بوابة الفجر:
2025-01-05@04:55:33 GMT

تعرف على إيرادات أمس لفيلم "مندوب مبيعات"

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

حقق فيلم "مندوب مبيعات" بطولة الفنان بيومي فؤاد، إيرادات قليلة للغاية، بالتزامن مع الأسبوع الأول لعرضه في دور العرض المصرية، حيث أخفق في المنافسة على المراكز الأولى مع الأفلام المنافسة له في شباك التذاكر.

 

وقد بلغت إيرادات فيلم "مندوب مبيعات" في دور العرض السينمائية أمس الأحد، 27.3 ألف جنيهًا فقط، ليأتي في المركز الثامن من بين الأفلام المنافسة.

انضم الآن للقناة الرسمية لبوابة الفجر الإلكترونية على واتسابتفاصيل فيلم "مندوب مبيعات"

 

وتدور أحداث الفيلم حول مشكلات زوجية تدفع "بيومي وسيد" للسفر وانتحال صفة "مندوب مبيعات" في شركة "سعيد" الذي يدخل في صراع مع فريدة وشركتها للحصول على حبها والارتباط بها، فيكونا سببا في تعقيد الأمر بينهما بشكل يعيق تحقيق طموحات سعيد.

 

من هم فريق عمل" مندوب مبيعات"؟ 

 

فيلم "مندوب مبيعات" يضم عددا كبيرا من الفنانين أبرزهم بيومي فؤاد، وآيتن عامر، وإسلام إبراهيم، وأحمد فتحي، ويسرا المسعودي، وإيمان يوسف، وهبة عبد العزيز، وأيمن قنديل، ولمياء كرم.


وينافس "مندوب مبيعات" أفلاما أخرى، منها "العميل صفر" لأكرم حسني، و"وش في وش" لمحمد ممدوح، و"مرعي البريمو" لمحمد هنيدي، و"بيت الروبي" لكريم عبد العزيز، و"أولاد حريم كريم" لمصطفى قمر، و"مستر إكس" لأحمد فهمي، و"البعبع" لأمير كرارة.

انضم لقناتنا الرسمية على تيليجرام لمتابعة أهم الأخبار لحظة بلحظة

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: مندوب مبيعات بيومى فؤاد حريم كريم مرعي البريمو لمحمد هنيدي إيرادات الأفلام إيرادات فيلم مندوب مبيعات مندوب مبیعات

إقرأ أيضاً:

أنشودة البساطة.. "البوابة" تنشر فصلا من كتاب "المسكوت عنه فى عالم يحيى حقي" للأديب مصطفى بيومي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

دلالات الخادم فى قصة فهمى توكل تكشف أبعادًا غير معروفة عن  الطبقات الاجتماعية فى روايات الكاتب الكبير

  "المسكوت عنه في عالم يحيى حقي".. هو أحدث كتب الأديب والناقد الكبير مصطفى بيومي، وننشر فى هذا العدد فصلًا من فصول الكتاب، وقبل أن نقرأ الفصل المختار، نقرأ مقدمة الكتاب التى كتبها أديبنا الكبير وجاء فيها:

عبر نصف قرن تقريبا، منذ منتصف العشرينيات إلى قرب منتصف السبعينيات من القرن العشرين، يقدم يحيى حقي "١٩٠٥-١٩٩٢" إنتاجا نقديا وفكريا غزيرا، فضلا عن ترجمات ذات شأن، أما عن منجزه الإبداعي الرائد عظيم القيمة، فإنه محدود على الصعيد الكمي، لا يتجاوز رواية وحيدة:"صح النوم"، وسيرة ذاتية فريدة:"خليها على الله"، وخمس مجموعات قصصية:"قنديل أم هاشم"، "دماء وطين"، "أم العواجز"، "عنتر وجولييت"، "الفراش الشاغر".

يحظى إبداع حقي باهتمام نقدي لافت مستحق، يتوافق مع ريادته المتفق عليها وأهمية الدور الذي يقوم به في تاريخ الأدب المصري، القصة القصيرة تحديدا، ودراستنا هذه تنشغل بقراءة وتحليل جوانب من "المسكوت عنه" في عالمه الثري. يجتهد الباحث قدر طاقته لإعادة اكتشاف وإنتاج رؤى ومعالجات لم تحظ بالاهتمام من قبل، ويتحقق ذلك المسعى عبر سبعة فصول: الخمر والمخدرات - الوظيفة والموظفون – الأم - الشذوذ الجنسي - شخصية الخادم – السجائر - شخصيات مختارة من عالم يحيى حقي

ويتوقف الفصل الأخير هذا، عبر عدد من شخصياته الفاعلة المؤثرة، أمام رؤية حقي السياسية، خصوصية تعبيره عن طبيعة العلاقة بين الشرق والغرب، معالجته غير التقليدية للمحسوبين على رجال الدين من منظور اجتماعي، اقتحامه الجريء لقضايا شائكة معقدة عن وضعية المسيحيين في مصر، ونشاط الدعارة وتجارة الجسد، واتساع الواقع للشخصيات المغامرة ذات الطابع الغرائبي، وانتشار المهمشين القابعين في القاع الطبقي، وهموم المدرسين وعالم التعليم، وصولا إلى نماذج نسائية تعبر عن شرائح دالة لا يكتمل تشكيل خريطة الحياة المصرية بمعزل عن إدراك أهميتها.

يقدم يحيى حقي، مسلحا بالبراعة الفنية والتسامح بلا ضفاف ومخاصمة الإسراف الانفعالي المرذول، شهادات عميقة تستدعي الاهتمام والتأمل، وتبرهن على ما يتمتع به من رؤية ثاقبة وقدرة على التفاعل مع معطيات الحياة المصرية بما يتجاوز الظاهر السطحي المباشر، منتصرا ببساطة وعمق لعظمة الإنسان في توهجه وانكساره على حد سواء.

انتهت مقدمة الكتاب، لنقرأ الفصل الخامس بعنوان "شخصية الخادم":

شخصية الخادم

لعل "قصة في عرضحال"، مجموعة "أم العواجز"، تنهض دليلا ساطعا على أهمية الموقع الذي تحتله شخصية الخادم في عالم يحيى حقي.

ثري الحرب فهمي توكل سعفان، الذي يعبر عن شريحة طبقية تتسلح بمنظومة قيم مغايرة للسائد المألوف قبل اشتعال الحرب العالمية الثانية، يتزوج الراقصة لواحظ، والنتيجة الأولى للزواج وليد الشهوة لا رغبة الاستقرار، تتمثل في فرار خادم فهمي العجوز:"التي لازمتني منذ قدومي إلى القاهرة لتطبخ وتغسل لي".

لا تكشف القصة بشكل صريح مباشر عن أسباب هروب الخادم التي تلازم فهمي لفترة طويلة، لكن المؤشرات تنبىء عن مسئولية الزوجة-الراقصة ذات الشخصية غير السوية التي يمتد ما فيها من خلل واضطراب إلى أسلوب تعاملها مع الخدم، ووفق تعبير الزوج نفسه:"كلفتني -أو أمرتني- لواحظ أن أبحث لها عن غيرها، فجئتها بخادمة لم تكد تراها حتى طردتها وقالت إنها أعلم الناس بسوء أخلاقها (وقد سمعت فيما بعد أنهما متخرجتان من دكان مخدم واحد) وجئت لها بغيرها وغيرها إلى أن دفعت في معلوم المخدم في أيام قلائل ما يزيد على أجر الخادم في سنة كاملة".

تبدأ لواحظ حياتها العملية خادمة مثل اللواتي تتفنن في طردهن والاحتجاج على وجودهن، وكم من راقصة تبدأ على هذا النحو. لا يسهل على الزوجة أن تتخلص من الآثار المصاحبة لماضيها القريب، فهي متشبعة بالذكريات والتجارب المتراكمة التي تفرض عليها إدمان سوء الظن والخضوع لهيمنة الشكوك.

لا تقنع لواحظ وترضى إلا بالخادم نعيمة، والسر كامن في طبيعة الفتاة التي يوحي ظاهرها الشكلي بالبراءة والسذاجة، ما يعني أنها لا تمثل خطرا أو تهديدا:"وهي فتاة منكسرة، لها ضفيرتان طويلتان، نظيفة كأنها خارجة من حمام، مؤدبة كأنما نشأت في بيت عز، فرضيت بها لواحظ ولعلها اطمأنت حين رأت الضفيرتين وعلمت أن نعيمة ليست خادمة مودرن تتزين بالأبيض والأحمر.. ورضيت بنا نعيمة كما رضيت بفراشها في البدروم".

هل يمكن الجزم، على ضوء الظاهر الشكلي السطحي، بأن نعيمة تمثل النمط التقليدي "الآمن" للخادم الوديعة التي لا تمثل خطرا أو تهديدا بالمفهوم الجنسي الذي تتخوف منه لواحظ؟. مثل هذه المراهنة غير دقيقة، ذلك أن الخادم الجديدة سرعان ما تكشف عن وجه مغاير، وتبدي اهتماما طاغيا مريبا بمخدومها، وتقترب بعطفها ومودتها من الحب. عندئذ يشكو فهمي لصديقه الراوي من الهواجس التي تسكنه وتعكر صفو حياته:"وشعرت أن زوجتي بدأت تنظر إلى نعيمة بتلك العين التي خلقها الله لكل امرأة، آه يا صديقي! إنك لا تعلم -كما أعلم أنا- كم من البيوت بدأ خرابها بهذا العطف الذي يتولد بين الزوج المضطهد والخادم الشفوق".

يتفتق ذهن فهمي عن حيلة يتوهم أنها ماكرة ناجعة للحيلولة دون انهيار حياته الزوجية الهشة، فإذا به يستأجر السائق الوسيم الأنيق أنور لتنشغل به نعيمة:"ولكن التي هربت معه لم تكن نعيمة، بل كانت لواحظ زوجتي العزيزة".

تبرهن القصة على أن الاستعانة بخادم فعل عادي مألوف في الحياة الاجتماعية المصرية خلال فترات تاريخية طويلة ممتدة، و"دكان المخدم" يمارس نشاطا ينم عن الشيوع الذي يتبخر في مراحل تالية لأسباب شتى، اقتصادية واجتماعية.

شيوع ظاهرة الاستعانة بالخدم في المنازل علامة دالة على حقبة تاريخية ذات أبعاد ومؤشرات اجتماعية تتراجع تدريجيا وصولا إلى ما يشبه التلاشي والاندثار بحكم التطور والحراك الذي يزلزل منظومة القيم السائدة، وتفضي جملة التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية إلى سيطرة وسيادة منظومة جديدة من الأعراف والقيم. لا شك أن الأغلب الأعم من بيوتات الطبقة الوسطى، في النصف الأول من القرن العشرين، وبعد ذلك بقليل، تعتبر وجود الخادم أمرا عاديا مألوفا لا يثير الدهشة، ولا يُعد من علامات الثراء والتفوق الطبقي.

