنى أن السوريين ليس لديهم الطمأنينة واليقين بشأن مستقبلهم في تركيا بسبب وجود قوافل من المرحلين بشكل يومي.

"فهناك مساعي لدى الحكومة التركية لطي وجود اللاجئين السوريين في تركيا خلال سنوات قليلة، وهذا ما يجري تطبيقه الآن. ما يجعل كل من يرتكب مخالفة بسيطة أو يتم رفع شكوى ضده، معرضا للترحيل"، حسب قرنفل.

وكانت ولاية غازي عنتاب، شهدت خلال الأيام القليلة التي سبقت أحداث قيصري حملة أمنية كبيرة ضد اللاجئين السوريين، إذ كثفت إدارة الهجرة التركية من دورياتها لملاحقة من تقول إنهم مخالفون لشروط الإقامة في تركيا، وذلك في أعقاب إصدار 41 منظمة تركية بيانا تحذر فيه من خطر وجود السوريين على التركيبة الديمغرافية للمدينة الواقعة جنوبي البلاد.

وعلمت "عربي21" من مصادرها أن السلطات التركية رحلت أكثر من 300 لاجئ سوري إلى الشمال السوري، في ظل تكثيف دوريات التفتيش.

يأتي ذلك ضمن الجهود المكثفة التي يبذلها وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا للتعامل مع ملف اللاجئين في تركيا منذ توليه مهام منصبه منتصف العام الماضي، حيث يشارك الوزير التركي بوتيرة شبه يومية بيانات حول ترحيل لاجئين "مخالفين لشروط الإقامة" في تركيا، عبر حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقا).

ويعيش في تركيا، حسب البيانات الرسمية، ثلاث ملايين و114 ألفا و99 سوريا، تحت بند الحماية المؤقتة (الكمليك)، ويصل إجمالي عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم في الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2024، إلى 658 ألفا و463 سوريا. إلا أن أحزاب المعارضة تذهب في ادعاءاته إلى "وجود ما يزيد على 10 مليون لاجئ في تركيا سيزداد عددهم إلى 25 مليونا".

ولطالما استعملت المعارضة التركية ورقة اللاجئين السوريين لتحقيق مكتسبات سياسية في كل استحقاق انتخابي، وقد تعزز ذلك على وقع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا وتنعكس تداعياتها على المواطن بشكل مباشر.




"تحرض وأزمة اقتصادية ضاغطة"
يشار إلى أن أحداث قيصري جاء على خلفية عودة ملف اللاجئين السوريين إلى الوجهة على الرغم من عدم وجود فترة انتخابية، حيث عمل رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغو أوزيل، في العديد من اللقاءات المتلفزة، على التشديد على عزمه إنهاء أزمة اللجوء عبر لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك في معرض تلويحه بانتخابات رئاسية مبكرة.

ويرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد لله، أن "هناك مجموعة من الأسباب تقف خلف أحداث  ولاية قيصري، وعلى رأسها حملات التحريض، وخطاب الكراهية حيث أسبوعيا يتصدر هاشتاغ يرتبط بالسوريين والعرب وسائل التواصل الاجتماعي التركية، وهناك عدم جدية الحكومة في ملاحقة مروجي العنصرية وخطاب الكراهية، حيث إنه لم يتم ملاحقة أكثر المروجين لذلك".

ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا التحريض يأتي في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم التي تعيشها تركيا والتي أصبحت عامل ضاغط على المواطن التركي، كذلك فإن هناك للتيار القومي كذلك في تأجيج العنصرية تجاه الأجانب لأنها تعزز الأفكار القومية لدى الشباب التركي، وغياب استراتيجية واضحة أو خطة طويلة الأمد لتنظيم السوريين في تركيا، وهناك نشاط لبعض اللوبيات تقوم بالتحريض على السوريين وخاصة اللوبي الإيراني والموالين للنظام السوري".

ويلفت إلى أن حالة التصعيد الأخيرة "ستنتهي بعد عدة أيام، وتتمكن أجهزة الأمن من ضبط الأمور، لكن هذا لا يعني نهاية هكذا حوادث في ظل استمرار وجود مسبباتها، فربما تظهر مشاكل أخرى في مدن أخرى".

و"تحتاج الحكومة التركية إلى مقاربة جديدة حول قضية اللاجئين، فترحيل السوريين ليس حلا، وكذلك بقاءهم، وعليها المسارعة بوضع استراتيجية شفافة وواضحة لمعاجلة هذا الأمر، وإلا ستكرر مثل هكذا حوادث باستمرار"، حسب حديث مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.

أما قرنفل، فيشير إلى أن "المشكلة تمثل في أن اللاجئ السوري أصبح المصرف الوحيد لحالة الاحتقان والغضب في الشارع التركي، بسبب سوء الإدارة وسوء الأوضاع الاقتصادية والتضخم وعشرات الحالات الضاغطة على المجتمع".

"تصريحات صادمة" ومخاوف في شمال سوريا
يأتي ذلك مع تقدم أنقرة في مسار التطبيع مع نظام بشار الأسد، الأمر الذي يثير قلق فئات من المعارضة السورية المتحالفة مع الجانب التركي، فضلا عن المخاوف في صفوف ملايين اللاجئين السوريين على الأراضي التركية من تبعات المسار على وجودهم في تركيا، سيما في ظل تصاعد خطاب المعارضة والسياسات الحكومية المشددة ضد من يُوصف "بمخالفي شروط الإقامة" منهم.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعرب في تصريحات صحفية الشهر المنصرم، عن إمكانية لقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد ورفع العلاقات إلى المستوى العائلي كما كانت قبل القطيعة.




وأشار أردوغان في تصريحاته التي أشارت إلى تحول جوهري في موقف أنقرة من دمشق، إلى أنه لا يوجد أي سبب يمنع تركيا من إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري.

ويرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أن "تصريحات أردوغان كانت صادمة لكثير من السوريين".

ولاحقا، عاد الرئيس التركي للتأكيد على أن بلاده "مهتمة بتنمية القاسم المشترك بدلا من تعميق الخلافات"، وأن أنقرة "تعتقد أنه من المفيد في السياسة الخارجية بسط اليد، لذلك فإننا لا نمتنع عن اللقاء مع أي كان".

ويأتي حديث أردوغان في أعقاب تقارير عن لقاء مشترك جرى بين وفدين تركي وآخر تابع للنظام على الأراضي السورية برعاية من روسيا، كما تبع ذلك تأكيد من الأسد على أن نظامه "منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بتطوير العلاقات مع تركيا" شرط أن تكون "مستندة إلى سيادة الدولة السورية".

ويتوقع سمير العبد لله في حديثه لـ"عربي21"، إجراء "عدة اجتماعات بين النظام السوري وتركيا، في الفترة القادمة، وحتى ربما يلتقي الأسد مع الرئيس أردوغان".

ويستدرك بالإشارة إلى أن "المفاوضات ستكون صعبة ومعقدة، نتيجة تشابك الملفات، ووجود عدة قوى ومصالح مختلفة في سوريا، ولن يتمكنوا من تحقيق تقدم كبير على الأرض، لأن الاختلافات كبيرة بين الطرفين، وليس لدى النظام السوري الكثير لتقديمه، وتركيا لن تتخلى عن كثير من القضايا دون ثمن، أو اتفاق يحمي مصالح أمنها القومي".

وتثير مساعي أنقرة للتطبيع مع نظام الأسد، مخاوف لدى معارضين في مناطق شمال غربي سوريا التي تقع تحت السيطرة التركية، وكان العديد من المحتجين خلال المظاهرات التي انطلقت في الشمال تنديدا بأحداث قيصري، أعربوا عن استيائهم من التوجه التركي الجديد تجاه دمشق.

الباحث في الشأن التركي محمود علوش، يرى أن "علاقة تركيا بالبيئة السورية الحاضنة لها في شمال سوريا لا تزال تشكل ركيزة في سياستها السورية، وهي ليست بوارد التخلي عن هذه العلاقة والتزامها تجاه المعارضة السورية، وحتى في ظل الانعطاف التركي نحو التطبيع مع دمشق لا تزال تركيا تنظر إلى التسوية السياسية للصراع على أنها حاجة وليست خيال".

ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "التعامل اليوم مع الانطباعات المتصورة المسبقة لنتائج التطبيع التركي السوري على أنها حقيقة  لن يساعد سوى في جعلها حقيقة في تسريع جعلها حقيقة، وبالتالي هذا الأمر بطبيعة الحال لا يساعد في إدارة تحد من المخاطر على العلاقة بين تركيا والبيئة السورية المعارضة".

وبحسب تقديرات علوش، فإن "هناك حاجة لدى تركيا والمعارضة السورية لإعادة تصميم العلاقة من منطق جديد يركز بشكل أساسي على كيفية إدارة ارتدادات التحول المفصلي في السياسة التركية في سوريا بشكل يحد من الخسائر على تركيا وعلى الحالة السورية المعارضة".

وعلى الطرفين أن يخلق فرص "لتجنب ما يمكن أن يكون أسوأ" في هذه العلاقة في المستقبل، وفق علوش.

والثلاثاء، قال أردوغان في كلمة له بعد اجتماع للحكومة في العاصمة التركية أنقرة، إن بلاده "بحاجة إلى أن تجتمع (مع الأسد) كما كان الحال في الماضي، بالطبع، عند القيام بذلك، سنأخذ في الاعتبار مصالح تركيا في المقام الأول".

وأضاف أن تركيا "لن تضحي بأي شخص وثق بها أو لجأ إليها أو عمل معها، ولن تكون دولة تتخلى عن أصدقائها وسط الطريق"، في إشارة على ما يبدو إلى الاستياء الذي تجلى خلال التظاهرات الأخيرة في مناطق شمال غربي سوريا.

العبد لله، يشير في حديثه حول علاقة أنقرة بالمعارضة السورية على وقع التقارب مع النظام، إلى أن "تركيا بالنهاية دولة وبها مؤسسات، وسياسة خارجية فاعلة، وفي السياسة لن تتخلى عن أوراق تفاوضية تملكها سواء مع الصديق أو العدو، لذلك أعتقد أن تركيا ستحاول مراعاة مصالح أصدقاءها في الفترة القادمة وخاصة المعارضة السورية، ولن يكون هناك ما يتخوف منه السوريين بانقلاب الموقف التركي ضدهم".

"فالأمر ليس مرتبط بقضية واحدة، فهو مرتبط بسمعة تركيا وسياستها الخارجية، لذلك أعتقد أنها ستكون حريصة على هذا الأمر"، حسب تعبيره.

"تركيا حسمت أمرها"
ومن المتوقع، حسب تقارير صحفية مقربة من النظام السوري، أن تشهد العاصمة العراقية اجتماعا بين تركيا والنظام بهدف تذليل العقبات، على خلفية المبادرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من أجل التقريب بين الجانبين، الشهر الماضي.

وبناء على تصريحات الرئيس التركي، يرى علوش أن تركيا حسمت خيارها في مواصلة مسار التطبيع مع الأسد، مشيرا إلى أن "التحول في السياسة التركية في سوريا هو نتيجة للتحول في أولويات السياسة التركية والتكيف مع التطورات التي طرأت على الصراع السوري منذ حقبة ما بعد التدخل العسكري الروسي منتصف العقد الماضي".

ويلفت إلى أن "تركيا لم تعد معنية بهدف الإطاحة بنظام الأسد، فقد أصبح هاجسها الأساسي يتركز على مكافحة مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وهذا الهاجس فرض عليها الانعطاف نحو دمشق".


وبحسب علوش، فإن تطبيع أنقرة من الأسد سيعيد تشكيل الصراع في سوريا بالتأكيد لكنه لن يؤدي بتقديري إلى المرحلة التي قد تركيا إلى التخلي عن علاقتها بالمعارضة السورية قبل تحقيق أهدافها العريضة لسياستها السورية.

ويوضح أن "هذه الأهداف لا تقتصر فقط على معالجة الهواجس الأمنية، بل تشمل أيضا إعادة اللاجئين السوريين والتسوية السياسية للصراع في سوريا".

وحول هواجس المعارضة السورية في الشمال، ينوه علوش إلى أن "هذه البيئة ببساطة تخشى أن تكون ضحية لهذا التحول. وأن تنخرط تركيا في مشروع تصفية القضية السورية".

ويشير في ختام حديثه لـ"عربي21"، إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها مناطق شمال سوريا "هي اختبار لما يمكن أن يكون عليه الوضع عندما تحين لحظة الحقيقة في التطبيع التركي السوري ويصافح أردوغان الأسد".

مقالات مشابهة

  • الشارع يراهن على الحكومة الجديدة لعبور الأزمة الاقتصادية
  • الصين تطالب أمريكا بالتوقف عن نهب موارد سوريا وتعويض الشعب السوري
  • ما مصير الوجود المضطرب للاجئين السوريين في تركيا؟
  • رُفض نقلها إلى بيروت.. ما جديد الحالة الصحيّة للونا الشبل بعد تعرضها لحادث سير؟
  • مقتل 429 مدنيا في سوريا تحت التعذيب منذ مطلع 2024.. بينهم عشرات الأطفال
  • افتتاح معبر أبو الزندين.. منافع اقتصادية أم تطبيع مع نظام الأسد؟
  • أمريكا تكابر وتضحي باقتصادها للدفاع عن إسرائيل واستمرار جرائم الإبادة ضد الأبرياء في غزة: تأثير العمليات اليمنية يلقي بثقله على الاقتصاد ، والمستهلكين الأمريكيين
  • هل يجتمع أردوغان مع الأسد خلال قمة شنغهاي المقررة في أستانا؟
  • هل يجتمع أردوغان مع الأسد خلال قمة شنغهاي المقررة في أستانة؟
  • التقارب التركي مع الأسد يثير مخاوف في شمال سوريا..وعنتاب تضيق على اللاجئين