جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-01@19:22:12 GMT

نحن ما نأكله!

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

نحن ما نأكله!

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمي

آخر ما كنت أتوقعه أن يكون نمط الحياة- والغذاء بشكل خاص- سببًا في بلوغنا مرحلة السلام والتصالح مع الذات، كثيرًا ما قرأتُ عن الأغذية التي تسبب السعادة وتحقق الهدوء، لكنني كنت أعتقد أنها محض اجتهادات لا صحة لها، لكن التجربة أثبتت لي أنَّ للطعام أثرًا كبيرًا في حياتنا، وأننا من نصنع تعاستنا أو سعادتنا بما نأكل أو نشرب أو نفكر؟!

قبل أعوام أردتُ أن أجدّد من نمط حياتي، فقصدت مُعلمًا للتأمل الذي أصرّ على أهمية أن يكون أول درس لي كيف آكل وماذا آكل! اندهشت من إصراره بضرورة اتباع نظام غذائي طبيعي خالٍ من المواد المُصنّعة، والعودة إلى حضن الطبيعة والتعرف أكثر على المنتجات المحلية من البيئة المحيطة، فحسب قوله إن الإنسان ابن بيئته، وعليه أن يأكل من بيئته؛ لأن الاحتياجات الغذائية للإنسان الذي يقطن في بيئة صحراوية حارة ليست كاحتياجات من يسكن المناطق الباردة أو الاستوائية.

بدأتُ أول درس للتأمل بعد أن التزمت بنظام غذائي خاص لمدة شهر، نظام يعتمد على الأكل الصحي الخالي من المواد المصنعة، حاولت أن أتملص من البرنامج، إلّا أنه أصرَ وقال لي فقط حاولي لمدة أسبوعين وبنفسك سترين النتائج. وبعد أسبوعين من اتباع النصائح والإرشادات المتعلقة بتغيير نمط الحياة وساعات النوم وشرب المياه، أحسست باختلاف وكأنما ثقلًا كبيرًا أُزيل عن كاهلي، شعرتُ بهدوء ومرونة لدرجة أن مستوى التوتر والقلق والغضب تناقص بشكل كبير، كان إحساس السلام النفسي والروحي يلازمني في تلك الفترة.

منذ ذلك الحين، أدركتُ أن جلّ مشكلاتنا الصحية بسبب اختياراتنا الخاطئة وعاداتنا الغذائية المكتسبة، فقد أكدت دراسات عديدة وجود ارتباط بين النظام الغذائي والصحة النفسية والعقلية، وأن تناول بعض الأطعمة تحديداً قد يساهم في تحسين المزاج، أو حتى يساعد في علاج مشاكل الخمول والذاكرة. يقال إن الشكولاتة الداكنة تحسّن المزاج لما تحتويه من عناصر غذائية وفيتامينات، ويقال أيضاً إن السكر المكرّر عدو الصحة الأول، فلا خير في قليله أو كثيره. والماء لم يسلم من التصنيع؛ فبعض الدراسات تقول إن الوعاء الذي يوضع به الماء قد يؤثر في تركيبه الكيميائي وبالتالي لن نستفيد منه كما لوكنا نشرب من مياه الينابيع الصافية أو مياه جوفية نقية .

أما الهواء، فلا أدري إن كان مليئًا بالأكسجين النقي بينما يحيط التلوث بنا من كل صوب مع تقلص ملحوظ في المساحات الخضراء التي تساعد على فلترة الأجواء وتنقيتها. ومنذ عقود ونحن لا نعلم ماذا نأكل؛ فطعامنا ليس من صنع أيدينا فهو يعبُر القارات وآلاف الأميال ويخضع للعديد من المعالجات حتى يبدو طازجًا ولذيذًا يسيل معه اللعاب، حتى بتنا لا نعلم هل ما نأكله طعام يصلح للاستهلاك الآدمي أو مجرد مواد مصنعة كي تبدو كطعام؟!

لا أستغرب إن كنَّا في العقود الماضية أكلنا أشياءً لا تمت لمفهوم الطعام بصلة، فكل يوم نسمع عن اختراعات جديدة في صناعات الأغذية، وخلط عجيب بين المكونات المختلفة وتجميلها بالكثير من المواد المنكهة حتى تستساغ.

إذا كنَّا نعتقد أن المعدة بيت الداء، فإنَّ معدتنا غدت مُختبرًا لتجارب الشركات المصنعة للأغذية وللمروجين على منصات التواصل وقنوات الطبخ. الغريب أن صيحات الموضة أصبحت تغزو بطوننا، وساهم الإنترنت في انتشار تلك الصيحات حتى الغريبة منها والمضرة صحيا الذي تتسبب في وفاة الكثير من المراهقين والشباب حول العالم الذين اختاروا أن يشاركوا في تحديات الطعام كتناول الطعام بكميات كبيرة دون توقف أو تناول نوع واحد من الطعام أو تناول لون معين من الطعام. فمن كان يتخيل أن البث أثناء تناول الطعام يصبح وظيفة أو مصدر دخل للكثيرين حول العالم؛ فمثلًا صيحة "موكبانغ" التي نشأت بكوريا الجنوبية، قبل عقد من اليوم، حققت للفاشينستا كينوشيتا ملايين الدولارات، من خلال بثها لمقاطع فيديو أثناء تناولها الطعام؛ حيث يبلغ ربحها السنوي ما يقارب 3 ملايين دولار وأكثر ولديها ما يزيد عن 5 ملايين مشترك ومتابع. هذا الهوس انتقل لدول عديدة في العالم حتى أن البعض ترك وظيفته واشتغل بتناول الطعام!

في مقابل هذا، نرى رواج تجارة الطعام الصحي والطبيعي غير المُعالج في السنوات الأخيرة، ومع زيادة مشكلات المناخ أصبح هناك من يدعون إلى تناول الطعام المحلي الصنع الذي ينتج منزليًا أو في محيط القرية طعام لم ينقل بمواصلات استخدمت الوقود الأحفوري، وجاءت من محاصيل القرية والأسر المنتجة. الفكرة في حد ذاتها جميلة، واعتقد أنّها ستكون مثمرة على المدى البعيد لأنها سوف تنشط الحركة الاقتصادية بالقرى الزراعية وقرى الصيد وتطور من جودة المنتجات وتخلق فرص عمل للسكان وتحدّ من الهجرة إلى المدن.

إن انتاج الطعام والعناية بما نغذي به أجسادنا استثمار صحي على المدى البعيد، ولا يقل أهمية عن الاستثمارات في المجالات الأخرى، فلماذا لا نولي اهتمامًا أكبر بجودة الغذاء والمشروعات الغذائية التي تغذي أجسادنا وعقولنا، حتى ننعم بصحة جيدة؟ فلا صحة جيدة بلا غذاء صحي!

إنَّنا بحاجة إلى تغيير فلسفة الغذاء ومفهومنا للطعام؛ فالمؤشرات الصحية وانتشار أمراض المتعلقة بنمط الحياة، تؤكد ضرورة وضع استراتيجيات جديدة لحياة صحية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من صفحات الكتب إلى أطباق الطهاة.. رحلة في ثقافة المأكولات بأبو ظبي للكتاب

أطلق معرض أبوظبي الدولي للكتاب لهذا العام فعالية مميزة بعنوان "أطباق وثقافات" استهدفت تقديم تجربة ثقافية غنية تجمع بين نكهات المأكولات وتقاليد الشعوب.

 الفعالية نجحت في إبراز كيف يمكن للطعام أن يكون لغة عالمية تربط بين الثقافات المختلفة، مقدمة للزوار رحلة حسية ومعرفية في آن واحد.  

"أطباق وثقافات" لم تقتصر على تقديم المأكولات فقط، بل سلطت الضوء على القصص والتقاليد المرتبطة بها. بمشاركة طهاة عالميين وخبراء في ثقافة الطعام، تم تقديم أطباق تمثل مطابخ من مختلف أنحاء العالم، مثل المطبخ العربي التقليدي الذي قدم أطباقًا مثل الكبسة والمجبوس، والمطبخ الآسيوي بأطباق السوشي والكاري، إضافة إلى المطبخ الأوروبي الذي أدهش الزوار بأطباق شهيرة مثل اللازانيا والكرواسون 

الفعالية تضمنت أيضًا ورش عمل تفاعلية للطهي، حيث قدم طهاة محترفون شروحات عملية عن كيفية إعداد الأطباق التقليدية، إلى جانب تقديم نبذة عن أصولها التاريخية والقيم الثقافية التي تمثلها. هذه الورش أضافت بعدًا عمليًا للفعالية، حيث استطاع الزوار تعلم مهارات جديدة وتجربة وصفات عالمية بأنفسهم.  

ولم تغفل الفعالية عن أهمية العلاقة بين الطعام والأدب، حيث تم تنظيم جلسات حوارية شارك فيها كتّاب وخبراء في أدب الطعام. الجلسات ناقشت موضوعات متعددة، منها كيف يعكس الطعام التراث الثقافي، ودوره كرمز في الأدب العالمي، وأهمية الحفاظ على الوصفات التقليدية باعتبارها جزءًا من الهوية الثقافية.  

الأطفال كان لهم نصيب من الفعالية أيضًا، حيث تم تخصيص ورش تفاعلية لتعليمهم كيفية تحضير أطباق بسيطة من ثقافات متعددة، إضافة إلى قصص قصيرة عن تاريخ الأطعمة التقليدية. هذا النشاط ساعد في تعزيز وعي الأطفال بتنوع الثقافات بطريقة ممتعة وتعليمية.  

فعاليات التذوق التي صاحبت النشاط أضافت أجواءً مميزة، حيث استمتع الزوار بتجربة نكهات جديدة من مختلف المطابخ العالمية. كل طبق كان يحمل معه قصة، مما جعل تجربة التذوق فرصة لاكتشاف ثقافات جديدة من خلال الطعام.  

طباعة شارك طهى ثقافة فكر

مقالات مشابهة

  • من المطبخ إلى مهارات الحياة.. لماذا يجب تعليم الأطفال فن الطهي؟
  • الجوع يفتك بسكان غزة.. من يستطيع توفير رغيف خبز أو شربة ماء؟
  • «أطباق وثقافات».. في «أبوظبي الدولي للكتاب»
  • أم محمد الطلالقة.. يوميات فلسطينية في طوابير الجوع داخل غزة المحاصرة
  • «بيت الخير» تنفق 27 مليون درهم على مشاريع الإطعام
  • شراكة بين «زايد الإنسانية» و«بنك الطعام المصري»
  • من صفحات الكتب إلى أطباق الطهاة.. رحلة في ثقافة المأكولات بأبو ظبي للكتاب
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • الخضيري يؤكد: مضغ الطعام ببطء يساعد على تقليل الوزن وتحسين الهضم .. فيديو