قصة "النسيان"

الراوي في قصة "النسيان"، مجموعة "الفراش الشاغر"، ليس ثريا، فهو يعيش في بيئة شعبية، ولا شيء من مفردات حياته يكشف عن انتماء طبقي رفيع، لكن وجود الخادم في شقته يبدو أمرا عاديا لا يستدعي الاهتمام:"إذا صرفت الخادم -كالعادة- قبل المساء استطعت أن أعد بنفسي اللبن والشاي".

لا تفاصيل عن المهام اليومية التي يقوم بها الخادم هامشي الوجود، باستثناء إشارة عابرة عند الحديث عن العلاقة مع الجيران الجدد:"استيقظت مبكرا وأعددت فطورا جميلا لاثنين وفاكهة منتقاة.. وأرسلتها مع الخادم على أكبر صينية عندي".

الأصل هو وجود الخادم في بيوت الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة، وغيابه هو الاستثناء اللافت كما يتجلى في حديث الراوي عن جيرانه، الزوجين الشابين:"فليس عندهما خادم".

هل يمتد شيوع واعتيادية الظاهرة إلى القرى؟. الإجابة بالنفي، ذلك أن طبيعة المجتمع الريفي وخصائصه الاقتصادية والثقافية تختلف جذريا عن العاصمة والمدن، ومن هنا يقتصر وجود الخدم على بيوت الصفوة من كبار الملاك والأثرياء، ويتجسد ذلك بوضوح في قصة مبكرة ليحيى حقي:"محمد بك يزور عزبته"، المجموعة نفسها. يقوم الشاب الوارث ابن العاصمة بزيارة قصيرة للعزبة التي تئول ملكيتها إليه بعد وفاة أبيه، ويخصص له الخولي مراد صبيا صغيرا لخدمته. خادم مؤقت تنتهي مهمته سريعا، وفي كلماته وسلوكه ما يقطع بأنه ليس خادما محترفا.

في هذا السياق، يبدو منطقيا أن يمثل وجود خادم بصحبة سليل العائلة العريقة في "صح النوم" حدثا بارزا لافتا يثير الانتباه في القرية التي لا تعرف مثل هذا الترف:"ثم يأتي في أثره أثاث لا بأس به، يدل على سعة العيش، ويأتي معه أيضا خادم أسود، وهو ترف لا تعرفه قريتنا".

الاستعانة بخادم لا تمثل عبئا اقتصاديا باهظا يفوق طاقة الأسر المتوسطة في العاصمة والمدن، والعامل المادي ليس سببا في انصراف التركية العجوز سرنديل هانم عن التفكير في مقاومة الوحدة بخادمة تعينها على مواجهة أعباء الحياة اليومية، ذلك أنها تتخذ موقفا سلبيا من الخدم في قصة "فلة.. مشمش.. لولو"، مجموعة "الفراش الشاغر"، وهو موقف يتوافق مع هوسها المتطرف بالنظافة:"ثم هي تحمل فوق ذلك فكرة سيئة عن الخدم، وتعتقد أنها إذا رضيت واستأجرت خادمة (فلاحة!)، فإنها ستحمل معها من صنوف القذارة ما تضيق به سرنديل هانم ذرعا، وينقلب الحال وتصبح هي التي تسعى وراء خادمتها تنظف ما تتركه وراءها، لا أن الخادمة هي التي تسعى وراءها!".

الضيق بالخادمات، والفلاحات المصريات المتهمات بالقذارة على وجه التحديد، يكشف عن جوانب مهمة في شخصية التركية العجوز المتعالية التي ترى في المصريين جنسا أدنى، فكيف بالفلاحات القابعات في القاع الطبقي السحيق؟!.

القاع الطبقي

في قصة "السلم اللولبي"، مجموعة "عنتر وجولييت"، يحتل الخدم مكانا يليق بدونيتهم المهنية والاجتماعية في القاع الطبقي للمجتمع المصري، مثلهم في ذلك مثل الباعة الجائلين وتجار الروبابيكيا وصبيان البقال والكواء وبائع الثلج. يتمثل المشترك بين هؤلاء جميعا في الحرمان من استخدام المصعد والسلالم العريضة المريحة، فلا سبيل أمامهم إلا الصعود المرهق عبر سلالم الحديد اللولبية المتسلقة -كالطفيليات- جدران العمارات الشاهقة.

السلالم الخلفية بمثابة العالم الهامشي الذي تدل ملامحه على المكانة المتواضعة، وفي هذا العالم يمثل خدم المنازل جزءا مهما من النسيج الذي يضم قطاعا عريضا من المهمشين الذين يقبعون في القاع.

الخدم جزء من منظومة ممتهني الأعمال غير ذات الشأن، الذين يستقرون في القاع الطبقي معرضين للقهر والمعاناة والتمييز الصارخ، وفي قصة "أم العواجز" يبدأ إبراهيم أبو خليل رحلته مع العمل خادما:"واستفتح شقاءه بالخدمة في المنازل". 

البداية المتواضعة تقود إلى سلسلة من الأعمال المتدنية التي تخاصم الاستقرار ولا تحقق الحد الأدنى من الإشباع المادي، فهو بائع جوال ذو بضاعة تافهة، وينتهي به الأمر إلى احتراف الشحاذة التي تمثل امتدادا منطقيا للبداية.

