صورة الرئيس المرّة الجديدة.. حلوة أيضا
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
الصورة ليست جديدة تماماً بل هي قديمة، وهي ليست صورة شخصية من صور الرئيس القسيم الوسيم، فصور الرئيس الباسم على كل حائط وجدار، وفي كل مكتب وكل دوار. "ألبوم" الرئيس هو شوارع سوريا ومكاتبها الحكومية وبيوت مواطنيها وساحاتها وعرصاتها.
الصورة الشخصية "المفلترة"، أي المحسنّة بآلات التحسين، هي إحدى وسائل الملكية والسيادة في سوريا في عصر الصورة، وهي وسيلة وطنية يسعى بها المواطن لإثبات ولائه الوطني أيضا.
ومن معاني هذه القسمة السوفييتية، أنَّ الأصنام أعلى رتبة من الصورة، فهي أجسام ثلاثية الأبعاد، قوية الأوتاد تُنصب في الساحات، وهي عصيّة على التمزيق وممتنعة على العوامل الجوية من حتِّ وتعرية، أمّا الصورة الجديدة، فهي صورة من صور الحكم، هي حيلة سياسية، ويمكن أن تسمى بحيلة ذيل الضب، أو قدم الذئب، فالضب يضحّي بذنبه إذا مُسك منه، والذئب يقطع ساقه بأنيابه كي ينجو من الفخ إذا أطبق عليها.
الفساد في سوريا طام عام، فترتيبها في سلم الشفافية والفساد العالمي هو ما قبل الأخير، ولن يستطيع الأسد مكافحته وصدّه إن شاء، لأن الفساد هو وسيلته في الحكم، كما كانت وسيلة أبيه، فظهرت خطة ذيل الضب ويد الذئب، حتى إنا سمعنا بها من موالي النظام، يدافعون بها عن الرئيس الضحيّة، وهو دفاع متهافت، لأنه اتهام عمومي، ولا يسمي أحدأ بعينه
لم يكن مباحاً في سوريا القول بفساد بطانة الرئيس، فالاعتراف بالخطيئة ملجأ أخير، ولم يكن شائعاً إلا في الأوساط الضيقة، وسبب ذلك أنَّ هيبة الرئيس من هيبة الوزراء وحكام الأقاليم، فهم رؤساء يستمدون سلطتهم من سلطة الرئيس، وهو الذي يختارهم، وقد وهنت سلطة الرئيس، وهو يوشك على التبرؤ منهم، والتخلي عنهم تخليّ الضب من ذنبه أو الذئب من ساقه المأسورة بين أنياب الفخ.
لنسمِ العازفين هذا اللحن بالفرقة الضبيّة أو الفرقة الحواليّة، جرياً على تصنيفات وتسميات شاعت في كتب الأقدمين، مثل الحرورية والجهمية..
يشيع مساعدو البطل صورة نقيّة عن الرئيس، تقيّة، طاهرة، ملائكية، حتى يستمر بطلاً. ولكل بطل مساعدون، وكان مساعد البطل في حكايات أفلام السينما واحداً فقط، وكان مساعد البطل في السيرة الشعبية واحداً أيضاً، فمساعد عنترة ومعاونه هو أخوه شيبوب، ومساعد علي الزئبق هو سالم، ومساعد سيف بن ذي يزن هو الجنيّة أخته عاقصة.
ووظيفة المساعد أن ينقذ البطل في ساعات العسرة والشدة، وقد يدفع حياته دفاعاً عن حياة البطل، لكن مساعدي الرئيس كثر، فهم جند الدولة وعمالها ومستخدموها وحكماؤها وخبراؤها، بل إن للرئيس السوري مساعدين من خارج البلاد؛ لبنانيين وإيرانيين وروساً، ينافحون عن الرئيس ويدرؤون عنه الأقاويل والاتهامات، ويعينونه بالسلاح والمال والجند والحجة، مع أنّ رئيس سوريا من أسرع الرؤساء العرب جواباً في الحوار، وقد أوتي جدلا، ومن أكثر الرؤساء تفلسفاً مردها الخبرة التي اكتسبها من لقاءاته مع المثقفين والناس، لكن الخروق في السفينة السورية قد اتسعت على الراقع؛ جوع وظلم وظلام، وبات لزاماً على الراقع العمل بخطة ذيل الضب، أو نظرية البطانة الفاسدة. فظهر القول بها على الفضائيات، في برامج الحوار والتوك شو.
الفساد في سوريا طام عام، فترتيبها في سلم الشفافية والفساد العالمي هو ما قبل الأخير، ولن يستطيع الأسد مكافحته وصدّه إن شاء، لأن الفساد هو وسيلته في الحكم، كما كانت وسيلة أبيه، فظهرت خطة ذيل الضب ويد الذئب، حتى إنا سمعنا بها من موالي النظام، يدافعون بها عن الرئيس الضحيّة، وهو دفاع متهافت، لأنه اتهام عمومي، ولا يسمي أحدأ بعينه، وشاع القول بفضل الرئيس وفساد بطانته مؤخرا على ألسنة شيوخ النظام.
في خطب مبثوثة في تلفزيون النظام، فقد خطب أحدهم خطبة بمناسبة افتتاح حفلة إقامة أول نصب تذكاري لبشار الأسد، أُنفقت على أحجاره ومعادنه أموال كثيرة، فدعا الشيخ الشعب إلى طأطأة الرؤوس إجلالاً لصاحب النصب التذكاري! وحضّ على طاعة ولي الأمر فتلا الآية القرآنية التي تقول: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، مغفلا المنادى في الآية، وثنّى على الآية بحديث نبوي شهير وهو : "اسمَعوا وأطيعوا وإنِ استُعمِلَ عليْكم عبدٌ حبشيٌّ كأنَّ رأسَهُ زبيبةٌ". ودعا الشيخ في ختام مناسك حفل تنصيب صنم أبي زبيبة، أن يرزق الله الرئيس البطانة الصالحة، وكأن السماء تمطر الصالحين مثل المطر، وخشينا ان يؤم المصلين بصلاة اسمها صلاة الاستبطانة، ثم انتهت الصلاة وتفرق المصلون.
أما الشيخ الثاني فهو أشهر من الأول، وهو الشيخ توفيق البوطي فعزا في خطبة الجمعة الفساد إلى الشعب، ولو قال: كما تكونوا يولّى عليكم، لأحسن القول وأنصف النجعة، لكنه لم يفعل.
الصورة الجديدة الخلاّبة والحلابة هي صورة الرئيس الضحيّة المبتلى ببطانة فاسدة، بل بشعب فاسد، مع أن الرئيس هو الذي ينتخب بطانته ويصنعها على عينه، ولا تمطرها السماء، ولا تخرج من دواليب الحظ.
الضحيّة صورة يجتهد أتباع الرئيس في تلبيسه إياها من أجل بيان عذره وتمديد حكمه، لكنها صورة هزلية أيضاً، لأنها غير منطقية، وهو لا يتبنّاها، وإنما يتركها لإعلامه، وهي صورة مضحكة، لأنها عمومية، وهي غير واقعية، وغير ديمقراطية، لكن الرئيس الضحيّة، المنتصر على جيوش ثمانين دولة، عاجز عن أمرين هما؛ الرد على دولة صغيرة مثل إسرائيل، وتأمين رغيف الخبز لشعبه المتجانس
ويُظهر إعلاميو النظام وسدنة الصنم؛ صورة الرئيس بصورة المعارض للحكومة الفاسدة، وهي صورة واهية عقلاً ومنطقاً، وتنقل عنه أخبار أنه يعيش عيشة الزاهدين في قصره (بالبطاقة الذكية). وسبب نقل الأخبار بالأقوال لا بالصور، هو خشية بطانته الحاكمة من جرح صورة الرئيس القادر فوق شعبه.
قلنا إنَّ صورة البطل الضحيّة صورة قديمة، هي صورة البطل مصلوباً من أجل الحق عليه السلام، وصورة الحسين شهيداً عليه السلام، وهي إحدى صور البطل عليه السلام، فللبطل ألف وجه.
الضحيّة صورة يجتهد أتباع الرئيس في تلبيسه إياها من أجل بيان عذره وتمديد حكمه، لكنها صورة هزلية أيضاً، لأنها غير منطقية، وهو لا يتبنّاها، وإنما يتركها لإعلامه، وهي صورة مضحكة، لأنها عمومية، وهي غير واقعية، وغير ديمقراطية، لكن الرئيس الضحيّة، المنتصر على جيوش ثمانين دولة، عاجز عن أمرين هما؛ الرد على دولة صغيرة مثل إسرائيل، وتأمين رغيف الخبز لشعبه المتجانس.
إنها صورة عجيبة لرئيس قهر العالم، وحكم إنس السنّة وجنّ الشيعة، وضاقت عليه صورية واستحق حكم العالم، وجانس شعبا جناسا تاما، وطابقه طباقا، يعجز عن أن يجانس بطانة حكم من ست وثلاثين وزيرا، ما لكم كيف تحكمون.
twitter.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الأسد الفساد سوريا الأسد الفساد الاستبداد النفاق مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة صحافة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صورة الرئیس عن الرئیس فی سوریا هی صورة
إقرأ أيضاً:
مداخل تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة
أصبح مطروحا بقوة موضوع "العدالة الانتقالية" في سيرورة إعادة بناء سوريا الجديدة، ولئن كان النقاش حول هذا الموضوع في أولى مراحله، ويحتاج إلى وقت وجهود من أجل إنضاج فكرة العدالة الانتقالية، وتوفير متطلبات إنجاحها، فإن الإرث السياسي والاجتماعي والمناخ النفسي العام الثقيل والمعقد في مؤسسات الدولة ونسيج المجتمع، والثقافة السياسية التي حكمت النظام السياسي السوري، وجعلته متكورا حول نفسه، بل حولته إلى سياج سميك في علاقته بالسوريين أفرادا وجماعات، وكلها اعتبارات موضوعية تجعل من العدالة الانتقالية ليس مطلبا فحسب، بل ضرورة لا مندوحة عنها، لإعادة الثقة في السياسة وممارسيها، وفي مكونات المجتمع وروافده اللغوية، والإثنية، والثقافية.
تُنبه التجارب المقارنة إلى أن ليس ثمة مقاربة واحدة لفهم العدالة الانتقالية، ومسالك تحقيقها، بل هناك تنوع في الفهم، وتعدد في طرق الإنجاز. والحال أن السياقات العامة السياسية والمجتمعية والثقافية هي المتحكمة بدرّة أساسية في صياغة رؤية فكرية لروح العدالة الانتقالية، ورسم طرق وآليات الوصول إليها. فبعض تجارب العدالة الانتقالية تحققت في ظل استمرار نفس النظام السياسي، بل إن النظام نفسه كان طرفا مشاركا في بناء خطوات إنجاز العدالة الانتقالية.
تمثل التجربة المغربية مثالا بارزا عن تحقيق العدالة الانتقالية في ظل استمرار النظام السياسي وبمشاركته، إلى جانب مكونات المجتمع السياسي والحقوقي والمدني. فهكذا، استطاع المغاربة، نظاما سياسيا ومجتمعا مدنيا، من القبض على العصى من الوسط
وتمثل التجربة المغربية مثالا بارزا عن تحقيق العدالة الانتقالية في ظل استمرار النظام السياسي وبمشاركته، إلى جانب مكونات المجتمع السياسي والحقوقي والمدني. فهكذا، استطاع المغاربة، نظاما سياسيا ومجتمعا مدنيا، من القبض على العصى من الوسط. فمن جهة، تمت المحافظة على ثوابت النظام السياسي، على الرغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين 1956 و1999، وفي الآن معا تضميد الجراحات الناجمة عن هذه الانتهاكات من خلال آليات التعويض المادي، وجبر الأضرار المعنوية، والالتزام بعدم تكرار التجربة موضوع المساءلة، عبر تقديم مجموعة من الإصلاحات الدستورية والسياسية والمؤسساتية، وتضمينها في الوثيقة الدستورية لعام 2011.
فإلى جانب التجربة المغربية، وهي الوحيدة والنادرة في البلاد العربية، هناك تجارب تحققت في مناطق كثيرة من العالم، نشير، على سبيل المثال، إلى حالة جنوب أفريقيا، حيث عاش هذا البلد لعقود انتهاكات جسيمة من قبل أقلية البيض، استحوذت على السلطة والثروة، وقامت بأشكال متنوعة من التنكيل من السكان الأصليين، وكادت أن تقضي عليهم واجتثاث جذورهم عنوة وبالقوة. فالمقاربة المعتمدة في جنوب أفريقيا، اعتمدت هي الأخرى حلا توافقيا وسطا بين "الحاجة الملحة على تحقيق استقرار سياسي بناء سلم مدني، وواجب الكشف عن "حقيقة" تضمن هدوء الذاكرة"، متلمسة بذلك طريقا وسطا بين "العدالة العقابية والعفو الشامل".
لذلك، يُنتظر من القادة السوريين الجديد ومن يدعمهم بصدق أن يُعملوا العقل، ويرجحوا الاجتهاد الخلاق في صياغة رؤيتهم الخاصة لمقاربة ممكنات تحقيق العدالة الانتقالية في بلدهم. فطريق الانتقام، والعقاب القاسي، وربما القصاص، كما يروج له البعض، ليس خيارا سالكا، بل هو، بكل المقاييس، سيفتح البلاد على آفاق غير واضحة المعالم، وربما سيدفع سوريا دفعا نحو الخراب المدني والانتكاس السياسي. ثم إن التفكير في الحلول الجاهزة من قبيل التنكيل بفلول النظام، وتقتيلهم دون محاكمات عادلة، سيعقّد إمكانيات بناء سوريا الجديدة. فالمدخل الكفيل بإنجاح سيرورة العدالة الانتقالية، لا يمكن أن يكون إلا مدخلا مبنيا على عدالة القانون، ووسطية العقل، وروح إعادة بناء الثقة، والبحث عن المشترك داخل سوريا الجديدة التي لا يمكن أن تكون إلا متعددة، متنوعة، ومتصالحة مع ذاتها، ومتسامحة مع كل مكوناتها.
الانتقال في هذه الخطوات ليس عملية سهلة، ولن تكون بالضرورة سلسة، بل هي مسار معقد بطبيعته، ينطوي على الصعود والنزول، ويحتمل النجاح كما الكبوة والإخفاق.. لكن الأساسي في هذه العملية برمتها يكمن في وعي كل مكونات الشعب السوري دقة اللحظة التاريخية التي توجد في قلبها بلادهم، والاستعداد غير المشروط من لدن الجميع على التكاتف من أجل إنجاح العدالة الانتقالية بكل مراحلها
لذلك، كما أشرنا في مقال الشهر الماضي، تحتاج سوريا الجديدة أولا وقبل كل شيء إلى الإفصاح الصريح عن هويتها، من حيث طبيعة نخبتها القائدة، ونمط تفكيرهم ونوع تصوراتهم، لإقناع السوريين في الداخل والعالم من حولهم بأنهم على الطريق السالك لإعادة بناء الثقة في السياسة والمؤسسات والمجتمع، وأن أولوية أولوياتهم استرجاع مناخ الاستقرار والسلم إلى بلدهم، وفتح المجال واسعا أمام كل السوريين للمساهمة في إنجاح عودة الحياة المدنية إلى وطنهم.
وفي هذا الاتجاه يبدو مهما وضروريا ترتيب شروط حوار وطني مفتوح في سوريا حول سبل إعادة بناء سوريا الجديدة، يكون مؤسسا على رؤية واقعية، وواضحة، وقابلة للتطبيق، يستطيع الجميع الاهتداء بها، والسير على نهجها. والحال أن لسوريا الكفاءات والطاقات الجديرة والكفيلة بصياغة مثل هذه الرؤية، التي سنضيء الطريق للبناء الجديد.
ثم إن مخرجات المؤتمر الوطني، إن توفرت شروط انعقاده ونجاحه، سترسم صورة إعادة بناء سوريا الجديدة، من حيث القوانين اللازمة، وفي مقدمتها إعداد دستور ديمقراطي، يضمن بناء دولة مدنية تحتضن الجميع على قاعدة المواطنة، وتكرس توزيعا متوازنا للسلطات، وتكفل الحقوق والحريات بكافة أجيالها، وتاليا تقود البلاد إلى تكريس قواعد ومبادئ المشاركة المواطنة الواسعة والمفتوحة، المبنية فقط على مبدأ التكافؤ في الحقوق والفرص.
غير أن ما يجب التنبيه إليه أن الانتقال في هذه الخطوات ليس عملية سهلة، ولن تكون بالضرورة سلسة، بل هي مسار معقد بطبيعته، ينطوي على الصعود والنزول، ويحتمل النجاح كما الكبوة والإخفاق.. لكن الأساسي في هذه العملية برمتها يكمن في وعي كل مكونات الشعب السوري دقة اللحظة التاريخية التي توجد في قلبها بلادهم، والاستعداد غير المشروط من لدن الجميع على التكاتف من أجل إنجاح العدالة الانتقالية بكل مراحلها، لبناء سوريا جديدة تجب الماضي وحقبة طغيانه الذي ضغط بكلكله على صدور السوريين من انقلاب عام 1963 وحتى هروب بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.