في ظل المشكلات العديدة والمتفاقمة التي تعاني منها الدول العربية في هذه الفترة على المستويين الفردي والجماعي جاء إعلان الخارجية الإسرائيلية يوم 27 أغسطس الماضي عن عقد ما أسمته، «لقاء تاريخيا ومثمرا» بين نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الليبية وبين نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في روما، وذلك قبل أيام من ذلك التاريخ؛ ليكون بمثابة إضافة أخرى للحالة المزرية التي تعيشها دول وشعوب المنطقة العربية سياسيا، وعلى أكثر من مستوى لأسباب عديدة تفاعلت وتتفاعل على مدى نحو عشر سنوات على الأقل وهو ما أدى إلى أن ترى إسرائيل وحكومتها اللقاء على أنه حدث تاريخي مثمر، في حين يمر اللقاء بقدر قليل من الاهتمام على الصعيد العربي العام، باستثناء قلة ممن يريدون استثماره في الصراع الداخلي في دولهم أو لتصفية حسابات أو خوض مزايدات محسوبة فيه، حتى وإن كان البعض لا يتورع عن تطبيق المثل القديم الذي يطبقه بعض السياسيين عربا وأجانب وهو «يقتل القتيل ويمشي في جنازته»، وإن كان الرئيس الروسي بوتين قد ترفع عن ذلك في ظل وجود مجرد شكوك أو اتهامات لم تثبت حول شبهة تورطه أو بعض العاملين في إدارته في إسقاط طائرة يفجيني بريفوجين رئيس مجموعة فاجنر الروسية ومقتله وعدد من مساعديه في أواخر الشهر الماضي.

على أي حال فإن لقاء نجلاء المنقوش وإيلي كوهين وملابساته يختزل إلى حد كبير الحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية في الظروف الراهنة وما وصل إليه التعامل العربي أو بعضه على الأقل معها، ورحم الله الأمس وقياداته بغض النظر عن الاتفاق أو الخلاف مع مواقفهم وأسبابها ودوافعها.

وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا: إنه في ظل الانتشار الواسع، المعروف والمستتر بدرجات متفاوتة، للاتصالات الإسرائيلية مع عدد كبير من الدول العربية وبوساطات وأساليب مختلفة تتطوع أطراف مختلفة بشكل أو بآخر للقيام بها لصالح إسرائيل أكثر منه لصالح العرب ومن منطلق «وهم» بنته وغذته إسرائيل، ونميل نحن العرب للاعتقاد فيه وتصديقه ومفاده أن الطريق إلى خدمة المصالح الذاتية العربية خاصة على مستوى الزعامات الفردية المتطلعة أو ذات الحسابات إنما تمر عبر بوابة إسرائيل بشكل أو بآخر من ناحية، وأن من يقيمون اتصالات ومفاوضات من الحكومات العربية لخدمة مصالحها مع إسرائيل باتوا واثقين تماما من أن الأوضاع العربية تغيرت وتتغير على نحو أصبح مجرد إعلان أو بيان يتضمن إشارة ولو عابرة لاعتبارات السيادة والمصالح الوطنية أو العمل لخدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني كافية لوقف الجميع عند حده من ناحية، ولتغطية أي خطوة من جانب أي حكومة عربية تريد ذلك في الوقت الذي يراه، أصحابها مناسبًا لخدمة مصالحها وفق اعتقادها وتصورها هي بالطبع من منطلق هذا الاعتقاد العربي القائم، ومن ثم لم تكن الاتصالات التي أجرتها نجلاء المنقوش بوساطة أمريكية وإيطالية لن تحرم فرنسا نفسها منها أمرا جديدا بقدر ما كانت إعلانا عن واقع ليبي بدأ قبل نحو خمس سنوات تقريبا.

ولعل ما يدعم ذلك أن صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» نقلت يوم 26 أغسطس الماضي عن «رافائيل لوزون» رئيس اتحاد يهود ليبيا» قوله إنه تم عقد لقاء في جزيرة رودس اليونانية يوم 30 يونيو عام 2017 حضره من الجانب الليبي «عمر القويري» وزير الإعلام والثقافة والآثار السابق، ومن إسرائيل وزير الاتصالات الإسرائيلي السابق «أيوب قرا» ورافائيل لوزون أيضا الذي زعم أنه شارك في لقاءات ليبية - إسرائيلية غير رسمية وشارك فيها أكاديميون ودبلوماسيون.

وبالتالي فإن لقاء روما هو بمثابة لقاء آخر أدت ملابساته الإسرائيلية والليبية إلى النهاية الدرامية التي أطاحت بأول وزيرة خارجية في ليبيا في حكومة عبد الحميد الدبيبة التي جعل منها بمثابة كبش فداء لخطوة تحدثت مصادر عدة عن أنه هو شخصيا من ساهم ونظم الاتفاق بين نجلاء المنقوش وإيلي كوهين برغم إنكاره -الدبيبة- معرفته باللقاء كما ألقت تصريحاته ومواقفه والسرعة التي تمت بها قدرا من الظلال على الأقل على الموقف برمته.

ثانيا: إنه في حين تجعل حكومة نتنياهو، وأي حكومة إسرائيلية أخرى، إقامة علاقات أو على الأقل اتصالات مع أي حكومة عربية، حتى ولو كانت مجرد اتصالات «كوريدور» أو في أحد مقاهي نيويورك أو فيينا أو غيرها أمرًا إيجابيًا لصالح إسرائيل في حالة حدوثه، لما يترتب عليه من توسيع للاتصالات والعلاقات مع العرب وزيادة رقعة التطبيع فإن الأزمات التي تمر بها إسرائيل سواء بالنسبة لزيادة التصعيد مع المقاومة الفلسطينية وارتفاع أعداد الضحايا من الإسرائيليين، أو بالنسبة للآثار التي لم تنته بعد لقانون إصلاحات القضاء الذي يواجه معارضة لم تنته رغم إقرار الكنيست للقانون، تجعل من تسريب اللقاء بين المنقوش وكوهين بمثابة إنجاز لحكومة نتانياهو، صحيح إن نتانياهو أبلغ وزراء حكومته بعدم الدخول في اتصالات سرية أو تنسيقها مع أطراف عربية إلا بالتنسيق معه أولا، وهذا أمر مفروغ منه بحكم أهميه تلك الاتصالات في كل مراحلها، ولكن الصحيح أيضًا أن انتقادات المعارضة الإسرائيلية لوزير الخارجية الإسرائيلي إنما تنبع أساسا من الصراع بين المعارضة وحكومة نتانياهو خاصة أن الاتصالات تفيد نتانياهو وحكومته برغم ما قد يكون هناك من انعكاسات سلبية على مصداقية إسرائيل لأي اتصالات سرية معها في المستقبل.

على الجانب الآخر، فإنه من المعروف أن الوضع الداخلي في ليبيا يتسم بالكثير من التعقيدات سواء في العاصمة طرابلس أم في بنغازي وأن محاولات عديدة لاستكمال الإعداد للانتخابات الرئاسية والنيابية الليبية تجري على مدى الأشهر الأخيرة ولكنها تتعثر حتى الآن على الأقل بسبب تمسك الدبيبة بالبقاء في الحكم ورفضه ترك السلطة إلا لحكومة منتخبة لا يريد إن يفسح الطريق أمامها.

وفي ظل الخلافات بين حكومة الدبيبة وبين مجلس النواب الليبي فمن المفترض بشدة أن يكون الدبيبة أراد الاستعانة بإسرائيل لدعم بقائه في السلطة بشكل أو بآخر من خلال لقاء المنقوش مع إيلي كوهين في روما بغض النظر عن الحديث عن الانتخابات. وما ستؤول إليه عملية الإعداد لها إذا اكتملت.

وإذا كان من الواضح أن الدبيبة انزعج بشدة بسبب بيان الخارجية الإسرائيلية حول اللقاء وسارع في اليوم نفسه بإقالة، أو بمعنى أدق وقف نجلاء المنقوش عن العمل وتعيين «فتح الله الزني» وزير الشباب لتسيير أعمال وزارة الخارجية الليبية مؤقتا، كما قام في خطـوة مفاجئة بزيارة سفارة فلسطين في طرابلس في اليوم التالي مباشرة حيث أكد «على رفضه وإدانته التطبيع مع إسرائيل وأنه يجرّم أي اتصال بين أي مسؤول ليبي وأي مسؤولين إسرائيليين». وبينما حرص الدبيبة على إلقاء المسؤولية في اللقاء على عاتق المنقوش وتقديمها كبش فداء لمواجهة انتقادات مجلس النواب الذي عقد جلسة طارئة لمناقشة ما أسماه في بيانه «الجريمة القانونية والأخلاقية» كما أكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي أن اللقاء «لا يعبّر عن السياسة الخارجية للدولة الليبية ويعد خرقًا لقانونها» فإن مما له دلالة أن نجلاء المنقوش غادرت ليبيا إلى تركيا سريعا وعلى متن طائرة تابعة لحكومة الدبيبة بعد احتجاجات الليبيين ضدها. وحتى إذا كان الدبيبة قد أشاد بها ووفر لها مكانا آمنا فإنها قد قامت بدور كبش الفداء على طريقة السياسة العربية، ولكن هل انتهت المسألة، وهل ستكون الانتخابات نفسها أو على الأقل طريقة إجرائها ثمنًا ومجالًا للمساومة خاصة أن الدبيبة لن يترك السلطة إلا بشروط معينة، وهل تنجح محاولة واشنطن وباريس انضاج خيار تشكيل حكومة تكنوقراط لإجراء الانتخابات القادمة؟ على أي حال الأمر لم ينته بعد ولا تزال تداعياته قائمة واحتمالات إجراء الانتخابات قبل نهاية العام تقل فرصها مع كل يوم يمر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: نجلاء المنقوش على الأقل

إقرأ أيضاً:

هيئة البث الإسرائيلية: الشرع يقود اتجاها مقلقا ضد أمن إسرائيل.. عدو متشدد

كشفت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، عن تصاعد القلق في الأوساط الأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي من توجهات الرئيس السوري أحمد الشرع، مشيرة إلى أن "إسرائيل" ترى في الأخير "خصما متشددا يعمل على تقويض أمنها"

وقالت الهيئة الإسرائيلية إن "اتجاها مثيرا للقلق يقوده الشرع”، بحسب ما نقلته عن مصدر أمني إسرائيلي لم تسمه، شدد على أن الرئيس الشرع "إسلامي يرتدي ربطة عنق، وهو عدو ومتشدد وليس شريكا بالحوار".

وأضاف المصدر الإسرائيلي ذاته "نحن نفهم أن الجولاني (الشرع) عدو يحاول بيع صورة جديدة للغرب، بينما يعمل في الوقت نفسه على تقويض أمن إسرائيل".


وادعت الهيئة أن "الشرع أفرج عن جميع عناصر حركتي حماس والجهاد الإسلامي الذين اعتقلوا خلال فترة حكم بشار الأسد، ومنهم من انخرط في العمل الإرهابي ضد إسرائيل"، حسب تعبيرها.

كما أشارت إلى أن إيران بدأت البحث عن وسائل للبقاء في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، زاعمة أن أحد هذه الوسائل يتمثل في "دعم خلايا حماس والجهاد الإسلامي داخل الأراضي السورية".

ولفتت الهيئة إلى تصريحات سابقة لوزير حرب الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قال فيها إن "الجولاني كشف عن وجهه الحقيقي بعدما خلع القناع الذي يرتديه"، وذلك في تعليقه على أحداث العنف التي شهدتها منطقة الساحل السوري مطلع آذار /مارس الماضي.

وشدد كاتس أكثر من مرة، حسب الهيئة الإسرائيلية، على أن دولة الاحتلال "ستدافع عن نفسها ضد أي تهديد من سوريا"، رغم أن الإدارة السورية الجديدة لم تصدر أي تهديدات مباشرة تجاه إسرائيل منذ تسلمها السلطة.

وكانت منطقة الساحل السوري قد شهدت توتراً أمنياً في 6 مارس، عقب هجمات منسقة لفلول من نظام الأسد على دوريات ونقاط أمنية، أسفرت عن قتلى وجرحى، أعقبتها عمليات تمشيط واشتباكات انتهت باستعادة السيطرة الأمنية.

وفجر الأحد 8 كانون الأول/ ديسمبر، دخلت فصائل المعارضة السورية إلى العاصمة دمشق، وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث، و53 عاما من حكم عائلة الأسد.


وفي 29 كانون الثاني/ يناير، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن تعيين قائد قوات التحرير أحمد الشرع رئيسا للبلاد في المرحلة الانتقالية، بجانب العديد من القرارات الثورية التي قضت بحل حزب البعث العربي الاشتراكي ودستور عام 2012 والبرلمان التابع للنظام المخلوع.

ورغم أن النظام الجديد لم يصدر أي تهديدات مباشرة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن "إسرائيل" تواصل منذ شهور شن غارات جوية شبه يومية على الأراضي السورية، تستهدف مواقع عسكرية للجيش السوري وتوقع ضحايا مدنيين.

وتجدر الإشارة إلى أن دولة الاحتلال تحتل معظم مساحة هضبة الجولان السورية منذ عام 1967، وقد استغلت الوضع الجديد في سوريا عقب سقوط نظام الأسد لفرض سيطرتها على المنطقة العازلة، معلنة عمليا انهيار اتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين الجانبين عام 1974.

مقالات مشابهة

  • «الخارجية الفلسطينية» تُدين اقتحام وزراء في حكومة الاحتلال للضفة الغربية
  • هيئة البث الإسرائيلية: الشرع يقود اتجاها مقلقا ضد أمن إسرائيل.. عدو متشدد
  • الخارجية الأمريكية تصف غارات إسرائيل على لبنان: دفاع عن النفس
  • الخرطوم هي العاصمة العربية التي هزمت أعتى مؤامرة
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأوروبية التي انسحبت من سوقنا
  • المجلس الوطني عن قرار إسرائيل الأخير: حلقة جديدة لتهويد وعزل القدس
  • وزير الخارجية يشيد بالعلاقات الأخوية التي تربط مصر والبحرين
  • كلمة وزير الاتصالات وتقانة المعلومات السيد عبد السلام هيكل خلال جلسة الإعلان عن التشكيلة الوزارية لحكومة الجمهورية العربية السورية
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه في أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس