لجريدة عمان:
2025-10-24@19:12:15 GMT

ما لا يجب أن نخافه في «إحراق إنسان»

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

ترددت أنباء بأن الآلاف من رواد مهرجان (إحراق إنسان) قد طولبوا بالحفاظ على ما لديهم من الطعام والماء بعد أن حاصرتهم الأمطار الغزيرة وتركتهم محبوسين في وحل لا يمكن اجتيازه في صحراء نيفادا، فدفعت هذه الأخبار بالبعض إلى المزاح بأن أحداث رواية «لورد الذباب» [لمؤلفها البريطاني الحاصل على نوبل وليم جولدنج] تتكرر في التجمع الشعبي السنوي مع أباطرة التكنولوجيا.

ومن أسف أنني مرغمة على إفساد هذه السخرية الكارهة لأثرياء التكنولوجيا. فمهما تكن الطريقة التي ستُحَلُّ بها هذه الفوضى ـ ويبدو أن كثيرا من الحلول في الطريق ـ فإن الاعتقاد بأن الحضارة إن هي إلا قشرة رقيقة سرعان ما تنهار فور غياب السلطة ليس فقط اعتقادا خاطئا، ولكن الاعتقاد في ذاته ضار.

لقد قرأ روتجر بريجمان ـ مؤلف كتاب «الإنسانية: تاريخ متفائل» ـ في مراهقته رواية «لورد الذباب» شأن كثير من المراهقين، ولم يشك في إيحاءاتها الرهيبة المتعلقة بالطبيعة البشرية. غير أن الفضول اعترى بيرجمان إزاء سؤال عما لو أن هناك حالات واقعية لصبية في ذلك العمر تقطعت بهم السبل في جزيرة نائية.

وعلم بريجمان بواقعة جرت أحداثها على نحو مختلف تماما، إذ حدث في عام 1965 لستة أولاد تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة أن ضجروا من مدرستهم في بلدة تونجا في بولينيزيا، فسرقوا قاربا وأبحروا به، ثم انجرفوا بلا أمل بعد أن انكسر شراع قاربهم ودفته. وألقى بهم الموج على جزيرة بقوا فيها لأكثر من عام. وبدلا من الانحطاط إلى فوضوية قاسية، بقوا على قيد الحياة متوسلين بالتعاون. وعندما كسرت ساق واحد منهم اعتنى به البقية.

ولقد قضيت شخصيا بعض الأسابيع التي لا تنسى من حياتي في المساعدة في جهود الإنقاذ والإغاثة في أعقاب زلزال سنة 1999 في تركيا الذي أسفر عن مصرع آلاف الناس. كان مركز ذلك الزلزال هو مسقط رأسي في طفولتي، فكنت أعرف المكان جيدا، فسارعت إلى مد يد العون، غير واثقة مما قد أعثر عليه. وبدلا من الفوضى والنهب اللذين أشيع عنهما، رأيت الناس يتقاسمون كل شيء مع بعضهم بعضا. مفتونة بذلك، تعمقت في علم اجتماع الكوارث لأجد أن هذا هو المنحنى الشائع بعد وقوع حدث مؤسف مماثل.

في كتاب ريبيكا سوليت «فردوس مقام في الجحيم: المجتمعات الاستثنائية التي تنشأ في الكوارث» توثيق لكثير من التجارب المماثلة، حيث يتعاون الناس ويتسمون بالإيثار في أعقاب الزلازل والبراكين وغيرها من الكوارث، في حين أن السلطات تفترض العكس وتتدخل لفرض القانون والنظام لكنها في نهاية المطاف هي التي تلحق الضرر الحقيقي.

ولقد كان من أبشع الأمثلة وأحدثها على هذا ما تعلق بشائعات الأوضاع في أعقاب إعصار كاترينا في سوبردوم بولاية نيوأولينز، حيث عجز عشرات الآلاف عن الإجلاء مبكرا فتجمعوا معا. قال رئيس الشرطة لأوبرا وينفري إن الأطفال الصغار يتعرضون للاغتصاب. وقال العمدة إن «الناس واقفون هناك، في سوبردوم اللعينة لخمسة أيام يشاهدون جثث الموتى، ويشاهدون الهمج يقتلون الناس، ويغتصبون الناس». وترددت تقارير عن مروحيات إنقاذ تتعرض لإطلاق نار.

في حين كان الواقع أنه حتى مع تدهور الوضع في سوبردوم، حسبما يوثق كتاب ريبيكا سولنيت، فقد بقي كثير من الناس يحافظون على بعضهم بعضا، ويعتنون بكبار السن والضعفاء بصفة خاصة في ظل ظروف مرهقة للغاية.

لكن شيطنة أهل نيوأورلينز ـ والغلبة فيهم لسود البشرة ـ هي التي كانت تغذي القبح الحقيقي: فقد تأخرت بعض المساعدات وتم تخصيص الموارد لمنع «النهب»، واللاجئون الين حاولوا الهروب من المدينة سيرا على الأقدام تعرضوا لإطلاق الرصاص من سكان الضواحي ذات الأغلبية السكانية البيضاء.

فماذا عن الجانب الرهيب من الإنسانية، الممثل في الحروب والإبادات الجماعية؟ ماذا عن مبدأ البقاء للأصلح؟

في كتابه «المخطَّط: الأصول التطورية للمجتمع الصالح»، يوضح نيكولاس كريستاكيس، عالم الاجتماع والطبيب، أن الناس حيوانات متعاونة واجتماعية، وليسوا ذئابا منفردة. وسر بقاء البشر لا يتمثل في أنهم كانوا الحيوانات صاحبة المخالب الأحدّ أو العضلات الأقوى، وإنما لأنهم كانوا أذكياء ولأنهم كانوا لبعضهم بعضا.

نظر كريستاكيس إلى حوادث تحطم السفن في الفترة من 1500 إلى 1900 ووجد أن الناجين غالبا ما كانوا يتمكنون من التعاون وأن العنف والقبح كانا أبعد ما يكونان عن الوضع الطبيعي.

وليست هذه رؤية وردية تتجاهل الجوانب الرهيبة من السلوك البشري. فمن الممكن تنظيم الجماعات سياسيا واجتماعيا ضد بعضها بعضا. وهذا هو أساس الحروب والإبادات الجماعية. ولكن هذه أبعد ما تكون عن كونها العناصر الحقيقية في الطبيعة البشرية، أو أنها ما ينكشف فور انتزاع قشرة الحضارة الرقيقة، بل إن هذه الفظائع تنتظم من خلال مؤسسات الحضارة، من خلال السياسة والثقافة والجيوش والحملات السياسية المستمرة لنزع أنسنة بعض البشر.

وقد يتم تجنيد مؤسسات الحضارة لمقاومة نزع الإنسانية هذا. فقد لا يكون الاتحاد الأوربي مثالا كاملا، لكنه ساعد على قمع كثير من أشكال الصراعات التي دمرت القارة على مدار قرون.

وقد أغامر فأقول إن كثيرا من الآلاف المحاصرين في وحل نيفادا يتجمعون على الأرجح، متشاركين في المأوى، والطعام، والماء.

ولو أن نجوم عالم التكنولوجيا وأثرياءه موجودون بين من يعانون في الوحل، فبدلا من الشماتة في معاناتهم، علينا أن نرجو أن تعزز تجربتهم هذه أهمية التعاضد في أي مجتمع.

وإن بوسعنا أن نساعدهم بتمرير قوانين تنزع الشرعية عن الملاذات الضريبية، وتخلق بنية ضريبية أقرب إلى المساواة وإطارا دوليا قويا لإيقاف غسيل أرباح الشركات، وإرغام شركات التكنولوجيا وغيرها على معالجة الأضرار الناجمة عن تدخلاتهم والتغلب على الوضع القائم الذي تكون الأرباح فيه شخصية، والأضرار عامة.

ليست الطبيعة البشرية عقبة دون المجتمع الصالح، لكنها بحاجة إلى مساعدة من القوانين والمؤسسات، لا من الوحل، من أجل أن تسنح للقيم الصالحة فرصة أكبر.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

روما تستقبل معرض كنوز الفراعنة .. شاهد

تستقبل العاصمة الإيطالية روما معرض “كنوز الفراعنة”، والذي يفتتحه رسميًا سيرجيو ماتاريلا رئيس جمهورية إيطاليا، اليوم بمشاركة شريف فتحي وزير السياحة والآثار المصري، و ألسندرو جولي وزير الثقافة الإيطالي، وذلك في قاعة Scuderie del Quirinale التابعة لمؤسسة الرئاسة الإيطالية.

 كنوز الفراعنة  

وتزينت شوارع وميادين ومحطات القطارات والمترو بالعاصمة الإيطالية، بوجه الملكة إياح حتب في مشهد يعكس الشغف الكبير الذي أبداه الشعب الإيطالي تجاه الحضارة المصرية القديمة، حيث يترقب الجميع افتتاح المعرض، لاسيما مع إقامته في واحدة من أرقى وأهم القاعات الثقافية في إيطاليا.

هدم واجهة منزل أثرية بجنوب الأقصر.. وتحرك سريع من الآثارأسامة كمال عن سرقة اللوفر: مليان قطع أثرية من بلاد تانية.. واللي بيجي بالساهل بيروح بالساهلعبد الرحيم ريحان لصدي البلد: المتحف المصري الكبير يضم كنوزًا أثرية تعرض لأول مرة أمام العالموزير السياحة والآثار يلتقي وزير السياحة الأنجولي

وفي هذا الإطار، قام صباح اليوم الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بتفقد اللمسات النهائية داخل قاعات العرض المخصصة للمعرض، لمتابعة جاهزية القطع الأثرية وتوزيعها، ومراجعة اللافتات المعلوماتية والتصميمات والديكورات الداخلية، إلى جانب التأكد من تطبيق الإجراءات التأمينية وأماكن دخول وخروج الزائرين، بما يضمن خروج المعرض بصورة تليق بعظمة وتاريخ الحضارة المصرية.

كما عقد الدكتور محمد إسماعيل خالد اجتماعًا مع منظمي المعرض لمناقشة الترتيبات النهائية الخاصة بحفل الافتتاح الرسمي والمؤتمر الصحفي المقرر عقده على هامش الحدث.

وأكد السيد توماسو رادايلي، منظم المعرض، أن الإقبال الجماهيري الكبير يعكس مكانة الحضارة المصرية في قلوب الإيطاليين، مشيرًا إلى أنه تم بيع 40 ألف تذكرة قبل الافتتاح الرسمي، ومن المتوقع استقبال ما بين 5 إلى 6 آلاف زائر يوميًا خلال فترة إقامة المعرض.

وفي إطار الاستراتيجية الترويجية لوزارة السياحة والآثار تحت شعار “مصر… تنوّع سياحي لا يُضاهى”، تم تخصيص جناح سياحي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي على هامش المعرض طوال فترة انعقاده، يضم مجموعة من المواد الدعائية والأفلام الترويجية عن المقصد السياحي المصري، بالإضافة إلى خرائط سياحية باللغة الإيطالية. كما يُتيح الجناح للزوار استخدام الرمز الكودي (QR Code) الخاص بصفحة Experience Egypt للتعرّف على الوجهات السياحية المصرية ومنتجاتها المتنوعة.

ويُعد معرض "كنوز الفراعنة" ثاني أكبر معرض أثري مصري يقام في إيطاليا بعد معرض قصر غراسي بمدينة البندقية (2002–2003)، الذي تناول دور الملوك في عصر الدولة الحديثة.

ويضم المعرض 130 قطعة أثرية مختارة من المتحف المصري بالتحرير ومتحف الفن بالأقصر، تروي قصة الحضارة المصرية القديمة عبر محاور تشمل الملكية، البلاط الملكي، المعتقدات الدينية، الحياة اليومية، الطقوس الجنائزية، والعالم الآخر.

ومن المقرر أن يفتح المعرض أبوابه للجمهور يوم غدٍ، 24 أكتوبر، وحتى مايو 2026، ليتيح لزائريه فرصة فريدة للتواصل مع حضارة مصر العريقة واستكشاف روائعها الخالدة.

طباعة شارك كنوز الفراعنة معرض كنوز الفراعنة الآثار مصر سياحة

مقالات مشابهة

  • نحن عظماء بالفطرة
  • سلوت مدافعا عن محمد صلاح: هو إنسان قبل أن يكون نجمًا وسيسجل مجددًا كما فعل طوال حياته
  • سلوت يكشف سر تراجع صلاح: «مو إنسان.. ولا يقلقني غيابه عن التهديف»
  • بين الواقع والافتراض.. كيف نربّي جيلًا نشأ في حضن التكنولوجيا؟
  • بيع 40 ألف تذكرة لمعرض "كنوز الفراعنة" بروما
  • روما تستقبل معرض كنوز الفراعنة .. شاهد
  • نجيب ساويرس: أحمد السويدي إنسان شاطر جدا وبيشتغل زيادة عن اللزوم
  • خالد الجندي: الغنى والفقر والصحة والجمال امتحان لكل إنسان
  • الشيخ خالد الجندي: الغنى والفقر والصحة والجمال امتحان لكل إنسان
  • الأورومتوسطي: 270 ألف إنسان تعرض للقتل والإصابة والاعتقال بغزة