أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

ذكرنا فيما سبق أنَّ وظيفة علماء الطبيعة لا تقتصر على اكتشاف القوانين والنظريات العلمية؛ بل يقضون جُلَّ وقتهم في محاولتهم دحض النظريات العلمية الموجودة، لا من خلال التحليل والمنطق العقلي؛ بل من خلال التجارب العلمية وعمليات الرصد المختلفة، وكلما تمكنت النظرية من الصمود في وجه النقد ومعاول الهدم وكانت أكثر دقة في تفسير الظاهرة واستطاعت أن تتنبأ بظواهر طبيعية أكثر، كانت ذات مصداقية أكبر.

وقد ترتفع مصداقيتها بشكل كبير جدًا.. فمثلًا النظرية النسبية العامة لآينشتاين تُعد من أكثر النظريات مصداقية، والسبب في ذلك أن النظرية استطاعت أن تفسر عددًا من الظواهر الكونية وتنبأت بظواهر كونية من الصعوبة للبشر أن يتخيل وجودها وتبين لنا أنها موجود بالفعل، فأولى الظواهر العلمية التي تنبأت بها النظرية النسبية هو أن الضوء الذي عهدناه وهو يسير مستقيمًا، سيسير في مسار منحنٍ عندما يقترب من الشمس.

إنَّ هذا التنبؤ حول انحناء الضوء فتح مجالًا للعلماء للتحقق من هذه النظرية والتأكد من صحتها، وقام العلماء بمحاولة رصد ظاهرة انحناء الضوء وتمكنوا بالفعل من الكشف عنها، ومما زاد من مصداقية هذه النظرية أنها حَددت رياضيًا زاوية الانحناء بشكل دقيق وتم الكشف عنها ووجد أنها تتوافق تمامًا مع زاوية الانحراف التي أشارت إليه النظرية.

كما تنبأت هذه النظرية بوجود ثقوب سوداء في هذا الكون، وهي ظاهرة طبيعية تنجم بسبب قوى الجاذبية الناتجة عن كتل النجوم الكبيرة، فعندما يتوقف الوقود النووي في قلب هذه النجوم، فإن قوى الجاذبية تُهشِّم النجم وتجعله ينكمش في نقطة صغيرة، مولدة جاذبية كبيرة نتيجة للكثافة العالية للنجم بحيث أن هذه الجاذبية لا تسمح حتى للضوء الانفلات من قوتها، وبذلك فإنها تبدوا لنا منطقة سوداء في الكون تشطف كل شيء من حولها!

وقد استطاع العلماء في خلال السنوات الماضية التحقق من وجود الظاهرة العلمية ورصدها وبذلك غدت حقيقة علمية، وكانت النظرية النسبية هو الدافع الرئيسي الذي دفع العلماء للبحث عن هذه الظاهرة الكونية والتحقق من وجودها.

ومن هنا فإن النظريات العلمية لها مصداقية عالية جدًا وقائمة على أرضيات علمية صلبة، وليست مجرد "نظريات" كما يحلو للبعض أن ينعتها،  لكن علماء الطبيعة حريصون جدًا في عدم إضفاء صفة اليقين على النظريات العلمية فلقد تعلموا من تاريخ هذه العلوم، أن التفسير العلمي مهما كان قويًا وصلبًا، قد يأتي يومًا ويُستبدل بآخر أفضل منه، ومن هنا فلا يمكن للنظرية العلمية أن ترتفع الى مقام الحقيقة العلمية التي لا نقاش فيها؛ بل تظل نظرية علمية يمكن أن تُدحض في المستقبل.

ومن المهم هنا أن نلاحظ أن ما ينطبق على النظرية العلمية ينطبق على القانون العلمي، فالقانون العلمي لا يعد حقيقة غير قابلة للنقض، أما سبب تسمية بعض النظريات العلمية بالقانون العلمي؛ فيرجعه البعض الى أن القانون العلمي لا يشرح الظاهرة؛ بل يقتصر على توضيح العلاقة الرياضية، لكننا نظن أن ذلك ليس  السبب الوحيد؛ بل نرى أن استخدام القانون العلمي والنظرية العلمية يرجع أيضًا لأسباب تاريخية، ولذا فنلاحظ أن أغلب القوانين العلمية أطلق عليها مسمى القانون العلمي قبل القرن العشرين، بينما غلب مصطلح النظريات العلمية فيما بعد!

القفزات العلمية الكبرى التي عاشتها البشرية منذ "فيزياء نيوتن" جعلتها تعيش حالة من العجب والغرور والزهو وظنت البشرية بأنها سيدة هذا الكون، وأن بإمكانها التحكم بالطبيعة مع مرور الوقت، ولذا يُنسب الى أحد علماء الفيزياء ويدعى فيليب جون فولي أنه نصح تلميذه العالم الفيزيائي الكبير ماكس بلانك بعدم الولوج في دراسة الفيزياء لأنه "تم اكتشاف كل شيء تقريبًا ولم يتبق سوى ملء بعض الثقوب"، وهذا الشعور حصل عند الكيميائيين أيضًا، ولكن ومع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بدأت الشكوك تحوم مرة أخرى حول دقة هذه القوانين العلمية، وهل حقًا بلغنا من العلم مبلغه، ودب الشك مرة أخرى في المعرفة البشرية وطبيعتها.

كل ذلك جعل العلماء يتوقفون عن الادعاء بكشفهم عن القوانين والنظم الطبيعية التي تحكم هذا الكون، وبدأ مفهوم النظريات العلمية هو المفهوم الأكثر قبولا  في الوسط العلمي من القانون العلمي، فهذه النظريات مهما بلغت من القوة والصلابة، ربما يأتي عالم من العلماء أو زمن من الأزمنة تتحول فيه إلى جزء من تاريخ العلم، ولذا فلا شيء فوق النقد العلمي الرصين إذا استطاعت التجربة كشف خلل فيه.

*******************

سلسلة من المقالات العلمية تتناول علوم الطبيعة، وتُجيب على أسئلة ما إذا كانت هذه العلوم مجموعة من الحقائق التي لا يعتريها شك ولا شبهة، أم أنها محض ظنون لا يُقر لها قرار وتتغير بتغير الزمان؟

*******************

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: القانون العلمی

إقرأ أيضاً:

شرطة دبي تلقي القبض على 191 متسولاً بحوزتهم 62 ألف درهم

دبي: سومية سعد


ضبطت الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، ممثلة بإدارة المشبوهين والظواهر الجنائية، 191 متسولاً، بحوزتهم مبالغ مالية تجاوزت 62 ألف درهم، منذ انطلاق حملة (#كافح_التسول)، التي أطلقتها القيادة العامة، بهدف التصدي لظاهرة التسول، والحد من آثارها السلبية.
قال العميد علي سالم الشامسي، مدير إدارة المشبوهين والظواهر الجنائية، إن الحملة من الحملات الناجحة التي أطلقت بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين، وتساهم في خفض أعداد المتسولين سنوياً، نظراً للإجراءات الصارمة والحازمة، وأكد أن معظم الذين تم القبض عليهم قادمون بتأشيرة زيارة، والبعض الآخر من المقيمين والمخالفين لقانون الإقامة، لذا يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم فور القبض عليهم.
وأوضح أن شرطة دبي تضع سنوياً خطة أمنية مُتكاملة لمكافحة التسول، بتكثيف الدوريات في الأماكن المتوقع وجود المتسولين فيها، ولفت إلى أن هذه المُشكلة ترتبط بنتائج خطيرة، منها ارتكاب جرائم مثل السرقة والنشل، أو استغلال الأطفال والمرضى وأصحاب الهمم في التسول لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وأكد العميد الشامسي، أن هناك أشخاصاً يُعللون سبب تسولهم بحاجتهم للمال، وهو أمر غير قانوني، داعياً أفراد المجتمع للمساهمة الإيجابية مع الأجهزة الأمنية في الحدّ من هذه الظاهرة التي تهدد أمن المجتمع وتشوه صورة الدولة، ودعا أفراد المجتمع إلى عدم الاستجابة للمتسولين أو التعامل معهم بدافع العطف والشفقة، حتى لا تنتشر الظاهرة، وحثتهم على تقديم التبرعات إلى الجهات الرسمية المعنية لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
كما ناشد الجمهور الإبلاغ الفوري عن أي متسول يتم رصده، بالاتصال على مركز الشرطة على الرقم 901، أو استخدام تطبيق «عين الشرطة» الذكي، أو تقديم بلاغ عبر منصة E-Crime على www.ecrime.ae.
من جانبه، قال النقيب خميس عبدالله النقبي، رئيس قسم مكافحة التسول، أن يقظة رجال الحملة ساهمت في القبض على أحد المتسولين، وهو شاب ثلاثيني، لجأ إلى حيلة التنكر في هيئة رجل مسن ليستعطف المارة.
وجلس الشاب بالقرب من أحد البنايات مرتدياً ملابس قديمة ويبدو عليه التعب والضعف، وظل يحكي للمارة قصة حزينة عن حادث سير مرّ به فقد على إثره عائلته وكل ما كان يملكه من مال وممتلكات، وكان يطلب المساعدة لتغطية تكاليف العلاج، إلا أن طريقته المأساوية في السرد دفعت المارة للتعاطف معه وتقديم الأموال له.
وقام أحد رجال حملة كافح التسول بمراقبة الرجل عن كثب، ولم يمض وقت طويل حتى اكتشف حقيقته، وأن هذه القصة كانت مجرد حيلة، وتبين أنه ليس مسناً، ولكنه شاب في الثلاثينات من عمره، يرتدي ملابس وأزياء تجعله وكأنه مسن وفي حاجة ماسة للمساعدة.
كما تبين أن هذا الشاب جزء من مجموعة من متسولين يتنكرون في شخصيات مختلفة لاستدرار العطف وجمع المال بطرق غير مشروعة.
وأكد النقيب النقبي، مكافحة التسول بكل حزم عبر ملاحقة المتسولين وضبطهم، وتوسيع دائرة التوعية بين أفراد المجتمع في التصدي لهذه الظاهرة وعدم التعاطف مع هذه الفئة التي تستخدم طرقاً وأساليب مختلفة في خطب ود الناس للحصول على المال، مضيفاً أن المواطنين والمقيمين على دراية بحقيقة المتسولين نتيجة للتوعية وتحذيرات الشرطة من التعامل مع المتسولين.

مقالات مشابهة

  • بأية رهانات تعود رحمة بورقية إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؟
  • العلمي: لم أتلق ردا من المحكمة الدستورية بخصوص انسحاب الـUMT من التصويت على قانون الإضراب
  • شرطة دبي تلقي القبض على 191 متسولاً بحوزتهم 62 ألف درهم
  • ظاهرة أثارت الرعب.. سبب ظهور دوامة مضيئة في سماء أوروبا
  • شرطة دبي تلقي القبض على 191 بحوزتهم 62 ألف درهم
  • صخرة غريبة على المريخ تحير العلماء!
  • ما هي الشروط التي وضعها القانون للصناديق الخاصة؟
  • جامعة قناة السويس تنظم حلقة نقاشية لتعزيز الثقافة العلمية بين طلابها
  • محاكمة نتنياهو ولجنة القضاة.. تعرّف على الأزمات التي تهدد بانهيار النظام القضائي الإسرائيلي
  • الدبلوماسية العلمية تقود الميداوي إلى بباريس