فرنسا ـ إفريقيا .. وعلاقات تاريخية ملتبسة
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
الزائر لباريس، عندما يصل المطار يستقبله في الغالب ضابط جوازات من أصحاب البَشرة السَّمراء، وتشكيلة منتخب فرنسا الفائز بكأس العالَم 2018م لا تضمُّ أكثر من ثلاثة لاعبينَ من أُصول فرنسيَّة، وبقيَّة الفريق باللاعبينَ الاحتياط من أُصول إفريقيَّة. وهناك إحصائيَّات غير رسميَّة تشير إلى أنَّ (15%) من سكَّان فرنسا البالغ عددهم قرابة (66) مليون نسمة من أُصول إفريقيَّة، نصفهم من المغرب العربي، والنصف الآخر من غرب ووسط إفريقيا، وهناك (30) دَولة إفريقيَّة أعضاء بالفرنكفونيَّة، وهي منظَّمة للدوَل الناطقة بالفرنسيَّة.
هناك علاقة وثيقة تربط فرنسا بإفريقيا، تمتدُّ من الجزائر والمغرب في الشمال والغرب إلى مدغشقر في الجنوب الشرقي، وفرنسا منحت الاستقلال لمعظم دوَل إفريقيا طوعًا، باستثناء الجزائر التي كانت تَعدُّها جزءًا من الوطن الأُم. وانسحبت عسكريًّا ولكن استمرَّت سيطرة الشركات والبنوك الفرنسيَّة على اقتصادات الدوَل الإفريقيَّة، فالشركات الفرنسيَّة تحتكر تجارة الكاكاو في ساحل العاج، ومناجم اليورانيوم والذهب والماس في الكونغو والنيجر وإفريقيا الوسطى، والفرنك الفرنسي ما زال العملة المستعملة في دوَل غرب ووسط إفريقيا، وتجني فرنسا (50%) من قِيمته مكاسب لبنوكها.
عِندما جاء ماكرون للحُكم، حاول التقرُّب من إفريقيا، فزاد مساعدات بلاده لها، وأعاد بعض الآثار والكنوز المنهوبة أثناء الحقبة الاستعماريَّة، ودعم منظَّمات المُجتمع المَدَني، كما أبقى على القوَّات الفرنسيَّة في منطقة السَّاحل الإفريقي لمكافحة الجماعات المُسلَّحة، ودعم التكتُّل الاقتصادي لدوَل غرب إفريقيا «إيكواس» لمساعدته في التصدِّي للانقلابات العسكريَّة، وسافر إلى رواندا واعترف علانية بفشل فرنسا في القيام بمسؤوليَّاتها لمنْعِ جرائم الإبادة الجماعيَّة بَيْنَ الهوتو والتوتسي التي وقعت في العام 1994.
ورغم ذلك، أصبحت فرنسا هدفًا لسهام المظلوميَّات الإفريقيَّة، واتِّهامات متكررة، بالتقاعس عن حماية حلفائها ونهْبِ ثروات مستعمراتها، وأضحت المصالح الفرنسيَّة في غرب إفريقيا في مهبِّ الريح. ونتيجة حمَلات التحريض، تعرَّضت القواعد والقوَّات الفرنسيَّة في مالي والنيجر للحصار من قِبل المتظاهرين الرافضين للوجود الفرنسي، واتَّهم رئيس وزراء مالي في الأُمم المُتَّحدة فرنسا بالتخلِّي عن بلاده في حربها ضدَّ الجماعات المسلَّحة، بعد أن قلَّصَ الرئيس ماكرون عدد قوَّاته في مالي جرَّاء الاعتداءات المتكررة.
ويتَّهم جيل الشَّباب في غرب إفريقيا الرئيس الفرنسي بالغطرسة؛ لأنَّه يتعامل مع قادة دوَل غرب إفريقيا باستخفاف، مستشهدين باستدعائهم إلى باريس بعد تحطُّم مروحيَّة ومقتل (13) جنديًّا فرنسيًّا في مالي، في الوقت الذي تكبَّدت فيه مالي والنيجر خسائر بَشَريَّة ومادِّيَّة فادحة في هجوم متزامن للمتمردين، واضطرَّ ماكرون لتصحيح الموقف وتوجَّه إلى النيجر لتقديم التعازي، وأرجأ القمَّة إلى موعدها الطبيعي. كما يتَّهمون فرنسا بالمسؤوليَّة عن تَولِّي الأنظمة الديكتاتوريَّة الحُكم في إفريقيا، بتحالُفِها مع النُّخب والأُسَر النَّافذة المتعاونة معها منذ حقبة الاستعمار، مِثل أُسْرة بونجو في الجابون وهابيار يمانا في رواندا.
ولَمْ ينْسَ الأفارقة مقولة نيكولا ساركوزي «الإنسان الإفريقي لَمْ يدخل التاريخ حتَّى الآن»، ولا تفضيله التعامل مع حلفاء فرنسا الديكتاتوريِّين القُدامى، ولَمْ يختلف خلَفه فرانسوا هولاند، باقتصار علاقته مع إفريقيا على النَّواحي الأمنيَّة في منطقة السَّاحل، على عكس ماكرون الذي حاول استرضاء الأفارقة بشتَّى السُّبل، حتَّى أنَّه وافق على استبدال الفرنك الفرنسي بعملات محلِّيَّة إذا رغبت الحكومات الإفريقيَّة في ذلك.
وأقرَّ ماكرون بتراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا، عسكريًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، حتَّى اللغة الفرنسيَّة أصبحت مهدَّدة بإزاحة الإنجليزيَّة لَهَا من العرش الإفريقي، في الوقت الذي تزايد فيه النفوذ الاقتصادي الصيني التي أغرت الدوَل الإفريقيَّة بالقروض الميسَّرة، وساعدتها في مشروعات البنية الأساسيَّة التي تفتقر إليها، ووجود مجموعة فاجنر الروسيَّة في مناطق الصراع في دوَل غرب إفريقيا.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: غرب إفریقیا
إقرأ أيضاً:
بالفيديو .. فرنسا تستعد لمحاكمة تاريخية لطبيب اغتصب 299 طفلاً
سرايا - تستعد فرنسا، لبدء محاكمة تاريخية، لجراح سابق متهم باغتصاب مئات الأطفال، الذين اعتدى عليهم تحت التخدير.
ويتهم جويل لو سكوارنيك، البالغ 73 عاما، بالاعتداء على أو اغتصاب 299 طفلا، معظمهم من مرضاه السابقين، بين عامي 1989 و2014، معظمهم في منطقة بريتاني الفرنسية.
وكان سكورانيك، اعتقل عام 2014، بعد الاشتباه في اغتصابه بنات أخيه، وفتاة تبلغ من العمر 6 سنوات ومريضة صغيرة، وحكم عليه حينها بالسجن لمدة 15 عاما.
لكن المثير في الأمر، أنه خلال التحقيق في تلك القضايا، عثرت الشرطة على ملفات من آلاف الصفحات في منزله، وأكثر من 300 ألف صورة للاعتداء على الأطفال، ومذكرات تشرح بالتفصيل ما كان يقوم به، بحق الصغار على مدى 25 عاما.
ونفى لو سكوارنيك الاعتداء على الأطفال أو اغتصابهم، قائلاً إن مذكراته مجرد تفاصيل عن "خيالاته الجنسية".
ويواجه لو سكوارنيك أكثر من 100 تهمة اغتصاب وأكثر من 150 تهمة اعتداء جنسي.
وقال بعض مرضاه السابقين، الذين أصبحوا جميعا الآن بالغين، إنهم يتذكرون أن الجراح لمسهم بصورة جنسية تحت ستار الفحوصات الطبية، وفي بعض الأحيان حتى عندما كان آباؤهم أو أطباء آخرون في الغرفة.
ولكن نظرا لأن عدداً كبيراً من ضحاياه المزعومين كانوا تحت تأثير التخدير عندما زعموا أن الاعتداءات وقعت، لم يتذكروا الأحداث وشعروا بالصدمة، عندما اتصلت بهم الشرطة وأخبرتهم بأن أسماءهم، إلى جانب رسومات بيانية للانتهاكات، كانت في مذكرات لو سكوارنيك.
ولأجل المحاكمة غير المسبوقة في تاريخ فرنسا، جهزت السلطات قاعة كبيرة أشبه بالمدرج من أجل إفساح المجال للعدد الكبير من الشهود والضحايا لحضور المحاكمة.
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 06-02-2025 11:40 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية