لجريدة عمان:
2025-04-26@08:01:27 GMT

ما لا يجب أن نخافه في «إحراق إنسان»

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

ترددت أنباء بأن الآلاف من رواد مهرجان (إحراق إنسان) قد طولبوا بالحفاظ على ما لديهم من الطعام والماء بعد أن حاصرتهم الأمطار الغزيرة وتركتهم محبوسين في وحل لا يمكن اجتيازه في صحراء نيفادا، فدفعت هذه الأخبار بالبعض إلى المزاح بأن أحداث رواية «لورد الذباب» [لمؤلفها البريطاني الحاصل على نوبل وليم جولدنج] تتكرر في التجمع الشعبي السنوي مع أباطرة التكنولوجيا.

ومن أسف أنني مرغمة على إفساد هذه السخرية الكارهة لأثرياء التكنولوجيا. فمهما تكن الطريقة التي ستُحَلُّ بها هذه الفوضى ـ ويبدو أن كثيرا من الحلول في الطريق ـ فإن الاعتقاد بأن الحضارة إن هي إلا قشرة رقيقة سرعان ما تنهار فور غياب السلطة ليس فقط اعتقادا خاطئا، ولكن الاعتقاد في ذاته ضار.

لقد قرأ روتجر بريجمان ـ مؤلف كتاب «الإنسانية: تاريخ متفائل» ـ في مراهقته رواية «لورد الذباب» شأن كثير من المراهقين، ولم يشك في إيحاءاتها الرهيبة المتعلقة بالطبيعة البشرية. غير أن الفضول اعترى بيرجمان إزاء سؤال عما لو أن هناك حالات واقعية لصبية في ذلك العمر تقطعت بهم السبل في جزيرة نائية.

وعلم بريجمان بواقعة جرت أحداثها على نحو مختلف تماما، إذ حدث في عام 1965 لستة أولاد تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة أن ضجروا من مدرستهم في بلدة تونجا في بولينيزيا، فسرقوا قاربا وأبحروا به، ثم انجرفوا بلا أمل بعد أن انكسر شراع قاربهم ودفته. وألقى بهم الموج على جزيرة بقوا فيها لأكثر من عام. وبدلا من الانحطاط إلى فوضوية قاسية، بقوا على قيد الحياة متوسلين بالتعاون. وعندما كسرت ساق واحد منهم اعتنى به البقية.

ولقد قضيت شخصيا بعض الأسابيع التي لا تنسى من حياتي في المساعدة في جهود الإنقاذ والإغاثة في أعقاب زلزال سنة 1999 في تركيا الذي أسفر عن مصرع آلاف الناس. كان مركز ذلك الزلزال هو مسقط رأسي في طفولتي، فكنت أعرف المكان جيدا، فسارعت إلى مد يد العون، غير واثقة مما قد أعثر عليه. وبدلا من الفوضى والنهب اللذين أشيع عنهما، رأيت الناس يتقاسمون كل شيء مع بعضهم بعضا. مفتونة بذلك، تعمقت في علم اجتماع الكوارث لأجد أن هذا هو المنحنى الشائع بعد وقوع حدث مؤسف مماثل.

في كتاب ريبيكا سوليت «فردوس مقام في الجحيم: المجتمعات الاستثنائية التي تنشأ في الكوارث» توثيق لكثير من التجارب المماثلة، حيث يتعاون الناس ويتسمون بالإيثار في أعقاب الزلازل والبراكين وغيرها من الكوارث، في حين أن السلطات تفترض العكس وتتدخل لفرض القانون والنظام لكنها في نهاية المطاف هي التي تلحق الضرر الحقيقي.

ولقد كان من أبشع الأمثلة وأحدثها على هذا ما تعلق بشائعات الأوضاع في أعقاب إعصار كاترينا في سوبردوم بولاية نيوأولينز، حيث عجز عشرات الآلاف عن الإجلاء مبكرا فتجمعوا معا. قال رئيس الشرطة لأوبرا وينفري إن الأطفال الصغار يتعرضون للاغتصاب. وقال العمدة إن «الناس واقفون هناك، في سوبردوم اللعينة لخمسة أيام يشاهدون جثث الموتى، ويشاهدون الهمج يقتلون الناس، ويغتصبون الناس». وترددت تقارير عن مروحيات إنقاذ تتعرض لإطلاق نار.

