هل يشرع الخروج من المسجد بعد الأذان لعذر؟ سؤال يكثر البحث عنه من خلال محركات البحث المختلفة، حيث يقول سائل: هل يجوز لي أن أخرج من المسجد بعد الأذان لعذر قهري؟

الخروج من المسجد بعد الأذان

وقالت دار الإفتاء، في بيان حكم الخروج من المسجد بعد الأذان لعذر: إذا بادر المسلم إلى المسجد لأداء الصلاة؛ امتثالًا للأمر ورجاءً في الفضل، فلا ينبغي له أن يخرج منه بعد الأذان وقبل الشروع في الإقامة؛ لما ثبت عن أبي الشعثاء رضي الله عنه أنه قال: "كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة رضي الله عنه، فأذَّن المؤذِّن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتَّى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: "أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ" رواه مسلم في "صحيحه".

وأخرجه الإمام الترمذي في "السنن" عن أبي الشعثاء رضي الله عنه بلفظ: "خرج رجل مِن المسجد بعد ما أذن فيه بالعصر"، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم"، وقال عَقِبه: [وعلى هذا العمل عند أهل العلم مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومَن بعدهم: ألَّا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان، إلَّا من عذر: أن يكون على غير وضوءٍ، أو أمرٍ لا بد منه. ويروى عن إبراهيم النخعي، أنه قال: "يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة"، وهذا عندنا لمَن له عذرٌ في الخروج منه] اهـ.

وفي رواية شريك عن المسعودي رضي الله عنه، ثم قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ»" أخرجها الإمام أحمد في "مسنده".

قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (24/ 213، ط. أوقاف المغرب): [أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يُصَلِّ وكان على طهارة، وكذلك إذا كان قد صلَّى وحده إلَّا لما لا يعاد من الصلوات.. فلا يحلُّ له الخروج من المسجد بإجماع إلَّا أن يخرج للوضوء وينوي الرجوع] اهـ.

وقال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/ 518، ط. دار الكتب العلمية): [والحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد ما أُذِّنَ فيه؛ لكنه مخصوص بمن ليس له ضرورة؛ يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وقد أُقِيمَتِ الصلاة وَعُدِّلَتِ الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يُكَبِّرَ انصرف قال: (على مكانكم)؛ فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً وقد اغتسل. رواه البخاري وغيره. فهذا الحديث يدل على أن حديث الباب مخصوص بمن ليس له ضرورة؛ فيلتحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم، وكذا مَن يكون إمامًا لمسجد آخر ومَن في معناه] اهـ. 

كلمات أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع الأذان حكم الصلاة فور بدء الأذان وهل تجوز بدون إقامة.. الإفتاء تجيب آراء الفقهاء في حكم الخروج من المسجد بعد الأذان من دون عذر

فيما بينت الإفتاء أنه إن لم يكن هناك ثمة ضرورة للخروج من المسجد بعد الأذان فقد اختلف الفقهاء في حكم الخروج من المسجد حينئذٍ، هل هو للتحريم أو الكراهة؟ ومبنى خلافهم هو حقيقة النهي الوارد في الأحاديث السابقة.

فذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، وبعض الحنابلة إلى كراهة الخروج من المسجد في غير الحالات والأعذار المسموح بها شرعًا؛ وهو ما ذهب إليه الحنفية غير أنهم رفعوا درجة الكراهة حيث جعلوها كراهة تحريمية، إلَّا إذا كان الخروج لعذرٍ أو حاجةٍ، وأن عندهم -أي: الحنفية- لا يكره الخروج بعد الأذان لمَن كان صلَّى وحده في جميع الصلوات إلا في الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشروع في الإقامة فقط لا قبله.

قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (2/ 54-55، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين"): [(وكره) تحريمًا للنهي (خروج مَن لم يُصَلِّ من مسجد أُذِّنَ فيه) جرى على الغالب، والمراد دخول الوقت أُذِّنَ فيه أو لا (إلا لمَن ينتظم به أمرُ جماعةٍ أخرى) أو كان الخروج لمسجدِ حيِّه ولم يُصَلُّوا فيه، أو لأستاذه لدرسه، أو لسماعِ الوعظ، أو لحاجةٍ، ومَن عزمه أن يعود. "نهر" (و) إلَّا (لمَن صلى الظهر والعشاء) وحده (مرة) فلا يكره خروجه؛ بل تركه للجماعة (إلَّا عند) الشروع في (الإقامة) فيكره لمخالفته الجماعة بلا عذرٍ؛ بل يقتدي متنفلًا لما مر (و) إلا (لمَن صلى الفجر والعصر والمغرب مرة) فيخرج مطلقًا (وإن أقيمت) لكراهة النفل بعد الأوليين، وفي المغرب أحد المحظورين البتيراء أو مخالفة الإمام بالإتمام] اهـ، و"البتيراء": الركعة الواحدة.

قال العلامة ابن عابدين محشِّيًا عليه: [والحاصل أنه لا يكره الخروج بعد الأذان لمَن كان صلى وحده في جميع الصلوات إلَّا في الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشروع في الإقامة فقط لا قبله. تنبيه: المراد بالإقامة هنا شروع المؤذن في الإقامة كما في "الهداية" لا بمعنى الشروع في الصلاة] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء الأذان صلى الله علیه رضی الله عنه فی الإقامة الشروع فی ى الله ع

إقرأ أيضاً:

الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية يلقى خطبة الجمعة من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت

ألقى الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم بعنوان: "أنت عند الله غال" من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت بجمهورية داغستان، في ضوء خطة وزارة الأوقاف وجهود الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف في مد جسور التعاون، وعلى هامش مشاركته في فعاليات المؤتمر والمنتدى الدولي العلمي بعنوان: "آليات تعزيز التعاون الدولي للحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية التقليدية وتعزيزها"، الذي يُعقد في مدينة محاج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان الروسية، في الفترة من 20 إلى 23 نوفمبر 2024.


وجاء هذا نص خطبته  كالآتي: 


الجمع الكريم : ما وقفت في هذا المكان المبارك إلا محملا برسالة مباركة من السيد صاحب المعالي أ.د / أسامة الأزهري وزير الأوقاف المصري تحوي في مبناها ومعناها قبسات من التكريم الأزلي للإنسان وأبجديات بنائه، تتوجه إليه في خطابها وندائها وعرفها وشذاها أيها الإنسان : ( أنتَ غال عند الله ) وهي عبارة نسجت خيوطها من إشراقات النور التي لا تُحدُّ بزمان، ولا تنتهى بمكان، ولا تََختصُّ بإنسان، وإنما قوام الحال إطلاق الخطاب ليتعلق بكينونات دين الله، وجوهر التشريع من خلال سمو العلاقة بين خالق ومخلوق، ورب ومربوب، وعابد ومعبود.


إن الإنسان إذا تنكر لمقتضيات الربوبية والألوهية حينًا من الدهر فهذا لا يُخرِجُه من كونه غال عند ربه وخالقه، هذا حديث النفس لمطلق النفس، لأجلها هبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- واقفا حينما انتقلت إلى خالقها وباريها، وعندما سُئل -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك أحال إلى الإنسان مطلق الإنسان وكفى من الإنسانية معانى التكريم في مفاهيم دلالاتها: 


( أليست نفسًا ).. هذه ليست أيدولوجية قاصرةً وإنما مطلقيةٌ معبرة، ولعل المرجعيةَ هنا تكمنُ في أمرين :
الأول : قضية الاستخلاف والنيابة عن الله (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
الثاني : مطلوب الحق من الخلق، وهو: عمارة الكون والحياة.(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)


أما الاستخلافُ فهو لإنسان غالٍ عند الله له قدمُ صدق عند خالقه ومولاه، خلقه بيده ثم نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وألهمه رشده في حواريةٍ عجيبةٍ انتهت بأن ألقت الملائكةُ زمامَ العلم والعرفان في بحار التسليم: ( سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).


من أجل هذا كانت نوعيةُ التكريم بمفرداته وتفرداته: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، واختصاصُ التقويم: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) لتنتقل سامقُ المنزلة من معقولات المعاني إلى تمثلات السلوك مشاهدة وعيانا، والذي بموجبه كان خليفةُ الله في كونه، منشغلًا برسالته الأزلية عمارة الكون والحياة، ولأجل أنه غالٍ في مطلق إنسانيته كانت عمومية الخطاب: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ؛ التأصيل لوحدة النشأة والتكوين: (خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى )؛ ولأنه غالٍ عند الله كان التنوعُ في الملكات والمواهب تكاملًا لا تناقضًا :(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)،ولكي لا يُنتقص ممن استخلفه اللهُ في كونه لعمارته كانت العنديةُ الإلهيةُ في الأحكام لا تنصرف إلا لله : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) وما قصر العندية في الآية إلا لتحقق الصفاتٍ التي لا تليق إلا بجلاله وجماله فهو سبحانه العليم الخبير .. من أجل ذلك ليس للإنسان في خطاب العقول إلا التذكير والبلاغ : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وإن قد تعلقَ الأمر يوما بأهداب قدرياتٍ في الخلقة تتقاصرُ دونها الإرادات، فليتساءل الإنسانُ بينه وبين نفسه: أتعيبُ الصنعة ؟ أم تعيبُ الصانع ؟! ومن ثم يكون الكمال الذي لا نقصان فيه:" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون".


فلنتذكر تكريم الله لأفضل الخلق لديه.. الإنسان ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )..تكريم لكل إنسان؛ فلا تخصيص ببقعة بعينها، أو جنس بعينه، أو طائفة بعينها.


وإنما سلام ؛ يحوى التعارف بين البشرية جمعاء، سلام أخبر به عن صحيح ديني تحمله نسائم الرحمة والإحسان من أرض الكنانة والمكانة إلى أرض داغستان، وأهتف مفاخرا به في أرض الله أنْ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) نداءً كونيًّا يمتد إلى الطبيعة في شتى مجاليها؛ لأنها في مفهوم أهل الله كائنٌ له من حقيقة التسبيح ما يجعله ينتظم في سلك الأحياء، فما من شيء إلا يسبح بحمده، دالٌ بالحال والمقال على لمن خلقه وسواه، بيدَ أنَّ تنوعَ الأجناسِ يُورِثُ العجزَ في فقه التسبيحِ مع وجودِ حقيقته(وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).. أنت عند الله غالٍ نداءٌ للمحبة والتعارف يسري عبر الزمان من القاهرة إلى داغستان، يُحلِّقُ في سماءِ الإنسانيةِ بحديثٍ عن إنسانٍ هو مطلقُ الإنسان.. صُنعَ على عين الله في جوهر تكوينه.. فهو بنيانُ الله وملعون من هدم بنيان الله؛ ولأنه غال عند الله حمى عقله وحفظ عرضه وصان ماله وحفظ حياته، ومن قبلُ حفظ دينَهُ في أصل الاعتقاد؛ :( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ومن بعدِ الاعتقادِ الذى يخلوا من شوائب الجبر والإكراه أصبحَ كل عابد لله في خندقٍ واحدٍ لمواجهةِ الإلحاد.

مقالات مشابهة

  • الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية يلقى خطبة الجمعة من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت
  • ين عام "الأعلى للشئون الإسلامية" يلقى خطبة الجمعة من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت
  • خطيب المسجد النبوي: الابتلاء سنة الحياة ليختبر الله الصبر ويزيد اليقين عند الإنسان
  • خطبة الجمعة من المسجد النبوي: الإيمان العميق وحسن الظن بالله هما سر ثبات الأمة في أقسى الأزمات
  • خطيب المسجد النبوي: الإيمان وحسن الظن بالله هما السر الكامن في ثبات الأمة وقت الأزمات
  • مذاهب الفقهاء في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة بالبلدة الواحدة
  • علي جمعة: يجوز قراءة القرآن الكريم في المساجد يوم الجمعة قبل الأذان
  • الرئيس السيسي: نحرص على سماع آراء ووجهات نظر الرُتب المتوسطة بالقوات المسلحة
  • حزب الله: المقاومة هي الخيار الوحيد لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على الخروج
  • أذكار المساء كاملة مكتوبة.. رددها للوقاية والحفظ من كل مكروه