جريدة الوطن:
2024-09-08@18:40:16 GMT

فرنسا ـ إفريقيا .. وعلاقات تاريخية ملتبسة

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

فرنسا ـ إفريقيا .. وعلاقات تاريخية ملتبسة

الزائر لباريس، عندما يصل المطار يستقبله في الغالب ضابط جوازات من أصحاب البَشرة السَّمراء، وتشكيلة منتخب فرنسا الفائز بكأس العالَم 2018م لا تضمُّ أكثر من ثلاثة لاعبينَ من أُصول فرنسيَّة، وبقيَّة الفريق باللاعبينَ الاحتياط من أُصول إفريقيَّة. وهناك إحصائيَّات غير رسميَّة تشير إلى أنَّ (15%) من سكَّان فرنسا البالغ عددهم قرابة (66) مليون نسمة من أُصول إفريقيَّة، نصفهم من المغرب العربي، والنصف الآخر من غرب ووسط إفريقيا، وهناك (30) دَولة إفريقيَّة أعضاء بالفرنكفونيَّة، وهي منظَّمة للدوَل الناطقة بالفرنسيَّة.


هناك علاقة وثيقة تربط فرنسا بإفريقيا، تمتدُّ من الجزائر والمغرب في الشمال والغرب إلى مدغشقر في الجنوب الشرقي، وفرنسا منحت الاستقلال لمعظم دوَل إفريقيا طوعًا، باستثناء الجزائر التي كانت تَعدُّها جزءًا من الوطن الأُم. وانسحبت عسكريًّا ولكن استمرَّت سيطرة الشركات والبنوك الفرنسيَّة على اقتصادات الدوَل الإفريقيَّة، فالشركات الفرنسيَّة تحتكر تجارة الكاكاو في ساحل العاج، ومناجم اليورانيوم والذهب والماس في الكونغو والنيجر وإفريقيا الوسطى، والفرنك الفرنسي ما زال العملة المستعملة في دوَل غرب ووسط إفريقيا، وتجني فرنسا (50%) من قِيمته مكاسب لبنوكها.
عِندما جاء ماكرون للحُكم، حاول التقرُّب من إفريقيا، فزاد مساعدات بلاده لها، وأعاد بعض الآثار والكنوز المنهوبة أثناء الحقبة الاستعماريَّة، ودعم منظَّمات المُجتمع المَدَني، كما أبقى على القوَّات الفرنسيَّة في منطقة السَّاحل الإفريقي لمكافحة الجماعات المُسلَّحة، ودعم التكتُّل الاقتصادي لدوَل غرب إفريقيا «إيكواس» لمساعدته في التصدِّي للانقلابات العسكريَّة، وسافر إلى رواندا واعترف علانية بفشل فرنسا في القيام بمسؤوليَّاتها لمنْعِ جرائم الإبادة الجماعيَّة بَيْنَ الهوتو والتوتسي التي وقعت في العام 1994.
ورغم ذلك، أصبحت فرنسا هدفًا لسهام المظلوميَّات الإفريقيَّة، واتِّهامات متكررة، بالتقاعس عن حماية حلفائها ونهْبِ ثروات مستعمراتها، وأضحت المصالح الفرنسيَّة في غرب إفريقيا في مهبِّ الريح. ونتيجة حمَلات التحريض، تعرَّضت القواعد والقوَّات الفرنسيَّة في مالي والنيجر للحصار من قِبل المتظاهرين الرافضين للوجود الفرنسي، واتَّهم رئيس وزراء مالي في الأُمم المُتَّحدة فرنسا بالتخلِّي عن بلاده في حربها ضدَّ الجماعات المسلَّحة، بعد أن قلَّصَ الرئيس ماكرون عدد قوَّاته في مالي جرَّاء الاعتداءات المتكررة.
ويتَّهم جيل الشَّباب في غرب إفريقيا الرئيس الفرنسي بالغطرسة؛ لأنَّه يتعامل مع قادة دوَل غرب إفريقيا باستخفاف، مستشهدين باستدعائهم إلى باريس بعد تحطُّم مروحيَّة ومقتل (13) جنديًّا فرنسيًّا في مالي، في الوقت الذي تكبَّدت فيه مالي والنيجر خسائر بَشَريَّة ومادِّيَّة فادحة في هجوم متزامن للمتمردين، واضطرَّ ماكرون لتصحيح الموقف وتوجَّه إلى النيجر لتقديم التعازي، وأرجأ القمَّة إلى موعدها الطبيعي. كما يتَّهمون فرنسا بالمسؤوليَّة عن تَولِّي الأنظمة الديكتاتوريَّة الحُكم في إفريقيا، بتحالُفِها مع النُّخب والأُسَر النَّافذة المتعاونة معها منذ حقبة الاستعمار، مِثل أُسْرة بونجو في الجابون وهابيار يمانا في رواندا.
ولَمْ ينْسَ الأفارقة مقولة نيكولا ساركوزي «الإنسان الإفريقي لَمْ يدخل التاريخ حتَّى الآن»، ولا تفضيله التعامل مع حلفاء فرنسا الديكتاتوريِّين القُدامى، ولَمْ يختلف خلَفه فرانسوا هولاند، باقتصار علاقته مع إفريقيا على النَّواحي الأمنيَّة في منطقة السَّاحل، على عكس ماكرون الذي حاول استرضاء الأفارقة بشتَّى السُّبل، حتَّى أنَّه وافق على استبدال الفرنك الفرنسي بعملات محلِّيَّة إذا رغبت الحكومات الإفريقيَّة في ذلك.
وأقرَّ ماكرون بتراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا، عسكريًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، حتَّى اللغة الفرنسيَّة أصبحت مهدَّدة بإزاحة الإنجليزيَّة لَهَا من العرش الإفريقي، في الوقت الذي تزايد فيه النفوذ الاقتصادي الصيني التي أغرت الدوَل الإفريقيَّة بالقروض الميسَّرة، وساعدتها في مشروعات البنية الأساسيَّة التي تفتقر إليها، ووجود مجموعة فاجنر الروسيَّة في مناطق الصراع في دوَل غرب إفريقيا.

محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: غرب إفریقیا

إقرأ أيضاً:

انقلاب ماكرون وإنكار الديمقراطية عنوان احتجاجات شعبية تعم فرنسا

باريس- دعت الجبهة الشعبية الجديدة والاتحادات الطلابية إلى تعبئة واسعة النطاق اليوم السبت ضد ما سموه "انقلاب إيمانويل ماكرون" و"إنكار الديمقراطية" بعد رفض الرئيس الفرنسي الاعتراف واحترام نتائج تصويت الشعب خلال الانتخابات التشريعية التي منحت ائتلاف اليسار المركز الأول.

ويواجه رئيس الوزراء ميشيل بارنييه -الذي تم تعيينه حديثا في قصر ماتينيون- أولى مظاهرات ضده حيث انطلقت أكثر من 150 مسيرة في أنحاء البلاد منذ الساعة الحادية عشرة صباحا. وفي العاصمة باريس بدأت مظاهرة حاشدة من ساحة باستيل في الساعة الثانية بعد الظهر باتجاه ساحة الأمة.

ووصل عدد المشاركين في احتجاجات اليوم إلى 160 ألف شخص في باريس وحدها، و300 ألف في جميع أنحاء فرنسا، بحسب المنظمين، من المفترض أن يتم تنظيم تحركات أخرى أمام القنصليات الفرنسية في لندن وبرلين ومونتريال.

وتشهد البلاد استنفارا أمنيا كبيرا خوفا من تطور الأوضاع وخروجها عن السيطرة أو وقوع اشتباكات مع عناصر الشرطة.

انتشار الشرطة الفرنسية وسط المتظاهرين (الجزيرة) مظاهرات شعبية

وقد ظهرت فكرة تنظيم هذه الاحتجاجات منذ 27 أغسطس/آب الماضي في أعقاب استبعاد ماكرون مرشحة الجبهة الشعبية الجديدة لوسي كاستيتس، لكنها تعززت بشكل أكبر بعد تعيينه أحد قدامى اليمين الفرنسي بارنييه لمنصب رئيس الوزراء.

ولا تزال الدعوات للمشاركة في المظاهرات مستمرة على منصات التواصل الاجتماعي وجميع وسائل الإعلام، بينما لم يقم الحزب الاشتراكي بالدعوة لذلك بشكل رسمي، حتى لو شاركت بعض اتحاداته المحلية، فضلا عن النقابة العمالية (سي جي تي) التي أعلنت أنها ستخصص شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل للإضرابات والمظاهرات المهنية لصالح رفع الأجور والمعاشات التقاعدية والتوظيف.

تحرك شعبي في فرنسا تنديدا بتعيين ميشيل بارنييه رئيسا للوزراء (الجزيرة)

وبمشاركة ملحوظة من نواب حزب "فرنسا الأبية" الذي يتزعمه جان لوك ميلانشون، حمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها "ماكرون استقالة" و"ضد استبداد ماكرون".

ومن غرب فرنسا، يشارك نحو 8 آلاف شخص في مدينة نانت وفق النائب الفرنسي في لوار أتلانتيك أندي كيربرات الذي كتب عبر منصة إكس: "ما زلنا متأهبين للتنديد بانقلاب ماكرون، لن نستسلم حتى إقالته".

لافتة كُتب عليها "ماكرون ارحل" (الجزيرة) جمهورية سادسة

وظهرت من بين اللافتات التي لطالما رُفعت في المظاهرات المناهضة للحكومة لافتة أخرى جديدة تطالب بإنشاء "جمهورية سادسة" لأن الرئيس الحالي "لا يحترم إرادة الشعب التي عبّر عنها في صناديق التصويت".

وقال المتظاهر الفرنسي إيمانويل "أشارك في هذه التعبئة لأنني أشعر بالعار بسبب سرقة ماكرون للانتخابات التشريعية واختيار بارنييه في خطوة تهدف إلى تسوية ضمنية مع الجبهة الوطنية التي تتزعمها مارين لوبان، وكان من المفترض أن يعارضها الرئيس".

وأضاف إيمانويل للجزيرة نت "لقد صوتنا لماكرون مرتين في الانتخابات الرئاسية، لكننا صوتنا في آخر المطاف على برنامج ضد الخدمات العامة وحقوق المرأة، وضد الأجور والمعاشات التقاعدية. لذا، فإن ما نعيشه اليوم فضيحة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجمهورية الخامسة، وهذا يبرر الدعوة إلى سياسة أخرى وجمهورية أخرى، أي السادسة".

من جانبها، أكدت كريستين -وهي طالبة في جامعة السوربون- ضرورة الخروج إلى الشارع للتظاهر ضد سياسة ماكرون بالقول "لقد قرر تعيين رئيس وزراء ضد رغبة الشعب".

وأضافت "الآن نحن هنا للتعبير عن رفضنا وبارنييه لن يفعل الكثير من أجلنا"، مشيرة إلى أنه "بالنسبة للوزراء المتطرفين، الأمر الوحيد الذي يتقنون فعله هو معارضة حقوقنا".

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء فرنسا يبدأ عمله بتظاهرات حاشدة ضده.. كيف رد ماكرون؟
  • مظاهرات في فرنسا تطالب بعزل الرئيس ماكرون
  • فرنسا تشهد احتجاجات واسعة ضد دكتاتورية ماكرون
  • اليسار الفرنسي “يستعد لمعركة” ضد ماكرون ورئيس الحكومة الجديد
  • تظاهرات حاشدة لليسار في فرنسا ضد ماكرون وتعيين بارنييه رئيسا للوزراء
  • انقلاب ماكرون وإنكار الديمقراطية عنوان احتجاجات شعبية تعم فرنسا
  • مظاهرات ضد ماكرون وبارنييه تعم باريس ومدن فرنسا
  • بارنييه يشعل فرنسا.. واتهام ماكرون بـ "سرقة" الانتخابات
  • 150 مسيرة مخطط لها اليوم السبت في فرنسا ضد ماكرون
  • موعد مباراة مالي وموزمبيق في تصفيات كأس أمم إفريقيا