سام برس:
2024-10-03@12:55:23 GMT

السلطة والمسؤولية

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

السلطة والمسؤولية

بقلم/ د. أحمد قايد الصايدي
السلطة في العصر الحديث تعني المسؤولية تجاه الشعب وتجاه الوطن. وإذا لم تكن كذلك ، فإنها تفقد مبرر وجودها.

فإذا ما قصرت في تقديم الخدمات لشعبها بكفاءة، من تعليم وصحة وكهرباء ومياه وطرقات ووسائل اتصالات وتأمينات اجتماعية وأمن ، وقبل هذا وذاك إذا لم تؤمن لقمة العيش لمواطنيها، فإنها تكون قد فرطت بمسؤولياتها.

وإذا ما فرطت بمسؤولياتها وجب تغييرها.

فالسلطة عقد بين الحاكم والمحكوم ، فإذا أخلت بشروط العقد ، أي بمسؤولياتها وواجباتها تجاه شعبها ، فمن حق الشعب ، بل من واجبه أن يعمل على تغييرها. هذا ما ذهب إليه فلاسفة (العقد الاجتماعي) ، من أمثال توماس هوبز ، وجون لوك ، وجان جاك روسو، وغيرهم. وقبلهم جميعاً الخليفة الراشد ، أبو بكر الصديق ، القائل ، وهو يخاطب المسلمين :

"لقد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتموني على حق فأطيعوني، وإن رأيتموني على باطل فقوّموني .. أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته ، فلا طاعة لي عليكم".

هكذا ربط الخليفة في قوله هذا طاعة الحاكم ، من قبل المواطنين ، بطاعته لله عز وجل في رعيته ، أي بأداء مسؤولياته وواجباته تجاه المواطنين.

فإذا ما انتقلنا من العام إلى الخاص ، وتأملنا في أحوال السلطة وطبيعتها وممارساتها في اليمن ، فماذا سنجد؟

لدينا في اليمن سلطة حاكمة ، أو بتعبير أدق سلطات حاكمة ، تقدم نموذجاً غنياً عن الشرح والتوضيح ، لتهرب السلطة من مسؤولياتها وواجباتها تجاه شعبها ، ولتعللها بالحرب وظروفها ، لتعفي نفسها من تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها.

لقد تعددت السلطات الحاكمة في اليمن ، مع الأسف الشدي د، واشتد تنافسها ، لا في خدمة مواطنيها ، بل في تعذيبهم وتجويعهم وإطالة معاناتهم. وأبرز هذه السلطات وأكثرها ادعاءً وأقدرها على القيام بمسؤولياتها لو أرادت : سلطة (الشرعية) المتنقلة بين الرياض وعدن ، والسلطتان الحاكمتان في كل من صنعاء وعدن.

هذه السلطات لا تكتفي بتقصيرها تجاه مواطنيها ، ومشاهدتهم وهم يجوعون دون أن تحرك ساكناً ، بل ويسوؤها أن ترتفع أصواتٌ من بين صفوفهم ، تعبر عن معاناتهم وتطالب بحقهم في العيش الكريم وتذكّر السلطة بمسؤولياتها تجاه مجتمعها.. فالأصوات التي تحب السلطة سماعها، هي الأصوات التي تزين لها أخطاءها وتبرر سياساتها وتجرم من تسول له نفسه أن يفصح عن ألمه وأن يرفع صوت أنينه.

لقد أصبحت المطالب البديهية المشروعة للمواطنين في نظر السلطة جرائم تعاقب عليها قوانينها. فالمطالب بالراتب ، مرجف ، يجب وضع حد لأراجيفه ، والمطالب بالكهرباء ، مشاغب، يجب وضع حد لمشاغبته، حتى يكون عبرة لغيره. وبدلاً من أن تبادر إلى الاعتذار لشعبها عن تقصيرها، وتتخذ الإجراءات السريعة، الكفيلة بتدارك التقصير، إذا بها تلوّح بعصاها الغليظة في وجوه من يرفعون المطالب العادلة البديهية الضرورية لحياة المواطنين، وتقذفهم بشتى التهم، التي قد تصل إلى حد التشكيك بوطنيتهم. وهكذا تأخذها العزة بالإثم، متجاهلة أبسط البديهيات، وهي أن السلطة والمسؤولية تجاه المواطنين صنوان متلازمان، لا يمكن الاستئثار بأحدهما والتنكر للآخر. فإما أن تؤخذا معاً ، أو تتركا معاً.

ولنفرض ، كما تريد السلطة أن تقنعنا ، بأن من يطالب بالراتب في صنعاء ومن يتظاهر مطالباً بالكهرباء في عدن ، مرجفون ومشاغبون ، أفلا يقتضي العقل ويرى العقلاء أن السلطة بإمكانها أن تنتزع من أيدي من تراهم مرجفين ومشاغبين ، أن تنتزع من أيديهم حججهم وتسكت أصواتهم ، لا بالتهديد والوعيد والاتهامات والتشكيك ، بل بتلبية ما يطالبون به باسم ملايين اليمنيين ، من مرتبات وخدمات ضرورية ، لا تستقيم حياة الناس الطبيعية إلا بتوفيرها؟.

إن السلطة / السلطات في اليمن ستبقى فاقدة الشرعية ، ما لم تدرك بأن السلطة تعني المسؤولية ، وما لم تسلم بأن الشعب وحده هو مصدر الشرعية ومرجعها ، هو من يمنحها وهو من ينزعها ، ولا سبيل إليها إلا سبيل واحد ، وهو الاحتكام إلى صناديق الانتخابات ، ثم القيام بواجبات السلطة ومسؤولياتها تجاه مواطنيها. وبدون هذا لا شرعية لأية سلطة.

مُستجد:

تلقيت من الأخ العزيز حسن شكري ، وأنا أكتب هذا المقال الآن ، رسالة محالة إليه من صديق له ، تضمنت مثالاً مؤلماً لما تلاقيه معظم أسر مناضلي وشهداء هذا الوطن ، من ضيق العيش وتجاهل الجهات الرسمية ، وتقصير الأصدقاء. وبعد قراءتها ، شعرت بأن أي كلام نقوله أو نكتبه ، لم يعد له طعم ولا مذاق. فتوقفت عن الاسترسال في كتابة مقالي هذا ، وفضلت أن أورد الرسالة فيما يلي ، كما وصلتني دون تعليق. تاركاً للقارئ أن يضع تعليقه الخاص عليها. فقد يكون أقدر مني على التعبير عما يشعر به المرء وهو يقرأها ، من مرارة وألم ، لا سيما وأن موضوع الرسالة هو أسرة المناضل الشهيد عبد السلام الدميني ، الذي لا أحتاج إلى أن أعرف به ، فهو أشهر من أن يُعرف. واستشهاده مع أخويه اغتيالاً ، هز ضمير اليمن ، وبكاه كل من عرفه نموذجاً للمناضل الوطني ، قيماً وطهراً وثقافة وسلوكاً.

نص الرسالة :

" مساء الخير رفيق حسن. ...
تواصل معي موخراً حفيد الرفيق الشهيد عبد السلام الدميني المقيم مع أسرته في تعز ، وعرفت منه أن أحوال أسرته (أبوه وأمه وأخوين وأخت) صعبة جداً.

لأن والده (شهاب عبد السلام) عنده مرض نفسي أعاقه من إكمال دراسته ولم تساعده حالته الصحية في الحصول على عمل وظل معتمداً على راتب الشهيد عبد السلام حتى اليوم (والراتب لا يصرف بانتظام كما فهمت).

ويقول الحفيد إنه قبل استشهاد الرفيق جار الله عمر كان يزورهم ويواسيهم ، لكن منذ وفاته حالتهم ساءت كثيراً.

هو اسمه عز الدين شهاب ، ودرس إلى مستوى ثالث هندسة شبكات واتصالات ثم توقف عن الدراسة بسبب سوء حالة أبيه الصحية .
والأب معه ثلاثة أولاد وبنت (عز الدين عاطل عن العمل، منار: سنة ثالثة صيدلة، عبد السلام: طالب ثانوية، جمال: طالب ثانوية)، يعني كلهم ما يشتغلوش ومعتمدين على راتب الشهيد عبد السلام فقط .

فما رأيك رفيقنا العزيز ؟ هل هناك فرصة ما لمساعدة الأسرة في تجاوز الصعاب المعيشية التي تعانيها ، ولو عن طريق الحصول على وظيفة مناسبة للحفيد عز الدين شهاب؟.
تحياتي

المصدر: سام برس

كلمات دلالية: فی الیمن

إقرأ أيضاً:

عن حرب الكذبة والفجار (لعنة الكيزان)!!

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

ما يحدث من معارك دامية في الخرطوم، بعد تحول الجيش من الدفاع للهجوم، فتح الباب امام المعلومات المتضاربة من انصار كلا الجانبين. خاصة مع تحكم وسائل التواصل الاجتماعي في المشهد الاعلامي، وغياب مصادر محايدة وموثوقة، وصمت كلا الجانبين الرسميين عن الادلاء باي معلومات فيما يدور من معارك ضارية او سيطرة جديدة او خسائر مادية ناهيك عن البشرية، وكانهما يخجلان من حقيقة هذه الحرب القذرة.
والحال ان هذه الضبابية التي تحكم سير المعارك، وتضارُب المعلومات حول وجهتها، تندرج ضمن نهج شامل سابق علي الحرب، ويتصل بتغييب الحقائق ونشر الاكاذيب. اما ما جعل تغييب الحقائق في هذه الحرب يتعدي ما هو متعارف عليه في الحروب كجزء من استراتيجياتها وتكتيكاتها، ان كلاهما مجرد ادوات اجرامية. وعموما هنالك عدد من الاسباب جعلت هكذا نهجٍ ملتوٍ يتوهج في هذه الحرب حتي كاد يخسف بالابصار، ومنها:
اولا، ان الدافع الاساس لهذه الحرب هو السلطة العضوض وما تتيحه من فرص لاستباحة موارد البلاد، وقطع الطريق علي تطورها، عبر ضرب تماسكها الاجتماعي، وسحق وتشتيت طبقتها الوسطي وما تحمله من امكانات ادارية ومهنية وتنموية، وتشويه سمعة كياناتها السياسية كتمهيد لعسكرة السلطة.
ثانيا، قذارة الدوافع وتعارضها مع مصالح البلاد والعباد العليا، جعل من يدعمها من الخارج (الامارات) والداخل (الكيزان)، مجبرون علي التمويه ونشر الاكاذيب.
ثالثا، عدم الاكتراث لما يصيب المواطنون من هلاك والبنية التحية من دمار، بعد ان تحولا الي مجرد وسائل لاطماعٍ عمياء. وهو ما يحتاج لغطاءٍ كثيف من الاكاذيب والمغالطات لتبريرها! بل تعدي الامر للتضحية بالجنود البسطاء والضباط الصغار والحواضن الاجتماعية، الذين تنخفض قيمتهم بقدر تصاعد طموحات القادة، وشدة تمسكهم ودفاعهم عن مصالحهم الخاصة.
رابعا، وهو الاهم، صدور كلا الطرفين المتقاتلين من مرجعية واحدة، لا يصدف انها مأزومة ومتفسخة ومنحلة. والمقصود بالطبع المرجعية الاسلاموية الترابوية، التي تقدس السلطة والثروة ويستهويها التسلط والاستكبار، كمتلازمة لوهم التميُّز والسيادة. ومعلوم ان ذات المرجعية درجت علي اعتبار الاكاذيب وسيلة مشروعة لنيل كل المطالب غير المشروعة. وان رفع الشعارات العاطفية الفارغة ينوب عن طرح البرامج الموضوعية والاعمال الجادة والمثمرة علي الارض.
وذات الامر ينطبق علي معاملة السلطة كآلِه، تقدم لها كل القرابيين وتوظف لاجلها جل الموارد. مما يضفي علي اكاذيبها مسحة مقدسة، يؤثم كل من يشكك في ترهاتها او ينكر اباطيلها. اي كونها صادرة عن سلطة مقدسة فهي صادق حتما وان تبناها مسيلمة الكذاب! وذلك رغم ان السبب الاساس في تزويد السلطة بمخالب مسلحة وتسيجها بالارهاب وتبرير نهبها للاموال، ليس قداستها وانما غياب شرعيتها كواقعة فاقعة يصعب اخفاءها، ولو بضحكة مستهترة من ضحكات الترابي المعهودة، او بصناعة دولة ومؤسسات بالتزوير (قصر جمهوري وبرلمان وانتخابات وقضاء وجيش وجامعات وسفارات..الخ).
خامسا، مع انهيار مؤسسات الدولة والقيم والاعراف والنظم الضابطة لعملها، سادت الفوضي والسبهللية وتمرير المصالح الخاصة، كاسلوب عمل يتحكم في اداء تلك المؤسسات. وهذا الامر طال فيما طال اجهزة الاعلام والمؤسسة العسكرية، لنحصل علي اسماء من غير مسميات (مضمون). اي لها فضاءها الخاص الذي تشتغل فيه، ومظهرها العام الذي تتظاهر به امام العامة. وبصفة خاصة تلبية طلبات ما يطلبه الجمهور من دعاية وحماس و(نوم علي مخدات الطرب)! لتصبح دعاية وتطمينات وانجازات السلطة المستبدة، هي افيون الشعب وليس الدين كما نسب لماركس.
والمفارقة ان هذا الامر اكثر ما ينطبق علي الدكتاتور نفسه، وهو يلقي الكلام علي عواهنه ويهدد الخونة والعملاء ويشكو من الاستهداف الخارجي ..الخ من خطرفات. وبصفة عامة الحديث في كل شئ دون قول شئ نافع! وطالما رب الدولة للدف ضارب، فطبيعي ان تنسحب اكاذيبه علي مجمل اداء الدولة، لتتظاهر بعمل كل شئ دون ان تقوم بعمل صالح او تقدم ما ينفع الناس. وهذه المسافة ما بين الاقوال والوعود الكثيرة والانجازات القليلة، تشكل اخصب بيئة للاكاذيب والدعايات وبيع الاوهام في سوق المحرومين.
وعموما ليس هنالك ادل علي خواء الرتب والخبرة والعلم والمعرفة وكل ما يمت لدولة الكيزان بصلة، مما يسمي خبراء عسكريون! والذين احرجوا السودانيين في كل بقاع الارض، واثاروا سخرية المشاهدين في العالم العربي، من ضالحة تفكيرهم وعقم معرفتهم، واسلوبهم المتفرعن في الحديث، والعنجهية المعهودة تجاه المدنيين. والحال كذلك، لماذا لا يتصدر المشهد السلطوي الفاقد التربوي والمهني (حميدتي والبرهان)، ومن ثمَّ يتحكمون في مصير البلاد والعباد، وينحطون بهما الي اسفل سافلين، وبعد ذلك يطمعون في المزيد؟!
سادسا، مع كثرة الاكاذيب واستمراءها، تتحول الي نوع من الجرأة علي الانكار والمغالطات والتزييف، التي بمقدورها قلب الليل الي نهار وإخراج الشمس من مغربها! اي يتعدي الامر التعامل معها كحقائق لا ياتيها الباطل، الي اجبار الآخرين علي تصديقها، وإلا لهم الويل والثبور!
سابعا، ادت هذه الاكاذيب والمغالطات والتلاعب بالقيم، الي ابتذال كل ما هو حق وخير وجمال، بعد ان تطاول عليها هؤلاء الاقزام. لنشهد شفافية في الغموض والمرواغة، ووطنية هي الخيانة والعمالة عينها، واعمال خير تسغل للنهب والفساد..الخ من فعائل يستنكرها الشيطان. والاسوأ من ذلك تمارس في سياق آخر ولكنه موازٍ، جهود مضنية لتغبيش الوعي وامتهان الذاكرة الجمعية والتنصل من المسؤولية والافتئات علي الحقائق واتهام الآخرين بجرائم هم مرتكبوه! والحرب الدائرة الآن خير دليل وبرهان علي ذلك. فرغم ان الكيزان وقيادة الجيش هم من صنع مليشيا الجنجويد ورعاها وتستر علي جرائمها، يحاولون اليوم الصاق الجرم بالحرية والتغيير! وكذلك رغم ان الكيزان هم من يرفضون التفاوض والحلول السلمية، ويزايدون بالكرامة والوطنية، ويراهنون علي الحسم العسكري رغم انف ميزان القوي المختل، إلا انهم يصرون علي ان (تقدم) هي من يؤجج نيران الحرب بدعم المليشيا! بل وبعد ان سلم قادة الجيش بتواطؤ مع كامل المؤسسة، العاصمة برمزيتها السيادية ومركزيتها لكل البلاد، للمليشيا تسليم استسلام، ياتون وبعد عام ونصف من الحرب المدمرة لتحريرها كما يزعمون! وكذلك بعد انسحابهم المحير من ولاية الجزيرة وغيرها من الولايات والحاميات دون مسوغات واضحة، يتحدثون بكل بجاحة عن تخليص البلاد من دنس المليشيا ولو بعد مائة عام وفناء كامل الشعب! فمن يصدق كل هذه الاكاذيب والبلاهة ان لم يكن هو نفسه مغرر به وابله؟!
ثامنا، ونسبة للمكاسب المجانية التي تدرها الاكاذيب، في ظل سلطة كاذبة كسلطة الاسلامويين، تحوَّل الكذب الي نمط حياة طوال فترة حكم الانبياء الكذبة! لدرجة اصبح الحال هو كذب الكل للكل، الرئيس للجميع، ومن حول الرئيس للرئيس، ومن داخل الاسرة الي المجتمع ككل (سطوة المظاهر). ومن الانشطة المجتمعية لكل انشطة الدولة (سطوة الدعاية). بل يصح القول ان الدولة نفسها اصبحت اكبر مضخة لنشر لاكاذيب والاوهام والانجازات المضروبة. اما ان تصل الاكاذيب والتلاعب والاستهتار الي المساس بالامن القومي، لدرجة رعاية المليشيات ارضاء لاوهام واطماع القيادات، فهذه هي الحالقة التي الحقت البلاد ب(امات طه)!
تاسعا، بما ان مليشيا الجنجويد هم الثمرة السامة للكيزان، فهي تحتوي خلاصة اكاذيبهم ومغالطاتهم وشرورهم، وهذا ما ظهر جليا في شكل الخراب الذي الحقوه بالدولة والجرائم والنهب والانتهاكات التي اقترفوها في حق الابرياء من غير رحمة. بل بمجرد دخولها اي منطقة، تختفي مباشرة كل مظاهر الحياة المدنية، ويختفي مجرد وجود للحياة الطبيعية في ابسط مظاهرها، كتوفر الخدمات الاساسية وعلي راسها اكل العيش. ورغم ذلك يتحدثون بكل وقاحة عن الدولة المدنية والديمقراطية ودولة 56 والقضاء علي الفلول..الخ من الترهات والاكاذيب المفضوحة. والحال كذلك، الفارق بين الكيزان والجنجويد، ان الكيزان يجترحون الشعارات البراقة لخداع البسطاء كوسيلة للسيطرة عليهم ونهبهم برضاهم. اما الجنجويد كتجمع مرتزقة منبت الاصل والجذور اقلاه من جهة التقيد باعراف المجتمع، فانهم يسطون ككل الرباطة علي الشعارات والمقولات والاطروحات المطروحة في الساحة كيفما اتفق، للحصول علي هوية في المجتمع ودور في الدولة وموضع قدم في السياسة ومبرر للسيطرة علي السلطة من غير وجه حق.
المهم، واحدة من مآسي الحكم الديني كحكم الكيزان، هو حالة الانفصام والعيش في الاوهام التي تتلبس اصحابه، وتاليا العجز عن الفصل بين الواقع والممكن والمتاح، وبين التصورات والافكار المجردة، والصادرة غالبا عن الهذيان والعقد والشذوذ. والحال كذلك، تشكل الشطحات منطلق للقيادة، والرغبات مقود الافراد والدولة، والاستجابة لنداء الشهوة مقدم علي كل الفروض. لتتحول السلطة عمليا الي بلدوزر يسوي كل العقبات (نظم تشريعات مؤسسات لوائح قوانين اعراف مجتمعية) لجعل الارض مستوية، لافساح المجال لرفاه الاسلامويين وانصارهم، عبر تجيير موارد الدولة لصالحهم حصريا. اما عاقبة ذلك عمليا، فهو تحطيم الدولة وتدهور الخدمات وتردي حياة العامة.
وللاسف بعد ثلاثة عقود من الحكم الاعتباطي وحياة الدلال التي عاشها الاسلامويون، اصبح الفطام من هذه الحياة المترفة في حكم المستحيل. بل كل عقبة تقف امامهم يتوهمون القدرة علي التقلب عليها مهما كانت مستحيلة، وان قاد ذلك لاذاعة الاكاذيب والاحلام وتصديقها، وتقديم كل قطاعات الشعب وتماسك الدولة ككباش فداءٍ لها! وساعدهم علي ذلك عاملان، اولهما، استثمارهما في حماية نظامهما بكل السبل وبما فيها القذرة والغبية منها، مع توافر من هم علي استعداد لمشاركتهم حماية النظام نظير مكاسب مادية ومهنية واجتماعية. اما العامل الآخر فهو اكثر حساسية وجذرية، لصلته بالحديث باسم الإله، والذي عاجلا او آجلا يجعل من يتحدث باسمه ينتحل صفاته وقدراته. اي يطلق الاطلاق علي كل شئ، من السلطة المطلقة الي القدرة المطلقة وانتهاءً بالبقاء المطلق (الي الابد)، لذلك ليس مستغرب حديث نافع عن تسليمها للمسيح.
وعليه، يبدو ان الكيزان الذين تربوا في احضان تصورات مطلقة وشعارات مزيفة وقيم مهترئة واصرار علي المضي في هذا الطريق المهلك مهما كلف الامر. هو نفسه ما جعلهم يسيئون ادارة الدولة ويتآمرون علي الثورة، ويخوضون هذه الحرب بقدرات متدنية وتطلعات وطموحات بعيدة عن الواقع، غض النظر عن حجم الخسائر وما تعرضه من مخاطر علي سلامة الشعب وبقاء الدولة.
وما يحير ان الكيزان الذين يخوضون حرب عدمية من اجل السلطة، دامت لهم السلطة المطلقة لمدة ثلاثة عقود ويزيد، فماذا فعلوا بها غير اساءة استغلالها حتي يطالبوا بالمزيد؟! وكذلك توفرت لهم كل موارد الدولة، فماذا فعلوا بها سوي تجييش الجيوش ورعاية المليشيات واجهزة الامن والمخابرات، وحياة الترف والبهرجة، ولم يتركوا لبقية الشعب إلا الجوع والمسغبة. فلماذا بعد كل ذلك يطالبون بالمزيد؟!
ومعلوم ان الكيزان بدل الفرصة أُتيحت لهم العشرات من الفرص، لاجراء مراجعات عن تجربتهم والاعتذار عن الاخطاء وارجاع المنهوبات، ودفع ثمن ما اقترفوه من جرائم وانتهاكات في حق الشعب حتي تصح توبتهم نصوحا. ولكن المعضلة ان المراجعة او التوبة تمر بالتحلل من هذه المنظومة، اي لفظها بوصفها علة او مرض وليس وصفة علاجية.
لكل ذلك ليس هنالك من خطوة جادة لايقاف هذه المحرقة قبل ان تطال كل البلاد، غير تخلُص الكيزان من اوهامهم واطماعهم. وبما ان ذلك صعب صعوبة تخليهم عن مبررات وجودهم. فعليه، ليس هنالك من مخرج سوي فك الجيش الارتباط مع الكيزان، كخطوة اساسية لتخلي الجيش عن اوهامه واطماعه التي تعشش داخل هذه المؤسسة، ومن ثمَّ معاينة الواقع كما هو. اي اعادة تقييم لقدرة الجيش واداءه منذ اندلاع هذه الحرب، بل حتي ما قبلها، بل منذ تاسيسه. ومهما كانت نتيجة هذا التقييم فلابد من البحث الجاد عن كل الخيارات والفرص لايقاف هذه الحرب العدمية باي ثمن، اي بوصفها كارثة وخراب وخسائر يدفع ثمنها المواطنون والجنود والبلاد بصفة عامة.
اما اذا عجز الجيش عن القيام بهكذا واجب عاجل، لارتباطات متينة بالاسلامويين ومليشياتهم، فلا سبيل عندها من قبول الاسلامويين علي مضض، بل وتقديم حوافز تعينهم علي ايقاف هذه الحرب اللعينة التي تنذر بالقضاء علي كل شئ. اي اذا كان الامر مقايضة بين مشاركة الاسلامويين في السلطة وبقاء الدولة، او رفضهم وضياع الدولة، فمرحبا بمشاركتهم. ومن ثمَّ فرض الرقابة عليهم، مثل اي مدمن لا سبيل لضبطه الا باحكام الرقابة عليه.
وبطبيعة الحال، ما ينطبق علي الاسلامويين ينطبق علي المليشيا بصورة مضاعفة. اي كمجموعة عدمية، ضعيفة الانتماء للوطن وانسانه، ولذلك لا تستحي من عمالتها للخارج، كما انها لا تتقن شيئا سوي القتل والسلب والنهب والتخريب ونشر الفوضي. والحال كذلك، يظل مجرد وجودها تهديد لوجود الدولة باستمرار، وذلك للتناقض البنيوي والوظيفي بينهما. وهو ما يجعل مقاربة الوصول معها لاتفاق لايقاف الحرب في غاية الصعوبة، كما ان الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، اذا ما كنا محظوظين وحدث اتفاق، فهو كذلك سيعاني صعاب ليس لها حصر. وكل هذا يقول شيئا محددا، وهو اننا نعيش معضلة وجودية مغلقة كالضمنة، بقدر ما تستنزف طاقة الدولة وارواح مواطنيها. وهو ما يجعل بدوره مطلب التدخل الخارجي (منظمة الامم المتحدة ووكالاتها) ليس ترف، وانما قلة حيلة من اوضاع يسيطر عليها السلاح المنفلت والقادة الجهلاء والدمار الشامل واطماع تحاصرنا من كل اتجاه. اما المضحك والمبكي في آن، فهو خوف البعض من التدخلات الخارجية، اكثر من الخوف علي البلاد وهي في طريقها للهاوية، هارسة لضلوع الاطفال ومريقة لدماء الضحايا.
آخر الكلام
ما يحدث لحماس وحزب الله يُظهر وكأن هنالك توجه للخلاص من كل المليشيات والكيانات الاسلاموية. واذا صح ذلك، ما المانع ان جزء من اغراض حربنا الكارثية المدعومة اقليميا، الخلاص من الاسلامويين، وعندها الجيش والشعب يروحان في الرجلين. خاصة وان سوء الحظ والتعاسة بقدر ما هي ملازمة لهذا الكيان المسمي السودان بشعبه الشقي، بقدر ما حسن الحظ وكل الظروف (التآمر) تخدم الانقلابيين والملعون حميدتي ومليشياته الهمجية. ولسان حالها يردد مع حميد (آخ من حظك يا الجابرية، سابع جامع وبالجبرية!). او (يا ام قلبا حار ينبر فينا، ما عدا صباح من ها المينا، كد الكداح شايلة سفينة، والناس عوجات تحرس ترجا، ترجعبوا سلاح وانوار زينة). تبا لكم كيزان دعامة بن زايد وكل شيطان رجيم يدعم هذه المقتلة. ودمتم في رعاية الله.  

مقالات مشابهة

  • أحداث رواندا وطلاب الجامعات السودانية
  • التضامن تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسؤولية المجتمعية
  • أحمد بن سعيد: دبي تقود جهود تعزيز التوازن بين النمو الاقتصادي والمسؤولية البيئية
  • الشعبوية والوعود الاقتصادية المكسورة
  • تحذير من أممي حول الأوضاع في اليمن
  • عن حرب الكذبة والفجار (لعنة الكيزان)!!
  • غروندبرغ: الحرب على غزة ولبنان أعاقتنا في اليمن
  • «مصر للطيران» تشارك في ملتقى مؤسسة «57357» للسياحة والمسؤولية المجتمعية
  • رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمشاتي بأسوان تشارك فعاليات الملتقى الأول للسياحة والمسؤولية المجتمعية
  • مصر للطيران تشارك في ملتقى السياحة والمسؤولية المجتمعية بمؤسسة 57357