شعبٌ أوعى من قادته وأكثر حكمةً من ممثليه
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
شعبٌ أوعى من قادته وأكثر حكمةً من ممثليه
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
تثبت الأيام يوماً بعد آخر أن #الشعب_الفلسطيني الذي عركته الأحداث وطحنته الحروب وعلمته الخطوب، وخلعت أضراسه النكبات والمحن والتحديات والسنن، أنه أكثر وعياً وأصوب رأياً من قيادته، وأنه دائماً أكثر حكمة وأشد حرصاً على مصالحه الوطنية، وأكثر تمسكاً بثوابته التاريخية من مرجعياته الرسمية وفصائله الوطنية، وأنه يسبقهم بمراحل ويتقدمهم بسنواتٍ، ويعرف كيف يتخذ قراره بحكمةٍ ومتى ينفذ وعده بحزمٍ، فلا تسيخ أقدامه ولا تطير في الفضاء أقواله، ويعرف متى يتعالى بعزةٍ فلا يتهكم به أحد ولا يتطاول عليه آخر، ومتى يظهر عزته ويتمسك بكبريائه في مواجهة عدوه، ويلين ويرق في التعامل مع أهله.
وتثبت السنون بلا شكٍ ولا ريبٍ أنه صلبٌ عنيدٌ، ثابتٌ متينٌ، صادقٌ مخلصٌ، واضحٌ مباشرٌ، شفافٌ صريحٌ، يتقدم ولا يتقهقر، ويتمسك ولا يفرط، ويتشدد ولا يلين، ويضحي ولا يتردد، ويعطي ولا يبخل، ويحكم قراره ولا يتهور، ويحزم أموره ولا يتعثر، وأنه دائماً مبادرٌ مبتكرٌ، متجددٌ متنوعٌ، لا يجمد على حالٍ ولا يتخشب في موقف، ولا يعدم وسيلةً ولا يشكو عجزاً، وأنه لا يضل الطريق ولا يتوه عن الدرب، ولا تنحرف بوصلته ولا تخطئُ بندقيته، ولا يخون قضيته ولا يقامر بمستقبله، ولا يغامر بوطنه ولا يعرض مصالحه للخطر.
مقالات ذات صلة لأولي الألباب 2023/09/04الفلسطينيون الخمسة عشر مليوناً ويزيد، في الوطن والشتات، وفي مخيمات اللجوء وبلاد الاغتراب، يظهرون دوماً أنهم أهل الحق وأصحاب القضية ومُلَّاك الأرض، وأنهم بحقٍ “أم الولد”، يحرصون على قضيتهم، ويخلصون في الدفاع عن وطنهم، ويبذلون الغالي والنفيس، ويضحون بالمال والولد، والبيت والسكن، في سبيل قضيتهم المقدسة ووطنهم العزيز، ومقدساتهم الدينية وموروثاتهم التاريخية، ويدركون أن قضيتهم التي ضحى في سبيلها آباؤهم وأجدادهم، تستحق منهم أن يقدموا في سبيلها كل شيءٍ، لتبقى رايتها مرفوعة وصفحتها ناصعة، ومستقبلها مأموناً وحقوقها مضمونة.
الشعب الفلسطيني كله يدرك أن عدوه الأول والوحيد هو العدو الصهيوني، فلا عدو غيره، ولا مغتصب للحقوق سواه، فهو وحده الذي يجب أن تشرع البنادق في وجهه، وأن تتوجه الأمة لقتاله، وأن تتحد القوى لمقاومته، وأن من يقاتله ترتقي منزلته ويعلو قدره، ويحظى بالشرف الرفيع والدرجة النبيلة، ومن يتخلى عن قتاله أو ينحرف بسلاحه فإنه يضل الطريق وينتكس، ويخسر نفسه ويرتكس، ويغرق في الفتنة الداخلية وحروبها القذرة ويندثر.
فلا قتال مشروع غير قتال العدو، ولا سلاح شريف يرفع في وجه غيره، ولا قتال محمود على غير جبهته وضد جيشه، وغير ذلك أياً كانت الذرائع والعلل والأسباب والدوافع، فهو زيغٌ وانحراف، وخيانة وتفريط، وهو خسارة مريرة للشعب وقضيته، وتدمير له وشطب لهويته، وفي الوقت نفسه فإنه كسبٌ رخيصٌ للعدو وزبانيته، يفرحهم ويرضيهم، ويسعدهم ويطريهم.
ويدرك الشعب الفلسطيني أن قوته في وحدته، وأن انتصاره في تضامنه وتكاثفه، وأن الخلافات التي تعصف بقواه وفصائله تضعفه وتضر به، وتسيء إليه وتشوه قضيته، وأنها تبعده عن هدفه وتحرفه عن مساره، وأن العدو وحده هو المستفيد من حالة الانقسام والتشرذم التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وهو المعني بتعميقها والمستفيد من استمرارها، وأن المعطلين للمصالحة علموا أو جهلوا، فإنهم يخدمون أهدافه ويحققون مصالحه، ويضرون بشعبهم ويلحقون أبلغ الضرر بقضيتهم، التي شوهها الانقسام، وأطفأ بريقها الاختلاف، ودفع الكثير من المحبين والمؤيدين لها للانفضاض من حولها والتخلي عنها.
ويعلم الشعب الفلسطيني كله أن القوة العسكرية والمقاومة المسلحة هي السبيل الأنجع والأنسب، والأسلوب الأفضل والأجدى في مواجهة العدو الصهيوني والتصدي له، فهو لا يعترف بأي وسيلة نضالية أخرى ولا يتأثر بها، ولا يهتز كيانه ولا يضطرب بنيانه أو يقلق مستوطنوه ويخاف جنوده بغير القوة العسكرية القاهرة، والعمليات النوعية التي تؤلمه وتوجعه، وتصيبه وتنال منه، وتلحق به خسائر في الأرواح تبكيه، وتفكك جبهته الداخلية وتضعف روحه المعنوية، فهذا العدو لا يرعوي بغير القوة، ولا يتراجع دون ألم، ولا ينكفئ إلا إذا أدرك فداحة الثمن وارتفاع الكلفة.
كما يدرك الشعب الفلسطيني أن قيادته لا تمثله، ولا تنطق باسمه ولا تنوب عنه، ولا تشعر به ولا تهتم بحاجته، ولا تعنيها مصالحه لا يهمها مستقبله، ولا تشغلها مطالبه ولا تقلقها شكواه، فهي في وادٍ وهو في وادٍ آخر، وأن جُل همها مصالحها ومنافعها، وامتيازاتها ومكاسبها، ونفسها ومستقبل أولادها، ومسكنها المريح وبيتها المضاء وخدماتها الشخصية، وهي تقاتل من أجل مكانتها ومنصبها، وتتنازل للعدو في سبيل بطاقةٍ أو تصريح مرورٍ، وتغضب إذا مُست مصالحها أو سحبت بطاقتها أو تعطلت مرافقها، وتقيم الدنيا ولا تقعدها إذا تعذر سفرها أو طال انتظارها، أو تعاملت السلطات معها تعاملها مع شعبها.
يشعر الشعب الفلسطيني بأدوائه ومشاكله، ويعرف دواءه وعلاجه، ويدرك حقيقة أزماته وأسباب الانقسام، ويعرف سبل الخروج ومعارج الخلاص، ويعتقد أن العيب ليس فيه ولا في شتاته، وإنما في هيئاته وقيادته، ومؤسساته وهياكله، وسلطاته وفصائله، وأنها جميعها في حاجةٍ إلى التغيير والاستبدال، لا إلا الصيانة والإصلاح، فقد انتهى زمانها وبطل علاجها، ولم تعد قادرة على إدارة الأزمة وقيادة المرحلة والتصدي للمهمة، وقد بات لزاماً عليها إما التوبة والإنابة والانكفاء إلى الشعب والعودة إلى الأصول، أو التخلي والتنحي، والابتعاد عن المشهد ومغادرة المنصب، وترك الشعب يختار بنفسه وينتقي بإرادته، فهو الأعلم بحاجته والأدرى بمصالحه، والأصدق في موقفه والأخلص لقضيته.
بيروت في 4/9/2023
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الشعب الفلسطيني الشعب الفلسطینی
إقرأ أيضاً:
طريق الشعب .. المنارة التي لن تخفيها البنايات الشاهقة وناطحات السحاب الجديدة ..!
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
ونحن نستعد ونتهيأ للمشاركة في الإحتفال بمهرجان جريدة طريق الشعب الذي يصادف يوم السبت ٩ تشرين الثاني، سألني أحد الزملاء بابتسامة أراد من خلالها التخفيف من وطأة السؤال قائلاً: أبا حسون، أراك تتذكر عيد تأسيس جريدة طريق الشعب أكثر من تذكرك لأعياد ميلاد أولادك، وتحتفل كذلك بمناسبات هذه الجريدة ومهرجاناتها أكثر من احتفالك بتأسيس جريدتك -الحقيقة- فضلاً عن الاهتمام غير الطبيعي والاستثنائي الذي تبديه تجاه أي دعوة تصلك من هذه الجريدة دون غيرها من الصحف العراقية الأخرى ؟!
نظرت في عينَي زميلي، وقلت له: في سؤالك شقان، شق يتعلق بجريدة طريق الشعب، وشق يتعلق بالصحف الأخرى .. لذلك سأجيبك عن (سؤالين) وليس عن سؤال واحد ..
بالنسبة لفرحي الاستثنائي بمهرجانات وأعياد جريدة طريق الشعب، فهو أمر شخصي بحت، ليس لأنها جريدة الحزب الشيوعي الذي أحببته منذ صباي، ومعزتها تأتي من معزته فحسب، إنما لأنها أيضاً مدرستي، التي شربت من نهرها العذب سلسبيل الحب والجمال والثقة، ودرست في صفوفها أبجدية الصحافة والوعي الفكري رغم قصر الفترة التي عملت فيها متطوعاً في مطلع سبعينيات القرن الماضي.. لقد دخلتها (أطرش بالزفة ) كما يقولون، وغادرتها وأنا (أسطه) قياساً إلى ما كنت عليه، لذلك صار لي بعدها (وجه) صحفي، وجرأة، وثقة، و(تجربة) تشجعني على طلب العمل في أبرز الصحف العراقية مثل صحيفة (الجمهورية) التي كانت واحدة من الصحف التي لايسمح لغير الصحفيين الموهوبين والمميزين بالعمل فيها، إذ وبفضل (دراستي ) في طريق الشعب، صرت مؤهلاً للعمل محرراً وكاتباً في (الجمهورية) ..!
هذا على الصعيد الشخصي، أما على الصعيد العام، فإن طريق الشعب لم تكن يوماً رقماً سهلاً في حساب الصحف، إنما كانت – حتى وهي في أقسى الظروف – الرقم الأهم والأصعب في جميع المعادلات السياسية والإعلامية الحكومية والشعبية على حد سواء.. فأجهزة الرقابة الإعلامية والأمنية في السلطات الدكتاتورية السابقة مثلاً -كانت تدخل في الانذار صباح كل يوم من أيام إصدار جريدة طريق الشعب (المزعجة)، لتتفحص كل خبر منشور فيها، وتحلل كل مقال وتحقيق، بل وكل قصيدة وخاطرة وصورة وعنوان، حتى أن (النائب) آنذاك ، صدام حسين كان يطالعها شخصياً، بدليل أنه طلب من قيادة الحزب الشيوعي العراقي إيقاف نشر مقالات الراحل الكبير شمران الياسري (أبو گاطع) في جريدة طريق الشعب، مهدداً (بتفليش) الجبهة الوطنية، وقطع العلاقة مع الحزب الشيوعي، إن لم يستجب لطلبه، ويتوقف هذا العمود الذي كان يزعجه ويعكر مزاجه يومياً. لقد كان الناس – من شدة إعجابهم بمقال أبي گاطع – يبدؤون بقراءة الجريدة من الصفحة الأخيرة قبل الصفحة الاولى، ليتعرفوا على ما كتبه (أبو گاطع) في عموده الصحفي قبل أن يطالعوا عناوين الصفحة الأولى وما فيها من أخبار مهمة..!
قاطعني زميلي بقوله: نعم، لكن هذا الأمر في الماضي، أي في العصر الذهبي لطريق الشعب، أيام كان يديرها ويحررها ويكتب فيها عمالقة الصحافة والثقافة العراقية، اما اليوم فالجريدة باتت بلا أسماء كبيرة، ولا أعمدة أو موضوعات فخمة، ولا قراء متعطشين، يقرؤون الجريدة من الصفحة الأخيرة، ( فأبو گاطع) رحل لأبدية خلوده ولم تستطع ادارة جريدة طريق الشعب سد فراغه حتى الان ..
أكمل زميلي كلامه قائلاً : أختم سؤالي واقول لك: بربك أين هي الان طريق الشعب؟!
قلت له: سأجيب على سؤالك بسؤال أيضاً، وأقول لك: أليست الأرض تدور، والأنهار تجري دون توقف، والحياة تتقدم، والخرائط تتغير كل حين، وملايين الناس يولدون، وغيرهم يموتون، فلماذا لا تتغير الصحف، وتتغير الوسائل الأخرى مثل بقية الأشياء، خاصة ونحن في عصر السرعة.. والجميع يتغير بحكم التطور التقني والفني والتاريخي ايضاً، وكتحصيل حاصل، فإن طريق الشعب مهما كان حجمها وقدراتها معرضة للتغيير كذلك.. ومثال على ذلك: الم تكن المانيا عظيمة في زمن هتلر، والإتحاد السوفيتي كان إحدى القوتين العظيمتين في العالم قبل ثلاثة عقود، فلماذا تراجع هذان البلدان العظيمان، ومثلهما تراجعت بريطانيا وفرنسا وغيرهما الكثير ؟
وقبل أن يجيبني، قلت له:
ولكن، رغم كل ذلك فإن المانيا لم تزل على قيد الحياة ولو بنصف قوتها.. وكذلك الاتحاد السوفيتي، فهو موجود في صورة روسيا، رغم أن روسيا التي هي جذر الاتحاد السوفيتي قد فقدت الكثير من قوتها وبريقها.. لكنها موجودة ومؤثرة.. والشيء نفسه يقال عن الصحف العالمية الكبرى، أمثال الواشنطن بوست، وول ستريت جورنال، ونيويورك تايمز، وغيرها، فهذه الصحف العظيمة التي كانت توزع بعشرات الملايين من النسخ يومياً لم يعد لديها أسواق وبورصات تتسع لنصف مليون نسخة، فهل نقول مثلاً إن هذه الصحف غير مؤثرة اليوم، ولا تصلح ان تكون قدوة لصحف أخرى، بل ولا يجدر الاحتفال بمهرجاناتها لأن مردودها قد تقلص؟!
ثم التفتُّ لزميلي قائلاً : أو تظن أن (طريق الشعب) تخلت عن دورها التنويري ونهجها الثقافي والإعلامي المنير، أو أنها لم تعد عميدة الصحف، ومدرسة أكاديمية جامعة للصحافة والصحفيين بمختلف أعمارهم وتجاربهم، لمجرد ان عدد قرائها قد تقلص، أو تظن مثلاً أني توقفت عن تناول دروسها بعد أن صرت رئيساً لتحرير جريدة الحقيقة؟!
لا أبداً، فأنا رغم عمري الذي تجاوز السبعين لم أزل طالباً يتعلم في مدرسة طريق الشعب.. أتعلم ما لم أتعلمه في مواقع ومناهج أخرى.. فالكبير يبقى كبيراً يا صاحبي، وعميدة الصحف لم تزل عميدة بماضيها وحاضرها رغم كل ما حصل ويحصل من أزمات تكسر الظهر .. وثق لو قلت إن أغنية ( ياطريق الشعب يا أم الجرايد) التي كتبتها قبل سنوات ولحنها الفنان يوسف نصار، وما كتبته من مقالات عن طريق الشعب هو أقل مما تستحقه من حقوق في عنقي.. وقبل أن تستغرب من استمرارية مهرجانات طريق الشعب، أحب أن أذكّرك بأن شوارع باريس تزدحم بالزوار، والسيارات، والدراجات، والملصقات الإعلانية التي تشير إلى بدء مهرجان اللومانيتيه العالمي، ذلك المهرجان السنوي الذي تقيمه صحيفة اللومانيتيه – صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي – منذ أكثر من تسعين عاماً بحيث تشاهد سنوياً، الحشود المليونية والخيم والمسارح، واللافتات والاعلام الشيوعية، وترى في يد كل زائر لباريس غصن زيتون، او حمامة سلام، من أجل السلام والمحبة بين شعوب العالم..علماً بأن لجريدة طريق الشعب خيمة سنوية كبيرة ومميزة وثابتة في مهرجان اللومانيتيه الفرنسية..
وعلى الرغم من أن مهرجان اللومانيتيه انطلق عام 1930, إلا أنه لم يتوقف قط، رغم الحروب وقسوة النضال السري للحزب الشيوعي الفرنسي
والأهم أن هذا المهرجان يتواصل دون أن يعترض (صحفي) مثلك على إقامته، كما لم يقل أحد مثلك أن جريدة اللومانيتيه قد تقلصت صفحاتها ونسخها وتراجع عدد قرائها.. ختاماً أقول:
المنارة العالية تبقى عالية ومضاءة وشاخصة رغم البنايات العالية الجديدة التي تحيط بها، واصطفاف ناطحة السحاب حولها.. وطريق الشعب منارتنا العالية إلى الأبد رغماً عن أنف ( التنكه لوجيا) ..!
فالح حسون الدراجي