حكاية حميدتي ..البعاتي وزفة الموت!
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
البعّاتي وزفة الموت!
بقلم: أويس الجلبي – إعلامي
في عام 2006 كنت أتجول في بعض الأحياء القديمة ببغداد، كانت الحرب الطائفية تستعر ورائحة الموت تعم العاصمة وبقية المدن، في هذا الجو سمعت صوتا لموسيقى شعبية تُعزف عادة في الأعراس، وقد استغربت الأمر لأن الضحى ليس وقتًا مألوفاً لمثل ذلك.
قادني الفضول لتتبع الصوت ولما اقتربت كانت المفاجأة، جنازة محمولة على الأكتاف تتقدمها فرقة العزف الشعبي مؤدية أهازيج الفرح ومعزوفاته الراقصة!.
حضرتني هذه القصة وأنا أتابع منذ مدة الجدل حول حياة حميدتي، وصولا للتصريح الذي أدلى به أحد السفراء وعبارة #البعاتي التي استخدمها خلال مقابلة مع الجزيرة ثم مقابلة البرير التي عبر فيها عن قناعته بحياة الرجل، وللمفارقة فإن فرضية موت حميدتي يتبناها كثيرون ومنهم شخصيات كبيرة أستغرب سلوكهم هذا الاتجاه.
الشاهد في الأمر أن الحكم على حياة حميدتي وموته غير مرتبط بظهوره في الإعلام من عدمه، بل إن الشخصيات التي يكون لها أثر أمني غالباً ما يصاحب موتها زفة على غرار زفة الجنازة المذكورة أعلاه، وغير بعيد عنا حدث مقتل يفغيني بريغوجين وطبيعة التغطية الإعلامية التي رافقته. فحقيقة هذه الشخصيات أن وجودها الفعلي أو عدمه ليس هو المهم بل المهم هو انفضاض الشركاء والداعمين واتخاذ القرار بإبعاد الشخصية عن مسرح الأحداث، فلا يهمنا الآن هل مات بريغوجين حقيقة أم لا، ولكن المهم هو أن دوره كقائد لفاغنر قد انتهى، وأن فاغنر نفسها تجري الإجراءات لتحييدها عن المشهد في مواقع كثيرة لتحل محلها جهات أخرى.
مثال آخر للتقريب هو بن لادن – مع الفارق بينه وبين حميدتي- فعلى الرغم من التقارير الكثيرة التي كانت تتحدث عن وفاته بالمرض، أو أنه لم يعد قادراً على قيادة تنظيمه لفترة طويلة، إلا أن خطاب أوباما في مايو 2011 وحديثه عن قتل الرجل بعملية عسكرية في باكستان وما صاحبه لاحقا من توقف الإعلام الأمريكي عن مناقشة دور بن لادن هو الذي مثل نهاية قصة الرجل.
إذن بالنسبة لحميدتي يبقى الرجل حيًّا حُكمياً ما دام الرعاة الإقليميون يتعاملون مع وجوده كحقيقة ويستقبلون ممثليه، أما موته فلابد أن تتم له زفة معتبرة يُسدل فيها الستار على الرجل. وما سوى ذلك فكل ما يُقال تهويمات وأمانٍ يُخدَّر بها الناس، في الوقت الذي ينبغي عليهم أن يتهيؤوا لأشكال أخرى، فماذا لو أُعلنت وفاة حميدتي الشخص مع بقاء حميدتي المتمرد كمنظومة يقودها أي أحد من الناس ويفاوض ليفرض أجندة معينة!.
ربما يرى البعض بأن شخصية حميدتي القبلية هي الفاصلة في موضوع الدعم السريع، والصحيح أن الفاصل هو المال الذي كان يوزعه حميدتي، فلو توفر شخص آخر يتمتع بنفس المقدرات المالية حين ذلك يكفي جميع مقاتلي الدعم السريع وواجهاته السياسية أن يقرؤوا الفاتحة على المرحوم ثم يواصلوا مع الراعي الجديد.
ملاحظة لغير السودانيين: البعاتي هو الشخص الذي يعود من الموت وأقرب توصيف معروف له في الأفلام هو الزومبي!
بقلم: أويس الجلبي – إعلامي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
رمضان زمان على ضوء الفانوس| الوتد.. حكاية فاطمة تعلبة وسحر الريف المصري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قبل أن تتحول الشاشة إلى ساحة سباق محموم، كان رمضان زمان يأتي ومعه سحر خاص، حيث كانت المسلسلات جزءًا أصيلًا من طقوس الشهر الكريم، لا مجرد عروض تملأ الفراغ، كنا ننتظر دقات الساعة بعد الإفطار لنلتف حول التليفزيون، نتابع الحلقات بشغف، ونحفظ تترات المسلسلات عن ظهر قلب، كأنها نشيد مقدس يعلن بداية الحكاية.
من "ليالي الحلمية" إلى "بوابة الحلواني"، ومن "هند والدكتور نعمان" إلى "رحلة السيد أبو العلا البشري"، كانت الدراما تلمس قلوب المشاهدين، تحكي عنهم، تناقش همومهم، وتضيء واقعهم بصدق وبساطة. لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل كانت انعكاسًا لأحلام واحتياجات جمهور كان يبحث عن الدفء، عن الفن الذي يشبهه، عن قضايا تُروى بعمق دون صخب.
رمضان زمان لم يكن مجرد موسم درامي، بل كان موعدًا مع الإبداع الأصيل، حيث يجتمع الكبار والصغار أمام الشاشة، ليشاهدوا فنًّا يحترم عقولهم، ويسافر بهم إلى عالم من المشاعر الحقيقية. واليوم، وسط زحام الإنتاجات الحديثة، يبقى الحنين لتلك الأيام حاضرًا، حيث كانت المسلسلات ليست مجرد أعمال درامية، بل ذكريات محفورة في الوجدان.
في قلب الريف المصري، حيث العائلة هي الركيزة الأولى، والتقاليد تحكم كل شيء، جاءت دراما "الوتد" لتقدم صورة حية عن المجتمع الريفي المصري في منتصف القرن العشرين. المسلسل لم يكن مجرد حكاية عن عائلة، بل كان ملحمة اجتماعية تُبرز قيمة الترابط الأسري، والمرأة القوية، والصراع بين القديم والحديث.
تدور الأحداث حول شخصية فاطمة تعلبة، المرأة الصعيدية القوية التي تدير عائلتها بحزم وشدة، وتحرص على وحدة أبنائها وعدم تفرقتهم مهما كلفها الأمر. فاطمة، التي جسدتها ببراعة هدى سلطان، ليست مجرد أم، بل هي الوتد الذي يثبت العائلة ويبقيها متماسكة أمام تحديات الحياة.
تؤمن فاطمة بأن التفكك الأسري هو بداية الخراب، ولذلك تفرض قوانينها الصارمة على أبنائها وزوجاتهم، ولا تسمح لأي خلاف أن يعصف بالعائلة. ورغم قوتها الظاهرة، فإنها تحمل في داخلها حبًا عظيمًا لأبنائها، ورغبة في تأمين مستقبلهم.
المسلسل يرصد علاقات الأسرة داخل الريف المصري، وتأثير العادات والتقاليد على حياة الناس، خاصة مع ظهور التغيرات الاجتماعية التي بدأت تهدد هذا النمط التقليدي من الحياة.
حقق "الوتد" نجاحًا كبيرًا عند عرضه، لأنه لامس وجدان المشاهد المصري والعربي، خاصة أنه قدم نموذجًا أصيلًا للأم المصرية، تلك المرأة التي تضع عائلتها فوق كل شيء، وتحمل على عاتقها مسئولية الحفاظ عليها.
وكان الأداء التمثيلي لنجوم العمل، خاصة هدى سلطان، أحد أهم أسباب نجاح المسلسل، حيث استطاعت أن تجعل من فاطمة تعلبة شخصية أيقونية في الدراما المصرية.
كذلك، نجح المسلسل في نقل أجواء الريف المصري الحقيقية، من خلال اللغة، العادات، الملابس، وحتى الموسيقى التصويرية، مما جعل المشاهدين يشعرون وكأنهم يعيشون داخل هذه البيئة، وتقديم رسائل اجتماعية قوية حول أهمية العائلة والترابط الأسري.
المسلسل تأليف خيري شلبي عن روايته الشهيرة "الوتد"، وإخراج أحمد النحاس، ومن بطولة هدى سلطان، يوسف شعبان، فادية عبد الغني، حنان ترك، هشام سليم، عبدالله محمود.
"الوتد" لم يكن مجرد مسلسل عن الريف، بل كان صورة مصغرة من المجتمع المصري، حيث القيم والتقاليد تصنع حصنًا يحمي العائلة من الانهيار. إنه واحد من تلك الأعمال التي تعيش طويلًا في ذاكرة المشاهدين، وتعيدهم إلى زمن كانت فيه العائلة هي السند الحقيقي في مواجهة الحياة.