أحمد ياسر يكتب: العلاقات التركية السعودية سوف تؤتي ثمارها
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
ليس من المستغرب أن تكون الاعتبارات الاقتصادية من بين العوامل الرئيسية في تشكيل حقبة جديدة في العلاقة التركية السعودية، وهي بطبيعتها متعددة الأوجه، ومن الاجتماعات المتبادلة رفيعة المستوى إلى الاتفاقيات الموقعة، أصبح من الواضح أن أنقرة والرياض تبذلان جهودًا قوية لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية، مع وضع التقارب الأخير بينهما على مسار أكثر استدامة، ومع ذلك، من أجل فهم أهمية هذه الصفقات والالتزامات من الجانبين، من الضروري النظر إلى التحديات والفرص المتاحة لتركيا والمملكة في طريقهما نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية.
وعندما تهدف الدول إلى إعادة بناء العلاقات بعد سنوات من التوتر، يقوم رؤساء الدول بزيارات متبادلة لبعضهم البعض، ترافقهم وفود تجارية كبيرة... وعلى الرغم من أن الكثير من التركيز ينصب على ما تقوله القيادات خلال تلك الزيارات، إلا أن المهمة الأكثر أهمية تقع على عاتق رجال الأعمال وراء الكواليس الذين يقودون العلاقات المستعادة حديثًا.
وبعد أيام قليلة من اجتماع وزيري التجارة التركي والسعودي، على هامش القمة الوزارية لمجموعة العشرين، اتفقت أنقرة والرياض على تنفيذ “خطة قوية” لزيادة التجارة الثنائية، وخاصة الاستثمارات المتبادلة في قطاعات متنوعة. ومن المنتظر أن يتم التوقيع على مذكرة تفاهم في هذا الصدد خلال الأيام المقبلة لتعزيز التعاون في استراتيجيات التصدير والشراكات القطاعية.
إذا تم بناء الثقة المتبادلة وتحولت مذكرات التفاهم هذه إلى اتفاقيات قائمة على المشاريع وصفقات شراكة ملموسة، فمن المرجح أن نشهد علاقة اقتصادية مزدهرة بين تركيا والمملكة العربية السعودية، ووقع البلدان أيضًا اتفاقًا بشأن تعزيز التعاون في مجال استخراج المعادن الحيوية، وهو متابعة لسلسلة من الصفقات التي تم التوصل إليها بشأن التعاون في مجال الطاقة والنفط خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة.
وتتمثل إحدى المهام، وربما الأكثر أهمية، بالنسبة للجانبين في استعادة الثقة والحفاظ عليها بين المستثمرين الذين استمتعوا بتعاون اقتصادي مستقر خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.. واجه المستثمرون ورجال الأعمال والشركات السعوديون والأتراك أوقاتًا عصيبة عندما توترت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة.
ومن الجانب التركي، أثر الحظر غير الرسمي الذي فرضته المملكة على الصادرات والشركات التركية منذ عام 2018 وحتى تطبيع العلاقات سلبًا على حجم التجارة...... ولم يمنع هذا الشركات التركية من تقديم عطاءات لمناقصات حكومية سعودية كبيرة فحسب، بل تسبب أيضًا في مخاوف بشأن عدم اليقين بشأن الاستثمار في البلاد على المدى الطويل.
ومن الجانب السعودي، فقد رجال الأعمال والشركات في المملكة الثقة في نظرائهم الأتراك، الذين فشلوا في المضي قدمًا في المشاريع المخطط لها بسبب الضغوط التي واجهتها الحكومة من المعارضة، التي انتقدت بشدة الاستثمارات الخليجية في تركيا، قبل الانتخابات...... وحصلت الحكومة على خمس سنوات أخرى في السلطة.... ومع ذلك، فهذه فترة قصيرة بالنسبة للمشاريع الكبرى التي تهدف إلى البقاء في تركيا على المدى الطويل.
إن القدرة على التنبؤات السياسية أو الاقتصادية، هي الشغل الشاغل للمستثمرين من كلا الجانبين، لأن تجربة الماضي السلبية لها بصمة في العلاقات..... لذا، فإن بناء الثقة على المدى الطويل هو المهمة الأكثر أهمية في الوقت الحالي.
والآن بعد أن انتهت الانتخابات لصالح الحكومة التركية، ورفع الجانب السعودي الحصار غير الرسمي، يمكن للجانبين التركيز على الاستراتيجيات التي من شأنها بناء ثقة المستثمرين والحفاظ عليها.... وفي البيئة الاقتصادية غير المؤكدة اليوم، فإن إعادة بناء الثقة بين المستثمرين الأتراك والسعوديين أمر بالغ الأهمية لتحقيق النجاح على المدى الطويل.
تتطلب ثقة المستثمر الاتساق والمصداقية والشفافية...... ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن ذلك يتطلب أيضًا الاستقرار الاقتصادي والسياسي.... وتتعزز الثقة عندما يتبنى البلدان سياسات بعضهما البعض بشكل كامل، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.... وفي هذا الصدد، من المهم فهم التوقعات والمتطلبات من كلا الجانبين لتحقيق المنفعة المتبادلة وطريق واضح للنمو.... والنقطة الأهم هنا هي أن عملية بناء الثقة بين المستثمرين من الجانبين يجب أن تحظى بدعم القيادتين في تركيا والمملكة العربية السعودية.
هناك بالتأكيد مزايا لعلاقة اقتصادية تركية سعودية قوية..... وكجزء من رؤيتها لعام 2030، تسعى الرياض إلى التعاون الاجتماعي والاقتصادي، ويبدو أن تركيا تمثل سوقًا مهمًا.... إن تركيا والمملكة العربية السعودية قوتان ناشئتنا يتمتعان بمزايا تنافسية كبيرة، فضلًا عن أنظمة اقتصادية متكاملة توفر أساسًا متينًا لتوسيع العلاقات الاستثمارية والتجارية..... وبينما تهتم أنقرة بإيجاد أسواق تصدير جديدة وزيادة الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد التركي، تريد المملكة تقليل اعتمادها على الهيدروكربونات، وتنويع اقتصادها من خلال الاستثمارات في الداخل والخارج.
وفي هذا الصدد، توفر احتياطيات المملكة العربية السعودية أرضية صلبة لشراكة استثمارية تآزرية عبر قطاعات متعددة لإنشاء ونقل المعرفة والخبرة الصناعية..... تعتبر التنمية الصناعية ضرورية للتنويع الاقتصادي في المملكة، حيث أطلقت مشاريع متعددة في محاولة لتلبية المتطلبات الحالية والمستقبلية.... وهذا يوفر العديد من الفرص الاستثمارية للأتراك.
وتستعد أنقرة والرياض الآن لعقد منتدى اقتصادي خليجي تركي في نوفمبر المقبل في إسطنبول، والذي سيكون الأول من نوعه الذي يركز على فرص الاستثمار في التجارة والطاقة والأمن الغذائي والبنية التحتية.... ويعد تحسين التعاون الاقتصادي أمرا حاسما لتعزيز العلاقات الثنائية.
ولكن لكي يحدث ذلك، فلا بد من التركيز بشكل أكبر على استراتيجيات بناء الثقة والتوقعات بين المستثمرين، وهي المحركات الرئيسية لتعزيز العلاقات الاقتصادية كجزء من أهداف طويلة الأجل.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر تركيا السعودية ايران الامن الغذائي العلاقات التركية السعودية المملکة العربیة السعودیة على المدى الطویل بین المستثمرین الأکثر أهمیة بناء الثقة
إقرأ أيضاً:
العلاقات السورية التركية.. العراق يتدخل وروسيا تعلق
يعد التطبيع بين تركيا وسوريا في الفترة الأخيرة خطوة في سياق التحولات السياسية والإقليمية، فبعد سنوات من القطيعة بسبب النزاع السوري والحرب الأهلية التي مزقت البلاد، شهدت العلاقات بين البلدين تحسنًا تدريجيًا بدءًا من 2022.
ونشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرًا تحدثت فيه عن دعم روسيا مساعي العراق بخصوص لعب دور الوسيط في تطبيع العلاقات السورية التركية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن وجود القوات التركية في المحافظات الشمالية من سوريا وعدم تقديم أنقرة ضمانات بانسحابها يظل العائق الرئيسي الذي يمنع انطلاق المفاوضات.
وساطة للتطبيع بين سوريا وتركيا
ونقلت الصحيفة عن سفير روسيا لدى العراق ألبروس كوتراشيف أن روسيا تدعم العراق كمنصة لاستعادة العلاقات بين سوريا وتركيا. وقد أشار كوتراشيف إلى أنه فيما يتعلق بالملف السوري، ترحب روسيا بجهود أي دولة، بما في ذلك في سياق التطبيع بين سوريا وتركيا.
وأضاف كوتراشيف أن موسكو تؤيد اعتماد العراق كمنصة للمفاوضات معربة عن استعدادها لتقديم المساعدة في هذه المبادرة إذا لزم الأمر. في المقابل، لم يبدِ الجانب التركي استعداده لتقديم ضمانات بشأن انسحاب قواته من سوريا. بخصوص هذا قال كوتراشيف: "إلى أن يتم حل هذه المشكلة الرئيسية، باعتبارها الخطوة الرئيسية نحو التطبيع، من السابق لأوانه الحديث عن أي منصة".
وفي الثالث من تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة مع صحيفة حريت، إن أنقرة لم تلاحظ بوادر استعداداً لتحسين العلاقات من جانب الرئيس السوري بشار الأسد.
ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع المستوى أن منصة أستانا يمكن أن تشكل الأساس للتطبيع السوري التركي، مشيرًا الى استعداد سوريا وتركيا لمناقشة الحلول التوافقية.
انهيار العلاقات السورية التركية
وذكرت الصحيفة أنه بعد انطلاق الحرب السورية سنة 2011، سعت تركيا إلى مواصلة الحوار مع الحكومة السورية والحفاظ على الاتصالات الثنائية. واعتبرت أنقرة الربيع العربي فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة. لكن ساهم قمع قوات الحكومة السورية الاحتجاجات السلمية في حماة في آب/أغسطس 2011 في تغيير موقف القيادة التركية بشكل كبير. وفي أيلول/ سبتمبر من نفس السنة، أعلن أحمد داود أوغلو، الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية التركية، تعليق جميع الاتفاقيات التجارية وغيرها من الاتفاقيات مع سوريا. ومنذ ذلك الحين، اتبعت القيادة التركية مساراً للإطاحة ببشار الأسد.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، دعمت تركيا الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة. لكن، منذ سنة 2016، انطلقت في مراجعة سياستها الخارجية تجاه سوريا بسبب تغير الوضع على الجبهة لصالح القوات السورية وتصاعد خطر تعزيز النفوذ الكردي في شمال شرق البلاد. في محاولة منها للتصدي لذلك، نفذت تركيا عدة عمليات عسكرية كبرى في شمال سوريا لمنع إنشاء جيب كردي على طول حدودها. وفي الوقت الحالي تنتشر القوات التركية في إدلب وعفرين ومدينة الباب والمنطقة الفاصلة بين تل أبيض ورأس العين. من جانبها، تفسر أنقرة وجودها العسكري في سوريا برغبتها في حماية القوات المعارضة ومحاربة وحدات حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية المرتبطة به والمدعومة من قبل الولايات المتحدة.
الحوار بين دمشق وأنقرة آخذ في التحسن
وأفادت الصحيفة أن أنقرة أبدت مؤشرات عن استعدادها للتفاوض مع السلطات السورية. وعليه، انطلقت في السنوات الأخيرة عملية تطبيع العلاقات بين الجانبين. وبناء عليه، جرى في سنة 2022 أول اتصال رسمي بين الممثلين السوريين والأتراك منذ 10 سنوات. بعد ذلك، احتضنت موسكو اجتماع ضم وزيري دفاع ورئيسي استخبارات كل من سوريا وتركيا.
وفي سنة 2023، نُظم في روسيا اجتماع على مستوى وزراء الخارجية. تسعى روسيا من خلال محاولة إقامة حوار بين تركيا وسوريا إلى إخراج حليفها في الشرق الأوسط من مأزق العزلة الإقليمية.
وفي صيف 2024؛ كشف الرئيس التركي عن عمل وزير خارجيته هاكان فيدان على إعداد خطة لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. ردا على ذلك، ذكرت وزارة الخارجية السورية أن التطبيع ينبغي أن يرتكز على العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل سنة 2011. من جانبه، أعرب الأسد عن استعداده للقاء نظيره التركي إذا كان ذلك يخدم المصالح الوطنية السورية.
وتنقل الصحيفة عن الخبير السياسي السوري عمر رحمون أن التطبيع بين الدول يعوقه وجود أطراف في تركيا تدعم فكرة الحفاظ على السيطرة العسكرية على شمال سوريا. من بين هذه الأطراف وزير الدفاع يشار غولر ورئيس المخابرات إبراهيم قالين.
وفي تموز/ يوليو سمح أردوغان باتخاذ "خطوات إضافية" من طرف أنقرة لإحلال السلام في سوريا. وبعد ذلك أشار أردوغان إلى إمكانية دعوة بشار الأسد صحبة فلاديمير بوتين إلى اجتماع ثلاثي لبدء عملية التطبيع.
ونسبت الصحيفة إلى الباحث في مركز سيتا كوتلوهان جوروجو أن النهج الذي يتبعه النظام السوري لا يعكس بالضرورة الرغبة في الجلوس على طاولة المفاوضات مع تركيا. يلغي الوضع القائم والتهديدات التي تواجهها تركيا من سوريا على رأسها حزب العمال الكردستاني والميليشيات الشيعية وتنظيم الدولة واللاجئين، إحتمالات انسحاب القوات التركية من سوريا.
وبحسب جوروجو فإن مشاكل حزب العمال الكردستاني واللاجئين السوريين مسألة حساسة بالنسبة لتركيا. ويرجح جوروجو إمكانية تحقيق تقدم في المفاوضات في حال وجود قيادة في سوريا تقدم المساعدة باستمرار لتركيا في معالجة هذه القضايا.
من جانبه، يرى الخبير السوري محمد نادر العامري أن استعادة العلاقات يتطلب أيضًا من الجانب التركي اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز ثقة القيادة السورية مثل وقف دعم التنظيمات المعارضة لدمشق وإعلان أو بدء سحب القوات من الأراضي السورية.
دور روسيا في التطبيع السوري التركي
وأوضحت الصحيفة أنه في الثاني من آب/أغسطس أعلن نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، أوليغ إغناسيوك، عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية سورية مشتركة في عين العرب تماشيا مع إجراءات مراقبة وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة.
رحبت أنقرة بهذه الخطوة، التي اعتبرتها وزارة الدفاع التركية بمثابة إضعاف لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية. في الوقت نفسه، استأنفت الدوريات الروسية التركية المشتركة في شمال سوريا للمرة الأولى منذ أيلول/ سبتمبر 2023.
ويشير عمر رحمون إلى محاولة روسيا دفع المفاوضات إلى الأمام ودخول تركيا في مناورة ومساومة مع روسيا والولايات المتحدة.
ويرى محمد نادر العامري أن روسيا تحاول تطبيع العلاقات السورية التركية في إطار صيغة أستانا منذ أكثر من خمس سنوات، العامل الذي من شأنه المساعدة في حل الأزمة السورية، لا سيما في ظل النفوذ الذي تتمتع به تركيا على المعارضة السورية.
وعليه؛ سيخول نجاح موسكو بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية استعادة العلاقات السورية التركية، حل الأزمة في سوريا المتعلقة في المقام الأول بالمسائل الأمنية وحتى بالمجال الاقتصادي.
وفي ختام التقرير تنقل الصحيفة عن نادر العامري أن روسيا تحاول التغلب على العقبات وتوحيد مواقف الطرفين لأن التطبيع السوري التركي سيدفع الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من سوريا وسيدفع بالعملية السياسية ما من شأنه التأثير بشكل إيجابي على الوضع داخل البلاد.