أكد الدكتور سعيد ناشيد، رئيس مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، المغربي، أن الخطاب الديني الإسلامي يحفل بالكثير من المشاكل والأزمات، وأنه من الضروري التخلي عن سمات سلبية كثيرة تشوب الخطاب الديني، مثل سيطرة الرؤية الحربية، وشيوع النبرة الحزينة، المشجعة على اليأس وفقد الأمل.
وقال "ناشيد" في ندوة عقدها مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، بعنوان "الخطاب الديني والأمن الروحي"، إن الخطاب الديني الإسلامي ما زال خطابا إمبراطوريا يتحدث عن الغزوات ويستعمل المفاهيم العسكرية، ولا بد من تخليصه من هذه الرؤية الحربية، وأيضا تخليصه من الرؤية الحزينة للعالم، التي ترسخ مفاهيم من قبيل أن الدنيا لا تساوي شيئا، مع إذاعة المشاعر السلبية من خوف وعقدة ذنب وتحذير من عذاب القبر.


وشرح "ناشيد" أن مثل هذه الرؤى والمشاعر السلبية تضعف القدرة على مواجهة الحياة، كما تدفع الشباب إلى فقدان الأمل، ويكون هذا الخطاب مؤديا إلى اعتناق الأفكار المتطرفة والسقوط في أتون الإرهاب.
وطالب، أستاذ الفلسفة المغربي، بتجديد الخطاب الديني بحيث يصبح مناسبا ويخاطب إنسان القرن الواحد والعشرين، ويواكب التحولات الثقافية والفكرية التي يعرفها العالم الإسلامي، ويحقق الأمن الروحي الذي يعني تغييب الخوف، وهذه الأخيرة هي مهمة الأديان، فالغاية المعلنة للأديان هي تخليص الإنسان من الخوف الوجودي، لكن السؤال الحقيقي الذي ينبغي طرحه هو إلى أي حد هذا الخطاب الديني الرائج يخلصنا من المخاوف أم إنه يؤجج مخاوف الإنسان بهدف السيطرة عليه.
ولفت "ناشيد" إلى أن ما يدفع الإرهابيين إلى الإرهاب ليس هو الشجاعة، بل الخوف المستوطن في نفوسهم، المرتبط بالخوف من العذاب، وقبله الخوف من الحياة، ولذلك يحرمون الموسيقى والرقص وكل ما يدعو إلى البهجة.
يشار إلى أن الندوة شملت مشاركات متميزة لباحثات وباحثين ومهتمين بموضوعها، مثل د. سعيد ناشد، رئيس مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، د. محمد عبد الوهاب رفيقي، مفكر وباحث في الدراسات الإسلامية، د. زكرياء أقنوش، رئيس المركز المغربي للدراسات الأمنية والأبحاث الدينية، د. حميد المصباحي،  باحث في الفكر الإسلامي.

صورة تذكارية للندوة

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الخطاب الدینی

إقرأ أيضاً:

الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل

في لحظات المفصل التاريخي، حين تتبدل المصائر ويُعاد تشكيل الوعي الجماعي، يكون للعقلاء والتاريخ كلمتهم، وهي كلمة قد تأتي متأخرة، لكنها تحمل قسوتها التي لا ترحم. غير أن هذه الكلمة ليست بالضرورة صرخةً في الميادين أو خطبةً على منابر الجدل، فقد تكون صمتًا مدويًا في وجه الخطاب الشعبوي، أو تأملًا باردًا في مسرح العواطف الملتهبة. والعقل، في صورته الأصيلة، ليس نزاعًا بين الذوات، بل سيرورةٌ لفهمٍ أعمق، حيث لا يكون العقل مجرد سلطةٍ إجرائية تحكم المواقف، بل معيارًا يزن المقولات في ميزان الحقيقة.

كتب الدكتور الوليد مادبو مقاله الأخير في نقد الأستاذ شوقي بدري، مستخدمًا لغةً مشحونةً بالتقريع، تتداخل فيها الذاتية مع الموضوعية، والنقد مع الاستعداء. غير أن الأزمة هنا ليست في حدّة اللغة فحسب، بل في الطبيعة الاستدلالية التي أسس عليها مقاله، والتي تستدعي وقفةً نقدية تتجاوز الشخصي إلى الكلي، من حيث طبيعة التفكير ومنهجية التحليل.

المغالطة المنهجية الخطاب بين الشخصي والتاريخي
ليس من الحكمة أن يُقرأ الواقع بمسطرة الذات، فتُختزل التناقضات المركّبة في ازدواجية "المهرّج والعالم"، أو "المؤدلج والمستقل". فالفكر في جوهره ليس مجرد تراكم أسماء أو انتماء أكاديمي، بل هو ميدانٌ مفتوحٌ للجدل الحر والتفاعل المعرفي. حين يجعل الكاتب من ذاته معيارًا للفرز بين "المتطفلين" و"الجادين"، فإنه يقع في مأزق فلسفي عميق: كيف يمكن للعقل أن يكون حكمًا وهو طرفٌ في الخصومة؟

يتخذ مادبو في طرحه موقفًا يتأرجح بين المدافع عن القيم والمحلل البارد، لكنه في جوهر خطابه يستخدم لغةً معياريةً أخلاقية تحاكم الآخر من منطلق ذاتي. وهنا يظهر التناقض: كيف يمكن استدعاء معايير الفكر النقدي، بينما يُمارس الإقصاء والتهكم في ذات اللحظة؟ إن النقد الفلسفي، كما صاغه فلاسفة مثل هابرماس أو ألتوسير، ليس خطابًا يعتمد على الشخصنة، بل هو تفكيكٌ لبنى التفكير وإعادة بناء المفاهيم وفق منطقٍ متماسك، لا وفق انفعالات اللحظة.

إشكالية السلطة المعرفية والاستعراض الخطابي
حين يلجأ الكاتب إلى تعداد الشخصيات التي تتلمذ على أيديها – من طه عبد الرحمن إلى الجابري – فإنه يسعى إلى تأسيس سلطةٍ معرفية قائمة على الانتماء أكثر من البرهان. لكن العلم، كما أشار إليه غاستون باشلار، لا يُكتسب بالانتساب إلى الأسماء، بل بالقدرة على مساءلة الأفكار دون تحصينها بهالةٍ من القداسة. فالسؤال الفلسفي الحقيقي ليس "مع من درست؟"، بل "كيف تفكر؟"، وهذا ما لم يقدمه المقال.

إن استدعاء المرجعيات الفكرية لا يصنع معرفة، بل قد يكون مجرد تمرينٍ خطابي لإضفاء الشرعية على موقفٍ مسبق. ولذلك، فإن الوعي الفلسفي يقتضي تفكيك المسلّمات بدلًا من إعادة إنتاجها في قوالبَ جديدةٍ لا تخرج عن النسق نفسه.

قراءة التاريخ: بين السردية الخطية والتعقيد البنيوي
يتحدث مادبو عن التهميش كمسارٍ امتد لقرنين من الزمان، مصورًا التاريخ بوصفه خطًّا مستقيمًا من القهر والاستعلاء العرقي. غير أن قراءة التاريخ من هذا المنظور تعكس اختزالًا شديدًا لجدلية السلطة والمجتمع، حيث تُختصر الصراعات السياسية والاقتصادية في ثنائية "مضطهِد ومضطهَد".

إن تحليل التاريخ لا يمكن أن يكون فعلًا انتقائيًا يستدعي فقط ما يخدم موقفًا آنيًا، بل هو عملٌ بنيوي يُعيد تشكيل الوعي وفق تعقيد العلاقات الاجتماعية والسياسية. وكما أشار ميشيل فوكو، فإن السلطة لا تعمل ككيانٍ أحادي، بل تتجلى في أنماطٍ متغيرةٍ من الهيمنة والتفاوض والمقاومة، مما يجعل من أي تفسيرٍ أحادي للتاريخ نوعًا من التبسيط الأيديولوجي الذي يفقده قيمته التحليلية.

ازدواجية الخطاب ومشكلة المعيارية الانتقائية
إن وصف الجيش السوداني بأنه "غير قومي وغير مهني" مع الدعوة لمقاومته، في الوقت الذي يُنتقد فيه الدعم السريع باعتباره فاقدًا للمشروعية، يكشف عن مشكلةٍ معيارية في الخطاب. فإذا كان الجيش يعاني من أزمةٍ بنيوية، فإن الدعم السريع لا يخرج عن كونه تجلّيًا أكثر فجاجةً لنفس الإشكاليات، مما يجعل من غير المنطقي انتقاد أحدهما باعتباره "إرثًا يجب مقاومته"، بينما يُعامل الآخر بوصفه "خطأً تكتيكيًا يجب تصحيحه".

هنا تبرز إشكاليةٌ فلسفية تتعلق بازدواجية المعايير في الخطاب السياسي: كيف يمكن رفض منظومةٍ كاملة، ثم التعامل مع أحد منتجاتها على أنه "حالة استثنائية" تستحق المراجعة بدلًا من الإدانة المطلقة؟ إن النقد المتماسك لا يكون بالانتقاء، بل بالقدرة على الاحتفاظ بثبات المعايير بغض النظر عن الظرف السياسي.

في البدء كان العقل حاجة السودان إلى خطابٍ متزن
إن الأزمة السودانية اليوم ليست أزمة أشخاص، بل أزمة وعي، حيث يُستبدل النقد العقلاني بالهجوم الشخصي، ويُستبدل التحليل العميق بالسرديات التبسيطية. فحين يتنادى البعض بالألقاب، متناسين جوهر القيم التي يدّعون الدفاع عنها، يكون التاريخ في موقف الحكم، حتى وإن تأخر في النطق بكلمته.

لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء- هل ننتظر أن يحكم التاريخ أم نحاول أن نحكم عقولنا قبل أن تصدر الأحكام؟ إن وعي اللحظة يقتضي الخروج من دائرة الشخصنة إلى فضاء النقد الفلسفي، حيث تُختبر الأفكار لا الأشخاص، وتُناقش الخطابات لا الذوات. فالتاريخ قد يكون قاسيًا، لكن العقل أحيانًا يكون أشد قسوة، حين يُطالبنا بأن نكون على مستوى ما ندّعيه من قيمٍ ومبادئ

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • بهدف الوصول لـ 100 مليار دولار.. رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية لتنمية الصادرات
  • مفتي الجمهورية: الله منح الإنسان العقل وأنزل إليه الرسل حتى تقوم عليه الحجة
  • رئيس مركز ومدينة العريش يقوم بمعاينة الهبوط الأرضي بالضاحية
  • الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل
  • محامية أسرة طفلة الشرقية: حالة من الخوف لمعظم الأسر المصرية بعد الواقعة
  • شادي شامل يثير الجدل بتصريحاته عن الحجاب والالتزام الديني في رمضان
  • حماس تكشف ما وافقت عليه خلال اجتماع وفدها مع رئيس المخابرات المصرية
  • نفاد مخزون دواء علاج إدمان المخدرات méthadone يثير الخوف في مراكز الإدمان وجمعيات تنتقد وزارة الصحة
  • رئيس جمعية حقوق الإنسان: المرأة شريك أساسي في مسيرة التنمية المستدامة
  • بالفيديو .. رئيس كوريا الجنوبية المخلوع يغادر مركز التوقيف في سيؤول