لا يملك الخادم إلا أن يكون تابعا مطيعا خاضعا لمن يعمل في خدمتهم مقابل أجر زهيد، وهو بالضرورة مسلوب الإرادة بلا استقلالية أو قدرة على التحرك حرا منفردا بعيدا عن دائرة سادته، ومن هنا يُضرب به المثل في الخنوع والذل والتبعية المطلقة والطاعة العمياء، وهذا ما تترجمه قصة "امرأة مسكينة"، مجموعة "الفراش الشاغر"، بطريقة غير مباشرة.

لا تخفي فتحية ازدراءها لقريبها عبد الرحيم، الموظف الصغير الذي لا يملك شيئا من الطموح، ويقنع بوضعيته الهامشية المتواضعة في وزارة الأوقاف:"إنه لم يتغير، هو دائما له عقلية الخادم ونفسيته، يحب التمسح وأطراف الموائد، وإن أكل لقمته حامدا شاكرا".

"عقلية الخادم ونفسيته" ترجمة مكثفة دقيقة لمفهوم غياب الطموح والرضا بالحد الأدنى الذي يكفل الاستمرار في الحياة، وثمة ترجمة أخرى تقدمها قصة "البوسطجي"، مجموعة "دماء وطين". يشتد الحصار الخانق حول جميلة، وتشعر بالذعر لأن الحبيب خليل لا يعود لانتشالها من محنة الحمل الذي يوشك أن يُفتضح أمره:"لو جاء! لو جاء وعقد عليها وأخذها معه. بعيدا بعيدا عن هذا الأب وهذا المنزل. لتعش طول عمرها خادمة تمسح حذاءه، ليضربها كل يوم، ليعطها عيشا حافا كالكلاب".

لا تختلف الخادمة التي تمسح الحذاء عن الكلب الذي يتحتم أن يدين بالولاء المطلق لصاحبه، ولا تجد جميلة في دوامة الأزمة الطاحنة التي تتعذب بها وتخاف من تداعياتها الكارثية إلا أن تستعيد الأدنى والأحقر والأقل شأنا: الخادمة والكلب.

في القصة نفسها، تظهر عبارة مهمة تستحق التأمل والاهتمام، تُقال في وصف العمدة والكشف عن خبايا تكوينه النفسي:"رجل خدام حكومة يخلّص نفسه من المسئولية".

الموظف السلبي الخانع فاقد الطموح، والفتاة المذعورة المأزومة المسكونة بالقلق والتوتر، والعمدة الداهية الخبيث الماكر الشرير؛ كلهم يشبهون الخادم مضرب الأمثال في الانسحاق والتبعية المطلقة.

لا غرابة إذن في رضوخ الخدم لسادتهم والتزامهم الصمت بلا ذرة احتجاج أو تذمر حال تعرضهم للأذى والتوبيخ وأشكال القسوة كافة، وفي قصة "عنتر وجولييت" تسرف إجلال هانم في السلوك الحاد مع المحيطين بها في الفيلا، والخدم في طليعة من يكابدون العناء جراء التعرض الدائم العنيف لعصبيتها العدوانية المتطرفة:"لا عجب إن كانت نداءاتها للخدم أشبه بصرخات جوارح الغاب تريد بها أن تشل ضحاياها بإلقاء الرعب في قلوبهم".

الخدم قابعون في القاع مجبرون على الرضا بمصائرهم التعيسة دون تفكير في الاحتجاج أو المقاومة، فهم لا يملكون بديلا ولا قدرة على التسلح بالإرادة الحرة المستقلة. لا مكانة لهم أو مؤهلات تقودهم إلى عمل أفضل مغلّف بالاحترام والتقدير، وفي هذا الإطار يمكن أن يُفهم الاستخدام الدال المكثف في قصة "إفلاس خاطبة"، مجموعة "أم العواجز".

يكشف الموظف الخجول المرتبك عبد العزيز فواز، بطريقة غير مباشرة، عن الوضعية المتدنية للخدم عبر كلمة "حتى" التي ترد بشكل عفوي:"وثقيل على نفسي أن أدخل دارا كل من فيها -حتى الخدم- يعلم أنني جئت خاطبا".

الخدم هم العنصر الأضعف والأقل شأنا، لكنهم بحكم وضعيتهم في أسر المخدومين قد يكونون ذا فائدة تدفع إلى الاقتراب منهم بغية معرفة ما تعز معرفته من الأسرار والخبايا.

في قصة "كنا ثلاثة أيتام"، مجموعة "قنديل أم هاشم"، ينهمك الراوي في مطاردة الجارة التي يحبها ويشتهي الزواج منها، ولا يتورع عن اللجوء إلى كل الوسائل التي تتيح له الاقتراب منها:"حاولت أن أستعين برشوة الخدم فضحكوا مني".

ما الذي يشعر به العاشق عندما يتعرض لإهمال الخدم وسخريتهم وتعاملهم معه بكل هذا القدر من الاستهانة واللا مبالاة؟. الإجابة غائبة في القصة السابقة، لكن بعض السادة العابرين في زياراتهم النفعية للأسر الراقية ذات الشأن يتعاملون مع الخدم، عامدين، بطريقة تكشف عن الرغبة في استغلالهم للإعلان عن رسالة بعينها.

أدهم عثمان الدرندلي في قصة "الوسائط يا أفندم!"، مجموعة "الفراش الشاغر"، يتعمد إظهار التواضع ورقة الحال عندما يزور بعض أصحاب النفوذ والتأثير الذين يستعين بهم كوسائط للظفر بوظيفة مؤقتة، فإذ ينتهي من فنجال القهوة:"يصر أن يتجه بنفسه إلى الخادم ويناوله الفنجال ويشكره بتسليم، ثم يعود إلى مكانه".

التمثيل والادعاء المصنوع مقصود للإعلان الكاذب المفتعل عن التواضع وشدة الاحتياج للوظيفة، وبدهي أن الهدف من سلوكه ليس الخادم الذي يتلقى الشكر، لكنهم السادة الذين يؤمل أن تصلهم الرسالة الكامنة فيسارعون بتقديم الدعم والعون ولا يضنون بالوساطة المأمولة.

الإغراء والسقوط

في قصة "السلم اللولبي"، مجموعة "عنتر وجولييت"، يتوقف يحيى حقي أمام العلاقة الوثيقة الشائعة، في مرحلة تاريخية بعينها، بين الكواء وخادمات البيوت اللاتي يترددن عليه:"لا عجب إن كان دكان المكوجي أحب المنتديات للخادمات الصغيرات، يجدن فيه زواجا حلالا، أو غراما يسلبهن صيغتهن، أو يحرضهن على سرقة أسيادهن، أو يعرفن وحدهن -بعد الهجر- متاعب الحمل والولادة في الحرام".

نتائج وتداعيات شتى للمنتدى الشعبي، تتراوح فيه النهايات بين الزواج، قمة النجاح والتحقق الإيجابي، والحمل غير الشرعي، ذروة الهزيمة والانكسار، مرورا بالحب الخائب أو التورط في كارثة السرقة.

الخادمات، مع التفاوت المنطقي الحتمي في مستوى جمالهن وتوهج أنوثتهن وما يتمتعن به من مؤهلات الإغراء والدلال، عرضة دائمة للتحرش الجنسي، وهدف للمحرضين على السقوط في دائرة السرقة والانحراف، وإذا كانت واحدة منهن تتحول إلى راقصة شهيرة وتتزوج من ثري حرب، لواحظ في قصة "قصة في عرضحال"، مجموعة "أم العواجز"، فإن ابنة خادمة أخرى تتزوج من باشا وتنجب منه في لوحة "شربات!"، مجموعة "عنتر وجولييت".

تكتشف أسرة الباشا الأرستقراطي بعد موته أنه كان متزوجا وأبا لطفل، والجانب الأكبر من غضب الأسرة واستيائها مرده إلى المكانة الطبقية المتدنية للزوجة الثانية:"والمصيبة أنها بنت الخادمة اللوانجية التي كانت تربي جتتها من خيرات مائدتهن.. هذا جنس كالعقرب لا يؤمن جانبه".

ينشأ الباشا الراحل في بيئة أرستقراطية متعنتة متنطعة متعالية، تفرض قواعدها الأخلاقية الصارمة الخانقة، ولا مهرب للطفل القديم إلا في اللجوء إلى المرضعة الشعبية التي تشبع احتياجا يدفعه في مرحلة تالية إلى البحث عن لذته وتحققه في زوجة تنتمي إلى الطبقة نفسها.

يتسع عالم يحيى حقي لعدد غير قليل من الخدم الهامشيين أصحاب الأدوار الثانوية محدودة التأثير في البناء الفني للقصة، فهم يظهرون بشكل عابر غير فعال، ومن ذلك ما نجده في قصة "احتجاج"، مجموعة "أم العواجز".

ينهمك أفراد أسرة الست خيرية في البحث عن عروس مناسبة للأسطى حسن، وتقترح ربة البيت:"أنا حاطة عيني على فردوس خدامة الجيران، أهي بنت يتيمة ومنكسرة ولا تتعبوش، حلوة مش بطالة، سنها صغير صحيح، لكن جسمها فاير، زرع بدري".

لا تخفي خيرية إعجابها بخادمة الجيران، وتبدي حماسا يدفعها إلى القول:"عارفة إنه ح يقبل لما أكلمه أنا عشانها وأمدح له فيها".

وفي قصة "كوكو"، المجموعة نفسها، إشارتان عابرتان إلى الخدم. الأولى بعد عودة الزوجة الغاضبة إلى منزل الزوجية:"وبفضل ثرثرة الخدم علمت طرفا من حياته".

الحديث هنا عن الجار الجديد طاهر، ومعه تطل الإشارة الثانية بعد فرار الببغاء الذي يقتنيه ولجوئه إلى الحديقة:"رآه خادم أحد الجيران فتطوع لاستنقاذه، وأتى "برأس العبد" وحاول أن يلمس بها كوكو فإذا بالببغاء يطير إلى شجرة أبعد".

لا تأثير لهؤلاء الخدم الذين يثرثرون أو يجتهدون لإنقاذ الببغاء الهارب، وتقتصر أدوارهم على المشاركة العامة في تكوين المشهد الذي تنعقد فيه البطولة والأهمية لغيرهم.

ولا يختلف الأمر في قصة "الديك الرومي"، مجموعة "عنتر وجولييت"، وفيها تحدد أم عادل قائمة المدعوين في "الخاتمة العائلية" بمناسبة نجاح الابن الوحيد وحصوله على الشهادة الجامعية، وتجد الخادمة مكانا لها في قائمة المرشحين لتذوق لحم الديك الرومي:"وما يسلمش برضه حته تفضل للبت الخدامة والبواب". 

الخدم في القصص السابقة هامشيون بلا خصوصية أو تأثير، وغاية ما يتحقق من وجودهم الهش هو استكمال اللوحة العامة التي تنعقد فيها البطولة لآخرين، لكن المعالجة تتسم بقدر من الاختلاف في قصة "في السينما"، مجموعة "أم العواجز"، حيث شخصية الخادم الإيطالية أستير، التي تعمل في بيت صديق يقيم عنده الراوي في روما:"تعيش في ظله خادمة إيطالية بدينة اسمها "أستير"، هي التي تفتح الباب وترد على التليفون".

تبدي أستير اهتماما صادقا بالراوي وتتودد إليه، ومجمل سلوكها تجاهه يؤكد كم هي بريئة طيبة القلب:"وتسألني عن صحتي وأخباري قبل أن تنادي سيدها إلى التليفون، وتلقاني على الباب بابتسامة حلوة، وإن أنا انقطعت أفهمتني أنها لاحظت غيابي".

جراء اختلاف اللغة، يبدو منطقيا مبررا أن تجد الإيطالية أستير صعوبة في نطق اسم الراوي، لكن المثير للدهشة واللافت للاهتمام هو نسيان الراوي المزمن لاسمها، على الرغم من سهولته وبساطته:"فما من مرة لقيتها إلا حاولت جهدي أن أحييها باسمها، فلا أفلح، جاهدت كثيرا فلم أوفق، أذكره أحيانا وأظل أكرره لنفسي، وأدقه بمسامير من العزم والإرادة في ذهني، وقد ينطق به لساني وأنا في المصعد، فإذا فتحت الباب طار من عقلي كأنه لم يمر به قط من قبل".

اسم أستير ليس من الغموض والتعقيد بما يستدي الارتباك والنسيان، والاسم البديل الذي يتكرر على لسان الراوي هو سارة، يناديها به دائما:"لم أجد لهذا التلازم تعليلا إلا تشابه الاسمين".

الاشتباك والتداخل بين الاسمين لا يمكن أن يكون مردودا إلى التشابه بينهما وفق التفسير الذي يقدمه الراوي، بل إنه وثيق الصلة بالماضي البعيد الذي يمثل الولع بالسينما ملمحه الأبرز والأهم، وفي وادي الذكريات هذا صدمة الفيلم الديني الممل الذي يحرم عاشق السينما من مشاهدة ما يحب:"إذ رأيت السينما تعلن أنها لمناسبة عيد الفصح قد قررت وقف السلسلة لتعرض بدلها في تلك الليلة وحدها الرواية الدينية الكبرى أستير".

عندئذ تولد كراهية اسم أستير، وتترسب الذكرى في أعماق القلب لا تبرحه. يقترن الاسم بالصدمة التي لا تتبخر بكرور السنين، ما ينعكس على الخادم الإيطالية البدينة الطيبة، فتدفع الثمن!.

في الغرب خادمات مثل الشرق، لكن الاختلاف الحضاري والثقافي ينعكس بالضرورة على المهنة التي تتأثر بالمنظومة الاجتماعية وتعبر عن رؤى مختلفة جراء التباين الشاسع بين العالمين.

الخادمة أم محمد 

الخادمتان "أم محمد" و"بمبة" بمثابة الاستثناء، فهما مؤثرتان يتسم وجودهما بالحضور والجاذبية والأهمية. الأولى تلعب دورا مهما في تشكيل قصة "قنديل أم هاشم"، قبل أن تختفي وتتوارى، أما الثانية فإنها تنفرد بالمشاركة في بطولة قصة "احتجاج"، وتقدم شهادة فنية وموضوعية عميقة متكاملة عن عالم الخدم وما يسيطر عليه من هموم ومعاناة.

الخادمة أم محمد في قصة "قنديل أم هاشم"، تمثل جزءا أصيلا من نسيج أسرة الشيخ رجب وزوجه عديلة. لا تفاصيل عن ملامحها الشكلية وعمرها وتاريخ علاقتها مع الأسرة متوسطة الحال، الأقرب إلى الستر المحفوف بالمخاطر منها إلى الغنى، لكنها تظهر في إطار فكاهي مرح عندما تتولى مهمة توزيع النذر على فقراء حي السيدة زينب بعد نجاح إسماعيل في مرحلة دراسته الأولية:"فهذه الأرغفة تُعد وتُملأ بالفول النابت وتخرج بها أم محمد تحملها في مقطف على رأسها. وما تهل في الميدان حتى تُختطف الأرغفة، ويختفي المقطف، وتطير ملاءتها، وترجع خجلة تتعثر في أذيالها غاضبة ضاحكة من جشع شحاذي السيدة، وتصير حادثتها فكاهة الأسرة بضعة أيام يتندرون بها".

لا تقوى أم محمد، محدودة الحيلة والقوة، على الصمود في مواجهة طوفان الشحاذين النهمين الذين يستوطنون ميدان السيدة زينب، ويحيطون بمسجدها في انتظار المحسنين من أصحاب النذور وموزعي الهبات والعطايا. تخوض معركة خاسرة تفقد فيها المقطف والملاءة، فضلا عن أرغفة الفول النابت، وتتحول هزيمتها هذه إلى مادة أثيرة للدعابة والفكاهة، تتندر بها الأسرة الشعبية البسيطة ولا تجد فيها ما يستدعي الغضب والاستياء. 

لا تحول مكانة الأسرة المتواضعة دون وجود خادم مثل أم محمد، وتستمر المرأة في عملها بعد سفر إسماعيل للدراسة في أوربا، وعند عودته تظهر مجددا في إطار الاحتفال والاحتفاء بالعائد الذي تطول غيبته سبع سنوات:"هذه أم محمد ترتبك كعادتها بين الأطباق والحلل، وهي تزغرد، فيزجرها ويقول لها:

- بس بلاش خوتة يا ولية.. اعقلي".

بالوجود الهامشي المحدود لأم محمد، تكتمل لوحة الأسرة الشعبية المعبرة عن قطاع مهم في خريطة الحياة المصرية مطلع القرن العشرين، حيث طبقات متراكمة من الفقراء الذين يعيلون من هم أكثر فقرا وعوزا، وينخرط الجميع، خدما وأسيادا، في منظومة متجانسة كأنهم أبناء الأسرة الواحدة.

الخادمة بمبة

خادم في الأربعين من عمرها، وعنصر أصيل فاعل من أعضاء أسرة الست خيرية في قصة "احتجاج"، مجموعة "أم العواجز". لا تعرف لها أبا ولا أما، وترثها خيرية فيما ترث عن أمها، وتصاحبها على مدار سنوات رحلة العمر:"أخذتها معها للريف، وكانت بمبة فتاة في سن العاشرة، خفيفة الحركة، سهلة القيادة، حضرت الست خيرية وهي تلد أولادها، هزت لهم المهد، وغسلت قماطهم، وحملتهم على يديها وعلى كتفيها، هي التي تخرج بهم للفسحة وتصب الماء في الحمام على أجسادهم العارية وتحك الظهر والعجيزة، ومر الوقت يجري والشغل لا ينقطع، وأغمضت بمبة عينيها وفتحتهما فإذا الفتاة الصغيرة امرأة في سن الأربعين، مقطوعة النفس، لا تهمد من الصباح للمساء، أمات التعب تفكيرها وحرمها النمو الروحي، فهي جسم صحيح وروح أعلّها الكُساح".

يهرول الزمن فتقفز طفلة الأمس القريب من العاشرة إلى عامها الأربعين، تابعة أمينة مخلصة لسيدتها، متفانية في العمل الشاق والخدمة كأنه لا هدف من وجودها إلا الذوبان في الآخرين بلا خصوصية أو ذرة من الاستقلال والإرادة الحرة. إيقاع حياتها على هذا النحو لا يثير الدهشة والاهتمام كأنه فعل قدري عادي مألوف، ومن البدهي في هذا السياق الآسن الراكد أن تكون خارج التصنيف الجنسي حيث آفاق الزواج وممارسة الحياة السوية كما يفعل الآخرون، ليس لأنها قبيحة الشكل، فما أكثر القبيحات المتزوجات، بل لأنه لا غنى عنها في دائرة العمل، خادمة لا حقوق لها إلا الطعام والشراب والمأوى والانتساب إلى هامش الأسرة.

يزدحم يوم بمبة منذ الاستيقاظ المبكر إلى النوم بسلسلة متصلة من المهام الشاقة المرهقة، فهي لا تتوقف عن الحركة ولا تعرف الراحة:"ألف مرة في اليوم تطلع بمبة السلم وتنزل، بمبة! أفندم! حاضر! بمبة! طيب، أفندم! انزلي! اذهبي! انظري! طول عمرك خيبانة.. من الكبير والصغير، فللكل حق عليها، لو كان عود الكبريت في متناول يد طالبه يناديها لتأتي له به".

ترضى بمبة بحياتها ولا تفكر في حياة بديلة، أو ربما لا تعرف أنه قد توجد حياة بديلة، فهي تقنع بالعيش الآمن في ظل سيدتها. يحبها أفراد الأسرة بقدر ما يرهقونها ويعابثونها، وتكن مودة خاصة للابن الأكبر محمود، وتتقبل دعاباته الثقيلة بلا غضب أو تذمر:"ترمقه دائما بنظرات مملوءة محبة صادرة من القلب، لو تأخر في العشاء أبقت له خير ما في الحلة من لحم، ألأنه هو الابن الأكبر الوحيد؟ أليس هو سيد البيت؟ أم لأن البنات يلازمنها في خدمة الدار وينهرنها ويتستتن عليها ولا تسلم طول النهار من لدغات لسانهن وشتائمهن مهما فعلت وقطعت نفسها أربع قطع".

لا تخلو مشاعرها الكامنة تجاه محمود من مشاعر عاطفية جنسية مستورة، وترحب بمداعباته الغليظة التي يغلب عليها الطابع الفكاهي، ولا جديد في حياتها إلا مع ظهور الشاب حسن، الأسطى المنجد الذي يستأجر الدكان أسفل البيت. تبدي اهتماما به، وتقترب من عالمه، وتقترح عليه أن يعطيها ملابسه لتغسلها له:"تغسل له كل أسبوعين جلبابه وقميصه وسرواله، وألفت بمبة عرق الأسطى حسن وأصبحت تميزه عن عرق أهل البيت، تناوله في الصباح التالي ثيابه مطبقة نظيفة فيأخذها ويقول لها:

- يا سلام يا ست بمبة، قليل زيك في الدنيا، من إيدين ما أعدمهاش أبدا".

يشكو لها صعوبة ومشقة حياة الوحدة، كأنه ينفس عن ضيقه مع مستمعة جيدة الإصغاء، وتنقل بمبة ما تسمعه من الشكاوى إلى سيدتها خيرية فيكون تعليقها:"أحسن له يجوز.. يا ريت يشوف له واحدة بنت حلال تصون له نعمته".

ما تقترحه خيرية أقرب إلى الرأي العفوي العابر، ولا شك أنها لا تفكر في بمبة كعروس محتملة للشاب الذي يصغرها كثيرا، لكن الخادم الأربعينية الطيبة الساذجة ترى المشهد من منظور مختلف، يغذيه الشعور المزمن بالحرمان، وإذ تلهو مع حسن ويتبادلان رش الماء في عبث بريء، تقول له:

"- رش المية عداوة.

- لا أبدا، هو فيه أعز عندي منك، دنتي ضفرك عندي بالدنيا يا ست بمبة!

وأخذت بمبة تعيد لف الطرحة بيديها، وعادت لذهنها كلمة سمعتها من قبل عشرة أيام كانت قد نسيتها فإذا هي الآن تملأ رأسها: يا ريت يشوف له واحدة بنت حلال تصون له نعمته". تنبىء المعطيات جميعا عن استحالة تحقيق حلم الزواج الوردي الذي تراوده بمبة وتتعلق به، وعندما ينهمك أفراد الأسرة في ترشيح عروس مناسبة لمستأجر دكانهم، يبدو منطقيا ألا يفكر أحدهم في بمبة، وإذا بها تنفجر في ثورة غير متوقعة:

"- يا ست مفيش نصفة؟

- جرى إيه يا بمبة؟

- ليه كده؟ بعد تعبي عليه وشقايا فيه وصبري..

انقطع نفسها ولم تستطع أن تتم جملتها.

- جرى إيه يا بمبة؟

- اتكلمي! بسم الله الرحمن الرحيم. قولي!

- يعني إيه تاخدوا الجدع من إيدي؟! 

تكشف ردود الفعل على احتجاجها غير المتوقع عن وقع المفاجأة التي لا تخطر ببال واحد من أفراد الأسرة، وإذا كانت السخرية اللاذعة هي المشترك الرئيس بين المعلقين على كلمات بمبة الغرائبية، فإن ما تقوله خيرية هو الأكثر دقة في التقييم الموضوعي لموقف بمبة المثير للدهشة والاستنكار:"ده العقل جوهرة، ربنا ما يحرمكيش منه، انتِ يا بنتي اتجننتي، سلامة عقلك!".

احتجاج تنفيسي استثنائي عابر للخادم التي لا تعرف الثورة والتمرد من قبل، وعودة سريعة مبررة إلى الرضوخ والرضا بالإيقاع المألوف الذي يتحتم استمراره لأنه لا بديل له ولا مهرب منه: "وجلست وحشت فمها بلقمة كبيرة وبدأت تمضغ وتبلع".

****

في سيرته الذاتية "خليها على الله"، يتوقف حقي أمام ما يسميه بالروح الديمقراطية الشعبية لأسرته، وليس أدل على ذلك عنده من أسلوب تعاملها مع الخدم:"فما دخل بيتنا خادم إلا خالطنا مخالطة الأهل".

ينتمي حقي إلى الطبقة الوسطى الصغيرة، وأسرته بعيدة عن الثراء قدر ابتعادها عن الفقر، ومثل آلاف الأسر المشابهة في العقود الأولى من القرن العشرين، لا يمثل وجود الخادم أمرا استثنائيا غير معهود، أما عن أسلوب التعامل مع الخدم، حيث الرقة واللين والاندماج بلا غطرسة متعالية، فإنه السائد أيضا في الأغلب الأعم من الأسر المصرية.

الزمن وما يصاحبه من تطور هو الكفيل بتراجع شيوع واعتيادية ظاهرة الخدم وتحولها إلى ما يشبه الذكرى التي لا يبقى منها إلا القليل، والأمر مردود إلى التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويعبر القزم في "صح النوم" عن التحول الكبير في إيجاز مكثف:"لقد طردنا الخادم وأصبحت زوجي هي التي تطبخ وتغسل وتكنس".

للعهد الجديد منظومة قيم مختلفة تناسب المرحلة ذات الشعارات والممارسات منقطعة الصلة بما كان سائدا، ولا متسع عندئذ لاستمرار ثنائية السيد والخادم.

مقالات مشابهة

  • تعرف على إيرادات فيلم "الهنا اللي أنا فيه"
  • إجمالي إيرادات فيلم الدشاش بآخر ليلة عرض
  • أنشودة البساطة.. "البوابة" تنشر فصلا من كتاب "المسكوت عنه فى عالم يحيى حقي" للأديب مصطفى بيومي
  • أنشودة البساطة.. مصطفى بيومي يبحر فى عالم رائد القصة القصيرة يحيى حقي
  • فيلم الدشاش لـ محمد سعد .. إيرادات عالية في ثاني أيام العرض
  • حبس مندوب مبيعات بالشرقية لاتهامه بالاتجار في الألعاب النارية
  • في أول أيام عرضه.. تعرف على إيرادات فيلم "المستريحة" لـ ليلى علوي
  • “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” يحقق إيرادات مميزة في دور العرض
  • مبيعات تسلا السنوية تتراجع مع انخفاض الطلب وحدة المنافسة
  • 321 الف جنية إيرادات المستريحة فى أول أيام العرض