في حين كان الواقع أنه حتى مع تدهور الوضع في سوبردوم، حسبما يوثق كتاب ريبيكا سولنيت، فقد بقي كثير من الناس يحافظون على بعضهم بعضا، ويعتنون بكبار السن والضعفاء بصفة خاصة في ظل ظروف مرهقة للغاية.

لكن شيطنة أهل نيوأورلينز ـ والغلبة فيهم لسود البشرة ـ هي التي كانت تغذي القبح الحقيقي: فقد تأخرت بعض المساعدات وتم تخصيص الموارد لمنع «النهب»، واللاجئون الين حاولوا الهروب من المدينة سيرا على الأقدام تعرضوا لإطلاق الرصاص من سكان الضواحي ذات الأغلبية السكانية البيضاء.

فماذا عن الجانب الرهيب من الإنسانية، الممثل في الحروب والإبادات الجماعية؟ ماذا عن مبدأ البقاء للأصلح؟

في كتابه «المخطَّط: الأصول التطورية للمجتمع الصالح»، يوضح نيكولاس كريستاكيس، عالم الاجتماع والطبيب، أن الناس حيوانات متعاونة واجتماعية، وليسوا ذئابا منفردة. وسر بقاء البشر لا يتمثل في أنهم كانوا الحيوانات صاحبة المخالب الأحدّ أو العضلات الأقوى، وإنما لأنهم كانوا أذكياء ولأنهم كانوا لبعضهم بعضا.

نظر كريستاكيس إلى حوادث تحطم السفن في الفترة من 1500 إلى 1900 ووجد أن الناجين غالبا ما كانوا يتمكنون من التعاون وأن العنف والقبح كانا أبعد ما يكونان عن الوضع الطبيعي.

وليست هذه رؤية وردية تتجاهل الجوانب الرهيبة من السلوك البشري. فمن الممكن تنظيم الجماعات سياسيا واجتماعيا ضد بعضها بعضا. وهذا هو أساس الحروب والإبادات الجماعية. ولكن هذه أبعد ما تكون عن كونها العناصر الحقيقية في الطبيعة البشرية، أو أنها ما ينكشف فور انتزاع قشرة الحضارة الرقيقة، بل إن هذه الفظائع تنتظم من خلال مؤسسات الحضارة، من خلال السياسة والثقافة والجيوش والحملات السياسية المستمرة لنزع أنسنة بعض البشر.

وقد يتم تجنيد مؤسسات الحضارة لمقاومة نزع الإنسانية هذا. فقد لا يكون الاتحاد الأوربي مثالا كاملا، لكنه ساعد على قمع كثير من أشكال الصراعات التي دمرت القارة على مدار قرون.

وقد أغامر فأقول إن كثيرا من الآلاف المحاصرين في وحل نيفادا يتجمعون على الأرجح، متشاركين في المأوى، والطعام، والماء.

ولو أن نجوم عالم التكنولوجيا وأثرياءه موجودون بين من يعانون في الوحل، فبدلا من الشماتة في معاناتهم، علينا أن نرجو أن تعزز تجربتهم هذه أهمية التعاضد في أي مجتمع.

وإن بوسعنا أن نساعدهم بتمرير قوانين تنزع الشرعية عن الملاذات الضريبية، وتخلق بنية ضريبية أقرب إلى المساواة وإطارا دوليا قويا لإيقاف غسيل أرباح الشركات، وإرغام شركات التكنولوجيا وغيرها على معالجة الأضرار الناجمة عن تدخلاتهم والتغلب على الوضع القائم الذي تكون الأرباح فيه شخصية، والأضرار عامة.

ليست الطبيعة البشرية عقبة دون المجتمع الصالح، لكنها بحاجة إلى مساعدة من القوانين والمؤسسات، لا من الوحل، من أجل أن تسنح للقيم الصالحة فرصة أكبر.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الأردن: جماعة الأخوان كانوا يخططون لاستهداف الأجهزة الأمنية

إختصار لأهم ما جاء في تصريحات وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية:

1.استهداف أمني: تم الكشف عن مخططات لعناصر من جماعة الإخوان المسلمين المنحلة لاستهداف الأجهزة الأمنية ومواقع حساسة داخل الأردن، بما في ذلك تصنيع وتجريب متفجرات.

اقرأ ايضاًعاجل: حظر نشاطات جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها غير مشروعة

2. تنفيذ القانون: سيتم تطبيق القانون فوراً على الجماعة باعتبارها "جمعية غير مشروعة" وفق الأحكام القضائية، بما يشمل:
  - إغلاق جميع مقارها في المملكة.
  - مصادرة ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة.
  - تجريم الانتساب إليها أو الترويج لأفكارها.

3.حظر النشر والتعامل: يمنع على القوى السياسية والإعلام ومستخدمي التواصل الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني التعامل أو النشر باسم الجماعة أو أذرعها تحت طائلة المساءلة القانونية.

4. إجراءات قضائية:ستُتخذ إجراءات ضد كل من يثبت تورطه في أعمال إجرامية مرتبطة بالجماعة بناءً على التحقيقات الجارية.

5. سلامة المجتمع: القرارات تأتي في إطار حماية الأمن والاستقرار، ورفض أي نشاطات سرية تهدد الوحدة الوطنية.

6. تأكيد على الحريات: الدولة تضمن حرية التعبير وتشكيل الأحزاب ضمن الأطر القانونية، وتؤكد رفضها للغلو والتطرف.

كلمات دالة:الأحكام القضائية الاردنيةالاردنالحكومة الأردنيةالأمن الاردنيالأجهزة الأمنية الأردنيةالمخابرات الاردنيةالإخوان المسلمينوزير الداخلية الأردنيجماعة الإخوان المسلمين

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

زين حجازي شابة صحفية انضمت مؤخراً لعائلة " موقع البوابة"..بكل إخلاص وحماس.. سأنقل لكم كل ما هو مهم وحصري, وبكل حب وشغف.، سأقدم لكم في رحلتي القادمة محتوى مبهر ..أتمنى أن ينال إعجابكم. الأحدثترند الأردن: جماعة الأخوان كانوا يخططون لاستهداف الأجهزة الأمنية عاجل: حظر نشاطات جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها غير مشروعة الكشف عن سبب وفاة صبحي عطري.. وهذا ما كشفه عن نفسه قبل رحيله الصين تفتح دائرة "الانتقام" في حرب الرسوم فما القصة؟ تحقيقات "فيفا" تهدد فينيسيوس جونيور بالإيقاف..وريال مدريد يترقب Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • عاجل. طائرة شرطة تتحطم في بحر تايلاند... ومقتل 6 ضباط كانوا على متنها ولا ناجين
  • كانوا في مهمة إنسانية.. الزاوية تودع شابّين من أبنائها
  • علماء: الغالبية العظمى من سكان قرطاجة لم يكونوا من أصول فينيقية
  • "لنا 5 مطالب" العاملون في المجلس الأعلى للآثار يستغيثون برئيس الجمهورية
  • زاهي حواس: الحضارة والمتاحف المصرية لا يوجد مثيل لها عالميا
  • «إنسان طيب وبشوش».. حسن الرداد ينعى صبحي عطري
  • تامر حسني ينعى الإعلامي صبحي عطري: «كان إنسان طيب»
  • إنسان حقيقي.. تامر حسني ينعى الإعلامي الراحل صبحي عطري
  • الأردن: جماعة الأخوان كانوا يخططون لاستهداف الأجهزة الأمنية
  • المحكمة العليا في إسرائيل أبقت بعضا من إفادة رئيس الشاباك طي الكتمان