خيبة أمل لبايدن.. لماذا اختار الرئيس الصيني الغياب عن قمة العشرين المقبلة؟
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
تستعد الهند لاستضافة قمة دول مجموعة العشرين، السبت المقبل، الموافق 9 سبتمبر (أيلول) 2023، لمدة يومين، بمشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أبدى خيبة أمله من غياب نظيره الصيني شي جينبينغ الذي اختار عدم حضور القمة بنفسه وإرسال رئيس وزرائه لي تشيانغ بدلاً عنه.
خيبة أملورداً على سؤال بشأن غياب شي عن قمة نيودلهي، قال بايدن للصحافة، أمس الأحد: "أشعر بخيبة أمل، لكني سأتمكن من رؤيته"، من دون أن يخوض في تفاصيل.
ومن المخطط، أن يزور بايدن الهند بين السابع والعاشر من سبتمبر (أيلول) لحضور قمة العشرين، ويعقب ذلك زيارة إلى فيتنام حيث تسعى إدارته لتعزيز العلاقات الأمريكية في آسيا، وفي هذا السياق، قال بايدن إنه "يتطلع لهذه الزيارات لاعتقاده أن الهند وفيتنام تريدان علاقات أوثق مع الولايات المتحدة".
وقائمة حضور القمة تضم أبرز شخصيات تستضيفها الهند في تاريخها على رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وزعماء وقادة من اليابان وأستراليا وفرنسا وألمانيا والسعودية.
وكان ينظر إلى القمة باعتبارها فرصة للقاء شي و بايدن، الذي أكد حضوره، في ظل سعي الدولتين إلى تحقيق الاستقرار في العلاقات، التي توترت بسبب مجموعة من الخلافات التجارية والجيوسياسية.
وتعتبر الولايات المتحدة قمة العشرين الخطوة التالية لمحاولات تحسين العلاقات بين واشنطن وبكين، بعد أن أعادت واشنطن وبكين إطلاق الحوار بينهما في الأشهر الماضية، عبر سلسلة من الزيارات لمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية إلى الصين ينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن.
ولكن العلاقات الثنائية تبقى متوترة، إذ تبقى هناك ملفات تشكل حجر عثرة، وتتمثل في النزاعات التجارية، والتوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي، ومسألة جزيرة تايوان المتمتعة بحكم ذاتي.
وآخر مرة التقى فيها شي مع بايدن كانت على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقد يلتقي الزعيمان وجهاً لوجه في قمة أخرى مقبلة، وهي قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبك)، التي تعقد في سان فرانسيسكو، بين 12 و18 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وفي الإطار، قال مسؤول هندي كبير : "نحن على علم بأن رئيس الوزراء سيأتي بدلاً من شي"، فيما قالت المصادر في الصين إنها لا تعرف أسباب غياب رئيسها عن القمة.
"أشعر بخيبة أمل".. #بايدن يعلق على غياب الرئيس الصيني عن #قمة_العشرين https://t.co/pxZ0YI1ZMR
— 24.ae (@20fourMedia) September 4, 2023 ضربة للهندويشكل غياب الرئيس الصيني ضربة لرئاسة الهند الحالية للتجمع متعدد الأطراف ووضع قمة نيودلهي، كما أنه يهز مكانة مجموعة العشرين باعتبارها منتدى القيادة العالمية البارز، وسط انقسامات عميقة بين أعضائها.
وبعض المراقبين الهنود مقتنعين بأن "الصين تريد إفساد الحدث الهندي في وقت يشهد احتكاكاً ثنائياً بشأن الحدود المتنازع عليها بين البلدين".
وفي هذا الشأن، يقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية الدكتور أيمن سلامة، إن "الهند ستكون في حرج شديد حيث أنه من المؤكد أن أي دولة مضيفة لمثل هذا الحدث العالمي الفاعل على الساحة الدولية، يهمه التمثيل الرئاسي للأعضاء".
رسائل للإدارة الأمريكيةويعكس غياب الرئيس الصيني، عن القمة، جنباً إلى جنب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، دلالات واسعة في هذا السياق، بما يهدد وضع المجموعة كمنتدى للقيادة العالمية، في ظل اتساع الفجوة والتباينات بين الدول الأعضاء في المجموعة، ومع سعي مجموعة من الأعضاء للانخراط في تكتلات موازية مثل "بريكس" أخيراً.
ويقول الدكتور سلامة بهذا الخصوص: "إن عدم حضور شي قمة العشرين وحضوره الفاعل في قمة بريكس الذي تمخض عنها توسيع التكتل، وانضمام دول جديدة مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، يثير العديد من التساؤلات عما وراء الكواليس".
ويرى الدكتور سلامة أن "عدم حضور الزعيمين الروسي والصيني القمة يبعث برسائل إلى إدارة بايدن تحديداً، يؤكدان فيها رفض موسكو وبكين للسياسات الأمريكية.. سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الأمني أو غيرها من الاهتمامات العالمية".
وستكون هذه المرة الأولى التي يغيب فيها شي أو أي رئيس صيني عن قمة مجموعة العشرين، وهو أمر جلل بالنسبة لهيئة تأسست لإيجاد توافق في الآراء بين أقوى الدول، رغم التناقضات الاجتماعية أو الاقتصادية.
هل تخشى #الولايات_المتحدة توسيع #بريكس؟ https://t.co/STQMSbayOV
— 24.ae (@20fourMedia) September 2, 2023 رحلات خارجيةويجدر الإشارة إلى أن شي، الذي حصل على ولاية ثالثة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قام برحلات قليلة إلى الخارج منذ أن ألغت الصين هذا العام الضوابط الحدودية الصارمة التي فرضتها لمكافحة جائحة كورونا، كما حضر شي اجتماعاً لزعماء مجموعة "بريكس" في جنوب إفريقيا الأسبوع الماضي.
وفي محادثات نادرة، التقى الرئيس الصيني برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش اجتماع مجموعة "بريكس" في جوهانسبرغ، وبحثا تخفيف التوترات في العلاقات الثنائية بعد اشتباكات على حدودهما في جبال الهيمالايا عام 2020 أسفرت عن مقتل 24 جندياً.
وتشهد العلاقة بين الصين والهند البلد المضيف لمجموعة العشرين توتراً في العلاقات، حيث تتنازع الدولتان الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم على منطقة جنوب التبت وفي شرق الهند.
وفي تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، قال مسؤول غربي يشارك في الاستعدادات لقمة مجموعة العشرين في الهند، إن "غياب الرئيس شي سيغيب عن الحدث لا تعني سوى شيء واحد، لقد كانوا يعملون على إفساد عملنا المشترك طوال العام".
وقال إندراني باجشي، الرئيس التنفيذي لـ "أنانتا أسبن"، وهو مركز أبحاث هندي: "كانت الصين المعارضة الرئيسة للتوافق على جميع القضايا تقريباً".
ويذكر أن القرار الصيني بغياب رئيسها عن القمة، جاء بعد أشهر من الجهود الفاشلة التي بذلتها المنتديات الوزارية المتعددة لمجموعة العشرين، للتوصل إلى استنتاجات مشتركة لموضوعات تتراوح من الرعاية الصحية إلى تغير المناخ، بسبب الخلافات على الحرب في أوكرانيا وتقاسم الأعباء بين الدول الغنية والنامية.
ويقول بعض المراقبين الهنود: إن "الصين تريد إفساد الحدث الاستعراضي الهندي في وقت يشهد احتكاكاً ثنائياً بشأن الحدود المتنازع عليها".
Xi Jinping’s absence challenges G20 status as global leadership forum https://t.co/bLE5HkhXVN
— Stephen Olson (@StephenOlsonHF) September 4, 2023 فرصة لبايدنوإلى ذلك، أفادت الصحيفة البريطانية، أن "غياب الرئيس الصيني سيمنح نظيره الأمريكي وغيره من الزعماء الغربيين فرصة لإثبات استعدادهم للتعاون مع الدول النامية وتعزيز دعمهم من خلال عرض اقتصادي ينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية لتطوير البنية التحتية"، وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، الشهر الماضي، بقوله إن الرئيس الأمريكي يرى قمة نيودلهي "فرصة للولايات المتحدة والشركاء ذوي التفكير المماثل لتقديم عرض قيم، خاصة لدول الجنوب العالمي".
وستكون القمة تتويجاً لجميع عمليات واجتماعات المجموعة على مدار العام التي عقدت بين الوزراء وكبار المسؤولين والمجتمعات المدنية.. كما سيتم اعتماد إعلان قادة مجموعة العشرين في ختام قمتهم، الذي يتوقع أن ينص على التزام القادة بالأولويات التي تمت مناقشتها والاتفاق عليها خلال الاجتماعات الوزارية واجتماعات مجموعة العمل المعنية.
وبهذا، ستعقد قمة مجموعة العشرين، السبت المقبل، لكن من دون الثقل الكامل للحضور الصيني بسبب غياب رئيسها، ما يجعل المراقبين ينتظرون القرارت الناتجة عن هذه القمة والتي من المحتمل أن تعمل على تشكيل السياسات العالمية والإستراتيجيات الاقتصادية في المستقبل.
واختارت الهند شعار هذا العام مرتكزاً على زهرة اللوتس، التي "تعبر عن فكر وإيمان وتراث الهند القديم"، وفقما قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عند الكشف عن الشعار وعن عنوان القمة التي سوف تكون "أرض واحدة -عائلة واحدة- مستقبل واحد".
وترى الهند أن الشعار والموضوع ينقلان رسالة قوية إلى المجموعة، وهي "السعي لتحقيق نمو عادل ومنصف للجميع في العالم".
وتتكون مجموعة العشرين من 19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وتشكل نحو 85% من إجمالي الناتج المحلي العالمي وثلاثة أرباع التجارة العاملية، وتضم ثلثي سكان العالم، وبين أعضائها دولة إفريقية واحدة هي جنوب إفريقيا.
وتضم المجموعة 19 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وهذه الدول هي: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، والأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، والمكسيك، وتركيا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية.
ومن المرتقب أن تسلم الهند البرازيل رئاسة مجموعة العشرين لعام 2024، تليها جنوب إفريقيا في عام 2025.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني بايدن قمة العشرين الصين شي جين بينغ قمة مجموعة العشرین غیاب الرئیس الصینی الولایات المتحدة رئیس الوزراء قمة العشرین
إقرأ أيضاً:
بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
ترجمة: نهى مصطفى -
خلال شهرين من إصدار شركة صينية غير معروفة تدعى DeepSeek نموذجًا جديدًا قويًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بدأ هذا الاختراق بالفعل في تحويل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.
يتميز DeepSeek-V3، كما يُطلق على نموذج اللغة الكبير المفتوح (LLM) الخاص بالشركة، بأداء ينافس أداء النماذج من أفضل المختبرات الأمريكية، مثل ChatGPT من OpenAI و Claude من Anthropic و Llama من Meta ، ولكن بجزء صغير من التكلفة. وقد أتاح هذا للمطورين والمستخدمين في جميع أنحاء العالم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتطور بأقل تكلفة.
في يناير، أصدرت الشركة نموذجًا ثانيًا، DeepSeek-R1، يُظهر قدرات مماثلة لنموذج o1 المتقدم من OpenAI مقابل خمسة بالمائة فقط من السعر. ونتيجة لذلك، يشكلDeepSeek تهديدًا لقيادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للصين للحصول على مكانة عالمية مهيمنة على الرغم من جهود واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
يُبرز الصعود السريع لشركةDeepSeek حجم التحديات والمخاطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. فإلى جانب الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه التقنية، ستتمتع الدولة التي تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، التي تشكّل العمود الفقري لتطبيقات وخدمات المستقبل، بنفوذ واسع النطاق. ولا يقتصر هذا النفوذ على المعايير والقيم المضمّنة في هذه النماذج فحسب، بل يمتد أيضًا إلى منظومة أشباه الموصلات، التي تعد الركيزة الأساسية والبنية التحتية التقنية والمعالجة الحسابية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ العمليات المعقدة بكفاءة. وتعكس القناعة الراسخة لدى كل من الصين والولايات المتحدة بأن هذه التقنيات قادرة على تحقيق تفوّق عسكري، الأهمية الاستراتيجية للريادة في هذا المجال وضرورة الحفاظ عليها على المدى الطويل.
ومع ذلك، فإن التركيز على أداء نموذج DeepSeek-V3 وتكاليف تشغيله المنخفضة قد يُغفل نقطة أكثر أهمية. فإحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في سرعة انتشار نماذج DeepSeek هي أنها مفتوحة المصدر، مما يتيح لأي شخص تنزيلها وتشغيلها ودراستها وتعديلها والبناء عليها، مع تحمّل تكلفة الطاقة الحاسوبية فقط. في المقابل، تكاد جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية المماثلة أن تكون ملكية خاصة، مما يحدّ من استخدامها ويزيد من تكاليف تبنيها من قِبل المستخدمين.
بدأت شخصيات بارزة في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأمريكي يدركون بشكل متزايد المشكلات الناجمة عن التركيز على النماذج المغلقة المصدر. ففي أواخر يناير، أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة ربما «أخطأت في قراءة التاريخ» بعدم تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وفي فبراير، توقّع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google، مستقبلًا يُهيمن فيه مزيج من النماذج المفتوحة والمغلقة على التطبيقات اليومية. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاعتماد كليًا على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تطورها الشركات الكبرى لمنافسة الصين، مما يستدعي من الحكومة الأمريكية تكثيف دعمها للنماذج مفتوحة المصدر، حتى مع استمرار جهودها في تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات وبيانات التدريب.
للحفاظ على هيمنتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع برنامج شامل لتطوير ونشر أفضل النماذج مفتوحة المصدر. لكن في الوقت ذاته، يجب عليها ضمان أن تظل الشركات الأمريكية الرائدة هي التي تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم «أنظمة الحدود»، والتي غالبًا ما يتم تطويرها ضمن شركات خاصة ذات تمويل ضخم.
إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن تبنّي أجندة سياسية أوسع تعزز مكانة الذكاء الاصطناعي الأمريكي مفتوح المصدر على الساحة الدولية، وتدعم بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحفاظ على ريادتها في هذا المجال. ولا يقتصر ذلك على تحفيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر داخل الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا تسهيل وصولها إلى المساهمين والمستخدمين في المجال الصناعي والأكاديمي والقطاع العام في الدول المتحالفة معها.
بدون هذه الخطوات الاستراتيجية، يُشير مشروع DeepSeek إلى مستقبل محتمل قد تستخدم فيه الصين نماذج مفتوحة المصدر قوية ومنخفضة التكلفة لتجاوز الولايات المتحدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.
لطالما كان الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عاملًا رئيسيًا في التقدم التقني، رغم قلة الاهتمام السياسي به مقارنة بالأنظمة المغلقة. منذ ظهور ChatGPT عام 2022، بدأ يُنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية على أنها بمثابة «نظام تشغيل» جديد، حيث تعمل كجسر بين اللغة البشرية والبيانات التي تعالجها الآلات. وكما استمر نظام Linux مفتوح المصدر بجانب أنظمة احتكارية مثل Windows، برزت نماذج مفتوحة مثل Llama إلى جانب ChatGPT، مما يمهّد لانتشار أوسع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور دفع بعض الباحثين لوصف المرحلة الحالية بأنها «لحظة لينكس» في مجال الذكاء الاصطناعي.
على مرّ العقود، ازدهرت مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر، مثل لينكس، بفضل مساهمات المطورين حول العالم، وهو ما أدى إلى تطويرها بسرعة وتحسين أمنها، حيث يمكن لأفضل المهندسين اختبارها وتحسينها بشكل متواصل. كما أن كونها خاضعة لإدارة أمريكية وأوروبية جعلها أحد عوامل تفوّق الغرب في مجالات عدة، مثل: أنظمة التشغيل، متصفحات الويب، قواعد البيانات، التشفير، وحتى لغات البرمجة.
تُهيمن Nvidia على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وبرنامجها الحصري CUDA، مما يمنحها موقعًا متقدمًا في هذا المجال. ورغم القيود الأمريكية، استخدمت الصين رقائق Nvidia في تدريب نماذج DeepSeek، لكنها تسعى حاليًا للاعتماد على رقائق Ascend من هواوي، مما قد يُقلص الحاجة إلى الرقائق الأمريكية. إذا حققت النماذج الصينية انتشارًا واسعًا بدعم حكومي، فقد يُجبر المستخدمون عالميًا على التحول إلى شرائح هواوي، مما سيُضعف شركات مثل Nvidia و TSMC ويمنح الصين نفوذًا أكبر في صناعة الرقائق. هذا السيناريو يُشبه استحواذ الصين على سوق بطاريات الليثيوم، حيث قد تؤدي استراتيجيتها إلى إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، مُهددة الهيمنة الغربية في هذا القطاع. كيفية مواجهة هذا التهديد
لمواجهة النفوذ الصيني في الذكاء الاصطناعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مع التركيز على دعم الجامعات والشركات والمختبرات الوطنية. رغم ارتفاع الاستثمارات في هذا المجال، لا تزال متواضعةً مقارنةً بالتمويل الإجمالي للذكاء الاصطناعي. لذا، يجب تقديم حوافز حكومية لدعم المشاريع المتوافقة مع الشرائح الغربية، وتوسيع البرامج البحثية الوطنية، والاستفادة من موارد وزارتي الطاقة والدفاع. كما ينبغي تعزيز التعاون مع مبادرات كبرى مثل Stargate، التي تخطط لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأمريكي خلال السنوات القادمة.
يجب على واشنطن تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عبر تطوير نظام حوسبة متكامل يتيح للمطورين الاستفادة من أفضل الشرائح الغربية، مما يعزز الطلب عليها ويحد من المنافسة الصينية. وينبغي ترسيخ تفوق التقنيات الغربية، إلى جانب قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم هيمنة بنية Transformer، فإن مناهج جديدة مثل Structured State Space Models ونماذج Inception diffusion تُظهر إمكانات مستقبلية واعدة، مما يستدعي دعمها لضمان الريادة الأمريكية في هذا المجال.
ينبغي على واشنطن تجنب فرض قيود واسعة على تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وبدلًا من ذلك، تقديم حوافز لضمان توافقها مع الشرائح الغربية. كما يجب على لجنة التجارة الفيدرالية مراعاة دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز الريادة الأمريكية عند النظر في قضايا مكافحة الاحتكار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التصدي لمحاولات الشركات الصينية خفض أسعار نماذج الذكاء الاصطناعي لإضعاف المنافسة، عبر دراسة فرض تدابير مكافحة الإغراق إذا تبيّن أن هذه الممارسات تهدف إلى إقصاء الشركات الأمريكية.
يجب على الولايات المتحدة تعزيز تنافسها مع الصين في الأسواق العالمية، حيث قد تستخدم بكين نماذج الذكاء الاصطناعي كأداة للنفوذ الاقتصادي. كما ينبغي لواشنطن التحقيق في إمكانية استخدام DeepSeek بيانات من GPT-4 دون تصريح، ودراسة تطبيق قاعدة «المنتج الأجنبي المباشر» على مخرجات الذكاء الاصطناعي، لمنع الشركات الصينية من الاستفادة من النماذج الأمريكية الرائدة، كما فعلت مع معدات تصنيع أشباه الموصلات.
ستكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية إذا تبنتها دول أخرى. لذا، تحتاج واشنطن إلى تنسيق سياساتها مع شركائها في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى لإنشاء كتلة دولية قادرة على إبطاء انتشار النماذج الصينية. ورغم ضخامة السوق الصينية، فإنها تظل صغيرة مقارنة بالسوق العالمية، وهو المجال الأكثر أهمية الذي يجب أن تركز عليه الولايات المتحدة لضمان هيمنة النظام البيئي الغربي للحوسبة والذكاء الاصطناعي في المستقبل.
ورغم أن القيود الأمريكية على تصدير الشرائح المتقدمة حدّت من قدرة الصين على الوصول إليها، فإن بكين ترى في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، المبني على تقنيات أقل تقدمًا، مسارًا استراتيجيًا لاكتساب حصة سوقية أكبر. ومن المرجح أن تستمر النماذج الصينية في التحسن عبر الابتكار الخوارزمي، والتحسينات الهندسية، والتصنيع المحلي للرقائق، بالإضافة إلى أساليب غير مشروعة، مثل التدريب غير المصرح به على مخرجات النماذج الأمريكية، والتحايل على ضوابط التصدير. ومع استمرار الصين في تحسين أداء نماذجها وأسعارها، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية متماسكة تصبح أكثر إلحاحًا.
يجب على واشنطن أن تتبنى استراتيجية استباقية تضمن توفير بدائل أمريكية متفوقة فور إصدار الصين لنماذجها الجديدة، ما يعزز الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك تحسين الإطار التنظيمي، مثل ذلك الذي وضعته إدارة بايدن لضبط انتشار التكنولوجيا، إلى جانب تسخير الموارد الحكومية لدعم النماذج المتقدمة قبل إتاحتها للعامة. تقف إدارة ترامب المقبلة أمام «لحظة لينكس» حاسمة، حيث يمكنها إما ترسيخ الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، أو المخاطرة بفقدان النفوذ لصالح الصين، التي قد تعيد توجيه السوق نحو تقنياتها الخاصة.
جاريد دانمون هو المستشار الأول للمبادرات الاستراتيجية في وحدة الابتكار الدفاعي (DIU)
نشر المقال في Foreign Affairs