بقلم/ د. أحمد قايد الصايدي
السلطة في العصر الحديث تعني المسؤولية تجاه الشعب وتجاه الوطن. وإذا لم تكن كذلك ، فإنها تفقد مبرر وجودها.
فإذا ما قصرت في تقديم الخدمات لشعبها بكفاءة، من تعليم وصحة وكهرباء ومياه وطرقات ووسائل اتصالات وتأمينات اجتماعية وأمن ، وقبل هذا وذاك إذا لم تؤمن لقمة العيش لمواطنيها، فإنها تكون قد فرطت بمسؤولياتها.
فالسلطة عقد بين الحاكم والمحكوم ، فإذا أخلت بشروط العقد ، أي بمسؤولياتها وواجباتها تجاه شعبها ، فمن حق الشعب ، بل من واجبه أن يعمل على تغييرها. هذا ما ذهب إليه فلاسفة (العقد الاجتماعي) ، من أمثال توماس هوبز ، وجون لوك ، وجان جاك روسو، وغيرهم. وقبلهم جميعاً الخليفة الراشد ، أبو بكر الصديق ، القائل ، وهو يخاطب المسلمين :
"لقد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتموني على حق فأطيعوني، وإن رأيتموني على باطل فقوّموني .. أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته ، فلا طاعة لي عليكم".
هكذا ربط الخليفة في قوله هذا طاعة الحاكم ، من قبل المواطنين ، بطاعته لله عز وجل في رعيته ، أي بأداء مسؤولياته وواجباته تجاه المواطنين.
فإذا ما انتقلنا من العام إلى الخاص ، وتأملنا في أحوال السلطة وطبيعتها وممارساتها في اليمن ، فماذا سنجد؟
لدينا في اليمن سلطة حاكمة ، أو بتعبير أدق سلطات حاكمة ، تقدم نموذجاً غنياً عن الشرح والتوضيح ، لتهرب السلطة من مسؤولياتها وواجباتها تجاه شعبها ، ولتعللها بالحرب وظروفها ، لتعفي نفسها من تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها.
لقد تعددت السلطات الحاكمة في اليمن ، مع الأسف الشدي د، واشتد تنافسها ، لا في خدمة مواطنيها ، بل في تعذيبهم وتجويعهم وإطالة معاناتهم. وأبرز هذه السلطات وأكثرها ادعاءً وأقدرها على القيام بمسؤولياتها لو أرادت : سلطة (الشرعية) المتنقلة بين الرياض وعدن ، والسلطتان الحاكمتان في كل من صنعاء وعدن.
هذه السلطات لا تكتفي بتقصيرها تجاه مواطنيها ، ومشاهدتهم وهم يجوعون دون أن تحرك ساكناً ، بل ويسوؤها أن ترتفع أصواتٌ من بين صفوفهم ، تعبر عن معاناتهم وتطالب بحقهم في العيش الكريم وتذكّر السلطة بمسؤولياتها تجاه مجتمعها.. فالأصوات التي تحب السلطة سماعها، هي الأصوات التي تزين لها أخطاءها وتبرر سياساتها وتجرم من تسول له نفسه أن يفصح عن ألمه وأن يرفع صوت أنينه.
لقد أصبحت المطالب البديهية المشروعة للمواطنين في نظر السلطة جرائم تعاقب عليها قوانينها. فالمطالب بالراتب ، مرجف ، يجب وضع حد لأراجيفه ، والمطالب بالكهرباء ، مشاغب، يجب وضع حد لمشاغبته، حتى يكون عبرة لغيره. وبدلاً من أن تبادر إلى الاعتذار لشعبها عن تقصيرها، وتتخذ الإجراءات السريعة، الكفيلة بتدارك التقصير، إذا بها تلوّح بعصاها الغليظة في وجوه من يرفعون المطالب العادلة البديهية الضرورية لحياة المواطنين، وتقذفهم بشتى التهم، التي قد تصل إلى حد التشكيك بوطنيتهم. وهكذا تأخذها العزة بالإثم، متجاهلة أبسط البديهيات، وهي أن السلطة والمسؤولية تجاه المواطنين صنوان متلازمان، لا يمكن الاستئثار بأحدهما والتنكر للآخر. فإما أن تؤخذا معاً ، أو تتركا معاً.
ولنفرض ، كما تريد السلطة أن تقنعنا ، بأن من يطالب بالراتب في صنعاء ومن يتظاهر مطالباً بالكهرباء في عدن ، مرجفون ومشاغبون ، أفلا يقتضي العقل ويرى العقلاء أن السلطة بإمكانها أن تنتزع من أيدي من تراهم مرجفين ومشاغبين ، أن تنتزع من أيديهم حججهم وتسكت أصواتهم ، لا بالتهديد والوعيد والاتهامات والتشكيك ، بل بتلبية ما يطالبون به باسم ملايين اليمنيين ، من مرتبات وخدمات ضرورية ، لا تستقيم حياة الناس الطبيعية إلا بتوفيرها؟.
إن السلطة / السلطات في اليمن ستبقى فاقدة الشرعية ، ما لم تدرك بأن السلطة تعني المسؤولية ، وما لم تسلم بأن الشعب وحده هو مصدر الشرعية ومرجعها ، هو من يمنحها وهو من ينزعها ، ولا سبيل إليها إلا سبيل واحد ، وهو الاحتكام إلى صناديق الانتخابات ، ثم القيام بواجبات السلطة ومسؤولياتها تجاه مواطنيها. وبدون هذا لا شرعية لأية سلطة.
مُستجد:
تلقيت من الأخ العزيز حسن شكري ، وأنا أكتب هذا المقال الآن ، رسالة محالة إليه من صديق له ، تضمنت مثالاً مؤلماً لما تلاقيه معظم أسر مناضلي وشهداء هذا الوطن ، من ضيق العيش وتجاهل الجهات الرسمية ، وتقصير الأصدقاء. وبعد قراءتها ، شعرت بأن أي كلام نقوله أو نكتبه ، لم يعد له طعم ولا مذاق. فتوقفت عن الاسترسال في كتابة مقالي هذا ، وفضلت أن أورد الرسالة فيما يلي ، كما وصلتني دون تعليق. تاركاً للقارئ أن يضع تعليقه الخاص عليها. فقد يكون أقدر مني على التعبير عما يشعر به المرء وهو يقرأها ، من مرارة وألم ، لا سيما وأن موضوع الرسالة هو أسرة المناضل الشهيد عبد السلام الدميني ، الذي لا أحتاج إلى أن أعرف به ، فهو أشهر من أن يُعرف. واستشهاده مع أخويه اغتيالاً ، هز ضمير اليمن ، وبكاه كل من عرفه نموذجاً للمناضل الوطني ، قيماً وطهراً وثقافة وسلوكاً.
نص الرسالة :
" مساء الخير رفيق حسن. ...
تواصل معي موخراً حفيد الرفيق الشهيد عبد السلام الدميني المقيم مع أسرته في تعز ، وعرفت منه أن أحوال أسرته (أبوه وأمه وأخوين وأخت) صعبة جداً.
لأن والده (شهاب عبد السلام) عنده مرض نفسي أعاقه من إكمال دراسته ولم تساعده حالته الصحية في الحصول على عمل وظل معتمداً على راتب الشهيد عبد السلام حتى اليوم (والراتب لا يصرف بانتظام كما فهمت).
ويقول الحفيد إنه قبل استشهاد الرفيق جار الله عمر كان يزورهم ويواسيهم ، لكن منذ وفاته حالتهم ساءت كثيراً.
هو اسمه عز الدين شهاب ، ودرس إلى مستوى ثالث هندسة شبكات واتصالات ثم توقف عن الدراسة بسبب سوء حالة أبيه الصحية .
والأب معه ثلاثة أولاد وبنت (عز الدين عاطل عن العمل، منار: سنة ثالثة صيدلة، عبد السلام: طالب ثانوية، جمال: طالب ثانوية)، يعني كلهم ما يشتغلوش ومعتمدين على راتب الشهيد عبد السلام فقط .
فما رأيك رفيقنا العزيز ؟ هل هناك فرصة ما لمساعدة الأسرة في تجاوز الصعاب المعيشية التي تعانيها ، ولو عن طريق الحصول على وظيفة مناسبة للحفيد عز الدين شهاب؟.
تحياتي
المصدر: سام برس
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
شهادات مزورة في مجلس محافظة نينوى تكشف وجه السلطة القبيح
5 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: في تطور مثير للجدل، فجر سعود يونس الحاصود قنبلة إعلامية عندما ظهر في مقطع فيديو يتهم فيه شقيقه أحمد يونس الحاصود، رئيس مجلس محافظة نينوى، بتزوير شهادته الأكاديمية وارتكاب جريمة قتل، قبل أن يتراجع لاحقاً في مقطع آخر قائلاً إن تصريحاته الأولى كانت تحت الضغط.
ووفق معلومات سعود في الفيديو الأول، فإن أحمد فشل لست سنوات في اجتياز امتحانات السادس الأدبي، ليستعين لاحقاً بشخص آخر ليمتحن بدلاً منه في قضاء مخمور، بمساعدة قريب تقاضى رشوة قدرها مليون و600 ألف دينار لتسهيل العملية.
وأضاف أن أحمد حصل بذلك على الشهادة، ثم سافر إلى أوكرانيا لدراسة طب الأسنان رغم كونه من الفرع الأدبي، وعند عودته فشل ست مرات في معادلة شهادته، مشيراً إلى ضعفه اللغوي بالعربية والإنكليزية.
وأفادت تحليلات أن هذه الواقعة تعكس أزمة أعمق في المجتمع العراقي، حيث باتت الشهادات الأكاديمية أداة للترقي الاجتماعي والسياسي بدلاً من كونها مؤشراً للكفاءة.
وذكرت مواطنة في تعليق على فيسبوك: “الفساد أصبح نظاماً، والشهادات ورقة للصعود لا للعلم”. واعتبر مواطن آخر أن “ما حدث يكشف انهياراً أخلاقياً في منظومة المسؤولية”.
وتحدثت مصادر محلية عن حوادث مشابهة، مثل قصة مسؤول في بغداد، قيل إنه اشترى شهادة دكتوراه من جامعة وهمية عبر الإنترنت مقابل 3000 دولار، ليصبح لاحقاً مستشاراً في وزارة حكومية.
وأفاد باحث اجتماعي أن نسبة الشهادات المزورة في العراق قد تصل إلى 15% بين المسؤولين الحكوميين، استناداً إلى دراسات غير رسمية، بينما تشير إحصاءات أرشيفية إلى أن 40% من المتقدمين للوظائف العامة بين 2018 و2022 قدموا وثائق مشكوك في صحتها.
وقال تحليل إن هذه الظاهرة ترتبط بضعف الرقابة وسيادة المحسوبية.
وذكرت آراء أن هذا الواقع ينذر بمستقبل قاتم، حيث ستتفاقم الفجوة بين الكفاءة والمناصب.
وقال مصدر اكاديمي إن “الأحزاب تغطي على مثل هذه الفضائح لأنها جزء من اللعبة”.
وتوقعت تحليلات استباقية أن تشهد السنوات القادمة تصاعداً في الفضائح عبر وسائل التواصل، مع تزايد الصراعات الداخلية بين الأطراف السياسية، ما قد يدفع المواطنين لفقدان الثقة نهائياً بالنظام. وفيما يبدو، فإن قصة الحاصود ليست سوى قمة جبل الجليد في أزمة أخلاقية ومهنية تهدد استقرار المجتمع.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts