مات النظام العربي القديم، وكل الدول العربية، سواء المزدهرة أو المكافحة أو الفائلة، بحاجة إلى نهج شامل للإصلاح على مستويات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإلا ستواجه مستقبلا قاتما.

ذلك ما خلص إليه مروان المعشر، في تحليل بمؤسسة "كارنيجي" البحثية في واشنطن (Carnegie) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفا أن "جائحة كورونا في عام 2020 والحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في فبراير/ شباط 2022، أدتا إلى تعميق الأزمات الاقتصادية التي كانت العديد من الدول في العالم العربي تواجهها بالفعل، بينما ساعدت الآخرين، خاصة في منطقة الخليج العربي".

وتابع: "واليوم، يتعين على البلدان المستوردة للنفط والغاز أن تتعامل مع زيادات غير مسبوقة في أسعار الغذاء والطاقة، فضلا عن ارتفاع مستويات البطالة والديون والتضخم، وفي المقابل، تتمتع البلدان المصدرة للمواد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي) بفوائض نتيجة لارتفاع أسعار النفط والغاز، حتى ولو بشكل مؤقت".

وأضاف أن "الصدمات السياسية والاقتصادية المتعاقبة في السنوات الثلاث عشرة الماضية منذ بداية الانتفاضات العربية، تشير إلى أن الأنظمة السياسية والاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة لم تعد قابلة للحياة".

و"أشارت الانتفاضات التي اندلعت في مختلف أنحاء المنطقة إلى أن النظام السياسي العربي القديم، القائم على الاستبداد، كان موضع معارضة جدية. لكن قصور الأنظمة السياسية والاقتصادية العربية ظهر أيضا في عدم قدرتها على التعامل مع الصدمات المتعاقبة، مثل أزمة الغذاء في 2007 و2008 وما بعدها، وانخفاض أسعار النفط في 2014، والذي أشار إلى هشاشة النظام الاقتصادي العربي القديم القائم على الأنظمة الريعية"، بحسب المعشر.

وزاد بأنه "حتى وقت قريب، كان معظم الدول العربية، سواء تلك التي أنتجت الهيدروكربونات أو تلك التي استوردتها، تستخدم أداتين رئيسيتين للحفاظ على السلام الاجتماعي، وهما قوات الأمن والموارد المالية التي أصبحت ممكنة بفضل النفط والغاز".

واستطرد: "واليوم، تم استنفاد هاتين الأداتين بشكل خطير. وإدراك هذه الحقيقة، فضلا عن الإرادة السياسية لاستخدام أدوات جديدة وفعالة للحفاظ على السلام الاجتماعي، سيحدد إلى حد كبير مستقبل بلدان المنطقة".

اقرأ أيضاً

النظام العربي ميؤوس منه وإصلاحه خارج التغطية

3 مجموعات

ويمكن تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات، الأولى هي الدول التي ازدهرت، وهذه هي بشكل رئيسي الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج، كما أضاف المعشر.

وتابع أن المجموعة الثانية تتكون من الدول الفقيرة بالهيدروكربونات والغنية بالعمالة، وهؤلاء هم مستوردو النفط أو الغاز الذين استفادوا من التحويلات المالية من عمالهم المقيمين في الخليج.

وأردف أن "هذه البلدان استخدمت عائدات النفط في شكل منح من دول الخليج وتحويلات مالية واستثمارات من مستثمرين أو كيانات خليجية للعيش بما يتجاوز إمكانياتها".

وأوضح أنه "من الأمثلة على هذه البلدان مصر والأردن وتونس والمغرب. وشهدت جميعها انتفاضات كبرى أدت إلى تغييرات في القيادة في مصر وتونس، فيما نجا زعماء الأردن والمغرب؛ لأن النظام الملكي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في البلدين".

أما المجموعة الثالثة من الدول العربية، "فهي الدول الفاشلة، مثل لبنان وليبيا وسوريا والسودان واليمن"، كما أردف المعشر.

وقال إن "جميع هذه الدول لديها مجتمعات متنوعة عرقيا ودينيا، ولكن بدلا من إدراك أن التنوع مصدر قوة، وهو ما ينبغي أن يؤدي إلى تبادل صحي للأفكار وانفتاح العقول، فقد سمحت هذه الدول للتنوع بتقسيم مجتمعاتها، حيث تتقاتل المجتمعات المختلفة أو تتعارض مع بعضها البعض".

اقرأ أيضاً

التوحيد والإصلاح المغربية: اغتيال خاشقجي فرصة لأنسنة دور الإصلاحيين العرب

إصلاح شامل

المعشر قال إن "القاسم المشترك بين المجموعات الثلاث هو  أن التدابير التدريجية لم تعد ناجحة، إذ يتعين عليها أن تتبنى نهجا شاملا قائما على إدراك أن الإصلاح الهادف يجب أن يعالج التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

وشدد على أنه "يتعين على الدول أيضا أن تتبنى إطارا سياسيا جديدا يُنظر فيه إلى المواطنين باعتبارهم موارد، وليس تهديدا، ويُعاملون كجزء متساوٍ وضروري من عملية صنع القرار".

وتابع أن "هذا النهج يجب أن يعترف أيضا بأهمية الاستدامة البيئية والتنمية البشرية، فالبلدان الغنية بالموارد تشتري لنفسها الوقت بإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية خالية من أي إشراك حقيقي للمواطنين في اتخاذ القرارات".

كما "تنخرط البلدان المستوردة للنفط والغاز في إصلاحات لا تعالج إلا جوانب محدودة من مشاكلها، وهي غير كافية للتعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية المتعاقبة، أما الدول الفاشلة فتنتظر معجزة من المجتمع الدولي لإنقاذها، ولكنها غير راغبة في إنقاذ نفسها"، كما أردف المعشر.

ومضى قائلا إن "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمر اليوم بفترة صعبة بالنسبة لمعظم البلدان، وليس من المستحيل إخراجها من مأزقها الحالي".

وشدد على أن "هذا يتطلب عقلية مختلفة تماما عن تلك السائدة اليوم ونهجا شموليا للتنمية. ولم يعد من الممكن تجنب ذلك، إن أمكن، خاصة في البلدان التي تفتقر إلى الموارد المالية".

اقرأ أيضاً

دعوات لإصلاحات دستورية حقيقية في العالم العربي

المصدر | مروان المعشر/ كارنيجي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الدول العربية النظام العربي إصلاح النفط دولة فاشلة السیاسیة والاقتصادیة الدول العربیة

إقرأ أيضاً:

وقفة لأهالي مدينة دوما في الذكرى السابعة لمجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام البائد

ريف دمشق-سانا

في الذكرى السابعة لمجزرة الكيماوي في مدينة دوما، والتي ارتكبتها قوات النظام البائد، وراح ضحيتها 43 مدنياً، بينهم عدد من الأطفال والنساء، احتشد الآلاف من أهالي المدينة إضافة لشخصيات حقوقية وإعلامية سورية، إحياء لذكرى هذه الجريمة، وذكرى ضحاياها.

الوقفة التي جرت في ساحة الشهداء بدوما بالقرب من النقطة الطبية للهلال الأحمر في مبنى الزراعة، والتي طالتها عمليات القصف، رفع خلالها المشاركون لافتات تطالب بمحاكمة رئيس النظام البائد على ارتكاب هذه المجزرة، وتؤكد أن أجهزة أمن ذلك النظام قامت بحرق وإخفاء جثث الضحايا، في محاولة منها لطمس معالم الجريمة.

المشاركون في الوقفة الذين احتشدوا أمام لوحة فنية تعبيرية شارك فيها أطفال تجسد سقوط البراميل المحملة بالغازات الكيماوية على المدينة، رفعوا أيضاً صوراً لضحايا المجزرة، كما رفع عناصر شعبة الهلال الأحمر صوراً توثق لآثار القصف التي طالت سيارات إسعاف الهلال حتى تمنعها من إسعاف المصابين وقتها.

وزير الطوارئ والكوارث رائد الصالح الذي شارك في الوقفة أكد خلال تصريح للصحفيين أن السعي لن يتوقف لمحاسبة ومحاكمة الرئيس المخلوع، وكل المتورطين في ارتكاب هذه المجازر أمام المحاكم الدولية، مشيراً إلى أن الحكومة بأجهزتها كافة تضع نفسها في بوتقة واحدة مع الشعب السوري لتجاوز هذه المرحلة الصعبة وإعادة بناء سوريا من جديد.

وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) أثبتت من خلال تقرير فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT)، الذي صدر في الـ 27 من كانون الثاني من سنة 2023، أن النظام البائد مسؤول بشكل مباشر عن تنفيذ الهجوم الكيميائي باستخدام غاز الكلورين السام على مدينة دوما، في الـ 7 من نيسان عام 2018، والذي أدى إلى مقتل 43 مدنياً، بينهم 10 أطفال و15 امرأة.

مقالات مشابهة

  • وقفة لأهالي مدينة دوما في الذكرى السابعة لمجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام البائد
  • السوداني يعلن إطلاق مشاريع لإصلاح النظام المصرفي الحكومي ورفع قدراته
  • "الأونكتاد": استخدام التعريفات الجمركية كأداة للضغط السياسي ستكون له عواقب وخيمة
  • "التعريفات الجمركية".. سقوط العولمة أم تدشين نظام عالمي جديد بمعطيات مختلفة
  • أسعار الذهب في البلدان العربية
  • البلدان الفقيرة والناشئة.. الخاسر الأكبر من ارتفاع الرسوم الجمركية.. واشنطن تسعى لابتزاز الدول.. وتستخدم الكثير من وسائل الضغط الدبلوماسية والاقتصادية
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • رئيس سابق للاستخبارات البريطانية: بوتين يهدد أوروبا ولندن بحاجة للاستعداد للحرب
  • اليماحي: البرلمان العربي ملتزم بدعم القضايا العربية وعلى رأسها فلسطين
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن