البيض والفاصوليا يطيحان بوزير الدفاع.. أثرياء الحرب يشكلون صداعا في رأس أوكرانيا
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
سلطت إقالة وزير الدفاع الأوكراني الضوء على التقارير المتعلقة بالفساد وسوء الإدارة المالية في وزارته، والتحدي المحوري الذي واجهته قيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي في زمن الحرب للقضاء على الفساد الذي انتشر لسنوات على نطاق واسع في أوكرانيا.
وبحسب تقرير صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تأتي إقالة وزير الدفاع في لحظة محورية من الحرب، حيث تشن أوكرانيا هجومًا مضادًا في جنوب وشرق البلاد يعتمد بشكل كبير على الحلفاء الغربيين للحصول على المساعدة العسكرية.
وأضافت أن هؤلاء الحلفاء، ضغطوا منذ بداية الحرب، على حكومة زيلينسكي لضمان عدم قيام المسؤولين الأوكرانيين بسحب أي أموال من مليارات الدولارات الخاصة بالمساعدات التي كانت تتدفق إلى كييف.
وفي الأسبوع الماضي فقط، التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، بثلاثة مسؤولين أوكرانيين رفيعي المستوى لمناقشة الجهود المبذولة للقضاء على الفساد في زمن الحرب.
ويأتي ذلك في الوقت الذي استخدم فيه بعض المشرعين في الولايات المتحدة الفساد كحجة للحد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
واستجاب زيلينسكي لضغوط الحلفاء والانتقادات في الداخل باطلاق موجة من مبادرات مكافحة الفساد، ولم يرحب بها جميعًا خبراء الشفافية الحكومية.
وتقول داريا كالينيوك، المديرة التنفيذية لمركز مكافحة الفساد في أوكرانيا، وهي مجموعة مكرسة لاستئصال الفساد العام الذي يركز الآن على التربح من الحرب: "السؤال هنا هو: أين الأموال؟
وقالت كالينيوك: "الفساد يمكن أن يقتل". وأضاف: «بقدر فاعليتنا في حراسة المال العام، فإن الجندي إما أن يحمل سلاحاً أو لا يحمل سلاحاً».
وأشارت تقارير وسائل الإعلام الأوكرانية إلى دفع مبالغ زائدة مقابل الإمدادات الأساسية للجيش، مثل الغذاء والمعاطف الشتوية.
وأوضحت أن ما تم الكشف عنه علناً عن سوء الإدارة حتى الآن لم يمس بشكل مباشر الأسلحة الأجنبية المنقولة إلى الجيش الأوكراني، أو أموال المساعدات الغربية.
وأضافت أنه تم القبض على اثنين من المسؤولين في وزارة الدفاع – نائب الوزير ورئيس المشتريات – خلال فصل الشتاء بسبب تقارير عن شراء بيض باهظ الثمن للجيش. وأقال زيلينسكي رؤساء مكاتب التجنيد العسكري الشهر الماضي بعد ظهور مزاعم بأن البعض تلقوا رشاوى من أشخاص يسعون لتجنب التجنيد.
وأثارت مبادرته المقترحة لمعاملة الفساد باعتباره خيانة موجة من الانتقادات بأنها قد تؤدي إلى إساءة استخدام سلطات الأحكام العرفية.
ووفقا لما صرح به محللين لنيويورك تايمز، كوزير للدفاع، كان ريزنيكوف ينظر إلى وظيفته الرئيسية على أنها حشد الحلفاء لتوفير الأسلحة. ولم يكن مسؤولاً بشكل مباشر عن الإدارة اليومية للحرب ولا يُنظر إلى إقالته على أنها مرتبطة بالتقدم البطيء للهجوم المضاد الأوكراني.
وتقول جماعات مكافحة الفساد إن التدفق الهائل للأموال لدعم الحرب دفعها إلى تحويل تركيزها إلى الإنفاق العسكري.
وسلط الصحفيون الاستقصائيون الأوكرانيون الضوء على دفع مبالغ زائدة مقابل الإمدادات الأساسية للجيش، مثل البيض مقابل 47 سنتا، للواحدة - وهو سعر أعلى بكثير من الأسعار السائدة، وفقا لتقرير نشرته صحيفة دزيركالو تيزنيا الأوكرانية.
وذكرت الصحيفة أنه تم شراء الفاصوليا المعلبة من تركيا بأكثر من سعر العلب نفسها في محلات السوبر ماركت الأوكرانية، على الرغم من أنه من المتوقع أن يشتري الجيش بأسعار أقل من أسعار التجزئة.
واشترت الوزارة أيضًا آلاف المعاطف التي تبين أنها غير معزولة بشكل كافٍ لفصل الشتاء القارس في أوكرانيا.
وفي حملات قمع أخرى هذا العام، تابع المحققون واحدة من أبرز الملاحقات القضائية على الإطلاق بتهمة الرشوة، ضد رئيس المحكمة العليا في أوكرانيا، الذي أطيح به واعتقل في مايو، وبالإضافة إلى ذلك، يحاكم نائب وزير الاقتصاد بتهمة اختلاس أموال المساعدات الإنسانية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: وزير الدفاع الأوكراني الرئيس الأوكراني زيلينسكي الحرب الفساد فی أوکرانیا من الحرب
إقرأ أيضاً:
???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
( عميد التَنوير ، نِحرِير النبوءاتِ العَتيقة )
في أعمق لحظاتي مع نفسي صدقاً ، لا أراني أعظَمُ مَيلاً للحديث عن الشخصيات، إن تكرَّمَت وأسعفَتني الذاكرة ، فقد كتبتُ قبل عن فيلسوفِ الغناء مصطفى سيد أحمد ، والموسيقار الكابلي ، والمشير البشير ، وشاعر افريقيا الثائر ؛ الفيتوري .
لا أجدُني مضطراً لمدح الرّجال ، ولكنها إحدى لحظات الإنصاف ، ومن حسن أخلاق الرجال أن ينصفوا أعداءهم، دعك من أبناء جلدتهم ونبلائها ، والرجلُ ليس من قومنا فحسب، بل هو شريف قوم وخادمهم ، خطابه الجَسور يهبط حاملاً “خطاب” ابن يعمر الإيادي لقومه ، وخطبة درويش “الهندي الأحمر” ، و”بائية” أبي تمّام ، وتراجيديا الفيتوري في “التراب المقدّس” ..
عبد الرحمن ، لم يكن حالة مثقفٍ عادي ، “عمسيب” مثالٌ للمثقف العضوي قويّ الشَّكِيمَة ، العاملِ علَى المقاومة والتغيير والتحذير ، المحاربِ في ميادين التفاهة والتغييب والتخدير ، المتمرّد على طبقته ، رائد التنوير في قومه ، ظلّ يؤسس معرفياً وبأفقٍ عَالمٍ لنظرية اجتماعية ، نظرية ربما لم تُطرح في السوح الثقافية والاجتماعية من قبل ، أو لربما نوقشت على استحياء في همهمات أحاديث المدينة أو طُرحَت في ظلام الخرطوم عَهداً ثم غابت . هذا الرجل امتلك من الجسارة والثقافة العميقة بتفاصيل الأشياء وخباياها ، ما جعله يُقدم على تحطيم الأصنام السياسية والثوابت الاجتماعية وينفض الغبارَ عن المسكوت عنه في الثقافة والاجتماع والسياسة.
عمسيب قدم نظريةً للتحليل الاجتماعي والسياسي ، يمكن تسميتها بنظرية ( عوامل الاجتماع السياسي) أو نظرية ( النهر والبحر) في الحالة السودانية ، فحواها أن الاجتماع البشري يقوم على أسس راسخة وليس على أحداث عابرة . فالاجتماع البشري ظلّ منذ القدم حول ( القبيلة Tribe ) ثم ( القوم Nation ) ثم ( الوطن Home) ثم ( الدولة country) . هذا التسلسل ليس اجتماعيٌ فحسب، بل تاريخيٌ أيضاً ، أي أن مراحل التحَولات العظيمة في بِنية المجتمعات لا يصح أن تقفز فوق الحقب الاجتماعية ( حرق المراحل).. فالمجتمعات القَبَلية لا يمكنها انتاج (دولة) ما لم تتحول إلى (قومية) ، ثم تُنتج (وطن) الذي يسع عدد من القوميات ، ثم (دولة) التي تخضع لها هذه القوميات على الوطن ، مع تعاقد هذه القوميات اجتماعيا على مبادئَ مشتركة، وقيمٍ مضافة ، كالأمن والتبادل الاقتصادي وادارة الموارد ، والحريات الثقافية ونظام الحكم .
هذه النظرية تشير إلى أن الاجتماع السياسي في السودان ظل في مساره الطبيعي لمراحل التسلسل التاريخي للمجتمعات والكيانات ، إلى أن جاءت لحظة ( الاستعمار) Colonization . ما فعله الاستعمار حقيقة ، أنه وبدون وعي كامل منه ، حرق هذه المراحل – قسراً – وحوّل مجتمعات ما قبل الدولة ( مجتمعات ما قبل رأسمالية) إلى مجتمعات تخضع للدولة.
فالمجتمعات التي كانت في مرحلة ( القبيلة) او تلكَ في مرحلة( القومية) قام بتحطيم بنيتها وتمحوراتها الطبيعيه وتحويلها إلى النموذج الرأسمالي الغربي ، خضوع قسري لمؤسسات الدولة الحديثة، مجتمع ما بعد استعماري ، تفتيت لمفاهيم الولاءات القديمة الراسخة ، بل وتغييرها إلى نظم شبه ديموقراطية، وهذا بالطبع لم يفلح، فبعد أن حطّم المستعمر ممالك الشايقية ودولة سنار ومشيخات العرب بكردفان ومملكة الفور ، وضم كل ذلك النسق الاجتماعي ( القبلي / القومي) إلى نسق الوطن/ الدولة.. أنتج ذلك نخب وجماعات سياسية ( ما بعد كولونيالية ) تعيش داخل الدولة ، لكنها تدير الدولة باللاوعي الجمعي المتشبّع بالأنساق التقليدية ( القبيلة / الطائفة / القومية) ، أي مراحل ماقبل الوطن والدولة.
ما نتج عن كل هذه العواصف السياسية والاجتماعية ، والاضطرابات الثقافية، أن هذه المجتمعات والقوميات التي وجدت نفسها فجأة مع بعضها في نسق جديد غير معتاد يسمى ( الدولة) ، وأقصدة بعبارة ( وجدت نفسها فجأة) أي أن هذا الاجتماعي البشري في الاطار السياسي لم يتأتَ عبر التمرحلات الطبيعيه الانسانية المتدرجة للمجتمعات، لذا برزت العوامل النفسية والتباينات الثقافية الحادة ، الشيئ الذي جعل الحرب تبدأ في السودان بتمرد 1955 حتى قبل اعلان استقلاله . ذات الحرب وعواملها الموضوعيه ومآلاتها هي ذات الحرب التي انطلقت في 2002 ثم الحرب الأعظم في تاريخنا 2023 .
أمر آخر شديد الأهمية، أن دكتور عبد الرحمن ألقى حجرا في بركة ساكنة، وطرق أمراً من المسكوت عنه ، وهو ظاهرة الهجرات الواسعة لقوميات وسط وغرب افريقيا عبر السبعين عاما الماضية ( على الأقل) , فظاهرة اللجوء والهجرات الكبيرة لقبائل كاملة من مواطنها لأسباب التصحر وموجات الجفاف التي ضربت السهل الافريقي، ألقت بملايين البشر داخل جغرافيا السودان، مما يعني بالضرورة المزيد من المنافسة العنيفة على الأرض والموارد وبالتالي اشتداد الحروب والصراعات بالغة العنف، وانتقال هذا التهديد الاستراتيجي إلى مناطق ومجتمعات وسط وشمال السودان ( السودان النّهري)
اذن ، سادتي ، فنظرية (الاجتماع السياسي ، جدلية الهوية والتاريخ ) هذه تؤسس لطرائق موضوعيه ( غير منحازة) لتفسير الظواهر الاجتماعية والثقافية وجدليات الحرب والسلام ، وتوضّح أسباب ظاهرة تعدد الجيوش والميليشيات القبلية والمناطقية والخطابات المؤسسة ديموغرافياً ، وما ينسجم معها من تراكمات تاريخيه وتصدّعات اجتماعية عميقة في وجدان تلك الجماعات العازية .. التوصيات البديهية لهذا الخطاب ، أن الحلّ الجذري لإشكاليات الصراع في السودان هو بحلّ جذور أزمة الهوية، والهوية نفسها لم تكن ( أزمة) قبل لحظة الاستعمار الأولى ، بالتالي تأسيس كيانات جديدة حقيقية تعبّر عن هويات أصحابها والعقد الاجتماعي المنعقد بين مجتمعاتها وقومياتها .
النظرية التي أطلق تأسيسها دكتور عبد الرحمن، لم تطرح فقط الأسئلة الحرجة ، بل قدمت الإجابات الجسورة وطرقت بجراءة الأبواب المرعبة في سوح الثقافة والاجتماع والسياسة في السودان.
Mujtabā Lāzim
إنضم لقناة النيلين على واتساب